الاضطرابات المصرفية الأخيرة

تقديرات

الاضطرابات المصرفية الأخيرة

22-Mar-2023

الاضطرابات المصرفية الأخيرة سببت ارتباكاً لدى مراقبي أسواق المال العالمية، خشية تفاقمها إلى أزمة واسعة النطاق مماثلة لتلك التي انفجرت في عام 2008. أثرت تداعيات الارتباك الحالي على عدد من الأسواق شملت النفط الخام، الذي انخفضت أسعاره إلى أدنى مستوياتها خلال الأشهر الـ 15 الماضية. استمر الانخفاض بعدها على الرغم من التحركات السريعة للبنوك المركزية لمساعدة المقرضين المتعثرين في الولايات المتحدة وأوروبا، تداركاً للأزمة.

بناء على ذلك، خفض بنك غولدمان ساكس الأمريكي توقعاته بخصوص أسعار النفط، التي كانت متفائلة إلى حد ما؛ نظراً لزيادة الطلب الصيني بعد رفع بكين تدابير "صفر كوفيد". غير أن المخاوف المتعلقة بالاضطرابات المصرفية وارتفاع احتمالات الركود الاقتصادي قد تغلبت في الأيام الأخيرة على التفاؤل المرتبط بزيادة الطلب الصيني. يقدر محللو غولدمان ساكس الآن، أن خام برنت سيصل إلى 94 دولاراً للبرميل خلال الأشهر الـ 12 المقبلة، و97 دولاراً للبرميل في النصف الثاني من عام 2024، مقارنة بـ 100 دولار للبرميل قبل الاضطرابات الأخيرة.

أورد البنك في مذكرة بتاريخ 18 مارس: "انخفضت أسعار النفط على الرغم من طفرة الطلب في الصين نظراً للضغوط المصرفية ومخاوف الركود ونزوح تدفقات المستثمرين. تاريخيا، بعد مثل هذه الأحداث، لا يتعافى الوضع والأسعار إلا تدريجيا". يتوقع البنك أن يقوم منتجو أوبك بزيادة الإنتاج فقط في الربع الثالث من عام 2024، بعد أن كانت التقديرات تشير إلى زيادة الإنتاج في النصف الثاني من عام 2023 قبل انخفاض الأسعار، (بلومبيرغ، 19 مارس 2022).

على الرغم من الاضطرابات الحالية، فإننا نرى أن تكرار سيناريو أزمة عام 2008، لا يزال غيرَ مرجح، نظراً لاختلاف وضع الأسواق المالية الحالي عما كان عليه في عامي 2007 و2008. في السياق، ذكر براد ماكميلان، كبير مسؤولي الاستثمار في شبكة الكومنولث المالية الأمريكية، في مقال نشرته منصة (Investing.com)، 13 مارس 2023، أن أزمة عام 2008 كانت نتاج عدد من العوامل، تتضمن:

1/ انعدام الشفافية حول قيم الأصول، مما تسبب في نقص السيولة لتلك الأصول.

2/ عدم امتلاك البنوك رأسَ مالٍ كافياً للتغلب على الأزمة.

3/ عدم توفر الائتمان في المراحل الأولى من الأزمة لدعم البنوك حتى توفر السيولة.

لقد تم إحراز تقدم ملحوظ في هذه الأمور منذ 2008، ما يوفر فرصة أفضل لتفادي تكرار الأزمة اليوم. بالنسبة للأصول، تحتفظ البنوك الأمريكية الآن إلى حد كبير بـ"أصول سائلة"، تهيمن عليها سندات الخزانة الأمريكية. قيم هذه السندات معروفة وواضحة، وهناك سوق كبير لها. عليه، يمكن للبنوك جمع النقد إذا احتاجت إلى ذلك، عن طريق البيع أو الاقتراض مقابل تلك الأصول. لذلك فإن البنوك الأمريكية حالياً تتمتع برأس مال أكبر، بالإضافة إلى قدرتها على الحصول على المزيد إذا تطلبت الحاجة، ما يمكنها من مواجهة الاضطرابات بشكل أكثر فعالية. يتبين في تلك النقطتين، الاختلاف الملموس في وضع البنوك الأمريكية اليوم مقارنة بما كان عليه في عام 2008.

أما العامل الثالث المتعلق بالائتمان، فهو أكثر تعقيداً، نظراً لارتباطه بخطوات البنك المركزي الأمريكي الساعية إلى كبح جماح التضخم الحالي، والمتمثلة في رفع أسعار الفائدة. فقد شهدت البنوك انخفاضاً كبيراً في قيمة سندات الخزانة الأمريكية التي تمتلكها، مع ارتفاع أسعار الفائدة، وهناك تساؤلات عما إذا كانت قيمة رأس مال البنوك المكونة في أغلبها من هذه السندات، لا تزال تغطي الالتزامات. غير أن وزارة الخزانة الأمريكية قدمت حلا لهذه المشكلة في 12 مارس 2023، من خلال توفير وسيلة للبنوك للاقتراض مقابل أصول طويلة الأجل مثل سندات الخزانة على أساس القيمة الاسمية، وليس القيمة السوقية الحالية، Investing.com)، 13 مارس 2023).

عليه، يتضح لنا أن حالة الارتباك الناجمة عن حركة انهيارات البنوك الأخيرة من غير المرجح أن تتفاقم إلى أزمة أخرى بحجم أزمة عام 2008، غير أن الاضطرابات الحالية في أسواق المال من المرجح أن تستمر في الفترة المقبلة بنسب متفاوتة. وفي تقديرنا، بات حدوث ركود اقتصادي في الولايات المتحدة سيناريوهاً أكثر احتمالية، وهو ما كان متوقعاً، نظراً للعبء الذي كانت تعاني حملَه البنوكُ الأمريكية، حتى قبل الانهيارات الأخيرة، المتمثل في ارتفاع أسعار الفائدة. بناء على ذلك، من المتوقع أن تتراجع البنوك والقطاع المالي بشكل عام عن الإقراض حتى يتم تنظيم قواعد رأس المال الخاصة بها، مما سيؤدي إلى إبطاء النمو الاقتصادي وهبوط الأسواق. 

من جهة أخرى، من المرجح حدوث تباطؤ في نمو قطاع التكنولوجيا بشكل ملحوظ، حيث يشير تمحور الانهيارات الأخيرة بشكل أساسي في مجالات التكنولوجيا والعملات المشفرة إلى أن هذه القطاعات أكثر عرضة للخطر من الاقتصاد ككل. في حين أنه من المرجح أن تتحرك البنوك الأخرى لتحل محل بنك سيليكون فالي، الذي كان أحدَ عوامل التمكين الرئيسية للطفرة التكنولوجية، إلا أنها لن تكون مخصصة للقطاع بنفس الدرجة.         


160