تزايد الحديث عن ضرر كبير في العلاقات التونسية المغربية. بدأت هذه الأزمة، التي تعد الخلاف الدبلوماسي العلني الأول بين الدولتين ، عندما استقبل الرئيس قيس سعيّد، يوم السادس والعشرين من أغسطسن زعيم جبهة البوليساريو في قصر قرطاج، خلال مشاركته بمنتدى التعاون الاقتصادي الإفريقي الياباني (تيكاد)، الذي استضافته تونس.
يعد قيس سعيّد، أول رئيس تونسي يستقبل زعيما لحركة البوليساريو بشكل رسمي، وهو تحرك اعتبرته الخارجية المغربية "عملاً خطيراً وغير مسبوق، يسيء بشكل عميق إلى مشاعر الشعب المغربي". وبحسب محللين، فقد كان الترحيب بإبراهيم غالي قد أثار حفيظة الرباط. في الواقع، ذهب الرئيس التونسي شخصياً إلى المطار للترحيب بالزعيم الصحراوي.
لو كان سعيد قد اكتفى بإرسال ممثل عن الخارجية للترحيب بغالي، لكان رد الفعل المغربي أقل حدة، حسب وجهة النظر هذه. ويولي المغرب أهمية كبيرة لقضية الصحراء، وتتغير مواقفه من الدول تبعا لمواقف هذه الدول تجاه البوليساريو. واللافت أن هذا التطور جاء بعد أسبوع واحد من قول العاهل المغربي الملك محمد السادس إن ملف الصحراء الغربية "هو النظارة التي ينظر بها المغرب إلى العالم"، وهو ما زاد من غضب المغرب التي قد تنظر إلى سعيد على أنه تحدى الملك المغربي عبر تجاهل تحذيراته. وترجم المغرب بالفعل موقف ملكه عبر مقاطعة (تيكاد) واستدعاء سفيرها في تونس من أجل التشاور، وهي خطوة ردت عليها تونس باستدعاء سفيرها في الرباط أيضاً للتشاور.
تاريخياً، ابتعدت تونس عن الخلاف حول الصحراء الغربية، رافضة الوقوف إلى جانب أي من جيرانها، المغرب أو الجزائر. وفي محاولة لتبرير موقفها، أعربت تونس عن "استغرابها الشديد" مما تضمنه موقف المغرب "من تحامل غير مقبول" عليها، مضيفة أن دعوة زعيم البوليساريو للمشاركة جاءت من جانب الاتحاد الإفريقي وأنه "سبق لهم" أن شاركوا بالمنتدى ذاته في كينيا سنة 2016 وفي بيوكوهاما باليابان سنة 2019. ما يصفه البعض بـ"حرب البيانات" بين الدولتين لم تتوقف، إذ قام المغرب بالرد على البيان التونسي ببيان ثان، جاء فيه، إن بيان الخارجية التونسية "ينطوي على العديد من التأويلات والمغالطات" وأنه "لم يزل الغموض الذي يكتنف الموقف التونسي، بل ساهم في تعميقه".
اتخذ المغرب المزيد من الخطوات ضد تونس في ظل حديث عن احتمال تحركات مغربية قد تؤثر بشكل كبير على الشراكة السياسية والاقتصادية بين الجانبين. فقد أعلنت الجامعة الملكية المغربية لكرة اليد الانسحاب وعدم مشاركة أنديتها في البطولتين العربية والإفريقية، المقرر أن تستضيفهما تونس خلال الشهرين المقبلين. كمت أعلن اتحاد لعبة الكاراتيه مقاطعة بطولة شمال إفريقيا التي تستضيفها تونس.
وفي حين بدأت حملة إلكترونية مغربية تدعو إلى مقاطعة واردات تونس، التي تصدر سنويا أكثر من 2.28 مليار درهم من المنتوجات نحو المغرب بينما لا يصدر المغرب سوى 1.19 مليار لتونس، نقلت جريدة "هسبريس" المغربية، في نهاية أغسطس، عن مصادر حكومية أن المملكة "تدرس تبعات إمكانية مراجعة أو تعليق الشراكة التجارية مع تونس، والتي تتمثل في اتفاق للتبادل الحر". وقالت جريدة "هسبريس"، في نهاية أغسطس، أن أوساطاً استثمارية مغربية دعت إلى "قطع الروابط التجارية والاقتصادية مع تونس". كما ذكرت مصادر من داخل البنك المغربي "التجاري وفا بنك" أنه يقوم بتقييم الخروج من السوق التونسية "بشكل جدي". وإذا اتخذ المغرب مثل هذه القرارات، وهي خطوات متوقعة إذا ما نظرنا إلى مواقف مغرب تجاه اسبانيا وألمانيا سابقاً بسبب ملف الصحراء، فإنه سيدخل التوتر مع تونس إلى مرحلة تصعيد جديدة.
في المقابل، بدأت بعض الأطراف بالتوسط سعياً لإنهاء الأزمة وقد طرح رئيس اتحاد المغرب العربي الطيب البكوش مبادرة لحل الأزمة بين البلدين. ويقول المحلل السياسي التونسي محمد ذويب إن "مبادرة الطيب البكوش تأتي في وقت مازال فيه من الممكن تطويق الأزمة ونتمنى أن تذهب جميع الأطراف وخاصة تونس والمغرب والجزائر في هذا الاتجاه لتجاوز هذه الأزمة". كما قال محمد الغالي أستاذ العلوم السياسية ومدير مختبر الأبحاث القانونية وتحليل السياسات بجامعة القاضي عياض بمراكش المغربية إن "دعوة الطيب البكوش في محلها وتستجيب للضرورة والتحديات المطروحة على الدول المغاربية"، لكنه استدرك بالقول إن المبادرة لايمكن أن تؤتي أكلها إذا لم تكن هناك ضمانات من قبل الجانب التونسي". وشدد على أن "الضمانات يجب أن تكون على أساس أن هذه التصرفات يجب ألا تتكرر وأن تونس ستحترم الحياد الإيجابي وليس الاصطفاف إلى المقاربة الجزائرية بالنظر لقضية الوحدة الترابية للمملكة المغربية"