يزداد الحديث حول اتخاذ حركة فتح الفلسطينية
قراراً بإجراء مصالحة داخلية بين التيار الذي يقوده محمود عباس وتيار محمد دحلان، في
ظل ظروف مصيرية تواجه الفصائل والقوى الفلسطينية في عموم مناطق وجودها. لذلك يبدو
من الطبيعي أن تبحث هذه الفصائل عن تقوية أوراقها عبر التقارب، لكن بعض المراقبين ما
زالوا يشككون في دوافع هذه المصالحة وأهدافها، والتي يمكن أن تَعُوق حدوثها أو
تقلل من أهميتها.
في 11 سبتمبر نقل موقع قناة الشرق عن
مسؤولين في حركة "فتح" قولهم إن الحركة قررت في الاجتماع الأخير للجنتها
المركزية، قبل أيام، إجراء مصالحات واسعة مع كل المفصولين من الحركة، بمن فيهم
أعضاء التيار الإصلاحي الذي يقوده المسؤول السابق في الحركة والسلطة محمد دحلان.
وذكرت مصادر في الحركة أن اتصالات جرت مؤخراً بين سمير مشهراوي أحد قادة
"تيار دحلان"، وعدد من المسؤولين في الحركة لهذا الغرض خاصة أمين سر
اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير حسين الشيخ.
ظهر الخلاف والانشقاق علناً داخل حركة
فتح عام 2011، عقب قيام الحركة بقرار من عباس بفصل دحلان بالإضافة إلى اتخاذ
إجراءات عديدة فيما بعد، تهدف إلى إقصاء التيار الإصلاحي وذلك بوقف الرواتب عن
أعضائه وكل من كان يتعامل معه. وفي عام 2021 زادت وتيرة الخلاف بعد حدوث انشقاق
جديد داخل حركة فتح أيضاً بعد فصل عدد من القيادات الذين رشحوا أنفسهم في
الانتخابات المحلية بشكل مستقبل، ومنهم عضو اللجنة المركزية ناصر القدوة ورئيس
بلدية الخليل تيسير أبو سنينة وغيرهم، وأدى ذهابهم بعد الفصل للتقارب مع تيار
دحلان إلى زيادة الخلاف بين الطرفين.
من أبرز الدوافع وراء توجه حركة فتح
لإجراء مصالحة داخلية، اندلاع حرب غزة وحجم التهديد الذي بات يواجه الأطراف
الفلسطينية بشكل عام، فخلال الفترة الماضية التي أعقبت اندلاع الحرب كان هناك نوع
من التهميش لحركة فتح والسلطة الفلسطينية، فغابت نوعاً ما عن المشهد؛ وهذا يعود
إلى غياب قدرتها التأثيرية في مسار الحرب. ولا يستبعد أن تكون الحركة قد نظرت إلى
ذلك على أنه أمر يهدد مكانتها على الساحة الفلسطينية، وبالتالي يمكن أن تكون خارج
التوافقات المستقبلية بين القوى الراعية لمسارات التفاوض لإنهاء الحرب في غزة،
ووضع صيغ لليوم التالي بعدها.
نتيجة لذلك يمكن أن ترى حركة فتح
والسلطة الفلسطينية أنها بحاجة إلى منح زخم لنفسها نوعاً ما، وإظهار أنها تقوم
بحركة سياسية كبيرة في إطار الحراك الإقليمي والدولي المتعلق بالقضية الفلسطينية،
كما أنها تريد من ذلك أن توجه رسالة إلى القوى المعنية بالملف الفلسطينية بأن الحركة
تسعى لتقوية نفسها، وتوحيد صفوفها استعداداً لأي مرحلة سياسية، سواء تتضمن التفاوض
مع إسرائيل، أو التفاوض بين الأطراف الفلسطينية.
كما ذكرنا سابقاً، فإن حركة فتح وبسبب عدم امتلاكها أي أوراق وقدرة تأثيريه كانت بعيدة إلى حد كبير عن أي نقاشات وتحركات معنية بمسار الحرب وسبل إنهائها، وقد ظل التركيز بشكل كبير على حركة حماس كونها مؤثراً وحيداً على الأرض في قطاع غزة. عليه يمكن لغياب "فتح" عن التحركات المترافقة مع الحرب أن يهدد مكانتها ودورها السياسي والحكومي في مرحلة ما بعد انتهاء الحرب، لذلك فإنها تريد الاستفادة من نفوذ تيار دحلان في كل من قطاع غزة، ومخيمات اللاجئين الفلسطينيين في الخارج.
خلال الأشهر الماضية تم رصد ما قد يشكل قلقاً لحركة فتح، وهو أن معظم القوى والتحركات كانت تشدد على أن الطرف الفلسطيني الشرعي هو "فتح"، والسلطة الفلسطينية التي يترأسها عباس، إلا أنه وخلال الفترة الماضية جرى الحديث كثيراً عن دور محتمل لدحلان، مع تقارير تشير إلى أنه مرشح لقادة السلطة الفلسطينية بعد انتهاء الحرب في غزة.
كذلك يمكن أن تحاول حركة فتح إرضاء
دول عربية وإقليمية شكلت عامل ضغط عليها للقيام بعملية المصالحة. وفي هذا السياق
نقل مركز القدس للأمن والشؤون الخارجية بتاريخ 4 سبتمبر 2024 أن دولاً عربية تشجع
عباس على تعزيز المصالحة داخل حركة فتح في أقرب وقت ممكن، وتعتقد أن هذه الخطوة من
شأنها أن تعزز مكانة السلطة في الشارع الفلسطيني وفي نظر المجتمع الدولي.
في الواقع أن هذه المصالحة وكما يراها
قادة حركة فتح باتت حاجة ملحة وضرورية، للأسباب كافة التي ذكرناها سابقاً، فرغم الضعف
الذي تعاني منه "فتح" تُعد المصالحة مدخلاً مهماً وغطاءً سياسياً وتنفيذياً
تمكن من خلاله إدارة الأراضي الفلسطينية بشكل يناسب الجميع. إلى جانب ذلك فإن فتح
قد تشهد مرحلة مقبلة أكثر حساسية وهي إمكانية الانقسام، في حالة غياب عباس عن
المشهد.
لكن ما يقلل من أهمية هذه المصالحة
نوعاً ما، أنها تأتي بصورة فردية وليست جماعية حيث تشير مصادر داخل فتح إلى أن
حسين الشيخ، أمين عام اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، وماجد فرج،
رئيس جهاز المخابرات العامة، نجحا في إقناع عباس بإزالة زعماء فتح الرئيسيين الذين
يزعمون أنهم يقوضون زعامته. وفي حال عدم عودة تيار دحلان بشكل كامل فإن ذلك قد لا
يبدو مفيداً، حيث سيكون العائدون بشكل فردي قلة ضمن التيار الذي يقوده عباس.
كما يمكن أن يُنظر إلى هذا الوضع كمحاولة
من قبل حركة فتح لمسايرة الضغوط العربية والإقليمية بقبول المصالحة بشكل ظاهري دون
تحقيق مصالحة جوهرية تؤدي كامل أهدافها، إلى جانب إمكانية فهم هذه التحركات على
أنها تأتي في إطار تنافسي، أي محاولة لسحب القيادات من تيار محمد دحلان وإضعاف
قدرة الأخير، وهذا ما يضعف تفاعل القوى الإقليمية والدولية مع هذه التحركات وستنظر
إليها على أنها إجراءات ضعيفة وغير موثوق بها، وبالتالي تفقد الزخم ولن يتشجع
آخرون من تيار دحلان للعودة إلى الحركة.
لذلك ينبغي أن تكون هناك تنازلات
وصيغة جديدة لحركة فتح من خلال تفاوض مباشر بين عباس ومعارضيه وأبرزهم دحلان، وأن
تكون عودة الأخير على رأس التيار الذي يقوده وبرعاية إقليمية ودولية، لأن ذلك
سيغير نظرة هذه القوى الخارجية إلى حركة فتح وبالتالي يكون مستوى الاعتماد
والتعويل عليها بشكل أكثر من السابق، خاصة أن التيار الإصلاحي بقيادة دحلان قادر
على ضخ دماء جديدة داخل الحركة وإعطائها مزيداً من الزخم حتى داخل قطاع غزة.
ويطالب "تيار الإصلاح
الديمقراطي" التابع لدحلان، الرئيسَ عباس، باتخاذ إجراءات لتوحيد الحركة،
تبدأ بإلغاء قرارات "الفصل التعسفية من الحركة ومنها وقف رواتب آلاف الموظفين
المحسوبين على دحلان، وتشكيل حكومة بصلاحيات واسعة لإعادة السلطة الفلسطينية إلى
غزة".
سيسهم إنهاء الخلاف بين عباس ودحلان -في
حال حصوله- في تحقيق توازن إقليمي، لكن إعادة المفصولين إلى حركة فتح وإنهاء
الخلافات في صفوف الحركة، تقف أمامهما عوائقُ سياسية وقانونية وقضائية عدة وفق صحيفة
إندبندنت في 25 أغسطس 2024.