مع تدهور الوضع الأمني في البحر الأسود الحيوي، على خلفية انسحاب روسيا من اتفاق تصدير القمح الأوكراني، تفاقمت التهديدات التي تواجه الموانئ الاستراتيجية وحركة السفن في المنطقة. وإثر انسحابها من الاتفاق، صرحت موسكو أنها ستعتبر السفن المتجهة إلى موانئ أوكرانيا على أنها أهداف عسكرية محتملة. وتبع ذلك تخفيض شركات التأمين على السفن عملياتها في البحر، وازدادت وتيرة استهداف السفن والموانئ الأوكرانية.
ترى كييف أن روسيا استهدفت عددا من الموانئ الأوكرانية الاستراتيجية ، مما أدى إلى اتلاف كمية ضخمة من شحنات القمح المخزن في هذه الموانئ، وتضرر بنيتها التحتية. ووفقا لمصادر أوكرانية رسمية، في 2 أغسطس 2023، اعترضت القوات الأوكرانية 11 مسيرة روسية استهدفت ميناء إسماعيل في الدانوب، جنوب ريني. ومع ذلك، ألحقت الهجمات أضرارا بمصعد للحبوب وصوامع ومكتب شركة شحن ومحطة بحرية، حسبما قال مكتب المدعي العام، وقالت وزارة البنية التحتية الأوكرانية إن 40 ألف طن من الحبوب دُمرت في الميناء.
روية موسكو تختلف تماما ففي أعقاب الهجوم، قالت وكالة الإعلام الروسية إن البنية التحتية للميناء والحبوب كانت تأوي مرتزقة أجانب ومعدات عسكرية. وفي 22 أغسطس 2023، قالت وزارة الدفاع الروسية، إن قواتها دمرت زورقا عسكريا أميركي الصنع يقل جنودا أوكرانيين شرقي جزيرة الثعبان في البحر الأسود. وصرحت الوزارة أن طائرة حربية روسية استهدفت السفينة التي قالت إنها كانت تقل "مجموعة إنزال أوكرانية"، (ذا إيكونوميك تايمز، 22 أغسطس 2023).
لقد وقعت هجمات أخرى في ميناء بافليفكا وميناء كوزاتسكي في منطقة خيرسون، التي تقع بالقرب من منطقة أوديسا. وقال معهد دراسة الحرب (ISW)إن روسيا تحاول خلق شعورا بالإلحاح بشأن عودتها إلى مبادرة حبوب البحر الأسود من خلال تكثيف الضربات على الموانئ الأوكرانية والبنية التحتية للحبوب، فضلا عن التهديد بمهاجمة السفن المدنية في البحر الأسود. ونشير إلى أن الكرملين قد ربط عودة روسيا إلى اتفاق الحبوب بتنفيذ أجزاء من الاتفاق المتعلقة بتخفيف العقوبات على موسكو مقابل مشاركتها فيه.
حرب الموانئ هذه تحمل تداعيات وخيمة على المستويين الأمني والاقتصادي. فهي تعرقل وصول الحبوب إلى الأسواق العالمية ما أدى إلى انخفاض الكميات المطروحة في الأسواق وارتفاع أسعارها بشكل كبير. وهذا الوضع يزيد الأعباء على الدول الأكثر حاجة إلى هذه الحبوب، مما يهدد أمنها الغذائي بشكل مباشر.
أما أمنيا، تفاقم الاعتداءات على الموانئ من مخاطر الانزلاق إلى مواجهة عسكرية مباشرة بين الناتو وروسيا. فقد حذر القائد الأعلى السابق لحلف الناتو في أوروبا، الأدميرال الأميركي السابق جيمس ستافريديس لبوليتيكو، إن التصعيد في البحر - بما في ذلك صعود قوات روسية على متن ناقلة تركية في 13 أغسطس 2023 - قد يجبر شركاء كييف على التدخل لمنع شل الاقتصاد الأوكراني. قال ستافريديس: "إن تصرفات روسيا في المياه الدولية للبحر الأسود تخلق خطرا حقيقيا بالتصعيد إلى حرب في البحر بين الناتو وروسيا"، (بوليتيكو، 15 أغسطس 2023).
إن الدور المحوري التي تلعبه الموانئ الأوكرانية على البحر الأسود في سلسلة توريد الحبوب إلى الدول الأكثر هشاشة من حيث الأمن الغذائي، يتطلب البحث عن حلول تعيد الاستقرار النسبي الذي شهده البحر في ظل اتفاق الحبوب، من أجل تحجيم انعكاسات الحرب ومنعها من التطور إلى صراع أكثر تدميرا وخطورة.