عسكرة  البحر الأحمر والتحديات الأمنية في باب المندب

تقديرات

عسكرة البحر الأحمر والتحديات الأمنية في باب المندب

03-Jan-2024

في آخر مستجدات ملف باب المندب، يمثّل عبور المدمرة الإيرانية للممر حالة التصعيد التي على إثرها قد يدخل النزاع في منطقة عبور الشحن المائي مرحلة جديدة، لا سيما مع دخولها البحر الأحمر المجاور لمنطقة النزاع القائم بين إسرائيل وحركة حماس في قطاع غزة. جاءت الخطوة الإيرانية بعد قيام الولايات المتحدة بالتعامل عسكريا مع زوارق تابعة للحوثيين، وإبداء بريطانيا استعدادها لمواجهة الحوثيين.

أطراف معنية، أبدت عدم رغبتها بالتصعيد واتساع رقعة النزاع القائمة بين إسرائيل وحماس إقليميا. فقد أكد المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي، جون كيربي، أن الولايات المتحدة لا تسعى لتوسيع الصراع في الشرق الأوسط، قائلا: "كل ما نريده أن يوقف الحوثيون هذه الهجمات وكنا واضحين بشأن ذلك مرارا وتكرارا". كما برّرت وكالة تسنيم الإيرانية عبور المدمرة "ألبرز" باب المندب ودخولها البحر الأحمر في إطار المجموعة 94 التابعة لبحرية الجيش الإيراني، بأنها "تعمل في المنطقة لتأمين الممرات التجارية ومواجهة القراصنة ومهمات أخرى".

ويمكن فهم التحرك الإيراني في ضوء مساعي الولايات المتحدة لتشكيل قوة مهمات (حربية) لحراسة سفن البحر الأحمر، الأمر الذي ألمحت إليه واشنطن في نهاية العام الماضي، وأجرت مناقشات مع حلفائها لتشكيل قوة عمل بحرية لحراسة السفن في البحر الأحمر بعد هجمات الحوثيين على عدة سفن تجارية كامتداد للحرب التي تخوضها إسرائيل ضد حماس. وقال جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس بايدن "إن مثل هذه الدوريات أو المرافقة يمكن أن تكون الرد المناسب على استهداف السفن في المنطقة"، وقارن المهمة بفرق عمل مماثلة في الخليج، حيث كانت القوات البحرية الإيرانية في بعض الأحيان "عدوانية" مع السفن الأخرى، وقبالة سواحل الصومال، حيث اعتدى القراصنة على السفن الخاصة في الماضي.

 وبالفعل فقد سبقت الولايات المتحدة ودول أوروبية إيران ، بنشر قطع بحرية في البحر الأحمر لتأمين الملاحة في الممر الذي يستهدفه الحوثيون. لكن التحرك الإيراني سيعتبر استفزازا من قبل الأطراف المشاركة في تأمين الملاحة البحرية في المنطقة على اعتبار دعم إيران للحوثيين، الطرف المتسبّب بإشكالية الأمن في منطقة البحر الأحمر. كما ذكرنا، فكل الأطراف تقول بعدم الرغبة بالتصعيد، إلا أنّ وجود القطع البحرية الإيرانية والغربية متجاورة قد يؤدي إلى الاصطدام ولو بشكل غير مقصود.

من المؤكّد أنّ التحرك الإيراني سيكون له تأثير على عدّة مستويات. التأثير الأوّل الذي يمكن استقراؤه يتمثل في ارتفاع أسعار النفط. فقد أوردت وكالة سي أن بي سي عن ارتفاع في أسعار النفط بعد أن أرسلت إيران سفينتها الحربية إلى البحر الأحمر، وقفز خام القياس العالمي برنت 2.5 بالمئة إلى 78.97 دولارا للبرميل، في حين ارتفع خام غرب تكساس الوسيط الأميركي 2.5 بالمئة إلى 73.43 دولارا للبرميل خلال ساعات التداول الآسيوية.

إذا كانت الخطوات الأميركية والأوروبية المتمثّلة بضرب الزوارق الحوثية من قبل الولايات المتحدة والتلويح البريطاني بضرب الحوثيين ودخول القطع البحرية لكل من الأميركيين والأوروبيين منطقة البحر الأحمر مفادها ردع الحوثيين وإيران، فإنّ تحرّك إيران الأخير بشأن إدخال المدمّرة "البرز" البحر الأحمر من باب المندب يظهر أنّ أساليب الردع ليست ناجحة وأنّ الأمن المائي على المحك. كما أنّ احتمال التصعيد والاصطدام قائم بينهما حتى وإن كانت الغلبة العسكرية للقوى الغربية. وهذا يعني أنّ غياب التوازن العسكري لا يعني عدم الانزلاق إلى هاوية المواجهة، لأنّ كلفة إغلاق الممر أو تجميده لا تتطلّب أكثر من تنفيذ التهديدات من خلال إطلاق الصواريخ العابرة لأجواء المنطقة المستهدف تجميد حركتها التجارية، دون الرهان على المواجهة المباشرة.

242