مقالات تحليلية

القضايا الخلافية بين حماس وإسرائيل حول اتفاق التهدئة في غزة

07-Jul-2025

اكتسبت جهود وقف إطلاق النار زخمها، وعادت غزة إلى واجهة الاهتمام الدولي بعد إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل؛ فقد كثّف الرئيس الأميركي من تصريحاته بشأن ضرورة التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، والوعد بالعمل على إنهاء الحرب مع صيغ متفائلة بقرب التوصل للاتفاق وموافقة إسرائيل على الشروط اللازمة لإتمام الاتفاق. تزامن ذلك مع تحركات دبلوماسية نشطة للمبعوث الأميركي ستيف ويتكوف والوسيطين المصري والقطري لتقريب وجهات النظر بين "حماس" وإسرائيل.

تطرح هذه التطورات، تساؤلات مهمة عن ممكنات التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار بين "حماس" وإسرائيل في ضوء المواقف المتعارضة بين الطرفين، والتي أجّلت الاتفاق على امتداد الشهور الماضية مع ما خلفته من انعكاسات إنسانية كارثية على حياة سكان القطاع. كما تستشرف هذه المقالة فرص تنفيذ الاتفاق تنفيذًا كاملًا، وإمكانية صموده على خلفية تجربة اتفاق يناير 2025، الذي اخترقته إسرائيل في مرحلته الأولى وأعاقت تنفيذ المرحلة الثانية منه باستئناف هجماتها العسكرية على القطاع في مارس 2025.


الخطوط العامة "الأولية" للاتفاق:

رغم أن اتفاق وقف إطلاق النار بين "حماس" وإسرائيل لم يُنشر رسميًا حتى كتابة هذه السطور، إلا أن صيغته لن تتجاوز القضايا العامة المُعلنة في مقترح ويتكوف "الأصلي" مع بعض التعديلات التي تُراعي متطلبات طرفي الاتفاق بطبيعة الحال. والاتفاق بهذه الصيغة هو استكمال لجهود الوساطة الأميركية والمصرية والقطرية، التي انطلقت منذ بداية الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة في 8 أكتوبر 2023، وأثمرت اتفاقين للتهدئة في نوفمبر 2023، وفي يناير 2025.

ومن المرجح أن تشتمل البنود العامة للاتفاق وفق البيانات الأولية "غير الرسمية"، تبادلًا لـ 10 أسرى أحياء و18 جثة إسرائيلية محتجزة في القطاع بأسرى فلسطينيين في السجون والمعتقلات الإسرائيلية وفق صيغة المراحل المتعدّدة، مقابل ووقف وقف إطلاق النار لمدة 60 يومًا، والانسحاب الجزئي للقوات الإسرائيلية من جنوب القطاع وشماله، وفتح المعابر لتوريد السلع التجارية والمساعدات الإنسانية وتسهيل عملية سفر المرضى والجرحى لتلقي العلاج في الخارج، مع التزام الوسطاء بإجراء مفاوضات جدية خلال فترة التهدئة؛ بهدف إنهاء الحرب بشكل دائم. (العربية، 3 يوليو 2025)


القضايا الخلافية:

تتوزع القضايا الخلافية بين "حماس" وإسرائيل بشأن اتفاق وقف إطلاق النار في غزة على موضوعات تتعلق بحدود الاتفاق ومستقبله وفقًا لتقديرات الطرفين وحساباتهما الداخلية:

1/ بالنسبة لحركة "حماس"؛ فإنها تعرف نوعين من القضايا الخلافية منها، قضايا مُعلنة تطالب من خلالها الحركة بتضمين الاتفاق بتعهد رسمي من الرئيس الأميركي بالوقف الشامل والتام للحرب الإسرائيلية على غزة، وتنفيذ الاتفاق تنفيذًا دقيقًا مع ضمان عدم خرقه من إسرائيل. أما القضايا غير المعلنة تتعلق بضمانات ذاتية تطالب فيها بعدم المساس بمكتبها السياسي أو التعرض لأعضائه في الخارج، وعدم مصادرة أو احتجاز أموالها أو فرض قيود عليها في الخارج، ووجود ممثلين للحركة في إدارة غزة وعناصر في الأمن المستقبلي للقطاع تابعين لها أو قريبين منها. (سكاي نيوز عربية، 28 يونيو 2025).

برأينا أن هذه القضايا المطلبية على نحوٍ خاص هي التي أعاقت فرص التوصل للاتفاق منذ مارس الماضي (2025)، وذلك بالنظر إلى طبيعة مقترح ويتكوف "المعدل" نفسه، الذي لا يتضمن قضايا جديدة تميزه عن المقترح "الأصلي" الذي عُرض على الحركة مرارًا. وبهذا المعنى، فإن "حماس"- إن وافقت على الاتفاق- تكون قد راعت مصلحتها وفقط، في مقابل تنكرها لعذابات سكان عزة ونداءاتهم المتكررة بوقف الحرب.   كانت "حماس" على امتداد الشهور الماضية تضيف بندًا آخر ضمن شروطها للموافقة على الاتفاق، وهو بند الانسحاب الإسرائيلي الكامل من غزة، لكن يبدو أنها وتحت الضغوط الداخلية والخارجية قد أسقطت هذا الشرط من حساباتها أو أجّلته لمرحلةٍ تالية على أقل تقدير.

2/  بالنسبة لإسرائيل؛ فإنها تُعارض وقف الحرب على غزة- وتقبل بتهدئة جزئية، مرحلية ومؤقتة- دون تحقيق أهدافها في القضاء على "حماس" وإنهاء حكمها وضمان عدم عودتها لإدارة شؤون القطاع، وخروج قيادتها من القطاع ونزع سلاحها، وفق آخر تصريحات نتنياهو. (سكاي نيوز عربية، 3 يوليو 2025). ولا تسقط هذه الاشتراطات إلا بتدخل الرئيس ترمب لدى نتنياهو واتفاقهما على صيغة الرزمة الشاملة عبر الضغط علي المؤسسة القضائية الإسرائيلية لعدم محاكمة نتنياهو؛ والتعهد بتوسيع الاتفاقات الإبراهيمية مع الدول العربية والإسلامية، وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية، والمصادقة على ضم مساحات واسعة من الضفة الغربية، خاصة المنطقة (ج) إلى إسرائيل. (وكالة سما الإخبارية، 1 يوليو2025).

في السياق، وضمن قضايا الخلاف غير المثارة في الاتفاق، قضية تهجير سكان القطاع تهجيرًا قسريًا، ضمن القضايا التي لم تُسقطها إسرائيل من حساباتها رغم الرفض العربي والدولي، وقضية اقتطاع وتوسعة المناطق الحدودية العازلة شرق وجنوب وشمال غزة لمصلحة ما تسمى بمنطقة "غلاف غزة"، وبما يكرس المشاريع الاستيطانية فيها. (عزام شعث، تحديات اتفاق وقف إطلاق النار وسؤال "اليوم التالي" في قطاع غزة، اليمن: مركز سوث 24 للدراسات والأخبار، 24 يناير 2025)


دوافع الاتفاق وفرصه:

توفرت لإسرائيل أسبابًا عدّة لإطالة أمد الحرب على قطاع غزة ولمدة 21 شهرًا، من أجل تحقيق أهدافها المعلنة والمخبوءة في إضعاف "حماس" سياسيًا وعسكريًا وإنهاء حكمها وإعادة هندسة غزة ديموغرافيًا، وتحرير الأسرى الإسرائيليين وغيرها من الأهداف، مثلما توفرت لـ "حماس" فرص الاستمرار في مواجهة "سياسة التحييد" بصرف النظر عن معاناة المدنيين الفلسطينيين في القطاع، وكأنه اتفاقًا ضمني بين "حماس" وإسرائيل.

وطيلة الشهور الماضية، خضع الطرفان لضغوط داخلية وخارجية لقبول اتفاق وقف إطلاق النار. قد تشكّل هذه الضغوط إلى جانب خيارات وحسابات الطرفين دافعًا للاتفاق ومنها على المستوى الإسرائيلي: تحقيق الهدف باستعادة الأسرى، وإضعاف القدرات القتالية لـ "حماس" واستهداف المستوى القيادي الأول السياسي والعسكري في الحركة، والاستجابة للضغوط الداخلية من المعارضة وذوي الأسرى المحتجزين في القطاع وغيرهم مِمَن نظموا مظاهرات في تل أبيب للمطالبة بإنجاز صفقة التبادل، فضلًا عن ضغوط الرئيس الأميركي وتدخله المباشر في موضوع الاتفاق، كأحد أبرز الضغوط الخارجية التي تعرضت لها إسرائيل أخيرًا.

أما الضغوط التي تتعرض لها "حماس" تتعلق بإدراكها- وإن كان متأخرًا- لفداحة الخسائر التي تسببت بها الحرب الإسرائيلية ضد المدنيين الفلسطينيين وممتلكاتهم العامة والخاصة، وإدراكها للخسائر الكبيرة في صفوفها وعلى المستويين السياسي والعسكري، والمطالبات الشعبية الضاغطة للتوصل للاتفاق مع تردي الأحوال المعيشية وتعاظم مظاهر الانفلات الأمني مع ظهور جماعات مسلحة في جنوب القطاع قد تشكل تهديدًا للحركة، والخشية من تطور الاحتقان الشعبي إلى ثورة ضد الحركة في ضوء الانخفاض في نسبة التأييد لقرار شنّ هجوم السابع من أكتوبر. ( نتائج استطلاع الرأي العام رقم 93، فلسطين: المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية، 17 سبتمبر 2024)، وتراجع مستويات الإسناد الخارجي للحركة ماليًا وعسكريًا نتيجة الضربات التي أدّت إلى تفكيك "محور المقاومة".

وبموازاة التفاؤل على خلفية إعلان الرئيس الأميركي عن موافقة إسرائيل، وإعلان "حماس" أنها تدرس المقترح وتخضعه للمشاورات الفصائلية الداخلية، والأجواء المشجعة المحيطة بالاتفاق وضمنها جهود الوسطاء، يظل الحذر قائمًا، وتتبلور على أساسه عدّة سيناريوهات محتملة على النحو الآتي:


السيناريو الأول: موافقة الطرفين على الاتفاق: يتحقق هذا السيناريو على قاعدة توافر الإرادة السياسية لدى طرفي الاتفاق وانصياعهما للضغوط الداخلية والخارجية وتغليب الاعتبارات الذاتية أيضًا ومنها، أن ترد "حماس" على الوسطاء ردًا ايجابيًا بعدما تدرك أن الاتفاق- وإن كان مرحليًا- يلبي بعضًا من مطالبها بتعهدات من الوسطاء، إلى جانب استجابتها أو خشيتها من الضغوط الداخلية بهذا الشأن. وفي المقابل، يستمر نتنياهو في موافقته على الاتفاق لمجاملة ترمب، والارتكاز على قاعدة ارتفاع شعبيته إلى أعلى مستوياتها في استطلاعات الرأي الأخيرة، بعدما عزّزت الحرب الإيرانية الإسرائيلية مكانته السياسية، فضلًا عن الامتثال لمطالبات الرأي العام الإسرائيلي المؤيدة للاتفاق.     


السيناريو الثاني: تمديد المفاوضات: يرتكز هذا السيناريو على مبدأ استمرار وساطة الوسطاء في حال حمل الاتفاق المماطلة والتأخر في الرد من "حماس" لاعتبارات داخلية أو في حال لم يلبِ الاتفاق في صيغته النهائية الحد الأدنى من مطالب الحركة مع مطالبتها بإدخال بعض التعديلات عليه أو منحها بعض الوقت للمشاورات الداخلية، في مقابل التراجع التكتيكي الإسرائيلي عن الاتفاق لاعتبارات داخلية، مما يعني استمرار جهود الوسطاء في تقريب وجهات النظر بين الطرفين، والإعلان عن تمديد المفاوضات لا توقفها.   


السيناريو الثالث: رفض الاتفاق وتوسيع الحرب الإسرائيلية واحتلال القطاع احتلالًا كاملًا: يرتكز هذا السيناريو على رفض أحد أو كل الأطراف للاتفاق في صيغته النهائية إن لم يحقق مطالبه، كأن ترفض "حماس" الاتفاق وتخالف المطالبات الشعبية وتنتصر لمصالحها الحزبية الضيقة حين تدرك أن الاتفاق لا يلبي مطالبها "المعلنة وغير المعلنة"، أو أن يرتد نتنياهو عن موافقته بفعل ضغوط سموتريتش وبن غفير وتهديدهما بإسقاط الائتلاف الحكومي، بما يعني استمرار الحرب على القطاع وتوسعة السيطرة العسكرية، وفصل المدن وتقسيمها إلى معازل غير مترابطة، وبناء المناطق العازلة وتوسعتها، وشق الممرات العسكرية بما يُسهل عملية تهجير السكان تنفيذًا للمخططات الإسرائيلية وتصورات الرئيس ترمب في تهجير فلسطينيي القطاع غزة.


خلاصات:

من جملة ما سبق، يمكن القول أنه في حال التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار بين "حماس" وإسرائيل في قطاع غزة، سيمثّل ذلك خطوة مهمة طال انتظارها مع ما تعرض له القطاع من عمليات قتل وتدمير ونزوح جماعي وتجويع على مدى 21 شهرًا من الحرب الإسرائيلية، لكن هذا الاتفاق لا يتعدى اتفاقات التهدئة المؤقتة والهشة التي عرفها الطرفين منذ عام 2008 وحتى عام 2022، ولن يكون محطة نهائية وأخيرة ما لم ينتقل من الهدنة الإنسانية إلى الاتفاق السياسي طويل الأمد، يضمن معالجة جذور الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، ويحقق السلام العادل والدائم وفق مبدأ حل الدولتين وإنهاء الصراع وليس إدارته وتسويته تسوية مؤقتة. 

488