
في ظل تطورات متسارعة، تشي بتغيرات عميقة تطال البنية الأساسية للنظام الدولي، ووحداته الفرعية في أقاليم متعددة عبر العالم، يأتي العدد الجديد من دورية "تحولات جيوسياسية" الربع سنوية، التي تصدر عن المركز الدولي للدراسات الاستراتيجية، ليضع الظواهر والأحداث محل الدراسة في إطار أرحب، عبر تناولها في سياقاتها التاريخية والحضارية، فضلا عن تحليل الواقع قيد التشكل، باعتبار أن المزج بين الآني والتاريخي، قد يُمد القارئ برؤية أكثر صلابة في خضم هذا العالم المتغير.
العدد الجديد من الدورية، وهو الثاني خلال عام 2022، عمل الباحثون والخبراء أثناء إعداده على مراعاة المعايير والضوابط العلمية، التي درج المركز الدولي للدراسات الاستراتيجية، على تثبيتها في كافة إصداراته، الشاملة طيفا عريضا من المنتجات المعرفية، بما في ذلك مجلات ودوريات علمية، وكتبا، تتناول الملفات والمواضيع الإقليمية والدولية المتفاعلة، والتي تحتل مساحة كبيرة من اهتمام القراء، حيث تعمل على تلبية شغفهم المعرفي، وتقديم إجابات على شواغلهم الحياتية.
في هذا السياق جاء العدد الجديد من "تحولات جيوسياسية" مُتضمناً دراسات متنوعة، ذات طابع استراتيجي، تهم منطقة الشرق الأوسط والعالم، في مقدمتها مواضيع حول تفاعلات الإسلام السياسي، ارتباطا بآخر المستجدات، بما في ذلك اغتيال زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري، في ضربة نفذتها الولايات المتحدة الأمريكية على مكان إقامته في العاصمة الأفغانية كابل، حيث تسيطر حركة طالبان، الحليف القديم لتنظيمه. كما تم تسليط الضوء على الوضع الإقليمي والدولي لتيارات الإسلام السياسي، بداية من تراجع ألقها وانفضاض الجماهير عنها، سواء في حواضنها الأصلية بمنطقة الشرق الأوسط والمغرب العربي، أو في المهجر وتحديدا في البلدان الأوروبية، وصولا إلى الحرب الشعواء بين حركة طالبان وتنظيم داعش في أفغانستان.
ومن ملفات الإسلام السياسي المتشعبة، عبرت بنا الدورية إلى الوضع الدولي المتأزم، في ظل الحرب المستعرة بين روسيا والدول الغربية على الأراضي الأوكرانية، وتداعياتها على مستوى منطقة الشرق الأوسط، من خلال الوقوف على حالة الاستقطاب الشديدة، التي دفعت الرئيسين الأمريكي والروسي إلى القيام بزيارتين "متقابلتين" إلى المنطقة، في النصف الأخير من يوليو 2022. الأولى أجراها جو بايدن وشملت إسرائيل والضفة الغربية، فضلا عن المملكة العربية السعودية، حيث اجتمع مع قادة دول مجلس التعاون الخليجي وقادة مصر والعراق والأردن، وبعدها بأيام قام فلاديمير بوتين بزيارة إيران، حيث أجرى مناقشات مع المسؤولين هناك واجتمع مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان. وعلى مستوى آخر سلط العدد الجديد الضوء على التعقيدات ذات الأبعاد الجيواقتصادية، التي تحكم العلاقة بين ضفتي الخليج العربي، من خلال دراسة تناولت مصادر الطاقة على الحدود بين الدول العربية في الخليج، وإيران من الجانب المقابل، والتي كانت في الغالب عامل تأزيم لعلاقات الطرفين، كما كانت في بعض الأحيان محركا للتعاون الثنائي.
وفي الشق الاقتصادي، تناولت الدورية آفاق اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي، وكيف أن كل التوقعات تقريبا تذهب إلى أنها ستحقق معدلات نمو مرتفعة، هي الأعلى خلال السنوات العشر الماضية، رغم شبح الركود الذي يخيم على الاقتصاد العالمي. مع التركيز بشكل أكبر على اقتصاد دولة الإمارات العربية المتحدة، من حيث الفرص الواعدة، والتحديات التي قد تظهر ارتباطا بالأوضاع المتغيرة على مستوى العالم.