مع التطورات المتعاقبة الخاصة بالحرب
بين حماس واسرائيل، برزت أوجه تطابق عديدة بين إيران وتركيا من حيث مضمون ونبرة التنديد
بالنهج الإسرائيلي في الحرب على القطاع. هذا التطابق الخطابي لم يكن مفاجئا، غير
أنه يثير تساؤلات حول ما إذا كان يؤشّر لتقارب أوسع بين طهران وأنقرة قد يحمل في
طياته توافقا في عدد من الملفات العالقة بين الدولتين، أم سيكون محدود التأثير
لجهة التئام الصورة الأشمل لعلاقاتهما الثنائية.
يتوجب بداية توضيح أوجه الاختلاف
بين مواقف كل من أنقرة وطهران من الحرب بين حماس واسرائيل . فعلى الرغم من التشابه
الخطابي، تبقى هنالك اختلافات أساسية في طبيعة تفاعل كل من القوتين الإقليميتين مع
الملف. تظهر هذه الاختلافات في طبيعة علاقاتهما بحركة حماس. فبينما يتمحور تعامل أنقرة
مع الحركة حول توفير الحاضنة السياسية والدعم السياسي لقياداتها، تضطلع طهران في
تدريب وتسليح جناحها العسكري، وبذلك تلعب دورا فاعلا في مجريات الحرب الجارية على
المستوى العسكري. وعلى الرغم من نفي طهران التدخل في قرارات ما يعرف بـ"فصائل
محور المقاومة"، لا يخفى نفوذها الكبير على القوات
المشتبكة مع إسرائيل، لا سيما أنها مصدر التمويل والتدريب والتسليح الرئيس لها.
على الجانب الآخر، ليس لدى تركيا
أي دور عسكري في الصراع المسلح الجاري، ومن المستبعد أن تسعى إلى تغيير هذا الواقع،
على الأقل في المستقبل المنظور. فقد اقتصرت جهود أنقرة على المستوى الخطابي
والإنساني والدبلوماسي، حتى أنها حاولت في الأيام الأولى للحرب التهيئة للعب دور
الوسيط بين حماس وإسرائيل، إلا أنها لم تحقق نجاحا في ذلك المسار الذي لا تزال قطر
ومصر تمثلان الدور الرئيسي فيه. علاوة على ذلك، استبعدت تركيا قطع العلاقات
بالكامل مع إسرائيل، وتؤكد باستمرار على أن الطريق الأمثل لتحقيق السلام المستدام
في المنطقة هو حل الدولتين بناء على حدود 1967، بينما ترفض إيران الاعتراف
بإسرائيل، وتبدي تفضيلا ودعما لحل الدولة الواحدة.
توضح هذه الاختلافات أهمية التصنيف
الواقعي للأمور، وفصل التشابه الخطابي عن التنسيق الفعلي بين أنقرة وطهران فيما
يتعلق بمجريات الحرب في غزة، الذي من
المرجّح أن يظل غائبا في المستقبل. ومن خلال اعتماد النهج الواقعي في قراءة
الأحداث، يمكننا استكشاف واستشراف حدود تأثير الحرب بين حماس واسرائيل على العلاقات الثنائية بين الدولتين ومستقبلها. فالعلاقات
التركية الإيرانية معقدة، والملفات العالقة بينهما شائكة وحساسة، ولا تتعلق بغزة
ولا بالقضية الفلسطينية فحسب. وعليه، فإنه من الصعب تصور حدوث تطورات بخصوص
الملفات العالقة بينهما في ضوء التطابق الخطابي الخاص بحرب حماس واسرائيل، إلا أنّ
الموقف المماثل بينهما قد يهيئ الأجواء لمباحثات أعمق حول خلافاتهما القائمة في
الملفات الأخرى.
نجاح هذه المباحثات سيكون مرهون بحيثيات
كل ملف بعينه، وليس بالتوافق على الملفات أخرى. وقبل أن نعطي المثال على ذلك، لا
بد من تبرير هذا التوقّع بالقول أنّ العلاقة بين تركيا وإيران لا تصل إلى مرحلة
التحالف، الذي يؤطّر في بعض السياقات لحلحلة في الملفات العالقة. وبالحديث عن
الأمثلة، يمكن الاستشهاد بالنزاع بين أذربيجان وأرمينيا حيث تدعم كل من تركيا
وإيران أطرافا مختلفة، ولا يمكن تصور أنّ الموقف المتقارب بين تركيا وإيران يمكن
أن يؤسّس لتحقيق تطور ملموس فيه. حتى إسرائيل، التي تدعم أذربيجان، من المستبعد أن
تغير موقفها من الصراع على أساس الحرب الراهنة، بغض النظر عن العلاقات القوية بين
باكو وأنقرة. كما ويمكن الاستشهاد بالملف السوري، الذي يمثل شاهدا مهما على عمق
وتعقيد الخلافات بين طهران وأنقرة، حيث تتبع الدولتان، انطلاقا من مصالحهما، نهجين
متضاربين.
ختاما، نشير إلى أنّ حيز التوافق
بين إيران وتركيا حول الهيمنة الأميركية ودعم فكرة النظام العالمي متعدد الأقطاب
يمثل أرضية مشتركة ممهّدة لتحقّق المزيد من التقارب، وتقلّل آفاق التصعيد في
الملفات محل الخلاف بينهما، وبالتالي استكشاف مساحات أوسع للتعاون المشترك. وتتضح
ملامح هذه الجهود في مشاركة أنقرة وطهران ضمن إطار 3+3 الذي يهدف إلى حل أزمة
القوقاز بمشاركة دول المنطقة دون تدخل خارجي، وعضويتهما في منظمة التعاون
الاقتصادي.