في وقت رددت فيه منصات التواصل الاجتماعي الموالية لتنظيم الإخوان أحاديث عن غزو أجنبي يتعرض له السودان، قطع نائب القائد العام للقوات المسلحة السودانية الفريق أول شمس الدين كباشي الطريق أمام شائعات لاقت رواجاً كثيفاً وسط الرأي العام المحلي والخارجي معلنة وفاته.
ولدى ظهوره في مقطع (فيديو) في التاسع من يونيو الجاري وسط أنصاره من الجنود بالقيادة العامة للجيش، وجه الكباشي عدداً من الرسائل لـ (قوات الدعم السريع)، مكررا حديث منصات الاخوان قائلا: "إن السودان يواجه غزواً أجنبياً ومرتزقة أتى بهم المتمردون من خارج البلاد.
قال كباشي، إن قائد الجيش عبدالفتاح البرهان "يقود المعركة" مع قوات الدعم السريع، نافيا وجود أي انقسام بالجيش، مضيفا: "قواتكم المسلحة متماسكة في كل مكان وعليكم عدم الاستماع للشائعات بأن الجيش اجتمع لعزل القائد العام، فهو الذي يدير المعركة مع هيئة القيادة".
نفى كباشي في حديثه شائعات أُخرى حول "تصفية قيادات وأن الجيش منقسم على نفسه"، قائلا "الشائعات باعتقال قائد وتعرض آخر للتصفية وأن الجيش منقسم على نفسه، تعبير عن الانهزام"، مدعيا أن قوات الدعم السريع تشهد عملية "هروب يومي من العاصمة الخرطوم محملة بالمسروقات".
تزامنت تصريحات الكباشي مع ظهور أحد قيادات المعارضة التشادية (حسين الأمين) وهو يقاتل في صفوف قوات الدعم السريع بمعركة اليرموك جنوب الخرطوم دون أن يخفي نفسه، بل سجل مقطعاً تحدث فيه عن انتصار قوات الدعم السريع، ورأى مراقبون أن الكباشي نجح في تسديد رمية قوية معززاً تبريرات الجيش بمواصلة الحرب كونه يواجه مؤامرة دولية، تمثل فيها قوات الدعم السريع مجرد أداة.
تحركات مقلقة لقوات الحلو
في المقابل وفي تطور جديد ينذر بتوسع رقعة القتال، إنتقل التوتر إلى ولاية جنوب كردفان، حيث حيث إحتلت قوات الحركة الشعبية لتحرير السودان- شمال بقيادة عبدالعزيز الحلو الأربعاء الماضي 7 يونيو، أربعة مواقع كان يسيطر عليها الجيش، هذا بالرغم من اتفاق وقف النار الذي يشمل المنطقة والذي ظل يُجدد منذ 8 سنوات بين الحكومة والحركة الشعبية.
وبحسب شهود عيان حركت الحركة الشعبية بقيادة الحلو قوات من منطقة البرام بولاية جنوب كردفان على نحو 40 كيلومتراً من عاصمة الولاية كادوقلي، وهاجمت الجيش في 4 مناطق وهي دلوكا وكلولو والإحيمر وأم شعران ، واستولت قوات الحركة الشعبية على معدات عسكرية وأسرت أفراداً من الجيش.
علاقة وملف
تعتبر ولاية جنوب كردفان منطقة ذات أهمية للفريق كباشي حيث تقع فيها منطقة (غنجر) بمحلية الدلنج التي شهدت مسقط رأسه في العام 1961، وكذلك هي المنطقة التي بات يستمد منها نفوذه بحكم تكليفه بالاشراف على ولايات كردفان من قبل مجلس السيادة فضلاً عن التأييد الذي يحظى به من بعض أبناء عشيرته (النوبة) الذين يقطنون بالولاية وبقية ولايات السودان.
وقبيل اندلاع الحرب في فبراير الماضي زار كباشي جنوب كردفان ومكث فيها أسبوعاً كاملاً ومنها وجه رسائل شديدة اللهجة لقوات الدعم السريع قال فيها إن "الحل الجذري لقضية الأمن في البلاد، يتمثل في تكوين جيش واحد عبر دمج قوات الدعم السريع في القوات المسلحة وتنفيذ الترتيبات الأمنية" ، كما دعا إلى عدم الالتفات للأحاديث عن تفكيك وهيكلة وإصلاح الجيش، مؤكداً بأن القوات المسلحة باقية.
ويرى مراقبون أن تقدم الحلو على صعيد العمليات العسكرية يقلل من نفوذ الكباشي ويضعفه كثيراً خاصة وأن قوات الجيش الشعبي قادرة على تحقيق انتصارات على الجيش الذي ينشغل بالحرب في الخرطوم، كما يصعب تحريك آليات الجيش الثقيلة في جنوب كردفان في الفترة الحالية وذلك لحلول فصل الخريف، في وقت تستطيع فيه قوات الجيش الشعبي التحرك بسلاسة في المنطقة .
رسالة الكباشي
الرسالة البالغة الأهمية التي أدلى بها الكباشي خلال ظهوره هي أن القائد العام للقوات المسلحة ورئيس المجلس السيادي الفريق أول عبدالفتاح البرهان يدير العمليات العسكرية قاطعاً بعدم وقوع أي خلافات داخل أروقة القيادة كما يشاع ومؤكداً بأن الجيش متماسك وقادر على حسم المعركة.
رسالة الكباشي تأتي في ظل إرتفاع لعقيرة مظان وإتهامات بأن ثمة خلافات تدب داخل كابينة القيادة، وأن البرهان بات متململاً من التدخلات السافرة لتنظيم الإخوان في الجيش وإتخاذه قرارات بإسمه قد تهوي بالبلاد إلى درك سحيق، فيما يعتبر الكباشي هو الرجل الأول للإسلاميين داخل الجيش. وفي أغسطس من العام 2020 أثارت تصريحات منسوبة له بصحيفة (اليوم التالي) ردود فعل متباينة على مواقع التواصل في السودان بعد أن أعلن رفضه لعلمانية الدولة.
كان الكباشي وقتها أكد رفضه لتوقيع رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك اتفاق مبادئ مع الحلو، ينص على علمانية الدولة. وقتها قال الكباشي في تصريحات لصحيفة اليوم التالي إن:" كلاً من رئيس الوزراء ورئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان والحلو لا يملكون الحق في حسم قضية علمانية الدولة." كما أشار إلى أن توقيع اتفاق المبادئ الذي وقعه حمدوك مع الحلو تم بصورة فردية من رئيس الوزراء، معتبراً إياه "خروجاً على مؤسسات الدولة".
وعبر مغردون متشددون وقتها عن ترحيبهم بتصريحات الكباشي، مؤكدين أنه ظل يمثل صوتاً مناوئا للعلمانية في البلاد ، في حين أعرب آخرون رفضهم للتعبير الذي استخدمه بوصفه توقيع اتفاق المبادئ بين حمدوك والحلو بأنه لا يتواءم مع المؤسسية، في حين تم اتخاذ قرارات في قضايا مهمة لم يتم استشارة أحد فيها، كقضية التطبيع مع إسرائيل.
وتطالب الحركة التي تقاتل في جنوب كردفان بأن تكون "العلمانية نصاً صريحاً في دستور البلاد"، أو الإقرار بحق تقرير المصير لولايتي النيل الأزرق (جنوب شرق) وجنوب كردفان (جنوب).
معرقل للاتفاق الإطاري
لقد ظل الفريق أول شمس الدين كباشي يضع كثير من العراقيل والمتاريس أمام العملية السياسية في السودان وفي آخر لقاء جماهيرى له بولاية جنوب كردفان قال صراحة: " إن القوات المسلحة لن تمضي في الاتفاق الإطاري مالم يوقع عليه عدد كاف من القوى السياسية"، وشدّد بأن القوات المسلحة لا يمكن ان تحمي أي دستور غير متوافق عليه وأضاف (ما بنحمي دستور 10 أشخاص).
من جهته قال البروفيسور صديق تاور، عضو مجلس السيادة السابق المنحدر من ذات الولاية تصريحات شمس الدين في كادوقلي وإعتبرها مخالفة لمدلولات تصريحات البرهان المتكررة وسلوكه المعادي للتحول الديمقراطي.
خلاصات:
من الواضح جداً أن الدلالة الأولى في ظهور الكباشي هي حرصه على التأكيد بأنه موفور الصحة ، وأن القوات المسلحة متماسكة وليست منهارة ومهزومة كما يشاع ، وأن الجيش قادر على السيطرة وإعادة الأمور إلى نصابها ، وفي ذلك محاولة لبث الروح المعنوية وسط الجنود اللذين تعرضوا لحملة تخريب معنوي واسعة بعد فقدوا كثير من المناطق الاستراتيجية بالخرطوم وآخرها مصنع اليرموك لصناعة الذخائر والأسلحة الثقيلة جنوبي الخرطوم..وفي الأثناء إعتبر مراقبون حديث الكباشي كشف مدى الضعف والخوار الذي يعاني من الجيش وأن (نفي النفي إثبات).
أراد الكباشي بظهوره أن يكسب نقطة جديدة للمناورة في أرض المعركة وهي إرسال رسالة للخارج خاصة الدول التي تتأهب لدعم الخرطوم بأن المؤامرة كبيرة ولا بد من المسارعة في التدخل ، يحدث ذلك وأوردغان المكتسح الإنتخابات الرئاسية في تركيا أبدى ميول نحو الجيش السوداني لا تخطئها العين.
في المقابل لم تأت الرياح كما يشتهي ربان سفينة الكباشي، فتحركات الحلو وضربه باتفاق الهدنة بينه والحكومة عرض الحائط، وتقدمه على الصعيد العملياتي يخصم كثيراً من نفوذ الرجل على مستوى القيادة ويضع مستقبله السياسي رهيناً بكسب الحرب وهذا ما يجعله الأكثر تشدداً بين جنرلات الجيش على استمرارها.