قراءة في تداعيات عملية طوفان الأقصى في عامها الثاني

استشرافات

قراءة في تداعيات عملية طوفان الأقصى في عامها الثاني

16-Jul-2025

مارست حركة "حماس" التي امتنعت عن الانضمام للقتال مع حركة "الجهاد الإسلامي" لمواجهة إسرائيل في ثلاث جولات سابقة، خداعاً استراتيجياً للتجهيز لعملية "طوفان الأقصى" في منطقة "غلاف غزة" في 7 أكتوبر 2023. لقد أسّست هذه العملية لمرحلةٍ جديدة في معادلة الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي المُوسع إلى الدائرة الإقليمية، ما يستدعي اخضاعها لعملية تقييم انجازاتها لفهم مدى تحقيق أهدافها المُعلنة، واستشراف مستقبل غزة ومصير "حماس" في ضوئها وبعد مرور 21 شهراً على الحرب الإسرائيلية.

دوافع عديدة:

تركزت دوافع وأهداف "حماس" في عملية "طوفان الأقصى" في أربع مداخلات رسمية حدّدها رئيس مكتبها السياسي، إسماعيل هنية، وقائد "كتائب عز الدين القسام"، محمد الضيف، بالقول: إن "العملية رد فعل على اقتحام المستوطنين لباحات المسجد الأقصى والاعتداءات الإسرائيلية المستمرة في الضفة الغربية، وأن المعركة الدائرة هي لتحرير فلسطين"؛ وفي بيان صدر عن الحركة يؤكد على أن أهداف العملية "رفع الحصار المفروض على قطاع غزة، وإعادة القضية الفلسطينية إلى الواجهة الدولية"؛ وفي إعلان مسؤول ملف الأسرى في "حماس"، زاهر جبارين، في 5 سبتمبر 2023، أن "معركتنا المقبلة مع الاحتلال عنوانها الأسرى"، وأخيراً، في وثيقة "حماس" بعنوان "هذه رؤيتنا.. لماذا (طوفان الأقصى)؟" التي أكدت فيها على أن هجوم 7 أكتوبر "خطوة ضرورية واستجابة طبيعية لمواجهة ما يُحاك من مخطّطات إسرائيلية تستهدف تصفية القضية الفلسطينية". (سكاي نيوز عربية، 22 يناير 2024)

لكن القراءة المتأنية تكشف عن الدوافع والأهداف غير المُعلنة، والتي تتمحور حول: تغيير واقع قطاع غزة؛ محاولة الانقلاب على منطق التهدئة الأمنية، ومغادرة سياسة الحلول المرحلية القائمة على معادلة التسهيلات الاقتصادية. ورغم الفوائد التي جنتها الحركة من هذه التسهيلات، إلا أنها لم تكن بمستوى الأزمات الاقتصادية والاجتماعية في غزة.

محدودية الإنجازات:

تُظهر الشواهد الأربعة الآتية من أهداف عملية "طوفان الأقصى"، محدودية إنجازات العملية مع تكثيف استخدام القوة الإسرائيلية التي لم تكن تتوقّعها "حماس":

1-وقف اقتحام المسجد الأقصى والاعتداءات الإسرائيلية في الضفة الغربية: لم تُوقف عملية "طوفان الأقصى" الاقتحامات اليومية للمستوطنين في المسجد الأقصى والمدعومة من الحكومة الإسرائيلية. كما أنها لم تمنع الاعتداءات الإسرائيلية المتصاعدة في الضفة الغربية، والمتوزعة بين أعمال القتل، والتهجير، وهدم الممتلكات، وتوسيع الاستيطان، والتضييق على تنقل الأفراد ومنع العمال من الالتحاق بأعمالهم في الأراضي الإسرائيلية، إلى جانب ارتفاع معدلات حوادث اعتداءات المستوطنين في مختلف مدن وقرى الضفة الغربية.  

2- رفع الحصار الإسرائيلي المفروض على قطاع غزة: كانت قضية رفع الحصار من أبرز قضايا "حماس" بعد عام 2006، وفي الواقع لم تَدفع عملية "طوفان الأقصى" إلى تخفيف الحصار، بل إلى تشديده بعدما منعت إسرائيل توريد السلع التجارية والمساعدات الإنسانية إلى القطاع، ورفضت تنقل الأفراد والمرضى لتلقي العلاج في الخارج ومنعت توريد الأدوية والمستهلكات الطبية للقطاع الصحي المتهالك، وقطعت الكهرباء بشكل كامل.

وقدّمت المُقررة الأممية الخاصة المعنية بحالة حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، فرانشيسكا ألبانيز، رؤيتها حول سُبل التعامل مع الحصار الإسرائيلي بالدعوة إلى "ضرورة كسر الحصار، وطالبت كل دولة تمتلك ميناءً على البحر الأبيض المتوسط أن تُرسل أسطولاً يحمل مساعدات إنسانية حقيقية، وأن تضمن عدم امتلاك إسرائيل أيّ دور في مستقبل الأراضي الفلسطينية المحتلة". (وكالة أمد للإعلام، 12 يوليو 2025)، وسبق للمقررة الأممية أن كتبت عبر حسابها على منصة "إكس" "إن قطع إسرائيل لإمدادات الكهرباء عن قطاع غزة يُنذِر بإبادة جماعية".

3-إعادة القضية الفلسطينية إلى الواجهة الدولية: لا شك في أن الحرب الإسرائيلية أعادت القضية الفلسطينية إلى مركز الاهتمام العالمي بعد سنوات من التجاهل، وبعدما حوّلت إسرائيل عملية التسوية السياسية إلى متاهةٍ حقيقية، لكن هذه التحولات لا تنفي حقيقة أن الخطاب السياسي الدولي في معظمه أدان عملية "طوفان الأقصى" وأعمال المقاومة الفلسطينية عموماً، وبرّر الحرب بذريعة حماية أمن إسرائيل.  

ويعتقد الدكتور طارق فهمي، أستاذ العلوم السياسية، أن عملية "طوفان الأقصى" أعادت تقديم القضية الفلسطينية للمشهد الدولي، بخاصة أن الرأي العام انتفض لما جرى. في البداية كان مؤيداً للموقف الإسرائيلي، ولهذا كان الزحف الغربي للمسؤولين وللولايات المتحدة إلى دول المنطقة بحثاً عن حل، والإعلان عن دعم إسرائيل، ثم سرعان ما تغير الموقف نتيجة للممارسات الإجرامية الإسرائيلية، في صورة تظاهرات أوروبية وأميركية تدعو إلى وقف الحرب، في ظل التركيز على البُعد الإنساني". (طارق فهمي، اندبندنت عربية، 30 نوفمبر 2023)

4- "تبييض السجون" الإسرائيلية: تطوَّرت لغة "حماس" بعد عملية "طوفان الأقصى" من المطالبة بصفقة تبادل محدودة للأسرى إلى شعار "تبييض السجون" الإسرائيلية من الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين، بعدما احتجزت نحو 250 أسيراً إسرائيلياً، وراهنت على مبادلتهم بأسرى فلسطينيين، بل "تبييض السجون" الإسرائيلية بهم. كان عدد الأسرى الفلسطينيين قبل العملية 8 آلاف أسير، وبعدها نفذت القوات الإسرائيلية حملة اعتقالات واسعة في الضفة الغربية والقدس وغزة حتى ارتفع عددهم إلى 10 آلاف و800 أسير، عدا عن آلاف الأسرى من غزة الذين لم يتم توثيق حالات اعتقالهم وفق بيان صادر عن هيئة شؤون الأسرى الفلسطينية ونادي الأسير الفلسطيني ومؤسسة الضمير لحقوق الإنسان، 8 يوليو 2025. المعنى، أن عملية "طوفان الأقصى" فشلت في تحقيق شعار “تبييض السجون" الإسرائيلية، وأكثر ما حقّقته صفقة تبادل محدودة أفرجت بموجبها إسرائيل عن 1977 أسير فلسطيني فقط في اتفاقي نوفمبر 2023، ويناير 2025، في مقابل اعتقال آلاف الأسرى الجُدد.

سيناريوهات مستقبلية:

في ضوء تطورات المشهد في غزة وضمنه محدودية انجازات عملية "طوفان الأقصى"، يمكن إيجاز مستقبل غزة ومصير "حماس" في السيناريوهات الآتية:

أولاً: مستقبل قطاع غزة:

السيناريو الأول: فشل مفاوضات التهدئة: يقوم هذا السيناريو على استمرار الحرب الإسرائيلية بدافع عدم استجابة "حماس" لشروط التهدئة، مع ما تشمل من إجراءات إعادة الاحتلال لمناطق واسعة في القطاع، والتطبيق الفعلي لخطة التهجير القسري للسكان.

السيناريو الثاني: التوصل إلى اتفاق التهدئة المرحلي: وفق مبدأ استمرار المفاوضات والاتفاق على تهدئة لمدة 60 يوماً؛ تتضمن مشاورات بشأن مستقبل غزة ضمن ثلاث صيغ: تولي لجنة الإسناد المجتمعي إدارة شؤون القطاع، أو تولي السلطة الفلسطينية لمسئولياتها ومدّ ولايتها إلى غزة، أو تسلم لجنة عربية دولية مسؤولية إدارة شؤون القطاع لمرحلة انتقالية.

ثانياً: مصير "حماس":

السيناريو الأول: مغادرة "حماس" مشهد إدارة شؤون غزة وإنهاء حضورها الرسمي ضمن ترتيبات الاتفاق على توقف الحرب والشروع في عملية إغاثة السكان وإعادة إعمار القطاع.

السيناريو الثاني: استمرار حكم "حماس" لغزة: ويتعلق هذا السيناريو بترتيبات إقليمية ودولية تقبل باستمرار "حماس" في مقابل نزع سلاحها وتحولها إلى حزب سياسي.

السيناريو الثالث: مشاركة "حماس" في لجنة إدارة شؤون غزة، وقبول مشاركتها في أُطر منظمة التحرير الفلسطينية: يتحقق هذا السيناريو بناء على الاتفاق على تحول الحركة إلى حزب سياسي وتخليها عن العمل العسكري كشرط لقبول مشاركتها في لجنة غزة، وموافقتها على برنامج منظمة التحرير مقابل انخراطها في مؤسسات المنظمة عبر صيغة المصالحة الفلسطينية الشاملة. 

159