الأميركيون ودعم أوكرانيا

تقديرات

الأميركيون ودعم أوكرانيا

18-Jul-2023

تزامنا مع دخول المعارك على الأرض في أوكرانيا أكثر مراحلها احتداما بعد إطلاق كييف هجومها المضاد، شهد العالم سلسلة من التطورات في الداخل الروسي. تمثلت هذه التطورات في تمرد قائد مجموعة فاغنر، يفغيني بريغوجين، الذي وجه قواته إلى محاولة اقتحام موسكو بذريعة تآمر القوات المسلحة الروسية ضده وتنفيذ هجمات استهدفت قواته. وعلى الرغم من استعادة السيطرة على الوضع الأمني في روسيا خلال فترة وجيز، تبقى تداعيات ودلالات التمرد، خاصة فيما يتعلق بالحرب في أوكرانيا، محط نقاش واسع في الأوساط السياسية.

نركز فيما يلي على انعكاسات التمرد على موقف الرأي العام الأميركي من دعم أوكرانيا ودلالاتها على مستقبل الدعم الأميركي لكييف. لقد اتسمت المراحل الأولى من الحرب بدعم الرأي العام الأميركي تزويد كييف بما تحتاج إليه من أسلحة وأموال لردع الهجوم الروسي على أراضيها، ولكن حتى في ذلك الوقت، كانت هنالك أصوات ركزت على إشكالية تداعيات هذا الدعم الاقتصادية والعسكرية السلبية، إلى جانب احتمالية إطالة أمد الحرب والتصعيد النووي والمواجهة المباشرة بين الناتو وروسيا. ازدادت شعبية هذه الأصوات تدريجيا نتيجة الارتفاع المستمر لفاتورة دعم أوكرانيا المتزامن مع ارتفاع الأسعار في الولايات المتحدة، وغياب أي مؤشرات للتوصل إلى وقف لإطلاق النار وبداية مرحلة مفاوضات لإنهاء الأزمة. 

مؤسسة بروكينغز الأميركية قامت باستطلاع للرأي بين 21 و27 يونيو حول الدعم الأميركي لأوكرانيا، مع العلم أن تمرد فاغنر وقع في 23-24 يونيو. تذكر المؤسسة أن التمرد أثر على زيادة الفجوة بين الديمقراطيين والجمهوريين حول هذا الملف. وفقا لنتائج الاستطلاع، ازداد دعم الديمقراطيين للنهج الأميركي الحالي بخصوص أوكرانيا من 54% إلى 61% بعد التمرد، بينما انخفض دعم الجمهوريين من 34% إلى 26%. 

يعتبر البعض تمرد فاغنر نجاحا بالنسبة للرئيس الأميركي جو بايدن في هز صورة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، يرى الكثير من الديمقراطيين أنه يمكن أن يساهم في تعزيز فرصه في الانتخابات القادمة، ما يبرر زيادة دعمهم للنهج الأميركي تجاه أوكرانيا بعد التمرد. في الوقت نفسه، يمكن توظيف التمرد من قبل الديمقراطيين في مواجهة الانتقادات التي يوجهها عدد من الجمهوريين للدعم المستمر لكييف، إذ يقولون إنه لم ينجح في إضعاف ثقل موسكو دوليا. 

في المقابل، ومع تكثيف نشاطات الحملات الانتخابية، بات من الأوضح أن داعمي الرئيس السابق دونالد ترامب، يميلون إلى تقليل الدعم لكييف والسعي نحو الوصول إلى حل ينهي الصراع. يعكس ذلك وجهة النظر التي ازداد انتشارها بين الناخبين الجمهوريين، خاصة منذ صعود ترامب إلى المشهد السياسي، الداعية إلى التركيز على الشأن الداخلي الأميركي واستثمار المزيد من موارد البلاد داخليا وليس في حروب بعيدة.   

في تقديرنا، يبقى موقف الرأي العام الأميركي تجاه دعم أوكرانيا رهن عاملين رئيسيين، الأول يتمحور حول التطورات على الأرض في أوكرانيا، فكلما نجحت كييف في تحقيق مكاسب ملحوظة على الأرض، كلما تعزز انطباع الرأي العام الأميركي عن فعالية الدعم المقدم لها. والعامل الثاني، يتعلق بالحملات الانتخابية الجارية، التي تضع دعم أوكرانيا في الحرب في واجهة الملفات الأكثر تداولا بين الناخبين الأميركيين. 

حتى الآن، تتصدر الأصوات الداعية إلى تقليل الدعم لكييف استطلاعات الرأي بين المرشحين الجمهوريين، مثل ترامب ورون ديسانتيس. أما على الجانب الديمقراطي، تبقى الأغلبية داعمة لنهج إدارة بايدن، إلا أن الفترة الأخيرة شهدت ظهور انشقاقات في صفوف داعمي أوكرانيا، خاصة بعد إعلان بايدن نية واشنطن تزويد كييف بقنابل عنقودية. ومن المرجح أن يستمر الجمهوريون، وفي مقدمتهم ترامب، ربط دعم أوكرانيا بغلاء الأسعار واضطراب الوضع الاقتصادي داخليا، ما قد يؤثر على دعم الرأي العام الأميركي لأوكرانيا.  

      


130