على مدى أربعين عاما، كانت إيران تدعم حزب الله كخط دفاع أمامي ضد إسرائيل، ولكن تعرض الحزب لهجمات متتالية أدت إلى انهيار قدراته وتضرر ترسانته واتصالاته. مسؤولون إيرانيون ممن عرفوا، حسن نصرالله، شخصيا، بمن فيهم عناصر في الحرس الثوري، أكدوا أن المرشد الإيراني، علي خامنئي، "تأثر بشدة بخسارة نصرالله وكان في حالة حداد"، ولكنه "اتخذ موقفا هادئا وعمليا"، حسب ما نقلته صحيفة نيويورك تايمز.
وفور وصول الأخبار،
ترأس خامنئي اجتماعا للمجلس الأعلى للأمن القومي في منزله، والذي شهد انقساما حول الرد
المناسب على إسرائيل. وفي هذا الاجتماع، رأى الأعضاء المحافظون، بمن فيهم سعيد جليلي،
أن على إيران الرد بسرعة بشن هجوم على إسرائيل لتجنب توسيع نطاق الحرب نحو طهران، وفق
الصحيفة.
من جهة أخرى، عارض
الرئيس الإيراني، مسعود بزشكيان، هذا التوجه، مشيرا إلى أن أي رد متسرع "سيوقع
طهران في الفخ الذي نصبه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو لجر إيران إلى حرب
أوسع"، كما تنقل الصحيفة.
يشكل اغتيال نصر الله تصعيدا حادا بعد القصف المتبادل عبر الحدود بين
حزب الله وإسرائيل منذ بدء الحرب في غزة قبل نحو عام، ويهدد بدفع المنطقة بأكملها
إلى الحرب.
وتعهد المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي أن دم نصر الله
"لن يذهب هدرا"، وقال النائب الأول للرئيس الإيراني محمد رضا عارف إن
مقتله سيؤدي إلى "تدمير" إسرائيل. كما تعهدت إيران الانتقام
لمقتل القيادي في الحرس الثوري عباس نيلفوروشان إلى جانب زعيم حزب الله.
يقول كريم سجادبور من مركز كارنيغي للأبحاث "لقد أدى نصرالله دورا حاسما في توسيع نفوذ إيران"، مشيرا إلى أن حزب الله يظل "جوهرة تاج" حلفاء الجمهورية الإسلامية الإقليميين.
ويرى علي واعظ من مجموعة الأزمات الدولية أن اغتياله "لم يغير
حقيقة أن إيران ما زالت لا تريد الانخراط بشكل مباشر" في النزاع الدائر.
لكنه يضع إيران أمام "معضلة خطيرة"، بحسب تعبير واعظ،
وخصوصا أن الحزب يشهد "حالة من الفوضى العارمة".
بالنسبة لأستاذ العلاقات الدولية في طهران مهدي زكريان، أظهرت
التطورات أن "جبهة المقاومة" الموالية لإيران "لم تكن عاجزة عن
احتواء إسرائيل فحسب، بل إنها تعرضت أيضا لضربات خطيرة".
ويأتي مقتل حسن نصرالله بعد شهرين تقريبا من اغتيال رئيس المكتب
السياسي لحركة حماس الفلسطينية إسماعيل هنية في 31 يوليو في طهران حيث كان يحضر
حفل تنصيب الرئيس مسعود بزشكيان. وحمّلت إيران إسرائيل
مسؤولية اغتياله وتوعدت بالرد.
يقول زكريان إن إعادة بناء حزب الله لن تكون مهمة سهلة بالنسبة لطهران
في ظل التحديات الاقتصادية المتزايدة التي تواجهها.
ويضيف الباحث "إذا أرادت الحكومة التدخل في إعادة إعمار لبنان أو إعادة تجهيز حزب الله، فإن ذلك سيفاقم الأزمة الاقتصادية في إيران".
تعاني إيران من التأثير الاقتصادي للعقوبات الدولية التي ساهمت في
ارتفاع التضخم ومعدلات البطالة وانخفاض سعر الريال مقابل الدولار إلى مستوى قياسي.
وعززت حكومة بزشكيان جهودها للمساعدة في تخفيف العقوبات المرهقة
وإحياء الاتفاق النووي التاريخي لعام 2015 والذي انهار عندما انسحبت الولايات
المتحدة منه بشكل أحادي بعد ثلاث سنوات من إبرامه.
ويرى محللون أن إيران تتحرك بحذر منذ اندلاع الحرب في غزة، وتحاول
إظهار قوتها من دون إثارة رد فعل من الولايات المتحدة.
حتى خلال أول هجوم مباشر لها على الإطلاق على إسرائيل في أبريل، ردا
على غارة جوية نسبت إلى إسرائيل على مبنى ملحق بالسفارة الإيرانية في دمشق، اعترضت
دفاعات الدولة العبرية والقوات المتحالفة معها معظم الصواريخ والمسيّرات.
وقالت إيران حينها إنها أبلغت الولايات المتحدة وأعطت الدول المجاورة
تحذيرا قبل 72 ساعة مما وصفته بهجومها "المحدود" على إسرائيل.
رغم ذلك، يرى علي واعظ أن إيران "لديها كل المصلحة في محاولة
الحفاظ على ما تبقى من حزب الله. حزب الله هو درع إيران".
يضيف مهدي زكريان أن "إيران لا تستطيع التخلي عن حزب الله، لأنها
في هذه الحالة ستخسر أيضا حلفاءها الآخرين" في سوريا والعراق واليمن الذي
تدخلوا في الحرب بين إسرائيل وحماس.
ويقول محللون إن المعضلة الكبرى الأخرى التي قد تواجهها إيران هي
التواصل مع حزب الله وإمداده بالأسلحة. وتعهد الجيش الإسرائيلي
الجمعة منع إيران من تزويد حزب الله بالأسلحة عبر مطار بيروت، قائلا إن مقاتلاته
تقوم بدوريات في محيطه.
يرى المعلق السياسي مصدق مصدق بور أن "الأوان قد فات بالنسبة
لإيران لدعم حزب الله بالأسلحة"، لكنه يعتقد أن الحزب "سيرمم صفوفه كما
فعل في الماضي".
وتعرضت الاتصالات الداخلية لحزب الله لضربة قوية أيضا عندما استهدفت
تفجيرات هذا الشهر أجهزة اتصال لاسلكية كان يستعملها أعضاؤه، في عملية حملت
مسؤوليتها لإسرائيل.
ويرى واعظ أنه سيكون "من الصعب للغاية" على الإيرانيين
حاليا التواصل مع حلفائهم، على عكس ما حدث أثناء الحرب التي استمرت 33 يوما بين
إسرائيل وحزب الله عام 2006.
ويشير إلى أن ردود حزب الله "ضعيفة وهزيلة" مع تصاعد العنف
مع إسرائيل، معتبرا أن "السؤال هو ما إذا كان غير راغب أو غير قادر على
التحرك".
ويعتقد واعظ أن إيران تأمل على ما يبدو في أن "يتمكن حزب الله من
إعادة تنظيم نفسه... وشن هجوم كبير على إسرائيل لإظهار أنه لا يزال صامدا".