أزمة البرنامج النووي الإيراني تواجه اختباراً حاسماً

استشرافات

أزمة البرنامج النووي الإيراني تواجه اختباراً حاسماً

24-Sep-2025

ربما تكون اللقاءات التي سوف يعقدها المسؤولون الإيرانيون الذين سيشاركون في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة  هى الفرصة الأخيرة للوصول إلى تسوية لأزمة البرنامج النووي الإيراني. إذ أن هذه الأزمة مقبلة على اختبار صعب في حالة ما إذا فشلت الجهود التي تبذل من أجل الوصول إلى هذه التسوية، حيث سيعاد تطبيق العقوبات الدولية التي كانت مفروضة على إيران وتم تعليقها بموجب الاتفاق النووي الذي توصلت إليه الأخيرة مع مجموعة "5+1" في 14 يوليو/تموز 2015.

 

فشل القرار الذي طرحته سيول

لقد فشل القرار الذي طرحته كوريا الجنوبية، باعتبارها رئيسة مجلس الأمن، في 19 سبتمبر الحالي، والذي كان يقضي بتمديد تعليق العقوبات الدولية المفروضة على إيران في الحصول على موافقة تسعة أعضاء في مجلس الأمن، بعد أن أيدته أربعة دول فقط، في حين عارضته 9 دول أخرى، وامتنعت دولتان عن التصويت (الشرق الأوسط، 19 سبتمبر/حزيران 2025)، على نحو كان يعني مباشرة أن تطبيق العقوبات أصبح هو النتيجة المباشرة لذلك.

 

اعتبارات رئيسية

وصول أزمة البرنامج النووي الإيراني إلى هذا المستوى غير المسبوق من التصعيد يمكن تفسيره في ضوء اعتبارات أربعة رئيسية: أولها، عدم ثقة إيران نفسها في مدى إمكانية الوصول إلى صفقة جديدة تنقذ الاتفاق النووي وتقلص من احتمالات عودة العقوبات الدولية وتبعد شبح اندلاع حرب أخرى، في حالة ما إذا قبلت بإجراء مفاوضات جديدة مع الولايات المتحدة الأمريكية. ويعود ذلك في المقام الأول إلى أن الأخيرة لم تسمح لإسرائيل بشن الحرب ضد إيران، في 13 يونيو/حزيران الماضي، خلال إجراء المفاوضات مع طهران، وتحديداً قبل انعقاد الجولة السادسة منها في 15 من الشهر نفسه فحسب، بل شاركت فيها من خلال توجيه ضربات جوية بواسطة قاذفات "بي 52" ضد المفاعلات الثلاثة: فوردو وأصفهان ونطنز.

وثانيها، أن الخلافات العالقة بين إيران والدول الأوروبية، لا سيما دول الترويكا الثلاث: بريطانيا وفرنسا وألمانيا، تختلف إلى حد ما عن الخلافات العالقة مع الولايات المتحدة الأمريكية.

فالأخيرة تبدي اهتماماً خاصاً بملفات مثل البرنامجين النووي والصاروخي، في حين أن ثمة ملفات أخرى تحظى باهتمام خاص من جانب الدول الأوروبية، على غرار السجناء الأوروبيين المعتقلين لدى إيران والذين صدرت أحكام بحق بعضهم، حيث تعتبر تلك الدول أن هذه الأحكام صدرت بناءً على اتهامات جائرة، وأن إيران تستغل هذا الملف لممارسة ضغوط قوية عليها، والرد على الإجراءات التصعيدية التي تتخذها ضدها.

وثالثها، خشية إيران من تسريب المعلومات الخاصة بالوضع الذي بات عليه البرنامج النووي الإيراني بعد الضربات العسكرية الأمريكية والإسرائيلية التي تعرض لها خلال فترة الحرب. وقد دفع ذلك طهران إلى فرض قيود شديدة لمنع تسريب معلومات عن الاتفاق الأخير الذي أبرمته مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية في القاهرة في 9 سبتمبر/أيلول الجاري.

يضاف إلى ذلك تصاعد حدة التوتر في العلاقات مع الوكالة، سواء بسبب الاتهامات التي وجهتها إيران باستمرار إلى الأخيرة بتبني سياسة مزدوجة وتزويد "خصومها" بمعلومات عن برنامجها النووي، أو بسبب فشل طهران في تمرير مشروع القرار الذي طرحته بالمشاركة مع روسيا والصين في الاجتماع السنوي العام للوكالة، في 19 سبتمبر/أيلول الجاري (الخليج، 19 سبتمبر/حزيران 2025)، والذي كان يقضي بحظر توجيه ضربات عسكرية للمنشآت النووية، بعد أن هددت الولايات المتحدة الأمريكية بتقليص التمويل الذي تقدمه للوكالة في حالة اعتماد القرار.



ماذا بعد؟

إذا لم تنجح الجهود التي تبذلها إيران وأطراف عديدة في الوصول إلى تفاهمات يمكن أن تساعد في تسوية الخلافات العالقة بين إيران والدول الغربية، فإن ذلك سوف يؤدي إلى نتائج رئيسية عديدة يتمثل أبرزها في تطبيق ستة قرارات بعقوبات على إيران كانت قد صدرت في الفترة من 2006 وحتى 2010، تتعلق بوقف جميع الأنشطة النووية، بما فيها تخصيب اليورانيوم وإعادة معالجة البولوتونيوم، وفرض حظر على عمليات بيع وشراء الأسلحة، ووقف الأنشطة الخاصة بتطوير برنامج الصواريخ الباليستية، وتجميد الأصول وحظر السفر، إلى جانب حظر التعاملات المصرفية.

لكن ربما يكون الجانب الأخضر من هذه العقوبات هو أن تفعيل "آلية الزناد" سوف يعني عودة الملف النووي إلى الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، بما يعني إمكانية الاستناد إلى خيارات متعددة للتعامل مع ما سوف يتم وصفه مستقبلاً بـ"الخطر الإيراني"، سواء فيما يتعلق بالبرنامج النووي أو ما يتصل بالصواريخ الباليستية.

 

فرصة جديدة لإسرائيل

وهنا، فإن ذلك ربما يوفر فرصة جديدة لإسرائيل من أجل الإقدام على استخدام القوة مجدداً لتحقيق ما لم تستطع تحقيقه خلال الحرب التي نشبت على مدى الفترة من 13 إلى 24 يونيو/حزيران الماضي. وقد سارعت إسرائيل، فور الفشل في تمرير مشروع القرار الذي طرح في مجلس الأمن في 20 سبتمبر/أيلول الجاري لتمديد تعليق العقوبات، إلى دعوة المجتمع الدولي للتحرك من أجل التعامل مع "التهديد الإيراني"، وهى الدعوة نفسها التي سبق أن وجهتها قبل أن تلجأ إلى شن ضرباتها العسكرية ضد إيران في 13 يونيو/حزيران الماضي.



رؤى مزدوجة

رغم أن المسؤولين في إيران تعمدوا خلال المرحلة الماضية التقليل من أهمية وتأثير إعادة تطبيق العقوبات الدولية، خاصة أن إيران تعاني في الوقت الحالي من تداعيات فرض العقوبات الأمريكية، بما يعني أنه لا يوجد مجال لفرض مزيد من الضغوط على إيران في هذا الصدد، إلا أن ذلك لا يتسامح مع المعطيات الموجودة على الأرض، والتي تشير إلى أن إيران سوف تتأثر إلى حد كبير في حالة إعادة تطبيق تلك العقوبات.

 

الالتفاف على العقوبات الأمريكية

نجحت إيران في الالتفاف على العقوبات الأمريكية، لدرجة أنها تمكنت خلال الفترة الماضية من تصدير نحو 1.5 مليون برميل نفط يومياً، معظمها إلى الصين. لكن ربما لن تنجح طهران في تحقيق النتيجة نفسها في حالة تطبيق العقوبات الدولية، خاصة أن الصين – وهى المشتري الرئيسي للنفط الإيراني – ربما لن تتبنى الموقف نفسه في حالة إعادة تطبيق العقوبات الدولية التي ستكون صادرة عن مجلس الأمن ودون أن تنجح بكين في عرقلتها، خاصة أن "آلية الزناد" تحرمها من ورقة استخدام الفيتو لتعطيل تفعيلها مرة أخرى.


هنا، برز في طهران اتجاهان:

-       الأول، يرى ضرورة الوصول إلى صفقة جديدة مع واشنطن، بل ودعا إلى استغلال فرصة تواجد الوفد الإيراني في نيويورك من أجل فتح قنوات تواصل مباشرة مع المسؤولين الأمريكيين وربما عقد لقاءات معهم، على أساس أن ذلك يمثل الآلية الأساسية التي يمكن من خلالها نزع فتيل الأزمة الحالية.

-       والثاني، يدعو إلى تبني سياسة أكثر تشدداً للرد على كل تلك الضغوط التي تتعرض لها. وفي هذا السياق، طلب 70 نائب في البرلمان الإيراني، في 22 سبتمبر/أيلول الحالي، من المرشد الأعلى للجمهورية علي خامنئي تعديل الفتوى التي سبق أن طرحها في عام 2003 والخاصة بتحريم إنتاج أو تخزين أسلحة الدمار الشامل (وكالة أنباء فارس، 22 سبتمبر/أيلول 2025)، وعدم الاكتفاء فقط بما سبق أن هددت به طهران بوقف التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية رداً على ذلك.


إشارات تحتاج لتفسير

ربما يشير هذا التباين في المواقف إلى أن إيران لم تستقر بعد على النهج الذي سوف تتبناه في إدارة العلاقات مع الدول الغربية، حيث تتصاعد حدة الانقسام بين هذين الاتجاهين، لدرجة يمكن أن تتسبب في تعرض إيران لاختبارات أكثر صعوبة من اختبار يوم الجمعة القادم، حيث تتزايد مؤشرات العودة إلى استخدام القوة ضدها مجدداً.

 

   

153