مقالات تحليلية

حول ملاحقة السويد لشبكة فساد مالية إخوانية

25-Nov-2025

كشف تحقيق موسّع للحكومة السويدية عن شبكة فساد مالي مرتبطة بأئمة مرتبطين بجماعة الإخوان اختلسوا مبالغ ضخمة من أموال دافعي الضرائب عبر استغلال المدارس الخاصة وقطاعات الرعاية الاجتماعية كواجهة لعملياتهم المالية المشبوهة.

التحقيق والوصول إلى الشبكة

بدأت القصة من غلق مدارس وروضات صغيرة موزعة بين جوتنبرج وجيفليه وأوميو وشمال السويد، كانت تُقدَّم للرأي العام باعتبارها حالات فردية لإدارات فاشلة، لكن ثبت أنها كانت جزءا من شبكتين متداخلتين يقودهما أئمة مرتبطون بتنظيم الإخوان ومحاسبون ومستشارون ماليون ذوو خبرة استخدمت لتضخيم الحسابات وتزوير النفقات وتحويل المنح المدرسية إلى شركات أشباح، وهذا ما أكدته (هيئة الجرائم الاقتصادية السويدية).

وكانت خيوط الفضيحة بدأت عندما داهمت الشرطة شقة في حي سويتره بمدينة جيفليه بحثا عن ربيع كرم، أحد أبرز الفاعلين في تأسيس مدرسة «نيا كاستتس» وشريكا ماليا في مدارس أخرى، قبل أن يُدان «رغم نفيه» بجرائم تلاعب مالي عام 2024.

 

تحويل أموال المدارس إلى الخارج

وأوضح تحقيق لصحيفة (إكسبريسن) السويدية أنه بعد مداهمة الشرطة لشقة في منطقة سيترا بحثاً عن ربيع كرم، ظهر لاحقاً في تسجيلات صوتية يدعي فيها أنه مريض ومعدَم ويقيم في إحدى الدول العربية، رافضاً العودة إلى السويد، ومتهماً السلطات ووسائل الإعلام بـ «تلفيق الاتهامات»، مشيرا إلى أن التكتم الرسمي حول هذه المدارس انهار مع اكتشاف أن عمليات الإغلاق السابقة لم تكن حوادث متفرقة، بل حلقات ضمن شبكة موحدة تقودها شخصيات مرتبطة بالإخوان وتعمل عبر شركات متشابكة لتحويل أموال المدارس إلى الخارج.

ويشير التحقيق على لسان (هنريك فاغر)، المدعي العام في هيئة الجرائم الاقتصادية بمدينة غوتنبرغ، والذي يقود فريقاً خاصاً للتحقيق في مؤسسات تعليمية عدة مرتبطة بالشبكة إلى أن الإخوان أدارت عدداً من المدارس ورياض الأطفال الخاصة لسنوات، وشكَّلت غطاءً لتحويلات مالية وعمليات احتيال موسَّعة، وتبرز ضمن الأسماء المتهمة شخصية سياسية بارزة، هي عضو البرلمان السابق، عبد الرزاق وابيري الذي يُشتبه في تحويله 12 مليون كرونة بطريقة غير شرعية لتمويل أنشطة بتايلاند، وحجوزات فنادق فاخرة، إضافة إلى دعم حزبه الإسلامي في الصومال، وذلك عبر فواتير تقنية مزيفة.

 

الشبكات المالية للإخوان بالسويد

يقول سامح إيجيبسن في كتابه (الكذب الأبيض المقدّس) إن القيادي بالتنظيم الدولي محمود الدبعي ذكر في شهادة له نشرتها وسائل إعلام سويدية: "إن الجماعة سيطرت على المشهد الديني في السويد، عن طريق كوادر بالحركة مدربين كان عددهم يتجاوز الـ 200 عضو، وهم الآن يسيطرون على (اتحاد الشباب المسلم في السويد) من خلال السماح لعدد من هؤلاء العناصر بإدارة المنظمة، ضاربا المثل بالرابطة الإسلامية وكيف تأسست ثم أصبحت الممثل الأكبر للإخوان ليس بالسويد وحدها بل بأوروبا، وتضم في عضويتها اليوم 9 روابط محلية، وأهمها الرابطة الإسلامية في ستوكهولم، التي بنت مسجد ستوكهولم، والرابطة الإسلامية في غوتنبرغ، التي تشرف على مسجد يوتبوري، والرابطة الإسلامية في مالمو، وهناك عدة منتديات شبابية ومؤسسات دعوية وتخصصية كالمؤسسات الشبابية والطلابية والنسائية والإنسانية والإعلامية، وكل هذه المؤسسات تجمع الأموال من التبرعات ودافعي الضرائب.

وينقل عن صحيفة الخليج في إبريل 2011: قامت الرابطة بإنشاء مؤسسات سويدية مركزية تخصصية لكنها تابعة للجماعة، مثل اتحاد الكشاف المسلم، ورابطة المدارس الإسلامية في السويد، ومكتب الإعلام الإسلامي، ومؤسسة ابن رشد، والإغاثة الإسلامية في السويد، ومؤسسة قارئ القرآن، ومجلس الأئمة السويدي، رابطة الجمعيات الإسلامية بالسويد، وهي عبارة عن 33 جمعية، اتحاد مسلمي السويد ويتكون من 23 جمعية محلية، واتحاد الشباب المسلم في ويتكون من 21 جمعية محلية.

قدم السويدي من أصل جزائري الشيخ (ح. م-رفض ذكر اسمه) صورة تفصيلية عن مؤسسات إخوانية بالسويد والهدف واحد هو ان تكون جناح خارجي للجماعة بالشرق، وأن تكون وسيلة لجمع الأموال التي تقدمها لفروع الجماعة، وينقل عن مجلة الرابطة العدد الرابع آذار (مارس) 1995 أن شكيب بن مخلوف، رئيس اتحاد المنظمات الإسلامية الإخواني عقد مؤتمراً تأسيسياً عام 95 للرابطة، حضره: سامي الصريف، بن مخلوف، مصطفى خراقي، محمود الدبعي، محمود كليم، أحمد غانم، وأنهم طلبوا تلقى مساعدات من مؤسسة الدعم السويدي.

يشير إيجبسن، إلى مؤسسة EFOMW في السويد بقيادة الناشطة لمياء العامري، وفي إيطاليا شركة ناسكو، التي أسسها إدريس نصر الدين في مكتب ليختنشتاين، باسم "شركة نصر الدين الدولية القابضة"، ولها فروع في تركيا والمغرب وروما ونيجيريا، وتم وضع أموالها في أحد فروع "بانكو دي روما".

 

كيف تجمع الشبكة الأموال وكيف تنقلها؟

يتم جمع الأموال خارج المؤسسات الرسمية بأوروبا، عن طريق الأئمة، الذين يقومون بعمليات جمع منظمة ومرتبة، وفق الباحث محمد اللويزي، وتذهب هذه الأموال بشكل مباشر إلى مسؤولي الجناح الاقتصادي، أو إلى منظمة الأمانة الأوروبية التي تأسست في لندن عام 1996 بواسطة "مجلس مسلمي أوروبا"، وهي منظمة تدير أنشطة الجماعة في جميع أنحاء أوروبا ومنها الأموال التي تعيد توجيهها للصرف على المنظمات التابعة للجماعة، وقام بتأسيسها وإدارتها فؤاد العلوي وأحمد كاظم الراوي.

وحسب (إكسبريسن)، فإن سلسلة الحالات التي عُرضت سابقاً بالسويد كوقائع منفصلة، يتبيَّن اليوم أنها حلقات مترابطة داخل شبكتين تعملان بالتنسيق، وتشكلان أكبر فضيحة فساد في قطاع التعليم الخاص في البلاد، مع مبالغ مختلسة تقدَّر بعشرات الملايين من الدولارات، وأن 3 من الأئمة الذين صنَّفهم جهاز الأمن السويدي (سابو) عام 2019 كتهديد للأمن القومي –وهم: أبو رعد، وعبد الناصر النادي، وحسين الجبوري، كانوا يديرون مؤسسات تعليمية حوَّلت عشرات الملايين من الكرونات إلى أفراد وجماعات متطرفة في مالطا.

 

تمويلات بطريقة غير مقصودة

تحصل جمعيات تابعة للجماعة على تمويلات بطريقة غير مقصودة، على سبيل المثل، حصل منتدى المنظمات الشبابية والطلابية، والنصيب الأكبر من الإعانات الأوروبية الممنوحة للجمعيات الإسلامية يذهب إلى منظمة الإغاثة الإسلامية، ولها فرع رئيسي بالسويد، وفق (صحيفة Valeurs) في تحقيق لها عام 2022.

أما الوقف الإسلامي فهي توصف بأنّها أداة تمويلية كبيرة تم استخدامها من قبل أئمة السويد، الذين نقلوا هذه الأموال بدورهم إما إلى الجماعة، أو إلى حساباتهم الشخصية، وكشف تحقيق (صحيفة «إكسبرسن» السويدية)، أن الإخوان قامت ببناء أنظمة موازية داخل السويد، تُدار عبر مدارس وروضات وأئمة، واستغلوا ذلك لنهب أكثر من مليار كرونة (نحو 100 مليون دولار) وتوجيهها إلى حسابات خاصة وأنشطة خارجية.

ويعمل الوقف الذي سيطرت عليه الجماعة على تلقي أموال الزكاة والصدقات والتبرعات، واستخدامها في دعم أنشطة خاصة بالتنظيم في عموم أوروبا مثل بناء المدارس، التي تستخدم كمشاريع اقتصادية، حيث أنشأت الجماعة شبكة واسعة من المدارس الخاصة التي حملت طابعاً دينياً، واستطاعت بفضل نفوذها السياسي في بعض الفترات أن تحصل على دعم حكومي غير مباشر، وكذا الاستثمار في العملية التعليمية، التي تدخل مئات الألاف من اليوروهات للجماعة. وهذه المدارس لم تكن فقط مصدراً للتمويل، بل كانت أيضاً وسيلة لزرع الفكر الإخواني بين الأجيال الجديدة، ممّا ساعد في استمرار دعم الجماعة مالياً وإيديولوجياً. إضافة إلى ذلك، توسعت الجماعة في إنشاء الجامعات والمراكز التعليمية الخاصة، والتي لم تقتصر على السويد فقط، بل امتدت إلى دول أخرى، ممّا ضمن للجماعة تدفقات مالية مستمرة.

في دراسة لـ (المركز المصري للدراسات) أن المدارس لم تكن مشاريع تعليمية دينية فقط، لكن حين يتم استخدام الإسلاموفوبيا، ويتم تخويف الأقليات المسلمة من المدارس الأخرى، التي تحرم الحجاب واللباس الإسلامي، تصبح مدارس الجماعة استثمارية وتمويلية لها لأكبر حد، وهي تنقسم إلى مدارس حكومية (تضم أكثر من 80٪ من الطلاب)، ومدارس خاصة بموجب عقد شراكة مع الدولة، وتقع مدارس الإخوان في السويد ضمن النوع الثاني.

 

العمل الخيري كواجهة لجمع التبرعات

اعتمدت الجماعة على العمل الخيري كواجهة تجمع من خلالها تبرعات، وكوسيلة اقتصادية لجمع الأموال، لذا أنشأت مئات الجمعيات التي تقدم خدمات للفقراء والمحتاجين. وعلى الرغم من الدور الاجتماعي لهذه الجمعيات، فإنّها كانت أيضاً وسيلة لتحصيل التمويل من مصادر محلية ودولية، ممّا ساعد الإخوان في بناء إمبراطورية مالية قوية تحت غطاء العمل الإنساني.

 وفي السويد أنشأت الجماعة وفق (المركز الأوروبي لمكافحة الإرهاب) هيئة الإغاثة الإسلامية، التي تعمل في السويد ولها أنشطة خيرية، وارتبطت في تقارير سابقة ببعض القضايا الخاصة بالتمويل، وكذلك اتحاد مسلمي السويد ، الذي يضم العديد من الجمعيات الإسلامية ويتهم بالارتباط بالإخوان المسلمين، ومنظمة الشباب المسلم ، التي تضم عدداً من الجمعيات الإسلامية وتعتبر جزءاً من شبكة الإخوان العالمية، ولها دور ليس في العمل الخيري فقط وتقديم المساعدات الخيرية والإغاثية للمسلمين في السويد ولكن تمويل الأفراد وإعطائهم أجورا شهرية، ومن هنا وجهت اتهامات لبعض هذه الجمعيات باستغلال الأموال العامة والجمعيات الخيرية لتمويل أنشطتها.

 

مستقبل شبكة التمويل الإخوانية بالسويد

اتجهت السويد مؤخرا إلى حصار الإخوان ومراقبتهم ماليا، ومن هنا يعيش اقتصاد وشبكة الجماعة في أوروبا في أزمات متلاحقة أولها هو الملاحقات والحصار، كما يعيش أزمات تتعلق بالانقسام الحاصل بين القيادات، الذي يريد كل منهم السيطرة على مصادر التمويل، وحصار الجماعة في بلاد المهد في مصر وتونس وغيرها من الأقطار.

ومن المتوقع أن يستمر مراقبة أموال مدارس وروضات إسلامية تابعة للجماعة بالسويد، بعد أن ترك عناصر الجماعة وراءهم ديونًا ضريبية تتجاوز المليار كرونة سويدية ما يعادل 100 مليون دولار، بعد مغادرتهم البلاد بشكل جماعي، خوفا من الملاحقة القضائية لأن الأموال المفقودة كانت جزءًا من دعم ضريبي مُخصص للتعليم، وقد تم توجيهها إلى مدارس وروضات ضمن شبكة مرتبطة بروابط قرابة وصفقات مشبوهة، مع وجود شبهات بجرائم في نظام الرفاه الاجتماعي.

 

استمرار منابع التمويل بأوروبا

ورغم ما سبق فالجماعة حريصة على استمرار منابع التمويل بأوروبا لتعويض ما تفقده بالداخل العربي بعد تضييق الخناق عربياً وخليجياً عليها. ولا تزال أوروبا متسامحة مع أنشطة مريبة للجماعة تحت عناوين مراكز ثقافية ودعوية وفي حقيقتها تنشط داخل شبكة ممتدة ومعقدة كاقتصاد مواز يمارس كل الأنشطة غير المشروعة، لذا فالمستقبل الاقتصادي للجماعة لا مناص منه لأنه حياة أو موت بالنسبة لها.

ومن هنا خلق (الإخوان) الآن كيانات جديدة، كما استبدلوا الجيل الأول من الرواد، الذين أنشأوا الشبكات الإخوانية ببطء بجيل ثانٍ من النشطاء المولودين في الغرب، الذين سيضيفون حتماً وجهات نظرهم في توجيه هذه المنظمات، من أجل أن يكونوا مجرد قوة تمويلية سرية للجماعة.

 

27