مساء الأحد 21 يناير 2024، قال مساعد القائد العام للجيش السوداني الفريق ياسر العطا، أمام مجموعة من أعضاء جهاز المخابرات العامة في أم درمان إن "الحرب اقتربت من النهاية بانتصار الجيش والمقاومة الشعبية". أشار إلى أن " جماعة غاضبون والتيار الإسلامي ولجان المقاومة المستقلة ومجموعات من شباب حزب الأمة القومي وغيرهم ضمن المستنفرين.
حديثه هذا يوضح أن حرب الخامس عشر من أبريل ليست مجرد نزاع مسلح بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع كما تبدو في ظاهرها، بل هي حرب معقدة تشتعل في داخلها عدد من الصراعات السياسية والاجتماعية والقبلية، حيث ظهرت منذ بداياتها محاولات الحشد القبلي من طرفي الصراع. في هذا السياق، تبرز عمليات الاستنفار والمقاومة الشعبية المسلحة التي اعترف بها القائد العام للجيش السوداني عبد الفتاح البرهان في أكثر من مناسبة، حيث أشاد بها بشكل صريح في خطابه الذي وجهه للشعب السوداني في ذكرى الاستقلال الأخيرة (1 يناير 2024).
أفكار جهادية وعنصرية
ارتبطت المقاومة الشعبية بدعوات لتسليح المجتمع، بأفكار جهادية وعنصرية، فقد صاحبتها عمليات اعتقال وتصفيات لعدد من أبناء غرب السودان في مناطق سيطرة الجيش بمبررات أنهم يشكلون حاضنة اجتماعية لقوات الدعم السريع في تلك المناطق، كما استُهدِف عددٌ كبير من الشباب السودانيين الذين يعملون في آبار التنقيب عن الذهب في ولايتي نهر النيل والشمالية للأسباب ذاتها.. وتحرك تنظيم الإخوان المسلمين في هذه الدعوات بشكل كبير.
ومن الأخطار التي تولدت عن هذه التوجهات، أنها من المتوقع أن تشكل مدخلاً للجماعات المتطرفة في السودان، وقد تكون محاولة لإعادة السودان إلى أيام الإنقاذ الأولى ويظهر ذلك جلياً من خلال القرارات التي اتخذها ولاة نهر النيل، والشمالية، وشمال كردفان، بمنع لجان المقاومة السودانية من العمل وحل لجان الخدمات المقربة من تحالف قوى الحرية والتغيير فضلاً عن التضييق على الناشطين وكل من رفع لافتة "لا للحرب".
في ظل هذه الملابسات، يثير السؤال حول مدى فعالية عمليات الاستنفار في استعادة ما فقده الجيش السوداني، أم أن هذه العمليات هي مجرد وسيلة أخيرة للإسلاميين للعودة للحكم. لتقييم ذلك، يجب أن نأخذ في الحسبان تصريحات القادة الإسلاميين ودعواتهم لتسليح المواطنين في المناطق التي يسيطر عليها الجيش، مثل القضارف وكسلا ونهر النيل والشمالية.
إن تسليح المجتمع وتمكين المواطنين للدفاع عن أنفسهم ومجتمعاتهم قد يُقرأ على أنه قد يكون له أثر إيجابي على الجاهزية العسكرية والقدرة على مواجهة هجمات وتهديدات قوات الدعم السريع على تلك المناطق، ومع ذلك، يجب أن ندرس بعناية دوافع وأهداف القادة الإسلاميين في تحريك هذه العمليات وتوجيهها. هل يهدفون لتعزيز دفاع الشعب وحماية السكان، أم أن لديهم أجندة سياسية تهدف إلى تحقيق أهدافهم السياسية الخاصة؟.
تعهد البرهان بتسليح المقاومة الشعبية وتنظيمها للدفاع عن النفس والوطن، مؤكداً أن قوات الدعم السريع تقاتل الشعب السوداني وليس الجيش. وقال في أول مخاطبة يتعهد فيها بتسليح المقاومة الشعبية، أمام منتسبي الجيش بمعهد المشاة بمنطقة جبيت العسكرية بشرق السودان الأسبوع الماضي: إن ما وصفها بالمليشيا المتمردة، تحارب الشعب السوداني وليس الجيش وأنها تقتل وتنتهك الأعراض وتنهب الأموال والممتلكات وتتشدق بالحديث عن الديمقراطية.
توتر واضطراب سياسي
بيان المقاومة الشعبية السودانية الذي أصدرته في التاسع من يناير الجاري يعكس حالة التوتر والاضطراب السياسي والأمني التي تشهدها البلاد. ورغم تصريح القائد العام للجيش بتسليح المقاومة، فإن هذا البيان يكشف بشكل واضح عن الآثار المدمرة التي يتسبب فيها تنامي هذه الحركة على استقرار السودان.
أحد الآثار الرئيسية لهذه الحركة هو تفاقم الصراع واحتمال اندلاع حرب داخلية في البلاد؛ فالمقاومة الشعبية تَعُوق الجهود الحكومية لإحلال السلام وتعزز الانقسامات والتوترات بين القوى المسلحة والمدنيين الذين يوجدون في مناطق الصراع.
بالإضافة إلى ذلك، تدعو المقاومة الشعبية في بيانها كل كتائبها إلى التنسيق مع القوات النظامية، وهو ما يعني أنها تستخدم المواطنين دروعاً بشرية لتحقيق أهدافها السياسية. هذا الدور الذي يؤديه الإخوان في تجييش المجتمع يزيد حدة الصراع وقتامة مستقبل السودان، خاصة بعد فشلهم في الوصول إلى أهدافهم عبر واجهة الجيش السوداني، فقاموا بتغيير إستراتيجيتهم بالاعتماد على المقاومة الشعبية كوسيلة لتحقيق أهدافهم. هذا يؤكد عجز الإخوان عن إقناع الجيش واكتساب تأييد الجماهير لأفكارهم السياسية.
بصورة عامة، بيان المقاومة الشعبية السودانية ينذر بتداعيات خطِرة على استقرار السودان؛ فالتوترات السياسية والأمنية المستمرة قد تؤدي إلى انفجار الصراع الداخلي وزعزعة الاستقرار في البلاد. بالإضافة إلى ذلك، استغلال الحركة الإسلامية للمواطنين في تحقيق أهدافها، يزيد الفوضى والانقسامات في المجتمع السوداني.
الجيش في مأزق
يرى هارون محمود مديخير، مستشار قوات الدعم السريع أن البرهان أدخل السودان وجيشه في مأزق بتعهده بتسليح المواطنين للمشاركة في الصراع. وأضاف: التصريحات التي أدلى بها البرهان تنطلق من منطق خاطئ وتسبب آثاراً مدمرة على الاستقرار الأمني في السودان. فبدلاً من أن يكون الجيش السوداني حارساً للأمن والاستقرار، يقوم بتجييش المجتمع واستخدام المواطنين كدروع لتحقيق أهداف سياسية وعسكرية. يكمن خطر هذا التصرف في تصعيد الحرب وتأجيج الصراعات العنصرية والقبلية في السودان.
ورغم أن الجيش السوداني يحظى بقدرات عسكرية، فقد فشل في مواجهة التحديات الأمنية الراهنة بفعالية، فتوجيهاته ودعوته للمواطنين بالتسلح تعكس عجزه وعدم قدرته على تحقيق الأمن في البلاد. يجب على القوات السودانية أن تعتمد على قدراتها العسكرية الخاصة بدلاً من الاختباء وراء المواطنين.
إن تجييش المجتمع واستخدام المواطنين كدروع يعد خرقاً صارخاً للأعراف الإنسانية والأعراف العسكرية. فتسليح المواطنين ودفعهم إلى القتال، يجعلهم أهدافاً عسكرية للمقاتلين ويعرضهم للخطر بينما يظل الجيش آمناً. ينبغي للسلطات السودانية أن تتحمل المسؤولية بتفعيل الحوار السياسي والتوصل إلى اتفاق سلمي يحقق استقرار البلاد بدلاً من اللجوء إلى أساليب عسكرية غير مستدامة.
من الضروري أن يعمل الجيش السوداني على إرساء قواعد سليمة للتعاون المشترك مع المواطنين للدفاع عن البلاد، وعلى تقديم الحماية للمدنيين بدلاً من استخدامهم كأدوات في الصراعات الداخلية. وبدلاً من تحويل المواجهات إلى صراعات إثنية، يجب أن تسعى القوات السودانية لاحتواء التوترات والعمل على تعزيز التفاهم والتعايش السلمي بين الأعراق والقبائل المختلفة في البلاد.
أشار مديخير في تعليقه إلى أن تصريحات البرهان تكشف عن ضعف الجيش السوداني وعدم قدرته على حماية البلاد بشكل فعال. ينبغي للسودانيين أن يبتعدوا عن هذه المؤامرات التي تعكس خيبة الأمل في الجيش وتؤكد على أهمية التوصل إلى حل سلمي للنزاعات الداخلية.
يشير القيادي في الجبهة الديمقراطية للمحامين السودانيين، سمير الشيخ، إلى أن الدعوة مدعومة بالتيار الإسلامي المشارك عبر كتائب إسلامية مثل كتيبة البراء بن مالك والمعتصم بالله التي شاركت في المعارك في الخرطوم وبعض الولايات.
ويرى الشيخ أن تشكيل مقاومة شعبية مسلحة ينبغي أن يتم على أسس وقواعد محددة، مثل التطوع واجتياز اختبارات عسكرية وتسجيل المؤهلين وتصنيفهم والحرص على عدم قبول أصحاب السوابق. ومن جهة أخرى، إطلاق الدعوة بهذا الشكل العشوائي وغير المنظم يوحي بأنها ليست دعوة مشروعة.
تداعيات هذه الدعوة وتشكيل المقاومة الشعبية المسلحة قد تكون كارثية على الاستقرار الأمني في السودان، حيث تزيد حدة التوترات والاشتباكات بين القوى المختلفة، وتزيد فرص وقوع حروب واشتباكات داخلية في البلاد. كما يمكن أن تتسبب في تدهور الحالة الاقتصادية والاجتماعية في البلاد، مما يعزز حدة العنف والتوترات.
وصفة لإشعال حرب أهلية
ويقول مراقبون إن ما يحضَّر ويُجهَّز هي وصفة لإشعال حرب أهلية، ووضع بعض المواطنين في مواجهة بعض بعد أن فشلت تحركات سابقة عقب اندلاع شرارة الحرب في الوصول إلى هذه النقطة في إقليم دارفور، وتمكنت قيادة الدعم السريع من التوصل إلى تفاهمات مع الحركات المسلحة والقيادات الأهلية لحفظ الأمن.
ويضيف هؤلاء المراقبون أن وصفة الحرب الأهلية التي يشرف عليها أنصار البشير لن تُفلح في تحقيق أغراضها، لأن التجاوب مع حمل السلاح لن يكون كبيراً، حيث تدرك فئة من المواطنين أخطار الفخ الذي سوف يقود إلى خسائر فادحة، وأن نسبة التجاوب قد تكون منحصرة في ولايات شرق وشمال السودان التي حرّضت قيادات أهلية داخلها على حمل السلاح منذ فترة، بوصفها المحطة المقبلة لقوات الدعم السريع.
يجب علينا أيضاً أن نفهم أن هناك خطراً داخلياً وإقليمياً يترتب على تسليح المجتمع، إذ يمكن أن يؤدي ذلك إلى زعزعة الاستقرار في المناطق التي تشهد اضطرابات، ومن ثم يتيح للجماعات المتطرفة والإرهابية فرصة للتسلل والتوغل. على سبيل المثال، إذا كانت الجماعات المتطرفة قد استطاعت حشد الدعم في هذه المناطق وزرع الفوضى، فقد يصبح الأمر أكثر تعقيداً للقوات الأمنية والجيش في استعادة السيطرة وتحقيق الاستقرار.
على هذا النحو، يتبين أنه لا يمكن الجزم بشكل قاطع بنجاح عمليات الاستنفار في استعادة ما فقده الجيش السوداني أو أنها آخر ما بيد الإسلاميين للعودة للحكم. الأمر يتطلب تقييماً دقيقاً للأهداف والنيات والتحركات المستقبلية للقوى الإسلامية في البلاد. بالإضافة إلى ذلك، يجب أن يتم تحليل الوضع السياسي والأمني في السودان والمنطقة بشكل متكامل لتقييم التداعيات المحتملة لهذه العمليات.
خلاصات
يجب على الحكومة السودانية والجيش والأطراف السياسية الأخرى أن تتعاون سوياً لإعادة بناء الدولة، وإيجاد حلول للأزمة الحالية بعيداً عن سيناريوهات التفكك والإنهيار التي باتت قريبة جداً في ظل التطورات التي يشهدها الصراع في السودان، خصوصاً أن لدى السودانيين تجاربَ في تسليح المدنيين أدّت إلى تأجيج الصراعات كما حدث في إقليم دارفور غربي البلاد حيث اندلع النزاع عام 2003 وراح ضحيته 300 ألف قتيل ونزح 2.5 مليون من منازلهم، وفقاً للأمم المتحدة.
فمنذ اندلاع القتال في أبريل، أودت الحرب في السودان بأكثر من 12190 شخصاً، وفق تقديرات منظمة "أكليد"، وهي تقديرات غير دقيقة. كما تسببت بنزوح أكثر من سبعة ملايين شخص داخل البلاد وخارجها، بحسب الأمم المتحدة.
ومن المهم أن نفهم أن عمليات الاستنفار وتسليح المجتمع في حرب السودان ليست تحدياً بين الجيش والمتمردين فحسب، بل هي تحدٍّ يتعلق بالاستقرار والأمن الإقليمي. لذا، ليس أمام الحكومة السودانية لمعالجة هذه التحديات والحفاظ على استقرار البلاد خيار آخر غير أن تركز جهودها على بناء الوحدة الوطنية والقبول بمقترحات إشراك جميع الأطراف السياسية في عملية السلام والتنمية. كما يجب على الجيش السوداني المضي قدماً في ملفات التفاوض المباشر المطروحة اقليميا.