دراسات أمنية

عودة إلى معاهدة (ستارت) لتخفيض الأسلحة الاستراتيجية

05-Dec-2022

أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن أن واشنطن قررت استئناف المفاوضات حول الحد من الأسلحة النووية مع الاتحاد الروسي، حتى مع تصاعد الخلاف بشأن الحرب في أوكرانيا. وقد تقرر أن يكون الاجتماع في القاهرة يوم 29 نوفمبر 2022، بالرغم من تهديد موسكو باستخدام الأسلحة النووية في سبتمبر الماضي. وتعتبر هذه هي المرة الأولى التي تستضيف فيها مصر محادثات نووية.

سبق أن أعلنت واشنطن توقف المفاوضات النووية مع موسكو بعد بدء العملية الروسية في أوكرانيا، وبهذا الإعلان توقف عمل معاهدة "ستارت الجديدة" بين الجانبين، ولزم لإعادة تفعيلها مفاوضات جديدة، وربما شروط جديدة ملزمة لكلا الطرفين خاصة مع تطورات الأزمة الأوكرانية.

وقال مسؤولون أمريكيون إن محادثات القاهرة قد تمثل الخطوة الأولى من قبل الجانبين لإحياء أجندتهما المشتركة للحد من التسلح، حيث تمثل المحادثات اختباراً كبيراً لقدرة الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا على إجراء مفاوضات دبلوماسية على مستوى عال بشأن القضايا عالية المخاطر، فقد قال الجنرال مارك ميلي، كبير الضباط العسكريين الأمريكيين، لـ"فورين بوليسي" إن ما لا يقل عن 100 ألف جندي روسي قتلوا أو أصيبوا منذ بدء الغزو، فهل سيكون ذلك دافعاً لروسيا للبدء في مفاوضات جادة حول المحادثات النووية؟. (Gramer:2022).

ومن المعروف أن مفاوضات الحد من التسلح، انتقلت من التركيز على نزع السلاح الشامل خلال الفترة (1925-1958)، إلى محاولات تنفيذ تدابير جزئية (1959-1968)، وإلى المحادثات الثنائية (1969-1979)، ثم إلى إعادة التقييم وإعادة التموضع من قبل الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي (1980-1991)، لتنتقل بعدها إلى الوضع الحالي الرامي لتحقيق تخفيض للأسلحة الاستراتيجية منذ عام 1991 إلى الوقت الراهن. وبشكل أساسي، لا تزال مفاوضات الحد من الأسلحة النووية تشكل نشاط القوى العظمى الرئيسي. وفي هذه الدراسة نستعرض بالتحليل معاهدة "ستارت" منذ توقيع إصدارها الأول في عام 1991، ومراحل تطورها حتى المحادثات الجارية، وشروطها، ومدى التزام الطرفين بها، واستشراف مستقبلها.

معاهدة "ستارت الأولى" "START I"

تسلم الرئيس الأمريكي رونالد ريغان منصبه في عام 1981، وهو يخطط لتوسيع القدرات النووية الأمريكية لمواجهة المزايا السوفيتية النووية المتصورة. لكنه أعلن منذ البداية الالتزام باتفاقيات الحد من الأسلحة النووية مع موسكو. ومع ضغوط الكونغرس عليه، حددت إدارته موقفها التفاوضي للتعامل مع الملفات الخاصة بالصواريخ متوسطة المدى، والأسلحة الاستراتيجية بعيدة المدى، والدفاعات الصاروخية البالستية. وبدأت هذه المفاوضات تؤتي ثمارها في النصف الأخير من الولاية الثانية له. (Woolf: 21 April 2022, p. 32).

وقبل أربع سنوات من سقوط الاتحاد السوفيتي، وفي ديسمبر 1987، قام الرئيس ميخائيل غورباتشوف بزيارة واشنطن ولقاء ريغان للتوقيع على معاهدة الصواريخ النووية متوسطة المدى Intermediate-Range Nuclear Forces Treaty واختصارها (INF)، وبموجبها وافقت الولايات المتحدة على تدمير الصواريخ البالستية قصيرة المدى التي تطلق من الأرض وصواريخ "كروز" الأرضية التي يتراوح مداها بين 500 و5500 كيلومتر. وبدوره دمر الاتحاد السوفيتي 1846 صاروخاً، بما في ذلك 654 صاروخاً من طراز (SS-20) حملت ثلاثة رؤوس حربية لكل منها، ما أدى إلى خفض أكثر من 3100 رأس حربي تم نشره. والقضاء على فئات كاملة من الأسلحة التي اعتبرها الطرفان حديثة وفعالة. وأعلن الطرفان اتفاقاً بشأن إطار عمل لاتفاقية جديدة للحد من الأسلحة الهجومية الاستراتيجية، عرفت باتفاقية Strategic Arms Reduction Treaty واختصارها (START)، وقد وقعها الرئيسان الأمريكي جورج بوش والسوفيتي غورباتشوف في 31 يوليو 1991 قبل أربعة أشهر من انهيار الدولة السوفيتية. (Schenck: 2012, p. 427).

وبموجب المعاهدة تم نقل 375 قاذفة جوية ثقيلة من طراز B-52 Stratofortress إلى مركز صيانة في قاعدة ديفيس مونثان الجوية في أريزونا، وفيها تم تجريد القاذفات من جميع الأجزاء القابلة للاستخدام، من محركات وأجهزة تحكم والأجزاء الأخرى التي قد تكون ضرورية لصيانة الأسطول الجوي الأمريكي، ثم تم تقطيعها إلى خمس قطع بواسطة شفرات فولاذية. وبقيت القاذفات التي تم تشريحها في مكانها لمدة ثلاثة أشهر حتى تتمكن الأقمار الاصطناعية الروسية من تأكيد تدميرها، ثم تم بيعها خردة، وقام المقاولون المدنيون بحصد 150 ألف رطل من الألمنيوم والمعادن الأخرى. (Walton: 2008).

وبعد انهيار الاتحاد السوفيتي، انتقلت الالتزامات التعاهدية إلى اثنتي عشرة دولة خلفت الاتحاد، بعد أن دعتهم بيلاروسيا تحت قيادة زعيمها الديمقراطي ستانيسلاف شوشكيفيتش، إلى اجتماع في عام 1992، في مقر رابطة الدول المستقلة في مينسك، وتحدثت معهم حول المعاهدات النووية، وانتهى الاجتماع إلى إبلاغ موسكو وواشنطن بأنهم يخضعون للحظر النووي ومستمرون في العمل بالاتفاقيات. ثم وافقت كل من روسيا وبيلاروسيا وأوكرانيا وكازاخستان والولايات المتحدة على توقيع بروتوكول لشبونة في 23 مايو 1992. وبموجبه تصبح جميع الدول الخمس أطرافاً في معاهدة "ستارت". كما وافقت بيلاروسيا وأوكرانيا وكازاخستان على إزالة جميع الأسلحة النووية من أراضيها، وإعادتها إلى الاتحاد الروسي، ثم انضمت هذه الدول الثلاث لاحقاً إلى "معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية" كدول غير حائزة للأسلحة النووية. (Budjeryn: 2019).

وألزمت معاهدة "ستارت" الاتحاد الروسي والولايات المتحدة، بالإضافة إلى الدول التي انضمت إليها لاحقاً وتمتلك أسلحة نووية، بإخطار بعضها البعض بأي اختبار للصواريخ البالستية العابرة للقارات، بما في ذلك الموجودة في الغلاف الجوي العلوي أو الفضاء. كما سمحت بنشر 1600 مركبة نووية استراتيجية تحمل 6000 رأس حربي تقليدي. ومن بين 4900 مركبة خاصة بنقل الصواريخ يمكن نشر 1100 فقط لحمل صواريخ بالستية عابرة للقارات.

وكان من المقرر أن يتم تنفيذ المعاهدة على ثلاث مراحل خلال سبع سنوات، يلتزم فيها الطرفان بتبادل البيانات، والتفتيش على المواقع، وإخطارات الإطلاق، والسماح بكل الوسائل التقنية التي يمتلكانها للتحقق. ومنع كلا الجانبين من تطوير واختبار صواريخ استراتيجية جديدة دون إخطار الجانب الآخر. وقد حققت "ستارت 1" نجاحاً كبيراً، فكانت أول اتفاقية تتطلب إزالة ما يقرب من 50% من الرؤوس الحربية المنتشرة التي يمتلكها الطرفان. وتم تحديد مدة المعاهدة بـ15 عاماً، مع وجود إمكانية تسمح للأطراف بتمديد المعاهدة لفترات متتالية مدتها 5 سنوات في كل مرة. (Schenck: 2012, p. 428).

وعلى الرغم من الوضوح الذي اتسمت به معاهدة "ستارت"، لكنها لم تدخل حيز التنفيذ حتى 5 ديسمبر 1994، بسبب الوقت الذي أخدته كل من بيلاروسيا وأوكرانيا وكازاخستان في إكمال عملية الانضمام إلى معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية. فقد رفض مجلس الدوما الروسي في جلسة 4 نوفمبر 1992 تبادل وثائق التصديق على المعاهدة حتى تنضم بيلاروسيا وأوكرانيا وكازاخستان إلى معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية. وبعد إتمام الإجراءات تبادلت أطراف "ستارت" الخمسة وثائق التصديق، التي دخلت حيز التنفيذ في عام 1994. (Arms Control Association, December 2020).

معاهدة "ستارت الثانية" "START II"

بعد فترة وجيزة من توقيع معاهدة "ستارت"، قام الرئيس الأمريكي جورج بوش والرئيس الروسي بوريس يلتسن في 3 يناير 1993 بالاتفاق على معاهدة جديدة، تعرف باسم "ستارت 2". يتم بموجبها تخفيض فترة "ستارت الأولى" إلى سبع سنوات، بدلاً من خمسة عشر عاماً. وكان القصد من "ستارت 2" التحرك نحو تخفيضات أكبر للأسلحة الاستراتيجية التي تحققت بموجب "ستارت الأولى". وقررت كل من واشنطن وموسكو تخفيض إجمالي الرؤوس الحربية المنشورة من 6000 بموجب الاتفاقية الأولى إلى حوالي 3500، كما تم الاتفاق على حظر الصواريخ البالستية العابرة للقارات المزودة برؤوس حربية من طراز (MIRVed). (للاطلاع على نص المعاهدة: http://bit.ly/3OAnj1h ). وصدَق مجلس الشيوخ الأمريكي على المعاهدة في 26 يناير 1996 بأغلبية 87 صوتاً مقابل 4 أصوات. ومع ذلك، تأخر التصديق الروسي في مجلس الدوما لسنوات عديدة. وتم تأجيله عدة مرات للاحتجاج على العمليات العسكرية الأمريكية في العراق وكوسوفو، ولمعارضة توسع "الناتو" في أوروبا الشرقية. ومع مرور السنين، أصبحت المعاهدة أقل أهمية، وبدأ الجانبان يفقدان الاهتمام بها. (Pacer: 2015, p. 140, 141).

وهكذا، لم تدخل المعاهدة الجديدة حيز التنفيذ، لأن تصديق مجلس الدوما الروسي عليها في 14 إبريل 2000 كان مشروطاً بموافقة مجلس الشيوخ الأمريكي على اتفاقيات معينة تفاوضت عليها الولايات المتحدة والاتحاد الروسي لتحديث "معاهدة الصواريخ المضادة للصواريخ البالستية" المعروفة اختصاراً بـ(ABM). ولم تحدَث هذه الموافقة أبداً بسبب المعارضة القوية في مجلس الشيوخ للمعاهدة. حيث عارض فصيل من الجمهوريين بقيادة جيسي هيلمز أية قيود على أنظمة الصواريخ الأمريكية المضادة للصواريخ البالستية. ووفقاً لذلك، ومع تعطل التصديق لسنوات، أعلن الاتحاد الروسي انسحابه من معاهدة "ستارت 2" في 14 يونيو 2002. (Shoumikhin: 2011, p.120).

لم يكن لقرار الاتحاد الروسي بالانسحاب من "ستارت 2" نتائج سلبية تذكر بسبب معاهدة موسكو التي وقعها الرئيسان جورج دبليو بوش وفلاديمير بوتين في 24 مايو 2002، وعرفت اختصاراً باسم (SOLT)، ودعت إلى تخفيضات في الأسلحة الهجومية الاستراتيجية تتجاوز بكثير تلك الموصوفة في معاهدة "ستارت 2". وكان من المقرر تخفيض مجموع الرؤوس الحربية النووية المنشورة إلى مستوى يتراوح بين 1700 و2200 بحلول 31 ديسمبر 2012. وعلى الرغم من انسحاب روسيا من "ستارت 2"، لكن الطرفان اتفقا على أن تظل جميع الأحكام الأخرى لمعاهدة "ستارت" لعام 1991 سارية، بما في ذلك نظام التحقق والتفتيش. (Arms Control Today: 2002, p.13).

وأثناء التفاوض حول تفعيل "ستارت" وتطويرها، كشف الرئيس جورج دبليو بوش عام 2003 النقاب عن مبادرة أمن الانتشارProliferation Security Initiative (PSI)، وهي جهد عالمي يهدف إلى وقف تهريب أسلحة الدمار الشامل وأنظمة إيصالها والمواد ذات الصلة من وإلى الدول والجهات الفاعلة غير الحكومية التي تثير قلقاً. وهي مبادرة غير ملزمة قانوناً بين الدول ذات التفكير المماثل التي تسعى إلى منع انتشار الأسلحة من خلال وسائل استباقية، كالحظر، واعتراض عمليات النقل في حدود قدراتها وسلطاتها القانونية، بالإضافة إلى تطوير إجراءات تبادل المعلومات مع البلدان الأخرى، وتعزيز السلطات القانونية الوطنية لتسهيل عمليات الاعتراض والمنع. وقد انضمت أكثر من 90 دولة إلى نظام (PSI) الطوعي وغير القائم على معاهدة. وعكس هذا الالتزام رغبة المجتمع الدولي في منع وقوع أسلحة الدمار الشامل وأنظمة إيصالها والمواد ذات الصلة في أيدي الإرهابيين. (للمزيد من التفاصيل حول المبادرة: Nuclear Threat Initiative, http://bit.ly/3OwU3sb).

معاهدة "ستارت الجديدة" "New Start"

حينما انتهت صلاحية معاهدة "ستارت الأولى" في 4 ديسمبر 2009. أعلنت الولايات المتحدة والاتحاد الروسي عن رغبتهما في إبرام معاهدة جديدة تحل محل "ستارت الأولى"، وبناءً عليه أجرت وفود أمريكية وروسية محادثات مطولة بقيادة روز جوتيمولر مساعدة وزيرة الخارجية الأمريكية عن الجانب الأمريكي، وأناتولي أنتونوف، مدير الأمن ونزع السلاح بوزارة الخارجية الروسية من الجانب الروسي. وانتهت المفاوضات إلى توقيع الرئيسان أوباما وميدفيديف في 8 إبريل 2010 على معاهدة "ستارت الجديدة"، حيث اتفقا على الإبقاء على نص المعاهدة الأساسي، وكتابة بروتوكول يحتوي على حقوق والتزامات إضافية، وسلسلة من الملاحق الفنية. وتقرر أن تحل المعاهدة محل معاهدة موسكو (SORT) التي كان  من المقرر أن تنتهي في ديسمبر 2012، وكافة المعاهدات الأخرى التي تم التفاوض بشأنها ولم تدخل حيز التنفيذ. (Schenck: 2012, p. 432).

وقد قررت هذه المعاهدة الجديدة خفض الرؤوس الحربية النووية الاستراتيجية المنشورة إلى 1550، أي أقل بنسبة 74% من المنصوص عليه في معاهدة "ستارت الأولى" لعام 1991، وأقل بنسبة 30% من حد الرؤوس الحربية الاستراتيجية المنشورة في معاهدة موسكو لعام 2002. (The White House: Key Facts, 2010) مع الأخذ في الاعتبار إمكانية أن يتجاوز العدد الإجمالي للرؤوس الحربية حد 1550 ببضع مئات لأنه يتم احتساب رأس حربي واحد فقط لكل قاذفة بغض النظر عن العدد الذي يحمله بالفعل. (O'Hanlon: 2010).

كما حددت المعاهدة عدد قاذفات الصواريخ البالستية العابرة للقارات المنتشرة وغير المنتشرة، وقاذفات الصواريخ البالستية التي تُطلق من الغواصات، وتحجيم القاذفات الثقيلة المجهزة للأسلحة النووية إلى 800. أيضاً عدم زيادة عدد قاذفات القنابل المجهزة للأسلحة النووية عن 700. وأصبح لكل طرف، ضمن حدود المعاهدة، القدرة على تحديد هيكل القوة الخاص به. وعلى غرار نظام التحقق لمعاهدة "ستارت الأولى"، تسمح المعاهدة الجديدة بالمراقبة عبر الأقمار الاصطناعية وعن بُعد. ولكن نظام التحقق ليس شاملاً كما كان في "ستارت الأولى". على سبيل المثال، لن يتم تبادل القياس عن بعد بين الأطراف في حدود خمس عمليات اختبار لإطلاق صواريخ بالستية عابرة للقارات كل عام. كما تتضمن أحكاماً لعمليات التفتيش في المواقع، بواقع 18 عملية تفتيش سنوياً للتحقق من عدم تجاوز الحدود المسموح بها، فضلاً عن تبادل البيانات، والإخطارات. وقد عكست هذه الشروط، وجود علاقة مرنة جديدة بين الولايات المتحدة والاتحاد الروسي. (للاطلاع على النص الكامل للمعاهدة: http://bit.ly/3VgNMTy ). واتفق الطرفان على أنه يجب الوفاء بهذه الالتزامات في غضون سبع سنوات من تاريخ دخول المعاهدة حيز التنفيذ، مع تحديد مدتها بعشر سنوات، مع خيار تجديدها لمدة تصل إلى خمس سنوات إضافية بموافقة الطرفين. (The White House: 2010).

وفي 13 مايو 2010، قدم الرئيس أوباما الاتفاقية للتصديق عليها في مجلس الشيوخ الأمريكي. وقد تطلب التصديق 67 صوتاً مؤيداً من أصل 100 عضو في مجلس الشيوخ. وفي 16 سبتمبر 2010، صوتت لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ بنحو 14 مقابل 4 لصالح التصديق على معاهدة "ستارت الجديدة". وحصل هذا الإجراء على دعم من ثلاثة أعضاء جمهوريين في مجلس الشيوخ، هم ريتشارد لوغار من إنديانا، وبوب كوركر من تينيسي، وجوني إيساكسون من جورجيا. (Wong: 2010).

وأعرب السناتور جون كيري ووزيرة الخارجية هيلاري كلينتون عن تفاؤلهما بقرب التوصل إلى اتفاق بشأن التصديق، على الرغم من أن جلسات الاستماع بشأن التصديق كانت مثيرة للجدل للغاية، مما يعكس المخاوف بشأن الامتثال الروسي لهذه المعاهدة ومعاهدة الدفاع الصاروخي واتفاقات المخزونات النووية. وقد طالب جون كيري بسرعة التوقيع على المعاهدة، فعلى حد قوله: "لا يوجد تهديد لأمننا القومي أكبر من خطر الأسلحة النووية، التي تحتاج من السياسيين إلى دعم كل خطوة ممكنة للسيطرة على انتشارها. ستارت الجديدة هي إحدى تلك الخطوات. ويشاركنا في هذا الرأي معظم الذين استغرقوا وقتاً لفهم المعاهدة والسياق الدولي الذي تم التفاوض فيه. وبدلاً من الخضوع للسياسة، نحتاج إلى المصادقة على هذه الاتفاقية بسرعة. كل يوم من دون نظام التحقق الخاص بها، هو يوم من دون رؤية واضحة للترسانة النووية الروسية". (Kerry: 2010).

كذلك طالب المجلس ضمن مناقشاته بالحصول على تعهد رئاسي يفيد بأن وسائل التحقق الفنية للولايات المتحدة كافية للتحذير من أي استعداد روسي لكسر المعاهدة، بالإضافة إلى شهادة رئاسية تفيد بأن الاتحاد الروسي سوف يمتثل للمعاهدة. وفي 22 ديسمبر 2010، وافق مجلس الشيوخ الأمريكي على قرار التصديق على معاهدة "ستارت الجديدة" بأغلبية 71 صوتاً مقابل 26. (Schenck: 2012, p. 432). وبدوره قدم الرئيس الروسي ميدفيديف في 28 مايو 2010 وثيقة المعاهدة لمجلس الدوما، الذي عقد جلسة الاستماع حولها في 6 يوليو، في حضور رجال وزارة الخارجية وهيئة الأركان العامة. وفي 8 يوليو، أوصت لجنة الدفاع بالتصديق على المعاهدة. ولكن في 29 أكتوبر، دعا رئيس لجنة الشؤون الدولية في الدوما كونستانتين كوساتشيف إلى إعادة الوثيقة إلى جلسات الاستماع، لأنها لا تقيد أنشطة الولايات المتحدة بشأن الدفاع الصاروخي، وأنها لا تشمل أيضاً الصواريخ البالستية ذات الرؤوس الحربية غير النووية. كما اقترح رئيس مجلس الاتحاد سيرجي ميرونوف عدم التسرع في التصويت على المعاهدة ومراقبة المناقشات في مجلس الشيوخ الأمريكي. وبناءً عليه وافق المجلس على قراءة ثانية للاتفاقية في 14 يناير 2011، وصوت 349 نائباً من أصل 450 لصالح التصديق. (Radio Free Europe: 2011). وبعد التصديق من قبل مجلس الشيوخ الأمريكي، تمت قراءة ثالثة وأخيرة في مجلس الدوما في 25 يناير 2011 وتمت الموافقة على قرار التصديق بتصويت 350 نائباً لصالحه، و96 ضده، وامتناع واحد. وتمت الموافقة عليه بالإجماع من قبل مجلس الاتحاد في اليوم التالي. وتم تبادل الصكوك الرسمية لمعاهدة "ستارت الجديدة" في 5 فبراير 2011.

وقد علق سيرجي لافروف بعد تبادل أوراق التصديق، وكان يشغل آنذاك منصب مندوب روسيا الدائم في الأمم المتحدة، بأن المعاهدة الجديدة "نتاج فهم أن المقاربات الأمنية أحادية الجانب تؤدي إلى نتائج عكسية". وأن "مبادئ المساواة والتكافؤ والأمن المتكافئ وغير القابل للتجزئة، تشكل أساساً متيناً للتفاعل الروسي الأمريكي اليوم في مجموعة من المجالات.. وأن المعاهدة التي تدخل حيز التنفيذ اليوم ستعزز الاستقرار الدولي". ومن جانبها بدأت الولايات المتحدة في تنفيذ التخفيضات المتفق عليها حتى قبل التصديق على المعاهدة. (Villagran:2011).

نقد الرأي العام الأمريكي للمعاهدة

أخذت مجموعة (Heritage Action for America) التابعة لمؤسسة (هيريتيج فاونديشن) تهاجم معاهدة "ستارت الجديدة" منذ البداية، وحاولت الضغط على مجلس الشيوخ، وأدارت حملة كبيرة ضدها. حتى إنها اجتذبت دعم المرشح الرئاسي لعامي 2008 و2012 ميت رومني، وكذلك زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ توم داشل. وكان من وجهة نظر المجموعة أن المعاهدة ستقلل من قدرة الأسلحة الأمريكية، ولن تقلل بالضرورة من قدرة روسيا، بل إن روسيا ستحتفظ بميزة توفر الأسلحة النووية التكتيكية التي لا تتضمنها المعاهدة.

أيضاً انتقدها روبرت جوزيف، وكيل وزارة الخارجية الأسبق للسيطرة على الأسلحة والأمن الدولي، وإريك إيدلمان، وكيل وزارة الدفاع للشؤون السياسية، واللذان قالا إن المعاهدة تضعف دفاعات الولايات المتحدة. كما قال المدير السابق لوكالة المخابرات المركزية جيمس وولسي إن التنازلات لصالح روسيا تجعل من الصعب دعم موافقة مجلس الشيوخ على المعاهدة الجديدة. (Butler: 2010). وأثناء النقاش في مجلس الشيوخ حول تصديق الولايات المتحدة على المعاهدة، اتهم السناتور الجمهوري جيمس إينهوف روسيا بأنها تغش في كل معاهدة للحد من الأسلحة تبرمها مع الولايات المتحدة، مما أثار ضجة عليه في وسائل الإعلام الروسية آنذاك. (Kyl: 2020).

وانتقد جون كيري هجوم ميت رومني على المعاهدة، ورد عليه بأن المعاهدة لن يكون لها أي تأثير في قدرة واشنطن على بناء دفاعات صاروخية بالستية ضد إيران أو كوريا الشمالية أو تهديدات أخرى من مناطق أخرى. كما انتقد الآراء التي تقول إن روسيا يمكن أن تستخدم اللغة في ديباجة المعاهدة كذريعة للانسحاب إذا قامت الولايات المتحدة بتقوية دفاعها الصاروخي. وقال: "باختصار، هذا كله هراء. الديباجة ليست ملزمة قانوناً. فقد سمحت كل معاهدة للحد من الأسلحة منذ إدارة كينيدي لأي من الطرفين بالانسحاب إذا شعر أن مصالحه الوطنية تتعرض للخطر". (Kerry: 2010).

وانتقد الكاتب السياسي ديفيد هوفمان الآراء التي تبنتها "ليبرتي سنترال" ضد المعاهدة، والتي أعربت عن قلقها من أن الاتفاق يحد من الظروف التي يسمح فيها للولايات المتحدة بإطلاق أسلحتها. وقال إن اختراع الصواريخ ورؤوسها الحربية التدميرية كان للردع، ولحمل الطرف الآخر على عدم اتخاذ أي إجراء، فهي تستخدم كملاذ أخير. ولم يتم نشرها منذ بدايات الحرب الباردة لأي غرض آخر. إنها أيقونات قوة فقط، ومع مرور السنين، فقدت في الواقع الكثير من منفعتها العسكرية، وأصبحت أسلحة سياسية. (Hoffman: 2010).

عمليات المراقبة والتفتيش

عندما دخلت معاهدة "ستارت الجديدة" حيز التنفيذ في عام 2011، أصبح لكلتا الدولتين حق البدء في إجراء عمليات التفتيش في المواقع. بواقع 18 عملية تفتيش لكل منهما سنوياً، والتي تنقسم إلى فئتين: الأولى خاصة بالقواعد العسكرية التي تضم فقط الصواريخ البالستية العابرة للقارات والقاذفات. والثانية تشمل عمليات التفتيش على المرافق العسكرية. وتسمح المعاهدة بإجراء 10 عمليات تفتيش من الفئة الأولى و8 من الفئة الثانية كل عام. ويتم الإعلام بوصول فريق تفتيش في غضون 32 ساعة قبل الموعد. 

وأظهرت البيانات المتبادلة بين الولايات المتحدة وروسيا، أن الأخيرة لم تكن حتى عام 2016 تحافظ على تقدم ملحوظ في عمليات تخفيض الأسلحة الاستراتيجية لتصل إلى سقف المعاهدة المحدد له شهر فبراير 2018. فقد تحركت صعوداً فوق الحد الأقصى في الرؤوس الحربية المنتشرة مع استمرار انخفاض عدد الرؤوس الحربية الأمريكية. وفي حين أن ذلك كان مخيباً للآمال آنذاك، ويرسل إشارات غير مطمئنة، لكن الزيادة في مجموع الرؤوس الحربية الروسية لم تكن مهمة عسكرياً، ولا تشير بالضرورة إلى نية التهرب من حدود المعاهدة عندما تصبح ملزمة في عام 2018. وبدلاً من ذلك، يمكننا النظر إلى حساسية موسكو السياسية حول كونها أقل قوة من الولايات المتحدة. (Thielmann: 2016).

ويرى هانز كريستنسن الباحث في اتحاد العلماء الأمريكيين أنه منذ عام 2011، أشارت نتيجة أعمال التفتيش المستمرة إلى أن كلتا الدولتين خفضتا المخزون بشكل جيد. وبحلول فبراير 2018، وصل الطرفان إلى أهداف التخفيض ضمن حدود المعاهدة. فتظهر التصريحات أن روسيا والولايات المتحدة في عام 2018 أصبحتا تملكان ما مجموعه 2794 رأساً حربياً على 1179 منصة إطلاق استراتيجية منتشرة، بالإضافة إلى 400 قاذفة غير منتشرة، فارغة أو قيد الإصلاح، أو تنتظر التدمير. وبمقارنة بسيطة نجد أن نفس الفئات في عام 2011 كانت تبلغ 3337 رأساً حربياً تم تركيبها على 1403 قاذفات استراتيجية منتشرة، مع 586 قاذفة إضافية غير منتشرة. (Kristensen: 2018). ومن المعروف أن عام 2018 تحديداً هو العام الذي وصل فيه الطرفان إلى تحقيق الهدف من المعاهدة.

لا يعني ذلك أن التخفيض توقف عند عام 2018، فعمليات تبادل البيانات أظهرت أنه خلال الأعوام من 2018 إلى 2021، واصلت روسيا الامتثال لقيود "ستارت الجديدة". فقد أفادت في سبتمبر 2018، أن لديها 1420 رأساً حربياً محمولاً على 517 صاروخاً بالستياً عابراً للقارات، ونشرت صواريخ (SLBM) وقاذفات ثقيلة، بمجموع 775 قاذفة صواريخ ثابتة ومتحركة. كما أفادت في 1 مارس 2019 أن لديها 1461 رأساً حربياً محمولاً على 524 صاروخاً بالستياً عابراً للقارات، ونشرت 760 قاذفة صواريخ بالستية متحركة وثابتة. وفي 1 سبتمبر 2019 أعلنت أن لديها 1426 رأساً حربياً محمولاً على 513 صاروخاً بالستياً عابراً للقارات، ونشرت 757 من القاذفات الثقيلة. أيضاً في 1 مارس 2020 أفادت بأن لديها 1326 رأساً حربياً محمولاً على 485 صاروخاً بالستياً عابراً للقارات، ونشرت 754 قاذفة ثقيلة. ومن الواضح أن روسيا كانت تخفض بمعدلات معقولة كل عام من مخزونها الخاص بالرؤوس الحربية الاستراتيجية المحمولة على الصواريخ البالستية العابرة للقارات، على الرغم من ملاحظة أنه بعد عام 2018 وجدنا تذبذباً في الأرقام. ووفقاً للمحللين، فإن الزيادة البالغة 25 قاذفة منتشرة و121 رأساً حربياً استراتيجياً من المحتمل أن تعكس التقلبات الناجمة عن صيانة القاذفات وترقية العمل إلى أنظمة جديدة. (Kristensen: 2020).

مفاوضات تمديد المعاهدة

كان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يهاجم معاهدة "ستارت الجديدة" منذ بداية توليه منصبه في عام 2017، مدعياً أنها تفضل روسيا على الولايات المتحدة، وأنها واحدة من عدة صفقات سيئة تفاوضت عليها إدارة أوباما. ولكن خلال القمة الروسية الأمريكية في هلسنكي في يوليو 2018 ناقش الرئيسان الأمريكي والروسي معاهدة "ستارت"، حيث قدم الرئيس بوتين للرئيس ترامب وثيقة تقترح تمديد المعاهدة بعد حل المشكلات المتعلقة بتنفيذها، لكن الاثنين لم يتوصلا إلى اتفاق بشأن هذه المسألة. وفي مراجعة الوضع النووي لعام 2018، أشارت إدارة ترامب إلى أن الولايات المتحدة قد أوفت بالحدود المركزية للمعاهدة، وأنها ستواصل تنفيذها في حال تحققها من الامتثال الروسي. ومع ذلك، لم تشر إلى ما إذا كانت تسعى إلى تمديدها أم لا، وأوضحت أنه من غير المرجح التفاوض على معاهدة جديدة قبل انتهاء معاهدة "ستارت" في عام 2021. (Bender: 2018).

وأثار إعلان خروج واشنطن من معاهدة الأسلحة النووية متوسطة المدى في عام 2019 مخاوف روسية بشأن ما إذا كان تمديد معاهدة "ستارت الجديدة" ممكناً. وبدأت مناقشات بين البلدين حول أهمية التفاوض على معاهدة متعددة الأطراف، من شأنها أن تشمل الصين وفرنسا والمملكة المتحدة. وصاغ العديد من أعضاء الكونغرس خطاباً يحثون فيه إدارة ترامب على تمديد معاهدة "ستارت الجديدة"، مشيرين إلى أهميتها للأمن النووي ونظام التحقق القوي الخاص بها. والتقى وفود من البلدين في جنيف في يوليو 2019 لبدء مناقشات للحد من التسلح، بما في ذلك كيفية إشراك الصين في معاهدة مستقبلية للحد من الأسلحة النووية. (Abbasova: 2019). ومع مراوغات ترامب وعدم وضوح نياته عرض بوتين على الولايات المتحدة تمديداً فورياً للمعاهدة دون أية تعديلات، ولإثبات حسن نيته منح المفتشين الأمريكيين الفرصة لتفقد بعض الأسلحة الروسية الجديدة التي تفوق سرعتها سرعة الصوت، والتي من شأنها أن تندرج تحت حدود معاهدة "ستارت الجديدة". (Isachenkov: 2019). واقترحت روسيا أيضاً أن يناقش الجانبان الأنواع الجديدة من أسلحتها في منتدى منفصل يعالج المخاوف بشأن الاستقرار الاستراتيجي. وأن يجتمع هذا المنتدى في السنوات التي تلي تمديد معاهدة "ستارت الجديدة". (Woolf: 2 February 2022, p. 45).

وبعد أن شعرت الإدارة الروسية ببعض المرونة من الجانب الأمريكي، اقترح بوتين في أكتوبر 2020 تمديد المعاهدة دون أية شروط مسبقة لمدة عام على الأقل، لتمتد إلى عام 2022، لكن ترامب رفض ذلك. وبعد العديد من المشاورات اقترح البيت الأبيض تجميد إنتاج الرؤوس الحربية النووية الروسية لمدة عام حتى تتم الموافقة على التمديد المقترح، فوافقت روسيا على الاقتراح. (Seligman: 2020). وحينما تولى جو بايدن منصبه، حثته روسيا على اتباع نهج بناء في المحادثات حول تمديد معاهدة "ستارت"، وبعد العديد من المداولات أعلن وزير الخارجية أنطوني بلينكن في فبراير 2021 أن الولايات المتحدة وافقت رسمياً على تمديد المعاهدة لمدة خمس سنوات حتى عام 2026. (Sonne: 2021).

حرب أوكرانيا وأثرها على "ستارت"

في منتصف عام 2021 أصبح الجانب الأمريكي على خلاف كبير مع روسيا في وجهات النظر حول الأمن في أوروبا. مما أدى إلى تمادي روسيا في تخويف العالم بقدراتها النووية فأعلنت في 1 سبتمبر 2021 أن لديها 1458 رأساً حربياً نووياً محمولاً على 527 صاروخاً بالستياً عابراً للقارات، وأنها نشرتهم في مواقع استراتيجية، بالإضافة إلى 742 قاذفة صواريخ. ولمحت موسكو إلى أنها ستنسحب من معاهدة "ستارت". وأشار المراقبون إلى أن روسيا تواصل نشر أنظمة جديدة، مثل الغواصات الاستراتيجية، والصواريخ الأرضية متعددة الرؤوس الحربية، بوتيرة سريعة. وإذا استمرت في استكمال خطط تحديث أسلحتها النووية خلال السنوات الخمس إلى العشر المقبلة، فإنها قد تكون مستعدة لتجاوز حدود معاهدة "ستارت"، وأن على الولايات المتحدة أن ترد على خطط روسيا بخططها الخاصة لتحديث وتوسيع قواتها النووية. ولكن الإدارة الأمريكية قررت الاستمرار في الحوار مع موسكو، وعقدت جولة جديدة من المحادثات برئاسة نائب وزير الخارجية الأمريكي ويندي شيرمان، ونائب وزير الخارجية الروسي سيرجي ريابكوف في 10 يناير 2022. وكان ذلك وسط تهديدات روسيا بغزو أوكرانيا إذا ما قدم الغرب ضمانات أمنية. (Woolf: 2 February 2022, p. 31).

وبعد فترة وجيزة من غزو الجيش الروسي لأوكرانيا، قال الرئيس بوتين إنه أمر القوات النووية الروسية أن تكون في حالة تأهب قصوى للقتال، وأدانت واشنطن البيان ووصفته بأنه غير مقبول. وفي الوقت الذي يتم فيه تقليص الاتصالات المباشرة وتصاعد العداء وفقدان الثقة تماماً، لم يكن مستغرباً أن تواصل روسيا والولايات المتحدة الالتزام بمعاهدة "ستارت" وتبادل المعلومات السرية، وكأن شيئاً لم يحدث. لأن كلاهما له مصلحة كبيرة في إبقاء القوات النووية بعيدة وتحت السيطرة. (Kristensen: 2022).

ومع تطور الأحداث في أوروبا، أعلن الرئيس بايدن بعد غزو أوكرانيا تعليق أية مفاوضات نووية جديدة مع روسيا، لكنه عاد في أول أغسطس 2022 وأعلن أنه مستعد للعمل على صفقة أسلحة نووية جديدة مع الرئيس بوتين. لكن روسيا فاجأته في 8 أغسطس بتعليق عمليات التفتيش في الموقع لأسلحتها النووية الاستراتيجية مؤقتاً. وقالت وزارة الخارجية الروسية إن الولايات المتحدة تسعى للحصول على مزايا، وحرمت في الوقت ذاته روسيا مؤخراً من حقها في إجراء عمليات تفتيش على الأراضي الأمريكية، وإن العقوبات الأمريكية الأخيرة المفروضة على روسيا غيرت الأوضاع بين البلدين. ورغم ذلك فإن التعليق مسموح به بموجب شروط المعاهدة في ظروف استثنائية. (BBC: 8 August 2022).

ولكن على الرغم من تفاقم الأزمة بين موسكو وواشنطن، تم الإعلان عن محادثات جديدة حول معاهدة "ستارت"، وتقرر أن تُعقد في القاهرة خلال الفترة من 29 نوفمبر إلى 6 ديسمبر. وأعلن عن تلك المواعيد نائب وزير الخارجية الروسي سيرجي ريابكوف لوكالة "تاس" الحكومية الروسية في 18 نوفمبر 2022، وقال إن المحادثات قد تؤدي إلى مفاوضات على مستوى أعلى مع واشنطن. ومن المتوقع أن تركز على استئناف عمليات التفتيش. وذكر أنه لا يوجد حالياً اتفاق على استبدال المعاهدة بأخرى. (TASS: 18 Nov. 2022).

ولكن ومن جانب واحد قررت موسكو قبل انعقاد مباحثات القاهرة بيوم واحد تأجيل اللقاء، حيث قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية في بيان يوم الاثنين 28 نوفمبر 2022، إن "الولايات المتحدة والاتحاد الروسي كان من المقرر أن يعقدا اجتماع اللجنة الاستشارية الثنائية لمعاهدة ستارت الجديدة في القاهرة، لمناقشة تنفيذ معاهدة ستارت الجديدة، ولكن الجانب الروسي أبلغ الولايات المتحدة أن روسيا أرجأت الاجتماع من جانب واحد وصرحت موسكو بأنها ستقترح مواعيد جديدة". وقال مسؤول في وزارة الخارجية لشبكة (CNN) إن روسيا لم تقدم سبباً واضحاً للولايات المتحدة لتأجيل المحادثات. وأضاف أن موسكو أبلغت واشنطن بقرارها في الساعات الأخيرة. (Atwood: 2022).

خاتمة

بعد تأجيل محادثات القاهرة، من الطبيعي أن تثار التساؤلات حول نيات روسيا، وإلى أي مدى سوف تتعامل مع هذا الملف الأكثر حساسية في تاريخ البشرية. وفي حين أنه من الصعب التنبؤ بمستقبل معاهدة "ستارت" بعد انتهاء مدتها المتفق عليها، إلا أن هناك بعض المسارات التي يمكن التنبؤ بها. على سبيل المثال، يمكن أن تتخذ العملية نهجاً متعدد الأطراف لتحديد الأسلحة النووية. فبعد التهديدات الصينية لتايوان، وازدياد تجارب كوريا الشمالية النووية، من الممكن أن تسعى موسكو وواشنطن بعد انتهاء المعاهدة إلى ضم أطراف إضافية، ربما تبدأ بالمملكة المتحدة وفرنسا، وربما تشمل الصين والهند وباكستان.

ومن الممكن أيضاً اتباع نهج أكثر شمولاً للحد من التسلح النووي، فتضم المعاهدات المستقبلية الأسلحة النووية التكتيكية. خاصة وأن قرار مجلس الشيوخ الأمريكي بالتصديق على "ستارت الجديدة" طالب بتعهد بأن واشنطن ستبدأ مفاوضات مع الاتحاد الروسي فيما يتعلق باتفاق للحد من الأسلحة النووية التكتيكية. كما يمكن لمعاهدة مستقبلية أن تتناول القيود المفروضة على الرؤوس الحربية النووية غير المنتشرة والمخزنة، تلك الأسلحة التي تركتها معاهدة "ستارت" من دون قيود. خاصة وأن الرؤوس الحربية المخزنة يمكن أن تصبح أكثر أهمية في المعادلة العسكرية خلال أي صراع مستقبلي محتمل. وبما أن معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية حددت هدفاً دولياً يتمثل في وقف سباق التسلح النووي ثم نزع السلاح بالكامل. فإن هذا الهدف يشير إلى أن التخفيضات الإضافية لا تزال ممكنة، بل من الممكن أن تتسع رقعتها فتشمل الدول الأخرى. وعلى الرغم من أهمية معاهدة "ستارت الجديدة" وإنجازاتها، فإن الأرقام المعلنة هي مجرد تذكير بالمدى الذي لا يزال يتعين على القوتين النوويتين العظيمتين أن تقطعاه لتقليل قوتهما النووية الكبيرة، غير الضرورية.

على أية حال يمكننا أن نتساءل مع هذه الثورة التقنية التي يتمتع بها العالم، ومحاولات الدول الكبرى احتواء الأزمات التي تشكل خطراً على مستقبل البشرية، كتغير المناخ مثلاً. هل مع هذا النضج البشري لا تزال موسكو وواشنطن بحاجة إلى معاهدة لتحديد الأسلحة لتوجيه أعمالهما؟، وهل من الممكن وسط هذا التحفز الدائم بينهما أن تسهم معاهدة "ستارت" في الحفاظ على السلام بين القوى النووية العظمى، وبالتالي تعود ثمرة هذا السلام على بقية دول العالم؟. من الواضح أن هناك عوامل عديدة من الممكن أن تجيب على هذه الأسئلة، كالدبلوماسية الماهرة، والمصالح الاقتصادية المتنامية لكل جانب مع الآخر. وإذا كانت معاهدة "ستارت" قد قدمت أدنى مساهمة في منع الحرب النووية، فقد يكون هذا سبباً كافياً لتجديدها بعد انتهاء مدتها.

مصادر الدراسة


Abbasova, Vusala, Russian and American Officials Meet to Avoid New Nuclear Arms Race, Caspian News, 20 July 2019: https://icss.ae/short/link/1670233395 

Atwood, Kylie; Jennifer Hansler, Russia postpones nuclear arms control talks with US, State Department says, CNN, 28 November 2022: https://icss.ae/short/link/1670233547 

Bender, Bryan, Leaked document: Putin lobbied Trump on arms control, Politico, 7 August 2018: https://icss.ae/short/link/1670233604 

Budjeryn, Mariana, Forgotten Parties to the INF, The Wilson Center, 4 March 2019: https://icss.ae/short/link/1670233653 

Butler, Desmond, US-Russia nuke treaty facing hurdles in US Senate, The San Diego Union-Tribune, 23 July 2010: https://icss.ae/short/link/1670233699 

Duma Sends 'New Start' To Third Reading, Radio Free Europe, 14 January 2011: https://icss.ae/short/link/1670233737 

Gramer, Robbie, On Nuclear Treaty, at Least, Biden Aims for Fresh START With Russia, Foreign policy, 10 November 2022: https://icss.ae/short/link/1670233800 

Hoffman, David, On New START, foreign policy, 20 December 2010: https://icss.ae/short/link/1670233848 

Isachenkov, Vladimir, Putin offers US an immediate extension to key nuclear pact, The Associated Press, 5 December 2019: https://icss.ae/short/link/1670233900 

Kerry, John, How New-START will improve our nation's security, Washington Post, 7 July 2010: https://icss.ae/short/link/1670233940 

Key Facts about the New START Treaty, The White House, Office of the Press Secretary, 26 March 2010: https://icss.ae/short/link/1670233986 

Kristensen, Hans, After Seven Years of Implementation, New START Treaty Enters Into Effect, the Federation of American Scientists, 8 February 2018: https://icss.ae/short/link/1670234030 

Kristensen, Hans, Amidst Nuclear Saber Rattling, New START Treaty Demonstrates Importance, the Federation of American Scientists, 6 April 2022: https://icss.ae/short/link/1670234072 

Kristensen, Hans, at 11th Hour, New START Data Reaffirms Importance of Extending Treaty, the Federation of American Scientists, 1 October 2020: https://icss.ae/short/link/1670234126 

Kyl, Jon, The New Start Treaty: Time for a Careful Look, Wall Street Journal, 8 July 2010: https://icss.ae/short/link/1670234170 

O'Hanlon, Michael, New START Shouldn't Be Stopped, The Brookings Institution, 18 November 2010: https://icss.ae/short/link/1670234300 

Pacer, Valerie, Russian Foreign Policy under Dmitry Medvedev, 2008-2012, London: 2015

Proliferation Security Initiative (PSI), Nuclear Threat Initiative: https://icss.ae/short/link/1670234385 

Russia halts US inspections of nuclear arsenal under New START treaty, BBC, 8 August 2022: https://icss.ae/short/link/1670234443 

Russia, US could hold higher-level talks after meeting on New START Treaty — diplomat, TASS, 18 NOV. 2022: https://icss.ae/short/link/1670234490 

Schenck, Lisa; Robert A. Youmans, From Start to Finish: A Historical Review of Nuclear Arms Control Treaties and Starting Over with the New Start, Cardozo Journal of International and Comparative Law (JICL), Vol. 20, No. 399, 2012

Seligman, Lara; Bryan Bender, Hopes dim for nuclear agreement with Russia before Election Day, Politico, 23 October 2020: https://icss.ae/short/link/1670234550 

Shoumikhin, Andrei, "Nuclear Weapons in Russian Strategy and Doctrine", in Book: Russian nuclear weapons: Past, Present, and future, Strategic Studies Institute, US Army War College, 2011

Sonne, Paul, United States extends nuclear treaty with Russia for five years, Washington Post, 3 February 2021: https://icss.ae/short/link/1670234603 

The Lisbon Protocol at a Glance, The Arms Control Association, December 2020: https://icss.ae/short/link/1670234654 

Thielmann, Greg, Russia Relies on ‘Satan’ to Keep New START Data Exchange Numbers Up, Arms Control Today, 5 April 2016: https://icss.ae/short/link/1670234748 

Treaty Between the United States of America and the Russian Federation on Further Reduction and Limitation of Strategic Offensive Arms (START II), U.S. Department of State, Signed January 3, 1993: https://icss.ae/short/link/1670234799  

Treaty between the United States of America and the Russian federation on measures for the further reduction and limitation of strategic offensive arms, Department of State, 8 April 2010: https://icss.ae/short/link/1670234842 

U.S.-Soviet/Russian Nuclear Arms Control, Arms Control Today, June 2002, Vol. 32, No. 5, June 2002

Villagran, Miguel, U.S.-Russia nuclear arms treaty finalized, USA Today, 5 January 2011: https://icss.ae/short/link/1670234886 

Walton, Andy, Uncle Sam's salvage yard: A Cold War icon heads for the scrap heap, CNN, 23 March 2008: https://icss.ae/short/link/1670234926 

Wong, Scott; Shira Toeplitz, Kerry optimistic about START, Politico, 2 Dec. 2010: https://icss.ae/short/link/1670234976 

Woolf, Amy, Russia’s nuclear weapons: Doctrine, Forces, and Modernization, Congressional Research Service, 21 April 2022

Woolf, Amy, the New START Treaty: Central Limits and Key Provisions, CRS Report, Congressional Research Service, 2 February 2022



973