شهد الثلث الأول من الشهر الجاري (أغسطس 2024) تزايد وتيرة التحذيرات التي صدرت عن منظمات دولية إزاء الأزمة في ليبيا. ففي بيان، قالت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا ، إنها تراقب بقلق "التحركات الأخيرة للقوات في مختلف أنحاء ليبيا ، وخاصة في المناطق الجنوبية والغربية".
وحثت البعثة، في بيانها ، "جميع الأطراف على ممارسة أقصى درجات ضبط النفس وتجنب أي أعمال استفزازية من شأنها إخراج الأوضاع عن السيطرة وتعريض الاستقرار الهش في ليبيا وسلامة المواطنين للخطر".
التصعيد السياسي بين الأطراف المتصارعة في شرق البلاد وغربها، يلقي بظلاله على مصير الاتفاق السياسي الذي أقر في جنيف العام 2021 برعاية الأمم المتحدة وفق خبراء.
وبحسب محللين وسياسيين، فإن الاتفاق السياسي شارف على الوصول لخط النهاية، وثمة حاجة ملحة للجلوس إلى طاولة الحوار مجددا، بهدف تجنب دخول ليبيا في صدام عسكري جديد.
ففي التاسع من أغسطس وقعت اشتباكات غير واضحة الدوافع بين فصيلين مسلحين مرتبطين بحكومة الوحدة الوطنية ومقرها في طرابلس في غرب البلاد ما أدى إلى مقتل تسعة أشخاص وجرح العشرات قرب العاصمة الليبية.
وفي 11 من الشهر نفسه، طوق عشرات الأشخاص بعضهم مسلح، مبنى تابعا لمصرف ليبيا المركزي في طرابلس لطرد محافظ البنك على ما ذكرت وسائل إعلام محلية قبل أن يتم تفريقهم.
ويتعرض محافظ مصرف ليبيا المركزي الصديق الكبير لانتقادات من أوساط رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة بسبب إدارته للميزانية والثروة النفطية في هذا البلد الغني بالمحروقات.
دفع هذان الحادثان السفير الأميركي في ليبيا ريتشارد نورلاند إلى القول عبر منصة اكس إن "حدوث اشتباكات جديدة بين جماعات مسلحة في الأيام الأخيرة يظهر المخاطر المتواصلة التي يطرحها الجمود السياسي في ليبيا".
ورأى كذلك أن "من غير المقبول" طرد محافظ البنك المركزي بالقوة من منصبه الذي يشغله منذ العام 2012 معتبرا أن ليبيا قد تخسر بذلك الوصول إلى الأسواق المالية العالمية.
وتعاني ليبيا من انقسامات منذ سقوط نظام معمر القذافي عام 2011. وتدير شؤونها حكومتان: الأولى معترف بها دوليا في طرابلس برئاسة عبد الحميد الدبيبة، والثانية في شرق البلاد وتحظى بدعم البرلمان والمشير خليفة حفتر.
مجلس النواب المنعقد في بنغازي في شرق البلاد، أعلن قراره إنهاء مهام السلطة التنفيذية في طرابلس، واعتبار حكومة أسامة حماد في شرق البلاد "شرعية" حتى اختيار حكومة موحدة. كذلك أقر سحب صفة "القائد الأعلى للجيش" من المجلس الرئاسي وهي هيئة منبثقة عن اتفاق العام 2021 وتمثل مناطق البلاد الثلاث، وإعادتها إلى رئيس مجلس النواب.
ردا على ذلك، اعتبرت حكومة الوحدة الوطنية التي تحظى باعتراف دولي، أنها تستمد شرعيتها من "الاتفاق السياسي الليبي (..)، وتلتزم بمخرجاته التي نصت على أن تُنهي الحكومة مهامها بإجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية، وتُنهي المرحلة الانتقالية". في إشارة لاتفاق جنيف.
ورأى أستاذ العلاقات الدولية في ليبيا خالد المنتصر، في تصريح لوكالة فرانس برس أن الخطوة التي أقدم عليها البرلمان الليبي، "رسالة للخارج وليست للداخل، بإن الوقت قد حان لوضع اتفاق وشروط جديدة للتفاوض". وأضاف "بعد مضي أكثر من 3 سنوات على اتفاق جنيف، وصلنا إلى نقطة الفشل السياسي التام الذي تسببت به جميع الأطراف داخل وخارج البلاد".
وأوضح "من المهم الحديث صراحة عن فشل اتفاق جنيف، وأن الأطراف المتصارعة باتت لا تقبل به، وتريد من خلال تحركاتها الأخيرة، الضغط على المجتمع الدولي من أجل اتفاق جديد يحتوي الحد الأدنى من التوافق".
وقالت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا خلال هذا الأسبوع إنها تتابع "بقلق الاجراءات الأحادية الأخيرة من جانب أطراف ومؤسسات ليبية سياسية وفاعلة في شرق البلاد وغربها وجنوبها" معتبرة أنها "تفضي إلى تصعيد التوتر وتقويض الثقة والإمعان في الانقسام المؤسسي والفرقة بين الليبيين".
وشددت بعثة الأمم المتحدة في بيانها، على مواصلة مشاوراتها مع القادة الليبيين والأطراف الإقليمية، بغية التوصل إلى "توافق" والدفع بالجهود الكفيلة بإنهاء "الجمود السياسي القائم".
يقول الكاتب والباحث السياسي محمد محفوظ، إن الوضع الذي تمر به ليبيا يشبه الفترة اللي مرت بها في 2014 من حيث الاستقطاب السياسي الواسع، والتي وكانت نتيجتها صراع مسلح بدأ في 2014 وانتهى في 2020.
ويضيف محفوظ لقناة سكاي نيوز عربية أن: كل طرف سياسي في ليبيا سواء في الشرق أو الغرب يريد أن يبرهن أنه الطرف الأقوى والفاعل. ولا توجد رغبة محلية لعقد مسار تفاوضي يفضي لعملية انتخابية يقبل بها الجميع. اما المجتمع الدولي فلا يهتم بالملف الليبي في ظل اشتعال المنطقة بملفات ساخنة في غزة ولبنان واليمن والسودان. وأن القضية الليبية يراد لها أن تظل راكدة في حالة من الانسداد السياسي حتى تنفجر القنبلة وهو أمر متوقع قريبا. والعملية السياسية في ليبيا ليست دستورية أو قانونية، فلا أحد يمتلك الشرعية وبالتالي أي خطوات تقفز بها الأجسام على بعضها البعض ستربك المشهد وتعيد الانقسام للمربع الأول.
ويقول عماد الدين بادي، الزميل البارز في برنامج الشرق الأوسط التابع للمجلس الأطلسي في مقابلة مع دويتشه فيلا : "انخرطت العديد من الجهات الفاعلة في هذا الأمر من أجل الوقوف على المدى الذي يمكنها أن تصل إليه فيما يتعلق بإهانة أو تهميش أو تقويض خصومها. مازالت عقلية لا رابح ولا خاسر هي السائدة". ويشير بادي في حديثه إلى حقيقة مفادها أن كافة الفصائل المتناحرة تعتقد أن بمقدورها إدارة شؤون البلاد في نهاية المطاف وترفض العمل صوب تحقيق الوحدة.
وفي مقال نشره موقع "يورونيوز"، كتب حافظ الغويل، المدير التنفيذي لمبادرة شمال أفريقيا في معهد السياسة الخارجية بجامعة جونز هوبكنز في واشنطن، أن "ليبيا مازالت متفككة. وتشير المؤشرات إلى أن الحكومات المتنافسة تعيد تجميع صفوفها من أجل شيء كبير. ليبيا معرضة لخطر التحول إلى دولة مافيا".