تتواصل حرب شاملة لتحجيم قوة ونفوذ وتمدد حركة شباب المجاهدين الصومالية تخوضها الحكومة الصومالية بالتعاون مع جهات إقليمية ودولية. يحدث ذلك في إطار استراتيجية حققت حتى نجاحا الآن في القضاء على العديد من عناصر الحركة ومعاقلها. هذا النجاح دفع الحركة للتوجه نحو السياسة الدفاعية بدلاً عن سياستها الهجومية ولكنها لم تتخل عن أنشطة إرهابية بين الحين والآخر.
ولعل ما يميز هذه الحرب ويزيد من استمرارية نجاحها هو الدعم الداخلي والمتمثل في ميليشيات القبائل العشائرية، التي اتحدت مع الحكومة إثر دعم الأخيرة لها، وأصبحت تحارب معها حركة الشباب. يضاف إلى ذلك أن هذه الحرب تأتي كعلامة للتغير في استراتيجية الولايات المتحدة في منطقة القرن الإفريقي وفي الصومال تحديداً، فبعد غياب أعوام تعود الولايات المتحدة لاستخدام الأداة العسكرية في الصومال لمكافحة الإرهاب. وتأتي هذه الجهود، عقب توسع نشاط حركة الشباب في الأشهر الأخيرة وتمددها إلى الحدود الكينية والإثيوبية، بما يجعلها تؤثر على الوضع الأمني في المنطقة.
فهم الحركة وتحولاتها
تأسست حركة الشباب الصومالية مطلع عام 2004، وكانت ترتبط بشكل مباشر بفكر تنظيم القاعدة، وأعلنت ولاءها لما يسمى "تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام" (داعش) منذ نشأته وتمدده. وتسيطر الحركة فعلياً على أكثر من نصف مساحة الصومال، وتفرض نفسها كقوة ضاربة وفاعلة فيه. تُعدُّ حركة الشباب الجماعةَ الأكثر دموية في الصومال، وارتفع مستوى العنف الذي تمارسه منذ إعلان ارتباطها بتنظيم داعش، حيث تُعدًّ المسؤولة عن 89% من جميع الوَفَيات المرتبطة بالإرهاب عام 2021 في الصومال.
تُموِّل حركة الشباب الصومالي جهود تنظيمات إرهابية أبرزها داعش والقاعدة، وجماعات إرهابية أخرى تابعة لهما، الأمر الذي يؤدي إلى تزويدها بنحو 100 مليون دولار سنوياً من الأرباح عبر تدفقات تمويل متعددة من مصادر مختلفة، بما في ذلك تجارة السلاح، وابتزاز الشركات والأفراد المحليين، وتحصيل الرسوم على البضائع، وعمليات الاختطاف وطلب الفديات، وتسهيل التجارة غير المشروعة.
استراتيجية حرب شاملة
تستمر الحكومة الصومالية في تنفيذ استراتيجية الحرب الشاملة ضد حركة الشباب، والتي تتبع فيها التنوع في الأدوات المستخدمة لكبح جماح الحركة والقضاء عليها تماماً، إذ أنها لم تكتف بالأداة العسكرية فقط بل أعلنت الحكومة الصومالية عن بعض القرارات المتعلقة بهذه العملية مؤخراً، وجميعها تُسهم في نجاح القوات الصومالية حالياً.
وتتمثل أدوات تلك الحرب فيما يلي:
أولا: عمليات عسكرية مستمرة: تواصل القوات الصومالية في الهجوم على معاقل حركة الشباب، وبالإضافة إلى تمكن القوات الصومالية استرداد بعض المناطق من الحركة في الأشهر الثلاثة الماضية، استطاعت مؤخرا السيطرة على مناطق استراتيجية للحركة وتمثلت فيما يلي:
- تمكنت القوات الصومالية من تحرير بلدة (عدن يابال) في شبيلي الوسطى، وهي منطقة استراتيجية وسط الصومال تسيطر عليها الحركة منذ سنوات عدة، ويمثل السيطرة على تلك المنطقة انجازا كبيراً في صالح القوات الصومالي، نظراً لأهمية (عدن يابال) في كونها قاعدة لحركة الشباب لإدارة المناطق الوسطى، فموقعها استراتيجي، حيث تربط بين المناطق الوسطى وجنوب الصومال، كذلك مثلت هذه المنقطة ساحة تدريب لأعضاء الحركة، ولذلك تعتبر هذه انتكاسة كبيرة لحركة الشباب، (سكاي نيوز، 18 ديسمبر 2022).
- استطاع الجيش الصومالي طرد الحركة من أحد مواقعها الاستراتيجية وسط البلاد ، من خلال عملية عسكرية مخططة، نفذها في قرية (دار نعيم) التي كانت قاعدة للخلايا الإرهابية الهاربة من منطقة الكوثر، بمحافظة شبيلي الوسطى(سكاي نيوز، 18 ديسمبر 2022). وبحسب وكالة الأنباء الصومالية (صونا) فإن قوات الجيش نجحت في تنظيف قرية (دار نعيم) من كل المواقع والتجمعات الخاصة بميليشيات الحركة.
- استعادت القوات المسلحة صباح الخميس، آخر مديرية في محافظة شبيلي الوسطى والتي كانت تحت سيطرة حركة الشباب، (صونا، 22 ديسمبر 2022)، وقد أشار المتحدث الرسمي باسم وزارة الدفاع الصومالية العميد عبدالله علي عانود، إلى أن الجيش الوطني نفذ عمليات أمنية واستطاع السيطرة على مديرية (Ruun-nirgood) ، التابعة لمحافظة شبيلي الوسطى، وأن العمليات ضد العدو ستستمر حتى تتم تصفية الإرهابيين من المناطق التي يتواجدون فيها، كما تم قتل 150 عنصراً من مقاتلين حركة الشباب، بينهم 5 أجانب على أيدي قوات الجيش الوطني وبالتعاون مع المقاومة الشعبية في المعارك الأخيرة في محافظة شبيلي الوسطى.
يرى محللون أن استعادة الجيش لمنطقة شبيلي الوسطى كاملة، يمثل بداية حقيقية لتقويض قدرات الحركة ولتراجع نفوذها ميدانيا. ففقدان الحركة للإقليم يعتبر فصل جديد من فصول القتال. كما يؤكدون على ضرورة استمرار العمليات العسكرية واحكام الجيش الصومالي السيطرة على الإقليم، حتى لا تحاول الحركة استعادته بعد استجماع قواها. ويشير خبراء عسكريين، إلى أن القوات الصومالية أظهرت مستوى متقدم في اعتمادها على ذاتها وإمكاناتها الخاصة في استردادها الكثير من المناطق وفي استهدافها قيادين كبار على رأس مقاتلي لحركة واستيلاءها على عربات وأسلحة بكميات كبيرة من مكامن الحركة، دون تدخل القوات الإفريقية، بالإضافة إلى أن القوات المحلية للولايات أثبتت جدارتها من خلال المعارك التي خاضتها مع الحركة.
ثانيا: حصار الحركة فكريا وإعلاميا: تضمنت استراتيجية الحكومة الصومالية في حربها ضد حركة الشباب، الحصار الفكري والإعلامي والاتصالي لمختلف أنشطة الحركة وفي سبيل ذلك قامت بما يلي:
- إغلاق مئات الصفحات الإعلامية بمواقع التواصل الاجتماعي المنسوبة إلى ميليشيات الحركة المرتبطة بتنظيم القاعدة. إذ نقلت وكالة الأنباء الرسمية الصومالية عن وزير الإعلام والثقافة والسياحة الصومالية، قوله: إنه تقرر حجب أكثر من 600 صفحة إلكترونية للمليشيات، من خلال تحرك من وزارات الإعلام، والاتصالات، والأمن الداخلي، وهذا أسهم في ضعيف الحركة إعلاميا، (سكاي نيوز، 22 ديسمبر 2022).
- أعلنت الحكومة الصومالية التزامها برعاية المتخلين عن إيديولوجية وأفكار حركة الشباب المتطرفة، وبالتالي، استقبلت القوات الحكومية المستسلمين من عناصر الحركة، وقد أعلن أربعة عناصر من الحركة استسلامهم في ولاية هير شبيلي منهم قائد ميليشيات في المعارك التي دارت في محافظة شبيلي الوسطى، (الشرق الأوسط، 20 ديسمبر 2022).
يتضح مما سبق أن الحكومة تحاول وضع حصار شامل لتقييد حركة الشباب وذلك من خلال تتبع أي خلايا تبث أفكارها وأخبارها الكاذبة، أي أن الحكومة تضغط على الحركة من مختلف الجوانب العسكرية والاعلامية والاقتصادية، وبالفعل تنجح تلك الاستراتيجية حتى الآن في دحر الحركة، ولكن لابد من الاستمرار في هذا الضغط، بالإضافة إلى وضع استراتيجية لتحقيق الاستقرار في المناطق المحررة من حركة الشباب ومساعدة سكان تلك المناطق في العودة لحياتهم الطبيعية. كما تلاحظ تركيز الحكومة الصومالية على مواجهة الحركة فكريا من خلال فتح قنوات دينية تنشر الفكر المعتدل، وكذلك عبر فتحها المجال للمتخيلين عن الفكر الجهادي للحركة بإعادة تأهيلهم فكريا، وهذا مؤشر جيد من القوى الناعمة لمحاربة الإرهاب، إذ لا يكفي استخدام الأداة العسكرية فقط لمكافحة الإرهاب.
جهود إقليمية ودولية
تساعد القوات الصومالية والحركات المسلحة المحلية عدداً من القوى الدولية والإقليمية تتمثل فيما يلي:
أولاً: دعم عسكري من قبل تركيا و الولايات المتحدة الأمريكية، فقد أعادت الأخيرة قواتها إلى قاعدة (بلي دوغلي) الجوية في الصومال وفقا لواشنطن بوست، 10 ديسمبر 2022، إذ تحاول الولايات تفعيل دورها في مكافحة الإرهاب في منطقة القرن الإفريقي. ويرى بعض المحللين أن للتدخل الأمريكي دور كبير في نجاح العمليات العسكرية الحالية، من خلال تقديمها الدعم بطائرات بدون طيار، أما تركيا، فتساهم في تعزيز عمليات تدريب الجنود، وبالمسيرات التركية أيضا. ويرى خبراء أمنيين أن الجيش الصومالي حقق تفوقا عسكريا نوعيا بدخول المسيرات التركية والأمريكية على خط المواجهات من خلال جمع معلومات استخباراتية وتنفيذ هجمات ضد معاقل الحركة وسط البلاد، وأن هذا الضغط العسكري الحالي، لم تواجهه حركة الشباب من قبل، إذ أفقدت المسيرات الأجنبية حركة الشباب زمام المبادرة والسيطرة على الوضع، ووفرت عنصر المفاجئة والتفوق العسكري لصالح الجيش.
ثانياً: تلعب بعثة الاتحاد الإفريقي دورا هاما في العمليات الجارية، وفي إطار هذه البعثة، أرسلت أوغندا أكثر من 1500 جندي من قوات حفظ السلام إلى الصومال ليحلوا محل قوات أخرى عملت في الصومال لمدة عام واحد. (صونا)، في 20 ديسمبر. تتمثل مهام القوات الأوغندية في الصومال، في إضعاف القدرات القتالية لمليشيات الشباب الإرهابية بشكل صارم، حتى يتمكن الجيش الوطني الصومالي من تولي المسؤولية التي تضطلع بها القوات الأوغندية نيابة عن قوة الاتحاد الإفريقي من أجل السلام والأمن في الصومال، (الشرق الأوسط، 20 ديسمبر 2022)
ثالثا: تقدم إريتريا تدريبا عسكريا للقوات الصومالية، وقد وصلت أولى دفعة متدربة من الجيش الوطني في إريتريا، إلى الصومال، لتنضم إلى العمليات العسكرية الرامية إلى تحرير المناطق القليلة المتبقية على أيدي مليشيات حركة الشباب في جنوب ووسط البلاد، وأكد وزير الدفاع الصومالي عبدالقادر محمد جامع، أن بقية الوحدات الأخرى ستصل خلال الأيام القليلة المقبلة، وأن العمليات العسكرية ضد الإرهابيين ستتواصل حتى يتم تطهيرهم من كافة محافظات الجمهورية، (صونا، 21 ديسمبر، 2022).
خلاصات ختامية
يلاحظ أن الدعم الدولي والإقليمي، قد أسهم بشكل فائق في نجاح العمليات العسكرية الجارية، وأحدث فرقا في ساحة الحرب، خاصة الدعم العسكري الجوي والاستخباراتي، كما يلاحظ تحالف الدول الافريقية كأوغندا وكينيا وجيبوتي وإريتريا في مكافحة الإرهاب في الصومال والذي يرغب في التمدد في منطقة القرن الإفريقي، وهذا يدل على أن هذه الدول تحرص على السير في العمل نحو تحقيق الاستقرار الأمني بالإقليم.
وعلى الرغم من سيطرة حركة الشباب على مناطقها الاستراتيجية منذ سنوات طويلة، إلا أنها لم تتمكن من الحفاظ عليها، ولعل من أبرز العوامل التي ساهمت في ضعفها في تلك المناطق، هو رفض السكان لوجودها عقب أزمة تغير المناخ وتعرض البلاد لموجات جفاف مما دفع السكان للتمرد على سلطتها بعد سنوات من الخضوع ودفع الضرائب والإتاوات، حيث كانت تتخذ من هذه المدن مراكز لجمع "الإتاوات" من سكان البلدات والقرى والمدن التي أضحت بيد الجيش، بجانب فرضها ضرائب على حركة التنقلات في تلك المناطق. وقد انسحبت حركة الشباب من أغلب المناطق التي استولت عليها، وآخرها إقليم شبيلي الوسطى، وإثر تلك العمليات، قامت الحركة بالفرار من مناطقها، ولم تحاول استعادة تلك المناطق.
يرى محللون أنه في حالة محاولة الحركة استعادة المناطق التي حررها الجيش، لن تنجح الحركة فى استردادها، لأن الهدف الرئيسي للحكومة من الحرب الشاملة يتمثل في القضاء على الحركة تماما، حيث تشن الحكومة هجمات مكثفة في مختلف المناطق بدءا بتحرير المناطق من ولاية هيران، ثم انتقلت إلى باقي الولايات، ومن ثم فالهجوم على الحركة داخل مناطق عدة في وقت واحد، يصعب من قدرتها على المواجهة. كما أن الهجمات الحكومية، قد أسهمت في إضعاف الحركة اقتصاديا، إذ ركزت على منابع الحركة الاقتصادية، وبالتالي ضعفت مواردها وكذلك قدرتها على توسيع نفوذها، (سكاي نيوز، 18 ديسمبر 2022)
وفيما يتعلق بمستقبل الحركة، فهناك من يرى أن القوات الصومالية ستنجح فى تنفيذ مهمتها في القضاء على الحركة، وبالتالي، سيؤدي استمرار العمليات العسكرية والمواجهات إلى تفكك الحركة، خاصة وأن القوات الصومالية تنوي فتح جبها قتال أخري ضدها في جنوب الصومال، وبالتالي سيلجأ عناصرها إلى الغابات والأحراش ويبقون فيها مجموعات صغيرة وأفرادا لا يستطيعون تنفيذ هجمات نوعية، مما يسمح للحكومة بتعقبهم والقضاء عليهم نهائيا، إذ لن تستطيع الحركة مواجهة الحملات العسكرية البرية والجوية، كما قد تتعرض قيادتها لأزمات إدارية على صعيد ضبط الوضع والسيطرة القيادية والعسكرية والمالية، خاصة عند فتح جبهات عسكرية جديدة.
ويشير فريق إلى أن الحركة قد تستطيع استعادة أنشطتها من جديد، وتحاول استعادة المناطق المحررة، وذلك عبر حصولها على تمويل من تنظيم (القاعدة)، وفي هذه الحالة ستتراجع القوات الصومالية، لكن ما يعوق تحقيق ذلك، هو رغبة الأطراف الدولية والإقليمية في حدوث استقرار في الصومال ومنطقة القرن الإفريقي عامة لاسيما عقب انتخاب الرئيس الصومالي الجديد حسن شيخ محمود واستقرار الحكومة الصومالية.