في 22 إبريل 2023، قال الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا، في العاصمة البرتغالية لشبونة، إن آرائه المتعلقة بالحرب الروسية الأوكرانية ليس الهدف منها "إرضاء أحد"، في إشارة إلى تصريحاته السابقة التي تجنب فيها إلقاء اللوم بكامله على عاتق موسكو، ما تسبب في تعرضه لانتقادات واسعة في الغرب. أكد لولا أن هدفه هو بناء طريقة لجلب طرفي النزاع إلى طاولة المفاوضات، موضحا في مؤتمر صحفي: "أريد أن أجد بديلا ثالثا لبناء السلام".
الرئيس البرازيلي كان قد حث الولايات المتحدة والحلفاء الأوروبيين على التوقف عن تزويد أوكرانيا بالأسلحة بحجة أن ذلك يطيل أمد الحرب، قائلا: "إذا لم تصنعوا السلام، فإنكم تساهمون في الحرب". تبع ذلك اتهام البيت الأبيض لولا بترديد وجهت النظر الروسية والصينية، حيث انتقد المتحدث باسم الأمن القومي الأمريكي جون كيربي طريقة تعامل البرازيل مع الحرب الأوكرانية على المستوى الجوهري والخطابي، موضحا إن الإشارة إلى أن الولايات المتحدة غير مهتمة بالسلام، أو أنها تتقاسم المسؤولية عن الحرب مجرد "ترديد للدعاية الروسية والصينية دون النظر إلى الحقائق".
المعادلة الصعبة التي يواجهها لولا دا سيلفا حاليا، تأتي في إطار سعيه إلى تقديم بلاده كقوة وساطة محتملة لحل الصراع، تماشيا مع وعوده بإعادة بلاده إلى المشهد السياسي الدولي. في السياق، طرح الرئيس البرازيلي تشكيل تحالف، أسماه بـ"مجموعة العشرين من أجل السلام"، يتكون من مجموعة من الدول ذات ثقل يضمن احترامها على طاولة المفاوضات، وتعتبر محايدة في الصراع بين روسيا وأوكرانيا. وفقا لرؤيته، ستلعب إندونيسيا والهند والصين دورا حاسما في هذه المبادرة.
طرح لولا الفكرة مع الزعيم الصيني شي جين بينغ، لكنه غادر بكين في وقت سابق من هذا الشهر دون أي التزام رسمي. وفي المقابل، يبقى الغرب من أشد المعارضين لهذه المبادرة بسبب بعض الأفكار المثيرة للجدل التي طرحها الرئيس البرازيلي من أجل حل محتمل للحرب. أكثر هذه الأفكار خطورة من المنظور الغربي هي تنازل أوكرانيا رسميا عن شبه جزيرة القرم التي ضمتها روسيا في عام 2014، وهو تنازل استبعدته كييف وانتقده البيت الأبيض.
وتفاديا لتعكير الشراكات البرازيلية الغربية، بدأ لولا في وقت لاحق بالتخفيف من نبرته حول القضية، مؤكدا خلال خطاب ألقاه على شرف الرئيس الروماني كلاوس يوهانيس الذي زار برازيليا مؤخرا ، أن حكومته "تدين انتهاك السلامة الإقليمية لأوكرانيا"، وفي الوقت نفسه "تدافع عن حل سياسي تفاوضي". تعليقا على هذا التغيير الخطابي الإيجابي من المنظور الغربي، قال سفير الاتحاد الأوروبي في البرازيل، إغناسيو يبانيز، لشبكة سي ان ان البرازيل، 18 إبريل 2023، "إذا كان النقاش يدور حول إدانة العدوان الروسي، وبالتزامن محاولة إيجاد حلول للسلام، فإننا بالطبع سنقدر جهود البرازيل... غير أننا نبدأ في مواجهة بعض الصعوبات في فهم أفكار الحكومة البرازيلية عندما يضعون المعتدي والمعتدى عليه في نفس المستوى".
يتضح لنا أن لعب دور فعال في الوساطة بين طرفي النزاع، يفرض على لولا إظهار استعداده للتعامل مع أوكرانيا، إذا كان يأمل في الحفاظ على مصداقيته في أوروبا والولايات المتحدة. في السياق، يقول الخبير السياسي البرازيلي غيلهيرم كاساروس: "إذا استمر لولا في إعادة التأكيد على أن روسيا وأوكرانيا مسؤولتان بالتساوي عن الحرب، أعتقد أن قدرته على لعب دور فعال في حل النزاع ستتضاءل في مرحلة ما، لذلك من المهم أن يعيد لولا النظر في بعض ما قاله حول الحرب، ويغير طريقة تناولها، حتى لو قليلا. أعتقد أن هذا سيكون كافيا لتوضيح الموقف البرازيلي أكثر"، (سي ان ان، 24 إبريل 2023).
نشير هنا إلى أن لولا يواجه أيضا مجموعة متنوعة من التحديات في الداخل بالتزامن مع التحديات الخارجية، تشمل:
1/ إقالة رئيس أمنه بسبب شريط فيديو مسرب لأعمال الشغب في 8 يناير في برازيليا.
2/ التهديد السياسي المتزايد لليمين المتطرف في البرازيل.
3/ تدهور الأحوال الاقتصادية والارتفاع المستمر لمستويات التضخم.
4/ أزمة مجتمعات السكان الأصليين في الأمازون.
5/ ارتباكات تتعلق بالأمن الغذائي.
في تقديرنا، نرى أن المشاكل الداخلية في البرازيل تحد من قدرة لولا على المناورة في ساحة جيوسياسية مشحونة مثل النزاع الروسي الأوكراني. ليس بإمكان برازيليا الانحياز إلى الكتلة الغربية، تفاديا للإضرار بالعلاقات مع موسكو بشكل مباشر، وتعكير العلاقات مع بكين بشكل غير مباشر، إذ يعتمد المزارعون البرازيليون بشكل كبير على الأسمدة الروسية، مما يزيد من خطورة الإضرار بهذه الشراكة، خاصة في وقت تواجه فيه البلاد حالة ارتباك متعلقة بأمن الغذاء. ومن ناحية أخرى، الصين هي أكبر شريك تجاري للبرازيل ومشتر رئيسي لفول الصويا ولحم البقر البرازيلي.
في الوقت نفسه، يسعى لولا إلى استعادة قوة العلاقات البرازيلية الغربية، التي تضررت من سياسات وتصريحات الرئيس السابق جايير بولسونارو. ظهر ذلك خلال زيارته للبرتغال التي لم يزرها بولسونارو طيلة فترة ولايته، حيث وقع لولا 13 اتفاقية مشتركة في مجالات التكنولوجيا وتحول الطاقة والسياحة والثقافة والتعليم مع رئيس الوزراء البرتغالي أنطونيو كوستا. قال لولا إن البرتغال يمكن أن تكون حليفا مهما في مساعدة كتلة ميركوسور في أمريكا الجنوبية في التفاوض على اتفاق للتجارة الحرة مع الاتحاد الأوروبي.