نصرة الإسلام الإرهابية.. هل تحكم أول دول إفريقية؟

استشرافات

نصرة الإسلام الإرهابية.. هل تحكم أول دول إفريقية؟

03-Nov-2025

تفرض (جماعة نصرة الإسلام والمسلمين) بقيادة الزعيم القبلي (إياد أغ غالي)، منذ أسابيع حصاراً خانقاً على العاصمة المالية باماكو، حيث منعت دخول الوقود والسلع الأساسية، متهمة السكان بدعم الجيش، كما أحكمت قبضتها على مدن وقرى بأكملها في البلاد، وكررت المشهد ذاته في مدينة كايس الغنية بالذهب، وأعلنت فرض حصار على مدينة ليري في تمبكتو، ومنحت السكان مهلة ثلاثة أيام للمغادرة، كما تباهت في بيانات حديثة بـالاستيلاء على مواقع عسكرية في منطقتي إنتاهاكا وكونا، وذلك في خطوة عدها مراقبون أنها يمكن أن تؤدي لإسقاط الحكم وسيطرة تنظيم القاعدة على أول دولة إفريقية.


جماعات موالية للقاعدة

عملت جماعة نصرة الإسلام، التي تكونت من تحالف ضم عدة جماعات موالية للقاعدة عام 2017، وهي (جماعة أنصار الإسلام وجبهة تحرير ماسينا والمرابطين والتوحيد والجهاد)، على توسيع حواضن التواجد، والانطلاق من منطقة، ليبتاكو - غورما الواقعة في أجزاء من شمال مالي وبوركينا فاسو والنيجر حيث قبائل الفولاني، وشعوب الطوارق والغورما، والمقاطعات الخمس، أنسونغو، وغاو، وأودالان، وسوم، وسينو، والتمدد في قبيلة الطوارق، ومجتمعات العرب والسونغاي والبمبارا، والمجموعات العرقية الأخرى مثل الدوجون، وسهل سينو جوندو، ومينيانكا في منطقة سيكاسو، ومور وبيسا في أجزاء مختلفة من بوركينا فاسو.

تمكنت نصرة الإسلام من النجاح في توحيد صفوفها وأخرجت داعش من معاقلها، وطورت نظاما يحافظ على المستوى الداخلي والتماسك من خلال تحقيق توازن أكثر فعالية بين الاستقلال والاعتماد المتبادل بين مختلف فصائله، ويسمح هذا الهيكل للفصائل الفردية بالحفاظ على درجة الاستقلال مع الاستمرار في التعاون والتنسيق جهودهم مع الفصائل الأخرى داخل التنظيم.

ثلاث طبقات

يقول مايكل شوركين، في مقاله حول تعزيز استراتيجية مكافحة التمرد في منطقة الساحل، بنشرة الأمن الأفريقي، إن الجماعة قسّمت المستوى المحلي إلى التسلسل الهرمي للقيادة على نطاق واسع إلى ثلاث طبقات: مجموعة القيادة المركزية (مجلس الشورى أو مجلس الشورى)، والقادة الإقليميون (أمراء المناطق) المشرفون على العمليات في مناطقهم المحددة وقادة المناطق (أمراء المركز) على المستوى المحلي، وضمنت القيادة التوجه الاستراتيجي العام، والتماسك بين مختلف الأطراف والفصائل، والتنسيق مع المنظمات الأم والشريكة، مثل تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي وغيره من الجماعات، ومن أجل زيادة نفوذها على المجتمعات المعزولة، ونجحت في التمدد ليس في مالي وحدها بل في مقاطعتي غوثيي وتورودي في غرب النيجر، التي تقع على الحدود مع بوركينا فاسو، وقادت حملة قوية باستخدام المتنزهات والمحميات الطبيعية كملاذ، وعملت في منطقة الحدود الثلاثية التي تغطي أجزاءً من شمال مالي، وفي ليبتاكو غورما حيث تقاتل العديد من الجماعات المسلحة، وفي كايا، العاصمة الإقليمية وخامس أكبر مركز حضري في بوركينا فاسو، وهذه المنطقة هي الأخرى تعد منطقة مناجم ذهب ضخمة، بما في ذلك ثلاثة مناجم صناعية على الأقل وعشرات المناجم الحرفية المسجلة، حيث سعت لجعل هذه المواقع مصدرا رئيسيا للدخل.

 اقتصاد الاختطاف

وفق بحث حول الإرهاب في دول الساحل لمركز إفريقيا للدراسات، فإن اقتصاد الاختطاف، شكّل مجمل الإيرادات السنوية لجماعة نصرة الإسلام، إضافة إلى خطف المواشي، وتعطيل الطرق وإقامة نقاط تفتيش، والترحيل القسري للأهالي من أجل التحصّن في أماكنهم، واستهداف التجار ورجال الأعمال وقادة القبائل المؤثرين، الذين مكّنوها من زيادة الشرعية، أو كانوا بمثابة شريك تفاوضي رئيسي مع الدولة.

وخلال العام الماضي تم هيكلة نصرة الإسلام بشكل منح التنظيمات المنضوية تحتها اللامركزية والحرية الحركية، بسبب الخوف من الانشطار والانقسامات، ونجحت الجماعة في تبني القضايا المحلية، مثل الصراعات على الأراضي والمعارك بين المجتمعات المحلية، على سبيل المثال، ما أعطى جاذبية لها وقوة مكنتها من إجبار السكان المحليين على قطع علاقاتهم مع قوات الأمن الموجودة وإلا تعرضوا لعمليات انتقامية مميتة، وأدى هذا أيضاً إلى أنها دفعت السكان المحليين إلى عصيان الحظر الذي فرضته السلطات فيما يتعلق بالصيد في المناطق المحمية، وصيد الأسماك، ونقل الماشية، واستخراج الذهب، وهذه الإيرادات جذبت العديد من الأشخاص إليهم، وفق المركز العالمي لمكافحة التطرف.

وفق حمدي عبد الرحمن فقد وفّرت (نصرة الإسلام) للعصابات الإجرامية شرعية دينية لممارساتهم الإجرامية، بل والحماية للعديد من الهاربين منهم، الذين تبادلوا معها الأموال والحماية والانتقال بين الطرق الوعرة وعداء الجيش المالي، كما قدمت نموذجا لإدارة المناطق التي سيطرت عليها من خلال حل النزاعات حول المراعي والأراضي والموارد، وأكسب ذلك زعيمها إياد غالي نفوذًا كبيرا، وخلق للجماعة حاضنة كبيرة بين القرويين.


 تأليب الطوائف

استخدمت الجماعة اختراق المجتمعات عن طريق تأليب الطوائف، ثم قدمت الحلول بديلاً عن قوات الأمن من أجل حماية السكان، ما وفّر لها حاضنة من ناحية استغلال الضحايا وتجنيدهم في صفوفها. ومع القوانين التي فرضتها حكومة مالي حول المراعي وحظر دخول الماشية الأجنبية عبر الحدود، قوضت الجماعة المؤسسة الأمنية وسمحت بنقل الماشية وحماية مناطق الرعي وتشغيل المهمشين، الذين يكافحون من أجل إبقاء حيواناتهم على قيد الحياة خلال موسم الجفاف.

كما استفادت (نصرة الإسلام) من المناطق البرية الشاسعة التي في الأغلب كانت بدون حماية أمام قاطعي الطرق، واستفادت من السيولة الحدودية من أجل نقل الأسلحة والدعم اللوجستي وكسبت الأموال عن طريق تأمين القوافل، وفرض الضرائب على تداول هذه المنتجات، بسبب عدم قدرة الحكومة على فرض سلطتها خارج المدن، مما أدى لتعاظم دور الجماعة.

كل الأسباب السابقة إضافة إلى مشكلة التحيز الإثني، التي وصلت لأعلى المستويات في المؤسسة العسكرية، وتشظي بنية قيادات الجيش، هي سبب رئيسي في انتشار واسع للجماعة، واستفحال توسعها وتنوع عملياتها، حتى وصلت لحصار العاصمة، وهي الآن تحاول إسقاط حكومتها، في ظل انشغال العالم بقضايا أكثر أهمية في مناطق أخرى.

مخاوف من تمدد التنظيم

هذا وفي ظل الحصار المفروض على العاصمة المالية، فهناك تحديات كثيرة جدا تواجه إفريقيا بشكل عام، أولها وصول تنظيم القاعدة لحكم دولة إفريقية لأول مرة، مما يرجح تمدده ونقل نشاطه لدول مجاورة، وازدياد فرص تنظيمات الإرهاب من هذه الفرصة غير المسبوقة، وانتقالات الإرهابية التي ستحصل في دول القارة، والتمويل المتبادل، والاستفادة من أماكن التمركز الآمنة التي ستوفرها لهم (جماعة نصرة الإسلام).


تحديات وأدوات للمجابهة

يفرض هذا الواقع الجديد على إفريقيا ودول الساحل وشمال إفريقيا بالأخص تحديات وأدوات للمجابهة، وأهمها عمليات التنسيق العسكري المتبادل، وتحديد وعزل المجموعات الإرهابية الرئيسية بإفريقيا للعمل ضدها من أجل تقويض التحالف بينها، وتسليط الضوء أيضا على اختلافاتها ونقاط ضعفها، وإزالة الغموض والكشف عن نقص الدعم المحلي للكيانات المختلفة التي تتألف منها، وسيكون من المهم تحديد العناصر النشطة بشكل أفضل، وتبادل البيانات بين الأجهزة العسكرية والأمنية المختصة من أجل تطوير معلومات وتحليلات أفضل حول جماعة نصرة الإسلام، التي تحولت لجماعة إقليمية مترامية الأطراف ليس في مالي لكن في دول الساحل والمغرب العربي.

كما يجب القيام بدعم عسكري للحكومة المالية على وجه السرعة، وعمل تكتيكات تضمن وجود قوات الأمن في المواقع الرئيسية من أجل الضغط على الجماعة وإعاقة قدرتها على الاستمرار في حصار المدن الكبرى في مالي.

من ناحية خلفية، يجب استهداف الشبكات غير المشروعة المرتبطة بنصرة الإسلام، وحرمانهما من مصادر تمويلها الرئيسية، وحماية سكان المجتمعات في مناطق القتال، وهذا لن يكون سوى بإعطاء الأولوية لإقامة علاقات قوية مع سكان المناطق المتضررة، والحفاظ على الوجود الحكومي بين المواطنين المتضررين، والتعاون مع المسؤولين المحليين والمجتمع المدني، وطمأنة القبائل القلقة من الوجود العسكري الرسمي، وتطوير البرامج والسياسات التي تساعد في دعم اقتصادات الريف والتعدين والنقل والرعي والصيد في منطقة الساحل بشكل عام.

خلاصات

فوق ذلك كله يجب تأمين المناطق البرية والحدود، ولعب دور حاسم في التخفيف من حدة النزاعات على الأراضي، وترك المجال لجهود الوساطة في حل النزاعات عن طريق زعماء القرى وشيوخ العشائر الذين تربطهم علاقة بالسلطات، وهي حلول تتجاوز وحدانية الجهود العسكرية إلى أخرى متنوعة، وسيكون ذلك وفق خطوات جمع المعلومات.

علاوة على ذلك يجب تشكيل شبكة معلومات إلكترونية إفريقية، أو بشرية عن الأشخاص والجماعات، قريبة من الأهداف الإرهابية، وبها معلومات دقيقة عن نقاط الضعف والقوة لدى هذه التنظيمات، واعتراض مراسلات التنظيمات وجمعها وتحليلها، ثم تقييمها للوصول إلى التنبؤ بشأن ما يمكن فعله، خاصة ما يتعلق بطرق التجنيد والانضمام، وأماكن التدريب، والمرجعيات الفكرية ومصادر التمويل والتسليح والدعم اللوجستي، والخلفيات الاجتماعية والقبلية للعناصر والقيادات، واختراق وحصار تنظيمات دول الساحل، وأيضا تطوير أنظمة مضادة للطائرات المسيّرة، وتعزيز قدرات الجيش المالي على القتال الليلي بدعم من الشركاء لتحقيق التكافؤ التكنولوجي.

79