الحرب الروسية الأوكرانية بعد عامين.. كل الأطراف خاسرة

تقديرات

الحرب الروسية الأوكرانية بعد عامين.. كل الأطراف خاسرة

26-Feb-2024

بعد مرور عامين على الحرب الروسية الأوكرانية، لا تلوح في الأفق نهاية لأكبر حرب تشهدها أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية. هذا القتال الذي أدى إلى نزوح ملايين الأوكرانيين، وتغيير المشهد الجيوسياسي لأوروبا، وضرب الاقتصادات في جميع أنحاء العالم، حيث تعطلت سلاسل التوريد، وازداد التضخم، وتسبب في إثارة قدر كبير من عدم اليقين على الصعيدين الاقتصادي والعسكري. فأين تقف الحرب؟ وإلى أين تتجه؟ وإلى أي مدى تمكن الطرفان من تحقيق أهدافهما الرئيسية؟

عندما بدأت الحرب توقع الجنرال الأمريكي مارك ميلي أنه في حالة حدوث غزو روسي، فإن أوكرانيا قد تنهار في غضون 72 ساعة، ولكن مر عامان ونجح الأوكرانيون في الدفاع عن بلادهم بقدر كبير من التصميم، رغم تعرضهم لنقص حاد في المعدات والمؤن. وعلى عكس المتوقع تحولت الحرب إلى حرب استنزاف. 

وبحسابات المكسب والخسارة، تمكنت روسيا من تعديل وإعادة تكييف تكتيكاتها بنجاح. والأهم من ذلك، أنها تمكنت من حماية اقتصادها من العقوبات الغربية، واليوم يشهد اقتصادها ازدهاراً حقيقياً، وازدادت شعبية بوتن، وهذا ما لم يتوقعه الغرب. يرى ناندان أونيكريشنان، الخبير في مؤسسة "أوبزرفر للأبحاث" أن النظرة إلى ردود أفعال الروس، تثبت أن بوتين احتفظ بقاعدة دعمه، وسيظهر ذلك خلال انتخابات مارس القادم، التي من المتوقع أن يفوز فيها. 

وفي حديثه مع شبكة "إنديان إكسبرس" في 24 فبراير، أكد ناندان أن العلاقات بين الصين وروسيا أصبحت أقوى مما كانت عليه قبل عامين. فقد زادت تجارتهما الثنائية بشكل ملحوظ، وربما تقاربا أكثر، من الناحية السياسية، لاشتراكهما في عداء سياسة واشنطن. كما حققت الحرب أمل بكين في أن يؤدي التركيز على أوكرانيا إلى تقليل اهتمام الغرب بمنطقة المحيط الهادي.

رغم تعرض التكتيكات العسكرية الروسية للانتقاد في الأشهر الأولى من الحرب، خاصة عندما اضطرت موسكو إلى التراجع على الجبهة الشمالية وفشلت في الوصول إلى كييف، فإنها تكيفت بمرور الوقت وأصبحت أكثر تنظيماً، وكانت تصد أي هجوم أوكراني مضاد. وأصبحت بعد عامين تنعم بمكاسب في ساحة المعركة. كما كثفت إنتاج الأسلحة، وتمكنت من تعبئة مئات آلاف الجنود. ومن المؤكد أن موسكو تبدو متحمسة مع دخول الحرب عامها الثالث، حيث تعززت ثقتها بعد الاستيلاء مؤخراً على أفدييفكا.

أما أوكرانيا، فقد أثارت المقاومة الشرسة التي أبدتها في بداية الحرب آمالاً بأن يتمكن جيشها من هزيمة روسيا. لكن بعد مرور عامين، ومع استمرار صمودها، تضاءل الأمل في وفاء الغرب بتعهداته تجاهها. ولا تزال المساعدات العسكرية الأمريكية لأوكرانيا محظورة، ومن المرجح أن يتسبب ذلك في المزيد من الإخفاقات في ساحات المعارك، مع تزايد إرهاق الحرب وضعف التمويل والإمدادات، في الفترة التي تسبق الانتخابات الرئاسية الأمريكية.

يؤكد تقرير نشرته شبكة CNBC في 23 فبراير، أن الروح المعنوية بين القوات الأوكرانية في الخطوط الأمامية تتراجع. كما أدت الاحتكاكات السياسية الداخلية واستبدال القائد العسكري الشعبي فاليري زالوزني إلى إثارة مخاوف بشأن تحقيق أي تفوق في ساحة المعركة. وقال جيمس نيكسي، الباحث في "تشاتام هاوس" للشبكة إن "أوكرانيا اضطرت إلى وقف العديد من عملياتها العسكرية مؤقتاً بسبب نقص الأسلحة، ويبدو الوضع على الجبهة صعباً. وفي الوقت الراهن، يعد القتال استنزافياً إلى حد كبير، وهو ما يصب في صالح روسيا".

وعلى الصعيد الأوروبي، فقد أصبحت تصرفات روسيا أكثر تهديداً لها؛ ولذلك عزز حلف "الناتو" قوته بضم فنلندا والسويد، ليزداد طول الحدود الروسية مع دول الحلف. كما أن القارة تشهد تدهوراً اقتصادياً. يقول أليساندرو مارون، رئيس برنامج الدفاع في معهد العلاقات الخارجية بروما، في دراسة نشرها المعهد: "لا شك في أنه من غير الدعم الغربي، لم تكن أوكرانيا لتتمكن من الاحتفاظ بأكثر من 80% من أراضيها. ولذلك أصبح الغرب يؤدي دوراً في تشكيل الخيارات العسكرية في كييف، حتى أن واشنطن وحلفاءَها وضعوا قيوداً على العمليات الأوكرانية داخل الأراضي الروسية". 

ولكن مع عدم التقدم خطوة في سبيل إنهاء هذه الحرب، بدأ الحديث في أروقة الإعلام الغربي عن ضرورة استمرار دعم واشنطن وحلفائها لأوكرانيا؛ لأن أي تقصير من شأنه أن يوجه ضربة هائلة لقدرة كييف على المقاومة.

وأخيراً، ومع بداية العام الثالث من الحرب، من غير المرجح أن تسيطر روسيا على أوكرانيا بأكملها، وفي الوقت نفسه لن يكون لأوكرانيا صوت في تحديد النتيجة النهائية للحرب. كما أنه مع تركيز العالم على حرب غزة ومفاوضات السلام الدائرة لإنهائها، فلا نعتقد أن أي محادثات سلام بين أوكرانيا وروسيا ستُعقد هذا العام، ففرص التوصل إلى تسوية أصبحت ضئيلة مع عدم وصول أي من الطرفين إلى تحقيق أهدافه في ساحة المعركة. كما تتعارض خطط السلام الأوكرانية مع خطط السلام الروسية في الوقت الحالي. فأوكرانيا تريد العودة بحدودها إلى عام 1991، وهو أمر لن تقبله روسيا بعد أن ضمت دستورياً أراضيَ أوكرانيةً لسيادتها بالفعل. 


71