ارتبط نهر الليطاني في لبنان بالصراع بين إسرائيل وحزب
الله اللبناني وقد أصرت إسرائيل مجدداً قبل اندلاع العمليات العسكرية الأخيرة
بانسحاب قوات الحزب إلى شمال النهر، فقد قال
وزير الخارجية الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، "إذا فشل العالم في سحب حزب الله
إلى ما وراء نهر الليطاني، فإن إسرائيل ستفعل ذلك".
في اليوم التالي، شنت إسرائيل موجات من الغارات الجوية
في أنحاء لبنان، لكن حزب الله وحلفاؤه اللبنانيون يرفضون ذلك بقوة، إذ قال رئيس
مجلس النواب اللبناني نبيه بري في وقت سابق إنه من الأسهل نقل نهر الليطاني إلى
الحدود مع إسرائيل، بدلاً من نقل حزب الله إلى ما وراء النهر.
الأهمية الأمنية والسياسية
يبلغ طول نهر الليطاني، الذي يتدفق من الشرق إلى
الغرب، 170 كيلومترًا ، وهو المصدر الرئيسي للمياه في لبنان، وشريان حياة لخطط
التنمية الزراعية في جنوب لبنان ووادي البقاع، وتعتمد المنطقة على النهر لري 54
ألف هكتار من الأراضي، وتوفر المياه لـ 264 بلدة وقرية، موطنا لحوالي 794 ألف شخص،
أي ما يقرب من خمس سكان لبنان.
يشق النهر جنوب لبنان إلى منطقتين الأولى تسمى "شمال الليطاني" باتجاه العاصمة بيروت، والثانية تسمى "جنوب الليطاني" باتجاه الحدود مع إسرائيل. وطالما شكّل نهر الليطاني في جنوب لبنان مرجعية جغرافية لتحديد أهداف عسكرية ولوجستية للجيش الإسرائيلي، على الأقلّ، منذ العام 1978. في ذلك العام ، حملت العملية العسكرية الإسرائيلية اسم "عملية الليطاني"، وكان هدف القوات الإسرائيلية إبعاد المقاتلين الفلسطينيين عن الحدود الإسرائيلية إلى ما بعد نهر الليطاني. يقول الخبير الأمني والعسكري اللبناني عماد مراد لموقع قناة الحرة، إن هذا الهدف حققته إسرائيل إلى حدّ كبير، بعد قصف مركّز دام لسبعة أيام لمواقع عسكرية للفلسطينيين في قرى لبنانية وفي المخيمات الفلسطينية.
وقد توغل الجيش الإسرائيلي حينها برياً وسيطر على
المنطقة في جنوب لبنان حتى نهر الليطاني، وانسحب منها بعد ثلاثة أشهر إلى الحدود
الدولية. الجغرافيا لا تزال نفسها منذ 1978، لكن تبدّلت أمور كثيرة، منها التطور
العسكري، التجمعات السكانية، الديموغرافيا، وطبيعة الظروف المحلية والإقليمية،
(موقع قناة الحرة 1 أكتوبر 2024).
تم ذكر نهر الليطاني في قرار مجلس الأمن الدولي رقم
1701 الذي أنهى حرب إسرائيل على لبنان عام 2006، وفي 11 أغسطس 2006، اعتمد مجلس
الأمن القرار 1739، الذي يدعو إلى وقف كامل للأعمال العدائية بين لبنان وإسرائيل
وإقامة منطقة منزوعة السلاح بين الخط الأزرق (الحدود بين لبنان وإسرائيل) ونهر
الليطاني، مما يسمح فقط للجيش اللبناني وقوات الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان
(اليونيفيل) بامتلاك الأسلحة والمعدات العسكرية في المنطقة، وينص القرار 1701 على
أن تقوم الحكومة اللبنانية وقوات اليونيفيل بنشر قواتها في المنطقة الواقعة جنوب
الليطاني، بينما يدعو إسرائيل أيضا إلى سحب كل قواتها إلى ما وراء الخط الأزرق.
هواجس إسرائيلية
يمكن فهم الإصرار الإسرائيلي على انسحاب حزب الله من
نهر الليطاني، لرغبتها بإبعاده من هذه المنطقة القريبة من حدودها، وتحييد قدرات
الصواريخ من خلال تشكيل منطقة عازلة لتأمين شمال إسرائيل، بحيث تكون هذه المنطقة
أبعد من مدى الصواريخ التي يمتلكها حزب الله، فالمسافة بين النهر وحدود لبنان مع
الأراضي الإسرائيلية تبلغ مسافة لا تزيد عن 30 كلم، كما أن بعض زوايا النهر تعد
محاذية بمسافة تبعد 5 كلم عن بعض المستوطنات، خاصة المطلة على منطقة الجليل التي
دائماً ما تتعرض للاستهداف من قبل حزب الله، وبالتالي تشكل صواريخ حزب الله
اللبناني القريبة من الأراضي الإسرائيلية هاجساً مستمرا لإسرائيل.
هذا القرب في المسافة بين النهر والأراضي والمستوطنات
الإسرائيلية يشكل هاجسا إسرائيليا مستمرا من تمكن حزب الله من التسلل إلى البلدات
المجاورة ، وبالتالي حدوث خرق أمني يزيد من الضغط على حكومة بنيامين نتنياهو.
كما أن الإصرار الحالي لإسرائيل يأتي نتيجة لوعودها بتأمين
المنطقة الشمالية وإعادة اللاجئين إليها ، وما يزيد من الإحراج لإسرائيل هو دخول قادتها
وحزب الله في جدل ومراهنات حول قدرة تل أبيب على إعادة هؤلاء إلى مناطقهم.
أهمية الليطاني لحزب الله
على
الرغم من التهديدات والضغط العسكري الإسرائيلي على حزب الله، إلا أن الأخير لا
يزال يرفض الانسحاب من هذه المنطقة، وهذا يعود إلى عدة أسباب، أبرزها: القلق لدى
حزب الله من خسارة ورقة ضغط قوية على إسرائيل تتمثل بتهديد الأراضي والمستوطنات
الإسرائيلية القريبة، وبالتالي لا يريد الحزب خسارة عامل ردع كان يستخدمه ضد تل
أبيب في حال تزايدت حدة التوتر بين الطرفين.
كما قد يرى حزب الله بأن انسحابه من هذه المنطقة كمقدمة
لانكفائه داخل العمق اللبناني، وبالتالي ظهور خطط إسرائيلية مستقبلية لملاحقته في
الداخل، خاصة بأن الضربات القوية الأمنية والعسكرية التي وجهتها تل أبيب للحزب، وصولاً
إلى اغتيال أمينه العام حسن نصر الله وقيادات بارزة أخرى، والحديث عن إمكانية
عملية برية ضده تبعث برسائل مقلقة مفادها بأن إسرائيل تخطط لما هو أكبر من مسألة
انسحاب الحزب من الليطاني، حيث تخطط للقضاء على حزب الله بشكل كامل.
ينقسم جنوب الليطاني إلى ثلاثة قطاعات: الغربي،
والأوسط الذي يعد مركز حزب الله شعبياً وعسكرياً، والشرقي. وجميع هذه القطاعات تضم
عدة نقاط تماس بين مقاتلي حزب الله والجيش الإسرائيلي.
ولمنطقة جنوب الليطاني أهمية استراتيجية، فهناك
المواقع العسكرية والبنية التحتية التي أنشأها حزب الله بالقرب من الحدود
الإسرائيلية الشمالية، كما أن بُعدها الجغرافي القريب من إسرائيل جعلها منطقة
ساخنة للاشتباكات المسلحة بين الطرفين (بي بي سي، 8 أكتوبر 2024).
ويشير المراقبون إلى أن التركيبة الديموغرافية جنوب
الليطاني، حيث 75% من السكان هم من الشيعة، تفسر جزئياً إصرار حزب الله على البقاء
في المنطقة ورفضه الانسحاب إلى ما وراء النهر، حيث تبلغ مساحة المنطقة الواقعة
جنوبه نحو 850 كيلومتراً مربعاً ، يسكنها نحو 200 ألف نسمة، 75% منهم من المسلمين
الشيعة، بينما يتألف الـ25% الباقية من المسلمين السنة والدروز والمسيحيين، ويمثل
هذه المنطقة في البرلمان اللبناني الذي يتألف من 128 مقعداً تسعة نواب شيعة وثلاثة
نواب من الأقليات. وتعمل قوات اليونيفيل في جنوب لبنان منذ 28 عاماً بموجب قرار
الأمم المتحدة رقم 425 (وكالة الاناضول – 25 سبتمبر 2024).
الجيش اللبناني مستعد للتدخل!
رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية نجيب ميقاتي سارع في
الـ 30 سبتمبر خلال محادثات أجراها مع رئيس مجلس النواب نبيه بري، أن لبنان مستعد
لتطبيق القرار الأممي 1701، وإرسال الجيش إلى جنوب الليطاني لـ"يقوم بمهامه
كاملة مع قوات حفظ السلام"، كما قال ميقاتي بعد لقائه وزير الخارجية الفرنسي
جان نويل بارو وبري، إن لبنان "يتعهد بإرسال الجيش إلى الجنوب بعد وقف إطلاق
النار وإطلاق مسار المفاوضات"، مشدداً على أنه "لا بديل لدينا عن مبادرة
وقف إطلاق النار.
لكن على الرغم من هذه الدعوات والتحركات الرسمية
اللبنانية، إلا أنها لم تأخذ أي نوع من الزخم والاهتمام من طرفي الحرب وذلك نتيجة
لأن الأجواء لا تزال متجهة للتصعيد، وخاصة في ظل انتظار الرد الإسرائيلي على
الهجمات الإسرائيلية الأخيرة ، حيث يتوقع بأن يشمل جزء كبير من هذا الرد شن المزيد
من الهجمات على حزب الله ، وبالتالي استمرار التوتر والتصعيد بين الطرفين، ومن
المستبعد أن يستطيع الجيش اللبناني القيام بأي دور في هذه المرحلة دون أن يكون
هناك اتفاق برعاية إقليمية ودولية بشأن وقف إطلاق النار والذهاب للتهدئة.
ويشير مسؤولون أمريكيون وإسرائيليون وفقاً لما نقل
معهد واشنطن بتاريخ 8 أكتوبر إلى أن تنفيذ "قرار مجلس الأمن رقم 1701"
سيتطلب نشر حوالي 6,000 جندي من الجيش اللبناني للقيام بدوريات في منطقة الحدود
اللبنانية مع إسرائيل، بالتعاون مع حوالي 11,500 من "قوة الأمم المتحدة
المؤقتة في لبنان" ("اليونيفيل"). وبعد انسحاب جميع العناصر
المسلحة لـ "حزب الله"، سيكون من المفترض أن تتمكن هذه القوات من التحرك
بحرية في جميع المناطق الواقعة جنوب نهر الليطاني، والبحث بنشاط عن الأسلحة
المتبقية والاستحواذ عليها، وتفكيك المواقع الحزب ، وبنيته الأساسية، ومنصات
الإطلاق والأنفاق التابعة له، وضمان عدم إعادة تسلل عناصر الحزب إلى المنطقة. ورغم
أن هذه العملية المشتركة بين الجيش اللبناني و"قوات اليونيفيل" تبدو غير
محتملة، إلّا أن موافقة "حزب الله" قد تتيح تنفيذ هذه الجهود وتجنب
المواجهة العسكرية المباشرة بين الدولة والميليشيا المدعومة من إيران.
في الأشهر الأخيرة، حاولت إدارة بايدن إقناع "حزب
الله" بقبول وقف إطلاق النار يستند إلى إحياء هذا القرار دون تحقيق أي نجاح.
والآن، ومع تدهور القدرات العسكرية لـ "حزب الله" وتعطل قيادته وسيطرته،
قد يعيد الحزب النظر في موقفه المعارض لكن في الوقت الحالي فإن الحديث عن وقف
إطلاق النار والتوصل إلى تسوية تفاوضية أمر سابق لأوانه ويحتاج المزيد من الوقت.