مقالات تحليلية

المعارك تتواصل في السودان مع حصيلة تناهز 200 قتيل

18-Apr-2023

تواصلت  المعارك الضارية في السودان، ولا سيّما في الخرطوم، بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو، وقد أصدر  البرهان، قرارا يقضي بالعفو العام عن جميع من حمل السلاح في السابق ضد الدولة.   يشمل "جميع من حمل السلاح أو شارك في أي من العمليات العسكرية أو الحربية أو ساهم بأي فعل أو قول يتصل بالعمليات القتالية" في البلاد. وفي بيان لقوات الدعم السريع ، اعتبرت أن دعوة البرهان لعناصرها من أجل إلقاء السلاح، واعداً بإعفائهم من العقوبات أو الملاحقة، باطلة.

وقد أكد  البرهان،  وفق سي ان ان، أن الجيش السوداني سيلتزم بوقف إطلاق النار المقترح من قوى دولية ابتداء من الساعة السادسة مساء بالتوقيت المحلي، لمدة 24 ساعة. وقال البرهان: "لم نتفق على وقت البدء، لكننا بالتأكيد سنلتزم بمقترح الآلية الثلاثية بأن تمتد (الهدنة) لمدة 24 ساعة، ابتداءً من الساعة 6 مساءً اليوم".

كما أصدر الدعم السريع بيانا أعلن فيه وقفا لإطلاق النار لمدة 24 ساعة من اجل فتح مسارات أمنه لعبور المدنيين وإخلاء الجرحى نتيجة اتصال بقائدها أجراه وزير الخارجية الأمريكية انتوني بلنكن وقادة عدد من الدول.

وليل الاثنين أعلن الاتّحاد الأوروبي أنّ سفيره في الخرطوم "تعرّض لاعتداء" في منزله. وقال مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد جوزيب بوريل في تغريدة إنّه "قبل بضع ساعات تعرّض سفير الاتّحاد الأوروبي في السودان لاعتداء في منزله"،  لكنّ المتحدّثة باسم الشؤون الخارجية في الاتّحاد الأوروبي نبيلة مصرالي قالت لوكالة فرانس برس إنّ السفير أوهارا "على ما يرام"، مضيفة أنّ بعثة الاتّحاد الأوروبي في الخرطوم لم يتمّ إجلاؤها. أيضا تعرض موكب دبلوماسي أميركي لإطلاق نار. وفي تصريحات لصحافيين بعد محادثات مجموعة السبع في اليابان، وصف بلينكن ما حدث بأنه "تصرف طائش وغير مسؤول". 

على صعيد متصل حصدت في حصيلة أولية أوردتها الأمم المتّحدة 180 قتيلاً و1800 جريح. وقال رئيس بعثة الأمم المتّحدة في السودان فولكر بيرتيس في مداخلة عبر الفيديو أمام مجلس الأمن الدولي الذي عقد جلسة مغلقة بشأن الوضع في هذا البلد إنّ الحصيلة الأولية للمعارك هي أكثر من 180 قتيلاً و1800 جريح.

وكانت لجنة أطباء السودان المركزية المستقلّة والمؤيدة للديموقراطية أعلنت في وقت سابق الإثنين مقتل ما لا يقلّ عن 97 مدنياً في هذه المعارك، سقط 56 منهم السبت و41 الأحد، مشيرة إلى نصف القتلى تقريباً سقطوا في العاصمة. وسبق للجنة أن أشارت إلى أنّ حصيلة القتلى في صفوف المقاتلين تعدّ بـ"العشرات"، لكنّ أيا من الطرفين لم يعلن عن خسائره البشرية.

وتنتشر رائحة البارود منذ السبت في العاصمة وترتفع أعمدة دخان أسود كثيف في سمائها. ولازم السكان منازلهم، وسط انقطاع التيار الكهربائي والمياه عن عدد كبير من المنازل. كما يشاهد الجميع من نوافذهم عربات مدرعة ومسلّحين يمرّون في مركبات مدنية أزيلت لوحات أرقامها، آملين ألا تصيب بناياتهم طلقات طائشة أو شظايا.


أسلحة ثقيلة

وتتواصل المعارك بالأسلحة الثقيلة في مناطق عدة في البلاد، فيما تدخّل سلاح الجو بانتظام حتى داخل الخرطوم لقصف مقارّ لقوات الدعم السريع، القوة،  وعلى تويتر كتبت قوات حميدتي بالإنكليزية إنّ "البرهان يقصف المدنيين من الجوّ، ونحن مستمرّون في القتال وسوف نقدّمه للعدالة".

وكانت قوات الدعم السريع نشرت مقطع فيديو على حسابها الرسمي على تويتر السبت يظهر فيه جنود مصريون وأكدت أن "كتيبة من الجيش المصري سلمت نفسها لقوات الدعم السريع في مروي". وقد أوضح السيسي في الاجتماع، بحسب بيان مصور للرئاسة المصرية، أن هذه العناصر العسكرية "كانت قوة رمزية للتدريب المشترك مع الأشقاء في السودان وليس أبدا من أجل دعم أي طرف على الآخر"، داعيا إلى عودتهم في أقرب وقت.

وضع صعب في المستشفيات

ويصعب تشخيص الوضع على الأرض. فقد أعلنت قوات الدعم السريع أنّها سيطرت على مطار الخرطوم الدولي السبت، الأمر الذي نفاه الجيش. وقالت إنها دخلت القصر الرئاسي، لكنّ الجيش ينفي ذلك أيضا ويؤكد أنه يسيطر على المقرّ العام لقيادته العامة، أحد أكبر مجمّعات السلطة في الخرطوم.

أمّا التلفزيون الرسمي فيؤكّد كلّ من الطرفين سيطرته عليه. لكنّ سكاناً في محيط مقرّ التلفزيون أكّدوا الإثنين أن القتال متواصل في المنطقة، فيما تكتفي المحطة ببث الأغاني الوطنية على غرار ما حصل خلال انقلاب 2021.

وفيما لا يرتسم في الأفق أيّ وقف لإطلاق النار، دقّ الأطباء والعاملون في المجال الإنساني ناقوس الخطر. فبعض الأحياء في الخرطوم محرومة من التيار الكهربائي والمياه منذ السبت.

وأكّد أطباء انقطاع التيار عن أقسام الجراحة، فيما أفادت منظمة الصحة العالمية أنّ "عدداً من مستشفيات الخرطوم التسعة التي تستقبل المدنيين المصابين، تعاني من نفاد وحدات الدم ومعدات نقل الدم وسوائل الحقن الوريدي وغيرها من الإمدادات الحيوية".

وتمّ إخلاء مستشفيين على الأقلّ في العاصمة بعدما "اخترق الرصاص والقذائف جدرانهما"، بحسب ما أعلن أطباء قالوا إنّه لم تعدّ لديهم كذلك أكياس دمّ ولا مستلزمات طبية لعلاج المصابين.

وإضافة إلى الطلقات النارية العشوائية التي أسفرت خصوصاً عن مقتل ثلاثة من موظفي برنامج الأغذية العالمي في دارفور، صار يتعيّن على العاملين في المجال الإنساني التعامل مع عمليات النهب في الإقليم، وفق ما أكّدت منظمة "أنقذوا الأطفال".

وأعلنت منظّمات غير حكومية عديدة ووكالات تابعة للأمم المتّحدة تعليق أنشطتها، في قرار له تداعيات وخيمة في بلد يؤثر فيه الجوع على أكثر من واحد من كل ثلاثة من سكّانه البالغ عددهم 45 مليونا. وعجزت "الممرّات الإنسانية" التي أعلنها الطرفان المتحاربان لمدة ثلاث ساعات بعد ظهر الأحد عن تغيير الوضع، فاستمرّ سماع إطلاق النار ودويّ انفجارات في الخرطوم.


للمرة الأولى في الخرطوم

من جهته، دعا الأمين العام للأمم المتّحدة أنطونيو غوتيريش الإثنين إلى "وقف فوري للأعمال العدائية، وإعادة إرساء الهدوء، والانخراط في حوار لحلّ الأزمة" في السودان. ودعا الأمين العام "كلّ من لديهم نفوذ على الوضع لاستخدامه في سبيل إحلال السلام". وأضاف أنّ "الوضع الإنساني في السودان كان هشّاً أصلاً وبات الآن كارثياً".

في هذا الصدد، قالت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إنّها "على استعداد" لمساعدة السودان - وهو من الدول التي تستضيف أكبر عدد لاجئين في إفريقيا - والدول المجاورة له في حال نزوح سكّان بسبب الحرب.

من ناحيتها، قالت خلود خير التي أسست مركز الأبحاث "كونفلوينس أدفايزوري" في الخرطوم لوكالة فرانس برس "إنها المرة الأولى في تاريخ السودان منذ الاستقلال (1956) التي يسجّل فيها هذا المستوى من العنف في الوسط، في الخرطوم". وأضافت الخبيرة "تشكّل الخرطوم مركز السلطة التاريخي ولطالما كانت أكثر مناطق السودان أمنا خلال الحروب ضد المتمردين" في دارفور ومناطق أخرى في مطلع الألفية.


تحركات دبلوماسية

تكثّفت التحركات الدبلوماسية. وأعلنت مصر، أنّها ناقشت الوضع في السودان مع السعودية وجنوب السودان وجيبوتي، وكذلك مع فرنسا. وقد أكد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال ترؤسه اجتماع للمجلس الأعلى للقوات المسلحة ليل الاثنين أنه أجرى "اتصالات مكثفة من أجل التأكيد على أمن وسلامة عناصرنا المصرية في السودان".

 من جانبها تحدثت قطر مع رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي موسى فقي محمد الذي من المفترض أن يتوجه في أسرع وقت ممكن إلى السودان - الذي لم تعد تحلق فوقه أي طائرات ركاب. ودعا وزيرا خارجية الولايات المتحدة وبريطانيا من اليابان الإثنين إلى "وقف فوري" للعنف.

وقد طالب وزراء خارجية دول مجموعة السبع اليوم الثلاثاء، طرفي النزاع في السودان بـ "وقف الأعمال العدائية فوراً"، والعودة إلى المفاوضات ب. ودفع تصاعد العنف في السودان القضية إلى جدول أعمال مجموعة السبع التي التقى وزراء خارجيتها في منتجع كارويزاوا الياباني.

وقال الوزراء في بيان بعد يومين من المحادثات: "نحض طرفي النزاع على وقف الأعمال العدائية فوراً دون شروط مسبقة"، مضيفين أن القتال "يهدد أمن وسلامة المدنيين السودانيين، ويقوض جهود استعادة الانتقال الديمقراطي في السودان". ودعوا في البيان "إلى نبذ العنف والعودة إلى المفاوضات واتخاذ خطوات فعالة لخفض التوترات، وضمان سلامة المدنيين والدبلوماسيين والعاملين في المجال الإنساني".

299