منذ الإطاحة بنظام الرئيس السوري بشار الأسد يوم 8 ديسمبر الجاري، تتصاعد حدة الأعمال القتالية في شمال سوريا، وتوسطت الولايات المتحدة في وقف إطلاق نار هش في المنطقة بين تركيا وقوات سوريا الديمقراطية "قسد". وتعهدت قسد، بقتال تركيا والجماعات التي تدعمها في مدينة عين العرب (كوباني) بشمال سوريا.
هذه القوات هي تحالف يضم بشكل رئيس
قواتٍ كرديةً متحالفةً مع فصائل عربية. وقد حاربت تنظيم "داعش" الإرهابي
وانتصرت عليه في مناطق شرق الفرات السورية بدعم من التحالف الدولي الذي تقوده
الولايات المتحدة.
رغم فرحة الطرفين بسقوط الأسد، هناك
مخاوف من صدام قريب بين القوات والفصائل المسلحة المدعومة من تركيا بقيادة هيئة
تحرير الشام من جهة، وقوات سوريا الديمقراطية التي تدعمها أمريكا من جهة أخرى. فهل
يحدث التصادم أم يتم التفاهم؟
لقد غابت قسد عن الاجتماعات التي أُجريت
من قبل قائد إدارة العمليات العسكرية أحمد الشرع مع قادة الفصائل العسكرية، والتي
انتهت بحسب ما أُعلن باتفاق حول حل هذه الفصائلِ نفسَها واندماجها في الجيش السوري
الموحد.
وبعد سلسلة لقاءات في العاصمة دمشق،
بين قائد إدارة العمليات العسكرية أحمد الشرع، وزعماء الفصائل، أعلنت هذه الأطراف
الاتفاق على حل الفصائل ودمجها في الجيش السوري الجديد، مع الانخراط تحت مظلة
وزارة الدفاع التي يتولى حقيبتها مرهف أبو قصرة.
وفق دويتشه فيلا، قال الشرع في مؤتمر
صحافي في دمشق مع وزير الخارجية التركي هاكان فيدان "لن نسمح على الإطلاق بأن
يكون هناك سلاح خارج الدولة سواء من الفصائل الثورية أو من الفصائل الموجودة في
منطقة قسد"، مستعملاً الاسم المختصر لقوات سوريا الديموقراطية. وأظهرت صور
نشرتها سانا قائد الإدارة الجديدة محاطاً بعدد من قادة الفصائل وليست بينها قوات
سوريا الديموقراطية.
وفي تصريح سابق، قال القائد العسكري
لهيئة تحرير الشام مرهف أبو قصرة في مقابلة مع فرانس برس إن كل الفصائل المعارضة
ستنضوي ضمن مؤسسة عسكرية جديدة، موضحاً أن سيطرة السلطة الانتقالية ستشمل مناطق
القوات الكردية في شمال شرق سوريا.
مصادر مطلعة بوزارتي الدفاع والداخلية
السوريتين قالت لـموقع قناة الشرق، إن هذا التوافق جاء بعد حل الخلافات العالقة
بين قادة الفصائل، وبعد ما حصلوا عليه من أحمد الشرع من ضمانات، بأن يكونوا ضمن
جيش جديد غير محسوب على أي طرف، وأن تُراعى أوضاعهم وأدوارهم في إسقاط نظام الرئيس
السابق بشار الأسد.
هذه النقاشات غابت عنها قوات سوريا
الديمقراطية التي تسيطر على مساحات واسعة من الأراضي السورية في شمال وشرق البلاد،
وتضم هذه المناطق معظم حقول النفط السورية كما أنها تعد سلة البلاد الزراعية. ومنذ
سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد لم يحدث أي لقاء أو اتصال علني بين قسد
والسلطة الجديدة في دمشق.
مدير المركز الإعلامي لـ"قسد"
فرهاد شامي، قال في حديث لقناة "سكاي نيوز عربية": "مستعدون
للانضمام إلى الجيش السوري الجديد لكن الأمر يحتاج لمناقشات". وأضاف:
"نستعد لأي حرب مهما كان الثمن، وأيضاً جاهزون للخيار الدبلوماسي.. ونحن منذ
20 يوماً نواجه فصائل موالية لأنقرة". وتابع: "تركيا تحاول السيطرة على
مزيد من الأراضي السورية.. ونشكل عقبة أمام الطموحات التركية في سوريا".
حديث قوات سوريا الديمقراطية عن ضرورة
النقاش المباشر مع دمشق دون "هيمنة ووصاية للقوى الإقليمية على القرار
السوري" بالإضافة إلى بعض الرسائل الإيجابية الموجهة من قسد لإدارة العمليات
العسكرية وقائدها الشرع، ينطلق من احتمال وجود تنسيق أمني وعسكري بين قسد والإدارة
العسكرية واعتقاد قسد أن تركيا هي التي تمنع وتضغط على الإدارة العسكرية بهدف عدم
إشراكها في أي حراك سياسي وعسكري موحد.
لكن رغم ذلك فإن التطورات والوقائع
على الأرض تشير إلى أنه لا توجد أي بوادر اشتباك بين قوات سوريا الديمقراطية
وإدارة العمليات العسكرية التي تقودها "هيئة تحرير الشام".
وفي ظل تأكيد بعض مسؤولي قسد أن هناك
تواصلاً مع إدارة العمليات العسكرية، فإن هذا التواصل انعكس على الميدان حيث لا
تزال قسد في أحياء الشيخ مقصود والأشرفية بحلب ضمن محيط مُسيطَر عليه بشكل كامل من
قِبل إدارة العمليات العسكرية ولا توجد أي اشتباكات، وسط تنسيق ميداني بين الطرفين،
كما أن قوات سوريا الديمقراطية انسحبت من الجزء الغربي لدير الزور وسلمته لإدارة
العمليات العسكرية دون أن يكون هناك أي اشتباك بين الطرفين.
نتيجة لأن قوات الإدارة العسكرية
الجديدة في دمشق لا تريد الدخول في صدام مع قوات سوريا الديمقراطية في الوقت
الحالي، خاصة أن الوفود الأمريكية والفرنسية والألمانية التي زارت الشرع شددت على
ضرورة عدم الدخول في صراع مع الأقليات، وضرورة حمياتها، وركزت على القوات الكردية
في شمال وشرق سوريا، فإن الاشتباكات في شمال وشرق سوريا تجري فقط حتى الآن بين
قوات سوريا الديمقراطية وقوات الجيش الوطني السوري والذي هو أيضاً لم يتم التأكد
من إمكانية تسليم أسلحته والانضمام إلى الجيش السوري الموحد.
إن أي صراع مع قوات سوريا الديمقراطية
في الوقت الحالي يتطلب أخذ ضوءٍ أخضرَ من القوات الأمريكية وقوات التحالف الدولي
التي توجد في شمال وشرق سوريا ولها قواعد على الأرض. وتسعى قوات التحالف الدولي، خاصة
القوات الأمريكية والفرنسية على الأرض لإبرام اتفاق تهدئة. وبالتزامن مع ذلك تسعى
أيضاً القوات الأمريكية والفرنسية لمحاولة ترتيب الأوضاع في شمال وشرق سوريا.
بقاء التوتر والتصعيد دون حرب مباشرة:
في حال الإصرار على عدم مشاركة قوات
سوريا الديمقراطية في أي مناقشات لإنشاء جيش سوري موحد، فإنه من المتوقع أن يبقى
الوضع على ما هو عليه، وهو أن تبقى الاشتباكات بين الجيش الوطني السوري وقوات
سوريا الديمقراطية، دون أن يكون هناك تغير كبير في الميدان، وهذا ما تتجه إليه
التطورات حتى الآن.
حل المشكلات مع قسد برعاية دولية: نتيجة لأن منطقة شمال وشرق سوريا لديها خصوصيتها لوجود قوات أجنبية
تحت غطاء التحالف الدولي فيها، وتعاون قوات سوريا الديمقراطية معها بالإضافة إلى
وجود مخيمات وسجون فيها مقاتلون من تنظيم داعش والآلاف من عوائلهم. بالتالي فإن أي
عملية عسكرية ضد هذه المنطقة دون وجود ترتيبات دولية يمكن أن تكون لها تداعيات
كبيرة على أمن واستقرار المنطقة، خاصة في حال تمكن المقاتلون والعوائل من الهروب
واستغلال حالة الفوضى، لذلك فإن القوى الدولية ستحاول أن تجنب هذه المنطقة حدوث
معارك كبيرة وحاسمة.
نتيجة لذلك يمكن أن تصل المساعي الأمريكية
والفرنسية إلى ترتيب الأوضاع من خلال إدخال القوات الكردية التابعة للمجلس الوطني
الكردي، والسماح لها بالوجود في المنطقة وإعادة تشكيل قوات سوريا الديمقراطية
وإخراج جميع المقاتلين والقيادات التابعين لحزب العمال الكردستاني، ومن ثم العمل
على إِشراك هذه القوات وإدماجها في الجيش السوري الجديد.