دلالات اتفاق وقف إطلاق النار بين واشنطن والحوثيين

تقديرات

دلالات اتفاق وقف إطلاق النار بين واشنطن والحوثيين

13-May-2025

أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب، في 6 مايو 2025، عن الوصول إلى اتفاق لوقف إطلاق النار مع مليشيا الحوثيين في اليمن، برعاية سلطنة عمان. وفي الواقع، فإن هذا الاتفاق – الذي يقضي بوقف الهجمات الحوثية ضد السفن الأميركية في البحر الأحمر مقابل وقف الضربات الأميركية ضد المواقع والقيادات الحوثية – يطرح دلالات عديدة ترتبط بالأسباب التي دفعت الولايات المتحدة الأميركية إلى الإقدام على تلك الخطوة، ومدى ارتباطها باتجاهات علاقاتها مع العديد من الأطراف المعنية بما يجري، مثل إسرائيل وإيران، فضلاً عن الاتجاهات العامة للسياسة الخارجية الأميركية في المنطقة وأزماتها المختلفة خلال المرحلة القادمة.

أسباب عديدة

يمكن القول إن ثمة أسباباً ثلاثة رئيسية دفعت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى إبرام هذا الاتفاق: الأول، يتعلق بحسابات داخلية أميركية، حيث حرص الرئيس ترامب في لحظة الإعلان عن الاتفاق على الترويج إلى أنه يمثل "استسلاماً" من جانب الحوثيين، على نحو يشير إلى أنه يسعى عبر ذلك إلى تأكيد أنه نجح في ما لم ينجح فيه سلفه الرئيس السابق جو بايدن، الذي سبق أن شنت إدارته ضربات عسكرية عديدة ضد الحوثيين وشكلت ما يسمى بعملية "حارس الازدهار"، دون أن تصل إلى اتفاق مع مليشيا الحوثيين يوقف هجماتها ضد السفن الأمريكية.

ومع ذلك، فإن هناك اتجاهات عديدة، داخل وخارج الولايات المتحدة الأميركية، ترى أن هذا النجاح الذي يتحدث عنه الرئيس ترامب "غير كامل"، باعتبار أنه لم يؤد إلى وقف التهديدات الحوثية لحركة التجارة والملاحة في البحر الأحمر. فضلاً عن أنه استثنى إسرائيل منه، بدليل أن المليشيا حرصت على تجديد هجماتها ضد الأخيرة، في 9 مايو 2025، عبر إطلاق صاروخ باليستي نجحت منظومات الدفاع في التصدي له. (سي إن إن، 9 مايو 2025)

كُلفة عالية للعمليات العسكرية الأميركية

كما أن هذا "النجاح" لا يخفي الكُلفة العالية للعمليات العسكرية الأميركية منذ بداية تنفيذها في منتصف مارس 2025، والتي تصل إلى أكثر من مليار دولار، وتتضمن إسقاط الحوثيين سبع طائرات من دون طيار من طراز MQ-9 Reaper، فضلاً عن خسارة مقاتلتين من طراز F/8-18 Super Hornet لأسباب مختلفة. (الخليج، 9 مايو 2025)

والثاني، يتصل بالمفاوضات التي تجري مع إيران حول برنامجها النووي برعاية سلطنة عمان. فقد كان لافتاً أن المفاوضات التي انتهت بالوصول إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بين الولايات المتحدة الأمريكية ومليشيا الحوثيين، جرت خلال الفترة التي عُلِّقت فيها المفاوضات مع إيران، التي تم تأجيل جولتها الرابعة والتي كان من المقرر عقدها في 3 مايو 2025. ويعني ذلك أنه كانت هناك تفاهمات ليس فقط بين واشنطن والحوثيين، وإنما أيضاً بين واشنطن وطهران حول الملف اليمني.

وبعبارة أخرى، فإن إيران كان لها، في الغالب، دور في ما انتهت إليه المفاوضات التي أسفرت عن إبرام اتفاق وقف إطلاق النار بين واشنطن والحوثيين. ورغم أنها تدّعي دائماً أنه ليس لديها نفوذ على المليشيات المختلفة في المنطقة، وأن هذه المليشيات تتخذ قراراتها، لا سيما فيما يخص عملياتها الميدانية، باستقلالية تامة، فإن ملابسات ما جرى توحي بأنها مارست دوراً في دفع الحوثيين نحو إبرام هذا الاتفاق.

وهنا، فإن حسابات طهران وواشنطن والحوثيين تلاقت في منتصف الطريق. إذ أن طهران اعتبرت أن ذلك يمكن أن يمثل دافعاً لاستمرار المفاوضات حول البرنامج النووي والتي ربما تصل إلى صفقة جديدة تجنبها مخاطر التعرض لضربة عسكرية أميركية أو إسرائيلية، ويرفع بمقتضاها قسم من العقوبات الأميركية المفروضة عليها، لا سيما فيما يتعلق بالصادرات النفطية والتعاملات التجارية.

الأولوية للدبلوماسية

في حين أن واشنطن اعتبرت أن الوصول إلى هذا الاتفاق يضفي وجاهة وزخماً خاصاً على المقاربة التي تتبناها حالياً وتقوم على منح الأولوية للدبلوماسية من أجل إنجاز صفقات يمكن أن تجنب الأطراف المعنية بها عواقب الانخراط في خيارات أخرى، على غرار الخيار العسكري. ومن دون شك، فإن المسؤولين الأميركيين المؤيدين لهذا النهج سوف يستندون لهذا الاتفاق في تبرير إصرارهم على التفاوض مع إيران، بدلاً من استغلال تراجع نفوذها الإقليمي وضعف دفاعاتها الجوية من أجل توجيه ضربة عسكرية قوية لمنشآتها النووية، وهى المقاربة التي يتبناها مسؤولون آخرون في الإدارة، وتدعمها إسرائيل بقوة.

وقد كانت هذه المقاربة الأخيرة تحديداً سبباً في دفع الرئيس الأميركي إلى اتخاذ قرار بإبعاد مستشار الأمن القومي مايكل والتز من منصبه، في 2 مايو/أيار 2025، وتعيينه في منصب المندوب الأميركي لدى الأمم المتحدة، مع تكليف وزير الخارجية ماركو روبيو بتولي مهامه مؤقتاً، وذلك بعد أن أشارت تقارير عديدة إلى أنه كان يجري اتصالات مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حول استخدام الخيار العسكري ضد إيران دون علم الرئيس ترامب. (العربية، 3 مايو 2025)

الحوثيون والاتفاق

أما مليشيا الحوثيين، فإنها ترى أن الاتفاق يُجنِّبها التعرض لمزيد من الخسائر على مستوى القيادات والبنية التحتية التي تضررت بشكل كبير، على نحو سوف يفرض ضغوطاً عليها في المرحلة القادمة فيما يتعلق بإدارة شؤون المناطق التي تسيطر عليها، فضلاً أنه لا يلزمها بوقف تصعيدها العسكري ضد إسرائيل، أو ما تطلق عليه "عمليات إسناد غزة".

من هنا، كان لافتاً تعمد المليشيا الحوثية شن الهجوم الصاروخي الذي استهدف مطار بن جوريون، في 4 مايو/أيار 2025، خلال فترة التفاوض مع واشنطن على وقف إطلاق النار، على نحو يعني أنها كانت تسعى عبر ذلك إلى توجيه رسالة مباشرة إلى كل الأطراف المعنية بأن الاتفاق لن يمنعها من مواصلة تصعيدها العسكري ضد إسرائيل، وأنه ينحصر فقط في وقف العمليات العسكرية مع الولايات المتحدة الأميركية.

والثالث، ينصرف إلى العلاقات المتوترة بين الرئيس ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. إذ يبدو أن الإعلان بشكل مفاجئ عن إبرام اتفاق مع الحوثيين يمثل رسالة مباشرة إلى الأخير، بضرورة التماهي بشكل أكثر إيجابية مع المقاربة الأميركية سواء فيما يتعلق بإنهاء الحرب في قطاع غزة، أو المفاوضات مع إيران. وقد برزت مؤشرات عديدة في الفترة الأخيرة توحي بأن التوتر المكتوم بين الطرفين بدأ يظهر إلى العلن رغم محاولة ضبطه وتحييده.

فإلى جانب إقالة مايكل والتز من منصبه بسبب تنسيقه مع نتنياهو دون علم الرئيس، فقد أشار الأخير إلى أن نتنياهو "لن يجره إلى حرب مع إيران". (سكاى نيوز عربية، 26 أبريل/نيسان 2025). كما كان لافتاً، قبيل الجولة الخليجية التي سيقوم بها الرئيس ترامب خلال الفترة من 13 إلى 16 مايو/أيار 2025، والتي ستشمل كلاً من السعودية وقطر والإمارات، تعمد المسؤولين الأميركيين توجيه انتقادات قوية لنتنياهو بسبب إصراره على استئناف العمليات العسكرية في قطاع غزة، حيث قال المبعوث الأمريكي إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف أن "نتنياهو يطيل الحرب في غزة بلا هدف". (الشرق للأخبار، 12 مايو/أيار 2025)

مرحلة رمادية

مع ذلك، لا يمكن استبعاد أن تتجدد العمليات العسكرية بين الولايات المتحدة الأميركية ومليشيا الحوثيين مرة أخرى. وهنا، فإن ذلك سوف يعتمد في المقام الأول على متغير رئيسي يتمثل في المسارات المحتملة للمفاوضات التي تجري بين واشنطن وطهران حول البرنامج النووي.

إذ تكشف تصريحات المسؤولين الإيرانيين والأميركيين بعد انتهاء الجولة الرابعة التي عقدت في 11 مايو 2025، أن الخلافات العالقة ليست هامشية ولا يمكن الوصول إلى تسوية لها بسهولة، خاصة فيما يتعلق بتوقف إيران عن تخصيب اليورانيوم على أراضيها. وهنا، فإن احتمال فشل المفاوضات ما زال قائماً، على نحو لا يمكن معه استبعاد اتجاه الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل إلى استخدام الخيار العسكري ضد إيران.

وفي هذه الحالة، لا يمكن استبعاد انخراط المليشيا الحوثية مجدداً في العمليات العسكرية، باعتبار أن الهدف الأساسي سيكون رفع كُلفة الضربات العسكرية التي سوف تشنها واشنطن وتل أبيب ضد المنشآت النووية الإيرانية، وبمعنى أدق الرد على استهداف الراعي الأول للمليشيا في المنطقة.

35