تحولت التظاهرات التي بدأت الشهر الماضي ضد وضع نظام حصص لوظائف الخدمة المدنية إلى أسوأ اضطرابات تشهدها البلاد منذ تولي الشيخة حسينة السلطة قبل 15 عاما، لتتوسع لاحقا إلى دعوات تطالب باستقالة رئيسة الوزراء البالغة 76 عاما.
لوّح متظاهرون في دكا بعلم بنغلاديش الوطني من أعلى عربة مدرعة وسط حشد كبير كان يردد هتافات أمام أنظار رجال الأمن، وفق مقاطع فيديو نشرت على وسائل التواصل الاجتماعي وتحققت منها وكالة فرانس برس. وخلافا للشهر الماضي، لم يتدخل رجال الشرطة والجيش في أوقات كثيرة الأحد لقمع الاحتجاجات واكتفوا بالمراقبة. وفي توبيخ بالغ الدلالة للشيخة حسينة، طالب قائد سابق للجيش يحظى باحترام المواطنين للحكومة بسحب قواتها من الشوارع والسماح بالتظاهرات.
لقد انضم بعض العسكريين السابقين إلى الحركة الطالبية الاحتجاجية، كما بدّل قائد الجيش السابق إقبال كريم بويان صورة صفحته الشخصية على فيسبوك إلى اللون الأحمر تعبيرا عن دعمه للاحتجاجات. وقال بويان لصحافيين الأحد في بيان مشترك مع ضباط كبار سابقين آخرين “نشعر بقلق عميق وحزن إزاء كل عمليات القتل الفظيعة والتعذيب والاختفاء والاعتقالات الجماعية التي شهدتها بنغلاديش مدى الأسابيع الثلاثة الماضية”. وأضاف “ندعو الحكومة الحالية إلى سحب القوات المسلحة من الشوارع فورا”، مشددا على أن الناس “لا يخشون التضحية بأرواحهم بعد الآن”. وتابع “هؤلاء المسؤولون عن دفع شعب هذا البلد إلى حالة من البؤس الشديد يجب تقديمهم إلى العدالة”.
تحكم حسينة (76 عاما) بنغلاديش منذ العام 2009 وفازت بولاية رابعة على التوالي في انتخابات يناير التي لم تشهد منافسة حقيقية. وتتهم منظمات حقوق الإنسان حكومتها بإساءة استخدام مؤسسات الدولة لترسيخ إمساكها بالسلطة والقضاء على المعارضة، بما في ذلك عبر القتل خارج نطاق القضاء. وقد انطلقت التظاهرات مطلع يوليو بسبب إعادة تطبيق نظام الحصص في منح الوظائف والذي قلصته المحكمة العليا منذ ذلك الحين.
ساهمت الشيخة حسينة في إنقاذ بنغلاديش من الحكم العسكري، لكن عهدها في السلطة شهد اعتقالات جماعية لخصومها السياسيين وعقوبات على قواتها الأمنية بتهمة انتهاك حقوق الإنسان. وتواجه رئيسة الوزراء المتهمة بالتسلط احتجاجات جماهيرية بدأت في يوليو بمسيرات يقودها طلاب جامعيون ضد قرار إعادة فرض حصص توظيف في القطاع العام، لكنها تحولت إلى أحد أكبر الاضطرابات خلال 15 عاماً من حكمها، مع مطالبة المعارضة بتنحيها.
اتسمت الاحتجاجات بالسلمية إلى حد كبير حتى تعرض المتظاهرون لاعتداءات من الشرطة وجماعات طالبية موالية للحكومة لقيت إدانة دولية. وفازت رئيسة الوزراء بولاية خامسة في رئاسة الوزراء في يناير، بعدما قاطعت المعارضة الاقتراع الذي قالت إنه لم يكن حرا ولا نزيها. حينذاك، وصفت الشيخة حسينة حزب المعارضة الرئيسي بأنه "منظمة إرهابية". ويتهم خصومها حكومتها بارتكاب سلسلة من الانتهاكات لحقوق الإنسان من بينها قتل نشطاء معارضين.
الشيخة حسينة هي ابنة ثوري قاد بنغلاديش إلى الاستقلال، وقد أشرفت على نمو اقتصادي متسارع في بلد وصفه وزير الخارجية الأميركي السابق هنري كيسنجر ذات يوم بأنه "ميؤوس منه". في العام الماضي، وعدت بتحويل بنغلاديش إلى "دولة مزدهرة ومتقدمة"، لكن في البلاد حوالى 18 مليون شاب عاطلون عن العمل، وفق الأرقام الرسمية. كانت حسينة في السابعة والعشرين من عمرها وخارج البلاد عندما اغتال ضباط عسكريون منشقون والدها، رئيس الوزراء الشيخ مجيب الرحمن، مع والدتها وإخوتها الثلاثة في انقلاب عام 1975.
عاشت ست سنوات في المنفى قبل أن تعود وتتولى قيادة حزب رابطة عوامي الذي كان يتزعمه والدها، وتبدأ صراعا دام عقدا جعلها تخضع لفترات طويلة من الإقامة الجبرية. وتحالفت حسينة مع الحزب الوطني البنغالي الذي تتزعمه خالدة ضياء للإطاحة بالدكتاتور العسكري حسين محمد إرشاد عام 1990. لكن سرعان ما اختلفتا، وهيمن التنافس بينهما منذ ذلك الحين على السياسة في بنغلادش.
وشغلت حسينة منصب رئيسة الوزراء لأول مرة عام 1996، لكنها خسرت أمام ضياء بعد خمس سنوات. ثم تم سجنهما بتهم فساد عام 2007 بعد انقلاب قامت به حكومة مدعومة من الجيش، قبل إسقاط التهم عنهما والسماح لهما بخوض الانتخابات في العام التالي.
فازت حسينة بأغلبية ساحقة في الاقتراع وهي تمسك مذاك بالسلطة. في الأثناء، تعاني ضياء البالغة 78 عاما من مشكلات صحية وهي محتجزة في المستشفى بعد أن حكم عليها بالسجن لمدة 17 سنة في عام 2018 بتهم فساد، كما يقبع كبار قادة حزبها خلف القضبان أيضا.
يشيد مؤيدو الشيخة حسينة بقيادتها بنغلاديش خلال طفرة اقتصادية ملحوظة تعود إلى حد كبير لقطاع الصناعة وغالبية قواه العاملة من النساء، ويتركز نشاطه في مجال النسيج وتصدير الملابس. وبعدما كانت بنغلاديش إحدى أفقر دول العالم عندما نالت استقلالها عن باكستان عام 1971، صارت تحقق نموا بمعدل يزيد على ستة بالمئة سنويا منذ عام 2009.
وانخفضت معدلات الفقر وأصبح أكثر من 95% من السكان البالغ عددهم 170 مليون نسمة يستفيدون من الكهرباء، وتجاوز نصيب الفرد من الدخل مستوى الهند عام 2021. كما لقيت حسينة إشادة دولية لفتحها أبواب بنغلاديش لمئات الآلاف من اللاجئين الروهينغا الفارين من الحملة العسكرية عام 2017 في بورما المجاورة.
كما نالت الإشادة تجاه الحملة التي أطلقتها ضد المتشددين الإسلاميين في الدولة ذات الأغلبية المسلمة بعد أن اقتحم خمسة متطرفين محليين مقهى في دكا يرتاده رعايا غربيون وقتلوا 22 شخصا عام 2016. لكن عدم تسامح حكومتها تجاه المعارضة أثار الاستياء داخليا وقلقا في عواصم أجنبية أبرزها واشنطن. وتم إعدام خمسة من كبار القادة الإسلاميين وشخصية معارضة بارزة خلال العقد الماضي بعد إدانتهم بارتكاب جرائم ضد الإنسانية خلال حرب الاستقلال الدامية عام 1971.
وبدلا من تضميد جراح ذلك الصراع، أثارت المحاكمات احتجاجات حاشدة وصدامات عنيفة. وقد وصف معارضوها المحاكمات بأنها صورية معتبرين أنها ذات دوافع سياسية لإسكات الخصوم. وفرضت الولايات المتحدة عقوبات عام 2021 على فرع النخبة من قوات الأمن البنغلادشية وسبعة من كبار ضباطها بسبب اتهامات بارتكاب انتهاكات واسعة النطاق لحقوق الإنسان.
في مواجهة الاحتجاجات المتصاعدة، تصر الشيخة حسينة على أن همها الوحيد هو خدمة مصلحة بلدها. فالشهر الماضي يوليو 2024، قامت بجولة في مناطق بدكا تضررت خلال أيام من الاضطرابات الدامية، من بينها محطة مترو كانت من بين العديد من المباني الحكومية التي تم إحراقها أو تخريبها. وقالت للصحافيين "على مدى 15 عاما بنيت هذا البلد" منددة بالأضرار التي لحقت بالبنية التحتية، متسائلة "في ماذا قصّرت في خدمة الناس؟".