رؤية وزير الخارجية الأمريكي الأسبق "هنري كيسنجر"، خلال المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس، التي تحولت إلى ضرورة انضمام أوكرانيا لـ "حلف شمال الأطلسي "، بعد أن كان من بين أشد المعارضين لتلك الخطوة. نادى كيسنجر برؤيته الأولى منذ بداية الحرب الروسية الأوكرانية حتى لا يتطور مشهد الصراع، إلى ما نشهده حالياً. ويُمكننا النظر إليها في ظل التغيرات الجيوسياسية للحرب.
خلال كلمة ألقاها أمام منتدى دافوس أكد كيسنجر أن "فكرة أوكرانيا المحايدة، في ظل هذه الظروف لم تعد ذات جدوى"، داعياً الغرب إلى ضم كييف لحلف الناتو"، وهو يرى بأن النتيجة “ستكون ملائمة".
لم تتوقف رؤية "كيسنجر" الجديدة، عند هذا الحد فقط، إنما يرى بأنه يجب على الولايات المتحدة الأمريكية، أن تستمر في "دعمها، وإذا لزم الأمر، تكثيف الدعم العسكري لأوكرانيا حتى يتم الوصول إلى وقف إطلاق النار"، والدخول في المفاوضات الأولية مع موسكو.
"كيسنجر" لم يخرج عن الهدف من رؤيته السابقة، ومضمونها، وهو عدم زياد إشعال الحرب مع روسيا التي تمتلك أكثر من 15 ألف سلاح نووي على أراضيها، إلا أن المتغير في خطابه الجديد، يكمن في آلية مختلفة عمَا سبق، فبالإضافة إلى ضرورة انضمام كييف إلى "الناتو"، دعا إلى محادثات سلام، والتي يجب أن تبدأ، "بمجرد استعادة القوات الأوكرانية للأراضي التي احتلتها روسيا منذ الغزو"، مع إبقاء العقوبات المفروضة على موسكو.
مع ذلك يطرح "كيسنجر" على الغرب، ضرورة منح روسيا فرصة للعودة إلى المجتمع الدولي، وهذه ُبمثابة رسالة تشير إلى انهاء حالة الحرب وعدم إبقائها مفتوحة يكون الغرب طرفاً فيها من جهة، ومد يد المساعدة من جهة أخرى، لموسكو. عل ذلك أن ينقذ روسيا وجيشها من الاستنزاف العسكري، والخروج من الحرب، بشكل مُشرف. أما دون ذلك، ستجبر روسيا الدول الغربية وأوكرانيا، لانضمام كييف لحلف شمال الأطلسي، وتقديمه ضمانات لصالحها ".
كما تواجه رؤية "كيسنجر" الجديدة، دعماً وسط الخبراء والإعلاميين، وهناك من يرفضها جملة وتفصيلاً، إذ أن قراءتهم لتلك الرؤية تقول، أنها تحمل دعماً صريحا لروسيا، وبطريقة مُهذبة، أكثر من كونها استراتيجية جديدة لإنقاذ الموقف بين الطرفين.
رفض الخبراء لرؤية "كيسنجر" الجديدة يعود إلى عاملين، الأول، أن دخول أوكرانيا في حلف "الناتو"، سيدفع "فلاديمير بوتين"، إلى شن حرب أكثر شراسة، ولو كلفه الأمر، استخدام أسلحة غير مشروعة. أما العامل الثاني، يكمن في التوقيت، فالحديث عن انضمام أوكرانيا لحلف الناتو"، في ظل حرب لم تتسع رقعتها خارج الحدود الأوكرانية، يُشكل عاملاً مُساعداً، للدخول في مفاوضات على أعلى المستويات، والتي بدأت بوادرها تظهر حالياً، إذ أكد المتحدث باسم الكرملين إمكانية إجراء لقاء بين رئيس الاستخبارات الخارجية الروسية، ومدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية.
في تقديرنا نرجح بأن العامل الثاني أقرب إلى الواقع، الذي سيسمح لروسيا في أي وقت، بالانسحاب، أو على الأقل قبول المفاوضات، دون إحراجها على المستوى الداخلي (الوطني)، والدولي، بالأخص، بعد تقدم الأوكرانيين في ساحات القتال، بفضل الدعم المتعدد عسكريا ومدنيا ، القادم من الغرب، بالأخص، الولايات المتحدة الأمريكية.