قال ترمب: «نحن نتعرض للخداع في
قناة بنما كما نتعرض للخداع في كل مكان اخر»، مشيراً إلى أن إدارته الجديدة ستحاول
السيطرة على قناة بنما، واصفاً التنازل عن القناة بانه «حماقة». كما أشار ترامب في
كلمة ألقاها أمام أنصاره في ولاية أريزونا إلى أن القناة كانت قد أعيدت إلى بنما وفق
شروط واضحة، لكنه يرى أن تلك الشروط لم تحترم. وأضاف: "إذا لم يتم الالتزام بالمبادئ
الأخلاقية والقانونية التي تحكم هذه الاتفاقية، فسوف نطالب بإعادة قناة بنما بالكامل
ودون تأخير".
أضاف: «يجب عليهم أن يعاملونا
بشكل عادل، وإذا لم يتم اتباع المبادئ الأخلاقية والقانونية لهذه البادرة، فسنطالب
بإعادة قناة بنما إلى الولايات المتحدة الأميركية، بالكامل، وبسرعة ودون سؤال، لن نقف
مكتوفي الأيدي"، ونشر ترمب عبر منصة «تروث سوشيال» صورة لقناة بنما وعليها العلم
الأميركي، وعبارة «مرحباً بكم في قناة الولايات المتحدة.
رئيس بنما خوسيه راؤول مولينو
لم يسكت ، بل رد قائلا إن سيادة بلاده غير قابلة للتفاوض، وأشار في فيديو نشره على
حسابه في "إكس"، إلى أن "كل متر مربع من قناة بنما والمنطقة المحيطة
بها، ملك لبنما وسيظل كذلك".
تعتبر قناة بنما من الأصول الوطنية
الحيوية للولايات المتحدة، وذلك بسبب دورها الحيوي في اقتصاد أميركا وأمنها الوطني. ويُعد تأمين القناة أمر بالغ الأهمية للتجارة الأميركية،
والنقل السريع للأسطول من الأطلسي إلى الهادئ، ويقلل بشكل كبير من أوقات الشحن إلى
الموانئ الأميركية.
هذه القناة تعد شرياناً هاماً
للاقتصاد والتجارة الأميركية، والولايات المتحدة هي أكبر مستخدم للقناة، حيث تمثل حاويات
التجارة الأميركية الإجمالية حوالي 73% من حركة قناة بنما، وتمر 40% من إجمالي حركة
الحاويات الأميركية عبر القناة كل عام. وفي المجموع، تتعامل القناة مع ما يقرب من
270 مليار دولار من البضائع سنوياً.
مشكلة القناة الحالية تتعلق بالرسوم
التي تفرضها بنما على السفن الأمريكية التي تمر عبر القناة، ولكي تتمكن القوارب والسفن
من الاستفادة من القناة، تفرض بنما رسومًا جمركية. يمكن أن تختلف الرسوم بناءً على
الحجم والغرض من استخدام السفن، وتتراوح من 0.50 دولار إلى 300 ألف دولار. وسلمت الولايات
المتحدة السيطرة على القناة إلى بنما في عام 1999.
تقول سي إن بي سي أن الصين استثمرت
بشكل كبير في البنية التحتية في بنما، بما في ذلك الموانئ والمناطق الحرة، مما يعزز
نفوذها الاقتصادي في البلاد، هذا النفوذ المتزايد
يثير قلق بعض الدول، بما في ذلك الولايات المتحدة، التي ترى في ذلك تهديدًا لمصالحها
الاستراتيجية في المنطقة.
ولا تسيطر الصين على القناة بشكل
مباشر، لكن إحدى الشركات ومقرها هونغ كونغ تدير ميناءين رئيسيين عند مدخلي القناة في
منطقتي البحر الكاريبي والمحيط الهادئ.
تأكيدا للبعد الصيني في المشكلة تبدو التصريحات التي أدلى
بها ترامب مرتبطة بمخاوف بشأن زيادة النفوذ الصيني في التجارة العالمية والبنية التحتية
الاستراتيجية، بحسب ما أورد موقع "بوليتيكو"، رغم أنه لا يوجد حاليا كيان
صيني يدير قناة بنما مباشرة أو يتحكم في عملياتها.
ووفق موقع قناة الحرة عززت بكين
وجودها بشكل كبير في أميركا اللاتينية على مدار العقدين الماضيين، من خلال الاستثمارات
في الموانئ ومشروعات البنية التحتية واتفاقيات التجارة، وتدير شركة مقرها هونغ كونغ
الميناءين الرئيسيين على طرفي قناة بنما، بالبو في جانب المحيط الهادئ، وكريستوبال
في الجانب الأطلسي.
وحسب "بوليتيكو"، لم
تصدر عن بكين أي مؤشرات علنية على اتخاذها أي خطوة لشراء القناة أو توسيع نفوذها على
عملياتها. وربما كانت تصريحات ترامب استباقية، لمحاولة إثناء الصين عن أي توسع مخطط
في أميركا اللاتينية.
كما أن التحول السياسي الأخير
في بنما، مع انتخاب مولينو رئيسًا قبل شهور، في صالح واشنطن. إذ تعهد مولينو بتعزيز
العلاقات مع الولايات المتحدة، وهو يشير إلى تحول محتمل في سياسة بنما الخارجية نحو
التوافق بشكل أكبر مع المصالح الأميركية.
ويرى محللون أن تهديدات ترامب
بفرض رسوم جمركية على السفن الأمريكية التي تمر عبر قناة بنما تُعتبر جادة إلى حد كبير،
ف ترامب معروف باستخدامه لأسلوب التهديدات والتصريحات الصادمة كجزء من استراتيجيته
التفاوضية.
ففي الماضي، استخدم ترامب تهديدات
مماثلة لتحقيق أهدافه السياسية والتجارية، مثل فرض رسوم جمركية على المكسيك وكندا والصين،
مما أدى إلى تغييرات في سياسات تلك الدول. ومع ذلك، يبقى من غير المؤكد ما إذا كانت
تهديداته بشأن قناة بنما ستؤدي إلى تغييرات فعلية أو أنها مجرد تكتيك تفاوضي.
كما أن هذه ليست المرة الأولى
التي يقترح فيها ترامب الاستيلاء على أراض ذات سيادة لدولة أخرى. فقد اقترح مؤخرا أن
كندا يمكن أن تصبح الولاية رقم 51 بعد أن تساءل عن سبب تقديم الولايات المتحدة لجارتها
الشمالية الإعانات. كما أعرب خلال ولايته الأولى عن اهتمامه بشراء جزيرة غرينلاند،
وهي فكرة قوبلت برفض حازم من السلطات الدنماركية.
تقول سي ان بي سي أن قناة بنما
تعتبر من عجائب العالم الحديث، إذ افتُتحت للعمل منذ 110 سنوات، بعد أن تم بناؤها بتكلفة
ضخمة للولايات المتحدة من حيث الأرواح والموارد، حيث توفي 38.000 رجل خلال عملية البناء.
وهي ثاني أهم معبر مائي صنعه الإنسان
بعد قناة السويس تربط المحيطين الأطلسي والهادي وتشق اليابسة الواصلة بين الأميركتين
بطول يتجاوز 80 كيلو متراً فاسحة المجال لعبور أكثر من 14 ألف سفينة سنوياً. يبلغ طولها
77 كيلومتراً، وتمتد من خليج ليمون في المحيط الأطلسي إلى خليج بنما على المحيط الهادي،
ويبلغ أضيق جزء من القناة في معبر جيلارد وهو حوالي 150 متراً، وأوسع جزء منها يقع
في بحيرة جاتن الذي يبلغ 422 كلم مربع.
ويمثل الممر المائي الذي يسمح
بعبور ما يصل إلى 14 ألف سفينة سنوياً تحمل 2.5% من التجارة العالمية المنقولة بحراً،
وهو أمر بالغ الأهمية لواردات الولايات المتحدة من السيارات والسلع التجارية عن طريق
سفن الحاويات من آسيا ولصادرات الولايات المتحدة من السلع، ومنها الغاز الطبيعي المسال.
وقد بدأت شركة فرنسية في بناء
القناة عام 1881، لكنها تخلت عن المشروع بسبب صعوبات مادية وتقنية، ووقعت الولايات
المتحدة معاهدة مع بنما لإنجاز المشروع ابتداءً من عام 1902 ، وشكلت القناة سبباً رئيسياً
لتوتر العلاقات بين بنما والولايات المتحدة بسبب الخلاف حول السيادة والتحكم في مراقبة
القناة والمنطقة المحيطة بها، حيث قام سكان بنما عام 1964 باحتجاجات عنيفة بسبب منع
رفع علمهم قرب العلم الأميركي بمنطقة القناة. ودفع ذلك بنما حينها إلى قطع علاقاتها
مع الولايات المتحدة.
بالعودة إلى حديث ترامب، قال:
"كان ثيودور روزفلت رئيساً للولايات المتحدة وقت بناء القناة، وكان يفهم تماماً
قوة القوة البحرية والتجارة وعندما قام الرئيس جيمي كارتر بمنحها بشكل غير حكيم مقابل
دولار واحد خلال فترة رئاسته، كان ذلك لتديرها بنما فقط، وليس للصين أو أي جهة أخرى".