أفاد الرئيس التركي "أردوغان" في حوار تليفزيوني يوم 26 نوفمبر، بأنه تحدث مع الرئيس "السيسي" بعد مصافحته على هامش بطولة كأس العالم لكرة القدم. وأن عملية بناء العلاقات مع مصر ستبدأ باجتماع وزراء البلدين. وقال وزير خارجيته "تشاووش أوغلو"، إنه من الممكن إعادة النشاط الدبلوماسي كما كان. (وكالة الأناضول، 28 نوفمبر). كما غرد المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية، مؤكدا أن الرئيسين اتفقا على أن يكون لقاؤهما في الدوحة بداية لتطوير العلاقات الثنائية بين البلدين.
ومن الواضح أن هناك تحولا كبيرا في الموقفين التركي والمصري يفتح المجال للتعاون المشترك في المرحلة المقبلة. وقد أكد ذلك "فؤاد أوقطاي" نائب "أردوغان" أثناء كلمته أمام لجنة الموازنة بالبرلمان، حين ذكر أن التحولات الجيوسياسية في الشرق الأوسط انعكست على الموقف التركي الذي يعطي الأولوية للتعاون الإقليمي، مما يفتح حقبة جديدة في العلاقات الثنائية مع الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية. وسوف يتحقق الشيء نفسه مع مصر. (وكالة الأناضول، 25 نوفمبر).
ومن المعروف أنه خلال عام 2021 عُقدت جولتان من المحادثات الاستكشافية لتطبيع العلاقات التركية المصرية. ومع حدوث خلافات حول وجهات النظر، صرح وزير الخارجية المصري "سامح شكري" بأن الجانب التركي لا يزال غير جاد في معالجة ملف القوات الأجنبية في ليبيا، وأن ذلك يطيل أمد الخلاف مع مصر. ولكن يبدو أن مصافحة أردوغان للسيسي فتحت بابا جديدا للمباحثات. وليس من الطبيعي، على حد قول السياسي والإعلامي "عثمان سرت" في (صحيفة كارار التركية، 24 نوفمبر)، أن تنفصل دولتان إقليميتان رئيسيتان مثل تركيا ومصر. ومن جهته قال الدكتور "محمد فايز فرحات"، مدير مركز الأهرام للدراسات، خلال مداخلة على قناة "القاهرة الإخبارية" إن لقاء "السيسي" مع نظيره التركي يمثل دفعة لتشجيع البلدين على البدء في بناء علاقات طبيعية.
وفي حين أن الطرفان يبديان رغبة مشتركة في تطبيع العلاقات بينهما، فإن تركيا تبدو أكثر حماسة للوصول إلى التطبيع الكامل، وتحقيق مبدأ "صفر مشاكل"، مما يدفعنا للتساؤل عن المصالح المتوخاة من تعزيز العلاقات بين البلدين. وحسب دراسة نشرها "معهد كارنيغي الشرق الأوسط"، سوف تشجع المصالحة على توسيع علاقاتهما التجارية، فخلال الخمسة عشر عاما الماضية ازداد حجم التبادل التجاري بينهما لأكثر من الضعف، بالشكل الذي عوض تعثر الواردات الآسيوية التي سببتها جائحة كوفيد-19. وهو ما جعلهما يشعران بأهمية علاقاتهما المشتركة بالرغم من الخلاف حول بعض القضايا.
تركيا أيضا باتت تدرك أن سوء علاقتها مع مصر يضيع عليها فرصة ترسيم الحدود البحرية معها بشكل مباشر ضمن اتفاقية تضمن للقاهرة كما أنقرة حقوقهما المائية. فأنقرة تشعر بالتضرر من الاتفاقية المصرية اليونانية. وسوف تفتح المصالحة مجالا لكل من القاهرة وأنقرة للتفاهم في شرقي البحر المتوسط، فهذا بالنسبة لمصر وتركيا أمر مهم. (دويتشه فيلا، 4 ديسمبر) والتوافق المصري التركي بشأن تسوية الوضع في شرق المتوسط، ستستفيد منه أيضا تركيا بالجلوس مع جارتها اليونانية لحسم كافة الملفات الخلافية، مما يضمن أيضا استقرار الوضع في المتوسط بالنسبة لمصر (بوابة الرئيس نيوز، 28 نوفمبر)
على أية حال، يبدو أن المحادثات المصرية التركية ستتركز في عدة ملفات مهمة، مثل حل الخلافات حول حقول الغاز بين البلدين في شرق المتوسط، وإنهاء حالة الاستنفار الإعلامي بينهما. كذلك حسم حجم تدخل البلدين في الشأن الليبي، والتعاون في جهود إنهاء وضع المرتزقة الأجانب في ليبيا. فمصر ليست بحاجة لمواجهة تركيا في ليبيا، كما أن أنقرة كذلك في غنى عن هذه المواجهة المثيرة للتوتر، ولذلك فإن البلدين يدركان حاجتهما لبناء علاقة مستقرة بالتوصل لتفاهمات في الملفات الخلافية بما يصب في مصلحة الطرفين.
من المطلوب أن تثمر التحركات نحو المصالحة عن علاقات مبنية على المصالح ومرتكزة على الإرث التاريخي الطويل بينهما، وهو أمر في غاية الأهمية بالنسبة لمصر وتركيا على حد سواء، ونعتقد أن المشاورات القادمة سوف تسعى مصر من خلالها إلى تأمين العلاقات مع تركيا اقتصاديا وسياسيا وأمنيا. وأن ينعكس التطبيع على كافة الملفات العالقة، سواء في ليبيا أو في شرق المتوسط، حتى على صعيد الاحتقان الداخلي، فمن مصلحة القاهرة تخفيف نتائج تقديرات أنقرة الخاطئة للشأن المصري الداخلي، مما يزيد من مرونة التحركات المصرية المبنية على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة، فضلا عن احتياج "أردوغان" لإقناع مؤيديه بأن العلاقات الجيدة مع العواصم العربية هي الطريق الصحيح لمستقبل مريح. وهكذا وعلى الرغم من صعوبة الملفات المطروحة للوصول إلى مصالحة، لكنها ممكنة ببعض التنازلات من الطرفين.