يفترض العديد من المحللين أن الحرب بين الصين وتايوان سوف تنشب بين ليلة وضحاها، بالرغم من تكهنات كبار العسكريين الأمريكيين بأن أوامر الرئيس الصيني "تشي جين بينغ" تقضي بالاستعداد لغزو تايوان بحلول عام 2027، دون تقديم دليل على ذلك. بل أن بعضهم رأى أن الصين يمكن أن تهاجم قبل أو أثناء انتخابات تايوان في يناير 2024. وذهب البعض الآخر إلى أن الحرب ستندلع بحلول الذكرى المئوية لتأسيس الجمهورية الشعبية الصينية عام 2049.
لكن إذا كانت الحرب هي خطة بكين، فهل تستطيع بالفعل خوضها وهي تضمن نسبة كبيرة من النجاح؟ فحسب رأي المحلل الأمني وضابط المخابرات الأمريكية السابق "جون كولفر" لكارنيغي، تشير التقارير إلى أن "شي" وحزبه يفهمان جيدا أن الغزو المباشر لتايوان سيكون مهمة استراتيجية شاقة، خاصة وأن آخر حرب كبرى خاضتها بكين كانت ضد فيتنام في عام 1979، ولا تمتلك الخبرة العسكرية العملية الكافية لخوض حرب مع جارتها التي تدعمها واشنطن. فضلا عن احتمال أن تستمر الحرب لسنوات، سوف تتعرض الصين خلالها لعقوبات تهدد عملاق الاقتصاد الاستهلاكي الأول في العالم. وسوف يتحول أساس الشرعية المحلية للحزب الشيوعي الصيني من التركيز على توليد النمو الاقتصادي الذي ساد منذ عام 1978 إلى التركيز شبه الحصري على القومية في قضية إعادة دمج تايوان مع الصين.
وإلى جانب خيار الحرب، هناك العديد من الأسباب التي قد تجعل القيادة الصينية تتجنب الصدام في المستقبل القريب. أهمها أن الجيش الصيني لم يتم اختباره بعد لشن هجوم برمائي متنازع عليه ضد تايوان المجهزة جيدا بصواريخ كروز المضادة للسفن والمدعومة من الولايات المتحدة. بالإضافة إلى ترنح الاقتصاد الصيني من آثار سياسة "زيرو كوفيد" للرئيس "شي"، وانشغال الصين بالمخاوف المحلية.
وعلى عكس الرأي السائد يرى "سيدهارت كوشال" الباحث في المعهد الملكي للدراسات الأمنية في بريطانيا أنه من غير المحتمل أن تحفز المشكلات المحلية الصين على شن حرب تحويلية لصرف السخط المحلي العام، لأن هذا النوع من الحرب يكون ضد أهداف سهلة ولمدد قصيرة، على سبيل المثال أن يقوم قائد ما بعملية عسكرية انتقائية سريعة لاستعادة شرعيته أو تجديد شعبيته، وهذا لا ينطبق على الحالة الصينية. فالصدام هنا قد يتطور إلى صراع قوى عظمى قد تخسره الصين.
أشار الخبير الصيني "بيل بيشوب"، وفقا للغارديان، إلى أنه لا يوجد شيء في الوثائق العامة أو خطب "شي" يشير إلى جدول زمني متسارع من جانب بكين تجاه الحرب ضد تايوان. وهذا الرأي يتناقض مع تأكيدات "أنتوني بلينكين" على "تويتر" بعد اجتماع الرئيس الصيني الأخير في 16 أكتوبر مع الحزب الشيوعي الحاكم بأن خطط الصين لضم تايوان تتحرك بشكل أسرع في عهد "شي".
أثناء خطابه أمام الحزب الحاكم، أظهر "شي" وهو يقرأ "تقرير العمل" الذي يوضح رؤيته للفترة المقبلة، إحباطا متزايدا من التدخل الأجنبي في أزمة تايوان التي يعتبرها أمرا محليا، مما يعكس قلقه من تدخل واشنطن. جاء ذلك وهو يدرك تماما أن قضية تايوان تشكل مصدر قلق عالمي عميق، لأن قيام الحرب سوف يؤثر على اقتصاد العالم كله.
قد تفكر الصين في اختبار قوتها، فضلا عن تحقيق مكسب معنوي، بشن هجوم مفاجئ ومحدود على جزر تايوان النائية ثم الانسحاب السريع. وربما يخفف ذلك من خطر اندلاع حريق بين بكين وواشنطن إذا فشلت الأخيرة في صده بموجب الاتفاقات الدفاعية بينها وبين تايوان. فإذا نجحت الصين، فمن الممكن أن يقوض ذلك مصداقية الولايات المتحدة بعد فشلها أمام جيش التحرير الشعبي غير المختبر جيدا. لكننا نعتقد أن مثل هذا القرار لن يصدر إلا إذا رأى القادة الصينيون أن ميزان القوى قد تحول بشكل حاسم لصالحهم.
وبالرغم من تفسير الخبراء لأسباب الغارات الجوية الصينية المتكررة على خط الوسط في مضيق تايوان على أنه "بروفة" للحرب، لكن الحقيقة أنها تهدف في الأساس إلى إعادة كتابة الوضع الراهن، وإعادة ضبط المعايير الدولية تجاه القضية، وترك واشنطن مع القليل من الخيارات الجيدة تجاه الحرب المحتملة، فضلا عن زيادة الضغط اليومي على القوات الجوية التايوانية. لكن ذلك لا يشير بشكل واضح على عملية عسكرية قريبة، وحتى مع ازدياد قلق المجتمع الدولي بشأن وتيرة ونطاق التحديث العسكري الصيني، الذي يركز بشكل واضح على تايوان، لكن الحقيقة أن القدرة العسكرية للصين وحدها لا تشير إلى نية الدخول في حرب على المدى القريب.