بعد مرور 14 عاما على استقلال كوسوفو، لا يزال 50 ألف صربيا يعيشون في الشمال بوثائق ولوحات معدنية صربية، يرفضون الاعتراف بالمؤسسات التابعة للعاصمة بريشتينا. ووسط هذا السلام الهش تتكرر التوترات بين البلدين اعتراضا على محاولات دمج صرب الشمال في نظام دولة كوسوفو. وعلى الرغم من التزام البلدان منذ عام 2013 بإجراء حوار يحل القضايا العالقة بينهما برعاية الاتحاد الأوروبي، لكن لم يتحقق شيئا ملموسا حتى الآن.
يشكل الصرب حوالي 120 ألفا من سكان كوسوفو البالغ عددهم 1.8 مليون نسمة، وهم بأغلبية ساحقة من أصل ألباني. ولذلك قرر رئيس الوزراء "ألبين كورتي" في 1 أغسطس الماضي إنه سيمنحهم فترة انتقالية مدتها 60 يوما للحصول على لوحات معدنية ووثائق صادرة عن برشتينا، الأمر الذي جعل رئيس صربيا "ألكسندر فوسيتش"، وفق ما نشرته دويتش فيلا في 22 أغسطس، يدعو الناتو للقيام بعمله في حماية الأقلية الصربية في كوسوفو، وهو ما أثار مخاوف الغرب من أن روسيا ربما تحاول تشجيع بلغراد على زعزعة استقرار المنطقة، لتوسيع رقعة الحرب في أوروبا. وازداد الأمر سوءا بعد أن قررت صربيا، وفقا لصحيفة الجارديان 10 ديسمبر، رفع استعدادها القتالي ونشر قواتها على الحدود وحذرت من أنها لن تقف مكتوفة الأيدي إذا تعرض الصرب في كوسوفو للاضطهاد، مما زاد المخاوف من إحياء حرب 1998. وقال متظاهرون في 10 ديسمبر لوكالة فرانس برس إنهم غاضبون لاعتقال ضابط شرطة سابق من أصل صربي يشتبه في ضلوعه بهجمات ضد ضباط شرطة كوسوفو. وذكرت وسائل إعلام محلية أن المحتجين أرادوا منع نقل الضابط المعتقل إلى بريشتينا. وتأججت التوترات مع إعلانه أن بلغراد ستطلب رسميا من الناتو نشر عناصر من الشرطة والجيش الصربي في كوسوفو وفقا لقرار الأمم المتحدة 1244.
إن القرار الأممي 1244 لعام 1999، يمثل واحد من القرارات التي أصدرها مجلس الأمن، منذ اندلاع الحرب في يوغوسلافيا عام 1991، التي أدت إلى تفككها إلى ستة دول (صربيا، سلوفينيا، كرواتيا، البوسنة والهرسك، مونتينيغرو، ومقدونيا الشمالية). حيث ظلت كوسوفو مرتبطة بصربيا حتى أعلنت استقلالها في عام 2008، مما فجر خلاف بين البلدين، حاولت أوروبا تحجيمه بعدة اتفاقات من أشهرها اتفاق بروكسل في عام 2013، ولكن لم يوضع أي اتفاق قيد التنفيذ لعدم اعتراف صربيا رسميا بكوسوفو.
إن عدم وقوف روسيا على الحياد تجاه هذه القضية هو ما يزيدها اشتعالا، فالرئيس الروسي "فلاديمير بوتن" يستشهد دائما في أحاديثه بعد غزو بلاده لأوكرانيا بالموقف في كوسوفو، لتبرير ضمه لشبه جزيرة القرم، ومن وجهة نظره إذا استقلت جمهوريات يوغوسلافيا السابقة وإقليم صربي بدعم من الغرب، فلماذا لا ينبغي لشبه جزيرة القرم الاستراتيجية في أوكرانيا أن تنضم إلى روسيا أو تستقل كإقليم منفصل، وهي مناطق تسيطر عليها الغالبية الروسية.
الوضع المتوتر في شمال كوسوفو وعدم استطاعة أوروبا فرض حلول جذرية للمشكلات العالقة بين البلدين، يزيد التدهور الاقتصادي فيهما، مع احتمال دائم للاشتباك العسكري. يرى المحلل السياسي في وكالة أسوشيتد برس "دوسان ستوجانوفيتش" أن أي تدخل عسكري صربي في كوسوفو سيعني حتما صداما مع قوات حفظ السلام التابعة لحلف الناتو، مما يحتمل معه توسيع رقعة الحرب.
إن المشهد في كوسوفو يزداد ارتباكا كل يوم وسط ضعف واضح يعاني منه الاتحاد الأوروبي في مواجهة المشاكل الأوروبية المتزايدة. فهل يحل انضمام كوسوفو للاتحاد المشكلات العالقة؟ لقد وقعت الرئيسة "فيوزا عثماني، حسب ما نشرته روسيا اليوم في 14 ديسمبر، طلبا بالانضمام إليه، فهل سيكون الطريق إلى الاتحاد الأوروبي سهلا بالنسبة لأحدث دولة في أوروبا. إن هناك خمس دول أعضاء في الاتحاد لا تقبل استقلالها حتى الآن، هي: قبرص واليونان وإسبانيا ورومانيا وسلوفاكيا. وقد يساور الدول الأعضاء الأخرى أيضا مخاوف بشأن منحها العضوية بسبب علاقاتها الوثيقة مع صربيا، خاصة وأن التوترات بينهما لن تنتهي بسهولة، حيث تعتز صربيا بكوسوفو باعتبارها قلب دولتها الأصلية ودينها، وأنها تحتضن عد أديرة مسيحية صربية أرثوذكسية من العصور الوسطى، كما ينظر القوميون الصرب إلى معركة عام 1389م ضد الأتراك العثمانيين في كوسوفو كرمز لنضالهم الوطني.
على أية حال، لا يزال القادة الدوليون يأملون في أن تتمكن كوسوفو وصربيا من التوصل إلى اتفاق يسمح للأولى بالحصول على مقعد في الأمم المتحدة دون أن تضطر صربيا إلى الاعتراف صراحة بكونها جزء من دولتها. ويجب على كلا البلدين تطبيع العلاقات إذا كانا يريدان التقدم نحو عضوية الاتحاد الأوروبي.