
مجموعة
بن دلة
حسب
المعطيات فإن المفجر ينتمي إلى مجموعة بن دلة، الذي ضمّه لواء محمود حمزة إلى
مجموعته، ونشرت وكالة الأنباء الليبية في طرابلس عن مصدر من جهاز المخابرات،
الجمعة 02 أغسطس ,2025، تفكيك 3 خلايا للتنظيم، "الخلية الأولى كانت مسؤولة
عن تجنيد المقاتلين ونقل العناصر من شمال أفريقيا إلى الصومال ومنطقة الساحل،
باستخدام جوازات سفر مزورة ومساكن سرية آمنة، فيما تولت الخلية الثانية إدارة شبكة
غسل أموال واسعة عبر شركات تغطي نشاطها بـ"العمل الإنساني"، وأما الخلية
الثالثة فهي الحلقة الأخطر، حيث تولت تحويل الأموال عبر شبكات دولية باستخدام
العملات الرقمية المشفرة، وتنفيذ استثمارات مشبوهة لصالح التنظيم".
جاء ذلك بعد أيام من العثور على كميات ضخمة
ومتنوعة من الأسلحة، مدفونة في مخازن تحت أحد المنازل في مدينة سبها جنوب البلاد،
من بينها قذائف وقنابل وعبوات ناسفة وذخائر متوسطة وثقيلة ومدافع مضادة للطائرات،
وكل هذا بالتزامن مع تفجير ضريح تاريخي
يعود لـ"سيدي الشعاب الدهماني" في زليتن، وهو ما أشارت له بي بي سي بقولها
"إن التنظيم يمتلك عدة مجموعات في هذه المنطقة، وأنه يحاول معاودة الظهور مرة
أخرى عبر مساحة شاسعة يتحرك فيها في صحراء الجنوب الليبي".
العودة
من بوابة الجنوب
كانت
هناك مجموعة من الأسباب دفعت داعش إلى معاودة الظهور بليبيا، أولها أنه نجح في
تجنيد عناصر جديدة من المهاجرين الأفارقة، لا سيما القادمين من تونس والسودان
وتشاد والنيجر والسنغال وغامبيا وغانا وإريتريا ومالي، مما دفعه للإعلان عما يسمى
جيش الصحراء، وفق أحد إصداراته.
وأتاحت
بنية الاقتصاد غير المشروع السائدة في المنطقة، (مثل احتجاز المدنيين عند نقاط
التفتيش غير القانونية، والخطف من أجل الحصول على الفدية، ومداهمة نقاط الأمن
المحلية، والانخراط في التهريب وابتزاز المهاجرين)، التنظيم لتمويل عملياته،
مستغلا حالة الانقسام السياسي والاضطراب الأمني ووجود أكثر من 17 ألف مقاتل مرتزق،
والألاف من المهاجرين من شمال إفريقيا، والصراعات القبلية، ومعارضة بعض قبائل
التبو لوجود الجيش الليبي في الجنوب، للنفاذ إلى الصحراء الشاسعة والتواجد من
جديد.
جيوب
في درنة وبني غازي
احتفظ
التنظيم بجيوب في درنة وبني غازي وسبها في الجنوب، مستغلا الأوضاع السياسية
والأمنية، ومن سنة 2020 الي 2023 أصبح في حالة ضعف وتقلصت عملياته تماما، وكان آخر
مؤشرات السيطرة الأمنية هو القبض على زعيمه هاشم أبو سدرة عام 2024 وإيداعه السجن،
وخلال هذه الفترة كان يقوم بعمليات ذئاب منفردة خاطفة، ومنذ عام 2024 استغل
الظروف السياسية، وحالة الانقسام، ووجود المرتزقة، وسهولة نقل الأسلحة، والمساحة
الجغرافية الشاسعة في الجنوب ليحافظ على بقائه، ويستغل الجيوب والثغور التي يصعب
تغطيتها من الأجهزة الأمنية، لكنه بدأ منذ عام 2024 يوجه ضربات سريعة وخاطفة،
ليحاول إظهار الكيان وإثبات الوجود بليبيا، وكانت ضرباته واضحة في كل من
"سبها" وما حولها مثل مقتل طلبة الكلية العسكرية في مطار المدينة، وكذلك
عملية وادي الحياة بالجنوب الشرقي.
النشاط
الإرهابي بفزان
وفق
الباحث الليبي عبد القادر إرحيم فإنه بالرصد والتحليل الجيوستراتيجي لعمليات
التنظيم خلال السنوات الخمس الماضية سنجد أن النشاط الإرهابي تواجد بفزان بنسبة
68% من اجمالي الهجمات، ووادي الحياة 22%، وطرابلس الكبرى 5%، كما اعتمدت 82% من
الهجمات على أسلوب الكمائن، و12% هجمات انتحارية، و6% عمليات اغتيال، وما بين
(2020-2023)، كان تحول التنظيم الجغرافي واضح نحو الجنوب، واستهدفت عملياته بنسبة
75% القوات الأمنية، و20% البنية التحتية، و5% عمليات إرهابية عشوائية.
وأما
بالنسبة للتوقيت فقال الباحث عبد القادر إرحيم إن داعش ليبيا لم يختف بشكل تام، بل
إنه نجح في الهروب للجنوب، وتحديدا فزان، التي اتخذها ولاية له جديدة، وهو الآن
يقوم بهذه العملية في بني وليد، مستغلا الخلافات الحاصلة بين الميليشيات، فليس من
المستبعد أنه يقوم بمهمة نيابة عن إحداها، في هذا التوقيت الذي يتحدث فيه الجميع
عن انتخابات جديدة.
هذا
وحذّر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش من محاولات تنظيم داعش في ليبيا
إيجاد موطئ نفوذ جديد عبر الاندماج مع شبكات الجريمة المنظمة العابرة للحدود،
المتورطة في تهريب الأسلحة والبضائع ونقل المقاتلين داخل منطقة الساحل.
وختم
غوتيريش تحذيراته بالتأكيد أن داعش ما زال يمتلك القدرة على التكيف والتوسع عبر
الحدود، داعياً إلى استجابات منسقة من الدول الأعضاء تراعي الخصوصيات الإقليمية،
مع تمكين الدول نفسها من قيادة جهود مكافحة الإرهاب ومعالجة جذوره، على أن تلتزم
هذه الجهود بالقانون الدولي وحقوق الإنسان.
داعش بستغل الأزمات
استغل داعش الأزمات والصراعات للتخطيط لإقامة ولاية فزان،
كإحدى الولايات البعيدة التي يشرف عليها فرع العمليات الخارجية للتنظيم، ويمكن القول إنه استغل قدراته الرقمية التي استمدها من تجنيد
عناصر متخصصة في المجال الرقمي وتكنولوجيا المعلومات، واستطاع أن يوازي بين وجوده
المادي وامتداده الافتراضي، مما مكّنه من خداع قاعدة جماهيرية ليست بالصغيرة في بعض الأماكن، ومنها ليبيا وفق دراسة لمرصد
الأزهر (فالتنظيم يحتفظ بقدرات تهديدية محدودة
لكنها خطيرة مع تركيز نشاطه في المناطق الجنوبية والحدودية إلى ثغور بين الحدود
الليبية الجزائرية والتشادية).
وتأسيسا على ما سبق، وجه التنظيم بدون
مقدمات عبر صحيفة "النبأ" التابعة له الأسبوع الماضي دعوة لإحياء "الجهاد"
في ليبيا، عدد فيها مزايا الموقع الجغرافي للبلاد، قائلًا إنها تمثل "المفتاح
نحو الصحراء الإفريقية وأوروبا"، معتبرا أن "حدود ليبيا تعد رخوة، وموقع
البلاد استراتيجي من أجل التواصل مع العناصر بالدول المجاورة، وأن هذه الدعوة
لإحياء "الجهاد" في ليبيا تأتي في ظل "الحنين الذي يبديه بعضهم
لعهد العقيد معمر القذافي من الليبيين".
خطة
أوسع من ليبيا
تصوَّر
داعش عبر هذه الدعوة أن الساحة الليبية ستكون منصة لانطلاق العمليات الإرهابية
للدول المجاورة، وفق قوله: "استغلال الساحة الليبية المتاخمة لأوروبا الجنوبية
في تهديد المصالح الصليبية"، وهكذا وفق الكاتب المصري حسام الحداد، فإن ليبيا
ليست قضية محلية مرتبطة بأزماتها الداخلية، وإنما جزء من خطة أوسع تستهدف العمق
الأوروبي، وهذا يفتح المجال أمام ربط الدولة الليبية بملف "الهجرة
الجهادية" عبر البحر المتوسط، لأن التنظيم يتصوَّر أنها جسر محتمل نحو
"أرض الصراع الكبرى"، وأنها الأقرب والأسهل لأوروبا من الشام أو العراق،
فبدلًا من رحلة طويلة محفوفة بالمخاطر نحو المشرق، يُعرض على المتعاطفين خيار
جغرافي جديد، أقل تكلفة وأكثر ارتباطًا بمحيطهم الأوروبي المباشر، وهذا يُعيد
إنتاج ليبيا ليس فقط كساحة نزاع داخلي، بل كحلقة في مشروع صدام عالمي.
استشرافات
1. لا يمكن فهم عودة عمليات داعش إلا من خلال
سياق حالة انقسام سياسي مزمن بين سلطتين متنافستين في الشرق والغرب، مع وجود
حكومات موازية ومؤسسات متنازعة على الشرعية، والألاف من المرتزقة والعشرات من
الفصائل، و تسهِّل السيولة الحدودية مع ست دول أفريقية، والتي شكلت عاملًا إضافيًا
لحركة تلك الجماعات، خاصة أن له فرع يسمى (ولاية الصحراء الكبرى) التي تمده في
الجنوب الليبي بالعناصر والدعم اللوجستي.
2. يحاول داعش إيجاد بديل عن ضعف مركزه يحافظ
على حضوره كفاعل عابر للحدود بأفريقيا، وبالأخص ليبيا والساحل ونيجيريا، فليبيا لا
تُقدَّم فقط له ساحة نزاع محلية، بل هي بوابة ستربط عبر عملياته ما بين أفريقيا
وأوروبا، وبوابة يمكن أن يستهدف من خلالها الغرب. وتحديدا روما وفق نبوءاته
التراثية التي يكررها دائما.