حذر وزير الدفاع الصيني "لي شانغ فو" خلال مؤتمر حول الأمن الوطني أقيم في حوار شانغريلا من إقامة تحالفات عسكرية شبيهة بحلف الناتو في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، قائلا إنها ستغرق المنطقة في زوبعة من الصراعات. وقال إن بكين مستعدة للسعي إلى إعادة التوحيد السلمي، لكنها لن تتعهد أبدا بالتخلي عن استخدام القوة إذا تجرأ أي أحد على فصل تايوان عنها، ففي هذه الحالة لن يتردد جيش التحرير الشعبي على الإطلاق، ولن يخشى أي عدو، وسيدافع بحزم عن السيادة الوطنية بأي ثمن. (جريدة الأهرام: 4 يونيو 2023)
الرد الأميركي السريع على تلك التصريحات جاء على لسان المتحدث باسم البنتاغون "بات رايدر" الذي حضر مع وزير الدفاع الأميركي "لويد أوستن" مؤتمرا أمنيا في سنغافورة، حيث قال "ما زلنا نشعر بقلق إزاء الأنشطة الخطرة والإكراهية بشكل متزايد لجيش التحرير الشعبي في المنطقة". (فرانس برس: 4 يونيو 2023)
كانت الصين قد رفضت مبادرة أميركية لعقد لقاء ثنائي بين وزيري الدفاع الصيني والأميركي في مؤتمر سنغافورة، وقد يكون السبب في ذلك رغبة بكين في التأكيد على موقفها وتجنب التنازلات، وإظهار رد فعل طبيعي على العقوبات الأميركية المفروضة عليها. وقد نشر (موقع روسيا اليوم، 1 يونيو 2023) تعليق المتحدث باسم وزارة الدفاع الصينية "تان كه في" على رفض الصين الاجتماع بين وزيري الدفاع، والذي أفاد بأن الحوار لابد أن تكون له مبادئ، وإن الصعوبات الحالية مصدرها الجانب الأميركي، الذي يتجاهل مخاوف بكين ويخلق العقبات، مما يقوض بشكل خطير الثقة المتبادلة.
ومن المعروف أنه لعدة أسباب تتعلق بالأمان الوطني الصيني وقضايا الأويغور وتايوان، وغيرها، فرضت الولايات المتحدة عقوبات على عدة مسؤولين صينيين ووكالات تابعة للحكومة الصينية، وكان (بيان الخزانة الأميركية بشأن العقوبات على مسؤولين صينيين لعام 2020)، المنشور على موقعها الإلكتروني، قد شمل اسم وزير الدفاع الصيني، وربما كان ذلك سبب موقفه المتشدد تجاه الولايات المتحدة ووزير دفاعها ورفضه لقاءه، بالإضافة إلى تصريحه في شانغريلا. وهو رد فعل طبيعي لمسئول مشمول في لائحة عقوبات أميركية.
على الرغم من كل ذلك، يبدو أن تصريحات الوزير الصيني تتناغم مع موقف بكين ككل، ويمكن اعتبارها تقوية لموقف بلاده كقوة عظمى في المنطقة والعالم، وردا على اتهامات منافسيها الإقليميين أو الدوليين بالتمدد والعدوانية، وتذكير العالم بأهمية معاملة الصين كقوة كبرى فاعلة في السياسة الدولية يجب احترامها، فضلا عن التأكيد على أن الصين مستعدة للتعاون والحوار لتسوية المشكلات في إطار المعاملة بالمثل. وفي الوقت نفسه التأكيد أيضا على أنها تسعى للشراكة بدلا من التنافس والمواجهة، ولكن أي تهديد لسيادتها وأمنها القومي لن يتم التسامح معه، وأنها ترفض مزاعم سعيها للسيطرة العسكرية على المنطقة، وتؤكد التزامها بالقانون والشرعية الدولية والأمم المتحدة. وبذلك يعزز بتصريحاته مكانة بلاده وسياستها، ويضع الصين كقوة عظمى ترغب في عالم سلمي ومستقر، وتملك من مفردات القوة ما يمكنها من الدفاع عن نفسها وسيادتها.
وفي اعتقادنا فإن أي لقاء ثنائي من هذا القبيل لن يخدم مصالح الصين في الوضع الراهن، ويمكن أن يؤدي إلى ضغوط خارجية غير مرغوب فيها، وهو ما قد يكون الدافع الرئيسي لبكين في رفضه على الأقل في الوقت الحالي. وعلى أية حال، سيكون لحديث وزير الدفاع الصيني أثره الكبير على سير الأحداث المقبلة، فيما يخص قضية تايوان، والعلاقات الأميركية الصينية ككل.