مقالات تحليلية

حقيقة الخلافات الظاهرة بين قيادات الجيش السوداني

03-Apr-2024

قبل أيام قال مساعد قائد الجيش الفريق أول ياسر العطا إنه يجب عدم التوقف عند الاتهامات الموجهة للجيش بالتحالف مع مؤيدي النظام السابق من الإسلاميين، وقال: "إنهم يرحبون بكل من يقاتل في صوف الجيش ضد الدعم السريع".

هذه التصريحات جاءت بعد أربعة أيام فقط من تصريحات نائب القائد العام للجيش الفريق أول شمس الدين كباشي التي حذر فيها من استغلال القوى السياسية للمقاومة الشعبية لتحقيق أهداف خاصة بها ، وأعلن عن أنهم يعكفون على قانون ينظم مشاركتها في القتال إلى جانب القوات التنظيمية.

التناقضات بين قيادات الجيش حول الموقف من المقاومة الشعبية تزامنت مع حديث المبعوث الأميركي الخاص إلى السودان توم بيرييلو باستئناف مفاوضات جدة في الثامن عشر من أبريل المقبل فضلاً عن حث المبعوثة الأميركية في الأمم المتحدة ليندا توماس غرينفيلد مجلس الأمن على تصعيد الضغوط ضد الخرطوم لتسهيل دخول المساعدات الإنسانية.

وفي السياق ذاته تتوالى الأحداث في السودان بدخول فصائل من الحركات المسلحة الموقعة على إتفاق جوبا للسلام مع الحكومة في إكتوبر 2020 ، أتون المعركة حيث أعلنت حركتا (تحرير السودان بزعامة مني مناوي وحركة العدل والمساواة بقيادة جبريل إبراهيم وزير المالية الحالي، انخراطهما في القتال مع الجيش.

المقاومة الشعبية

بدأت المقاومة الشعبية في الظهور إلى العلن بعد إعلان حكومة الأمر الواقع بقيادة البرهان الاستنفار في عيد الأضحى الماضي، وعزز القائد العام للجيش الفريق أول البرهان دعاوى المقاومة الشعبية بقوله في لقاء جماهيري بالقاعدة العسكرية بجبيت التي تقع بالقرب من العاصمة الإدارية بورتسودان “سنسلح الناس رضوا ذلك أو أبوا، وإذا جلب الناس سلاحاً للقتال من أي مكان فليأتوا به ولن نمنعهم".

ومنذ ظهورها أعادت المقاومة الشعبية للإذهان عودة النظام السابق (نظام البشير) حيث صاحبتها قرارات سياسية صدرت عن ولاة الولايات التي تقع تحت سيطرة الجيش حظروا فيها نشاط قوى الحرية والتغيير ولجان المقاومة، إلى جانب حل لجان التغيير والخدمات وتكوين لجان للاستنفار في الولايات، ما أكد صلة النظام المعزول ودوره في الحرب التي نشبت بين الجيش والدعم السريع.

وبالرغم من أن مساعد القائد العام للجيش الفريق ياسر العطا كان الأقرب للقيادات السياسية الديمقراطية في السودان إلا أنه ومنذ اندلاع الحرب بدأت توجهاته مغايرة وأصبح أقرب إلى وجهة نظر الاسلاميين ويكثر من التبريرات حول مشاركتهم في الحرب ، ويكيل الشتائم للقوى الديمقراطية التي تقف في الحياد.

ولا يبدو أن مواقف العطا مختلفة  في إطار تبادل الأدوار بين قيادات الجيش ، خاصة وأنها تتسق مع التعبئة والتحشيد لكسب قوات مساندة للجيش لتحقيق الانتصار ضد غريمه الدعم السريع ، لا سيما وأنها لا تنفصل مع توجهات القائد العام للجيش البرهان ونائبه الكباشي، ونقطة الاختلاف الوحيدة، هي  أن البرهان إحتفظ بشعرة معاوية مع القوى السياسية المدنية الديمقراطية ، وأوكل في كثير من الأحيان أمرها لنائبه الكباشي الذي كاد أن يوقع إتفاقاً مع الدعم السريع في المنامة حاضرة البحرين لولا أن تراجع البرهان في اللحظات الأخيرة.

البرهان يستدرك

من الواضح أن البرهان استدرك أخيراً أن حديثه عن المقاومة الشعبية ودعوته للتسلح بأي صورة من الصور سيعيد للرأي العالمي أنه هو الذي كان يتولى تنسيق عمليات الجيش أثناء الحرب الأهلية في دارفور بأمر من رئيس النظام السابق عمر البشير منذ عام 2003 ، فبدأ تدريجياً التنصل من القرارات ولغى لجنة الاستنفار ثم جاءت تصريحات الكباشي في القضارف لتعزز هذه الفرضية ، وهذا لم يعجب العطا هذا المنحى من الحديث خاصة وإن الإخوان بدأوا يهمسون جهراً بأنه الشخصية المناسبة لتولي زمام الأمور في البلاد .

يظهر ذلك من خلال تصريحات العطا التي تأتي في إطار الدعوات الرافضة لأي سلام مع قوات الدعم السريع وتطالب بحسمها عسكرياً واستبعاد القوى السياسية الموالية لها، ومنها ما جاء على لسانه في مخاطبة وفي مخاطبة لحشد عسكري في مدينة سنار بتاريخ 19 مارس 2024، حيث وجه العطا لجان المقاومة الشعبية المؤيدة للجيش، بانتخاب ممثلين لها على مستوى الاحياء يختارون بدورهم ممثليهم على مستوى المحلية، وان تنتخب الاخيرة ممثلين لها في برلمان الولاية الذين بدورهم يختارون نوابا لهم في البرلمان الشعبي الاتحادي الانتقالي وأضاف مخاطباً أعضاء المقاومة الشعبية (بعدها تجلسوا مع الرئيس ونائبه وتقولوا هذا هو رئيس الوزراء عينه لنا وهؤلاء هم الوزراء)،.

أوضح العطا أن البرلمان الولائي يختار الوالي ويقدمه للرئيس ثم يقوم الوالي بالمشورة مع برلمان الولاية بتعيين حكومة الولاية ، وأردف “أليس هؤلاء مدنيين وانتخابات وديمقراطية؟ أين تكمن المشكلة؟ ، وبالفعل بدأ الإخوان في الانتخابات عبر المقاومة الشعبية. كل هذه المؤشرات تدل على انقسام وشيك بين قيادة الجيش خاصة إذا أرسل البرهان وفداً للتفاوض مع الدعم السريع في 18 أبريل الجاري بجدة.

حلفاء جدد

تحركات محمومة سرت في أوصال المشهد السياسي في السودان اشارت إلى أن الجيش يتجه إلى نسج تحالفات جديدة عوضاً عن التحالف المباشر مع الاسلاميين ، ويفسر ذلك الظهور المفاجئ لنائب رئيس الحزب الإتحادي (الأصل) جعفر الميرغني الذي زار الفرقة الثالثة مشاة بشندي أواخر مارس الماضي مباركاً انتصارات القوات المسلحة ومؤكداً بإسم مولانا محمد عثمان الميرغني رئيس الحزب عن تأييدهم التام للقوات المسلحة ووقفتهم خلفها ضد الخونة.

تحركات الميرغني تزامنت مع إنخراط حركتي العدل والمساواة بقيادة د. جبريل إبراهيم وزير المالية وحركة تحرير السودان بقيادة مناوي للقتال جنباً إلى جنب مع الجيش ، وهذا يشير إلى التحالف الجديد العسكري والسياسي الذي يسعى البرهان لتأسيسه خاصة بعد أن ضمن موافقة نائبه عقار الذي وقع ميثاقاً مع الجيش وأرسل جنود حركته الشعبية للقتال مع القوات المسلحة في العاصمة الخرطوم وولاية الجزيرة. خطورة مشاركة الحركات المسلحة إلى جانب الجيش في المعركة من شأنها مفاقمة خطاب الكراهية وزيادة الاحتقان في دارفور وتعزيز نشوب حرب أهلية واسعة المدى في السودان.

الجيش وتنظيم الاخوان

وسط  الأحداث المتسارعة استقبل الرأي العام السوداني والعالمي إفادات تُعد هي الأولى من نوعها بشأن علاقة الجيش بالحركة الإسلامية ، حيث لم يتوقع كثير من المراقبين أن تدلي القيادية بالحركة الإسلامية السودانية ووزيرة الدولة بوزارة الخارجية سناء حمد باعترافات للإعلامي المقرب من الإخوان الطاهر حسن التوم بأنها أجرت تحقيقات مع ضباط في اللجنة الأمنية للبشير بتكليف من الأمين العام للحركة الاسلامية الزبير محمد الحسن حول الانقلاب على حكومة البشير.

وقد ظلت قوات الدعم السريع والقوى المدنية الديمقراطية تطالب بإبعاد الإخوان على الجيش الذي وجد تعاطفاً منقطع النظير من المواطنين في الولايات التي يسيطر عليها ، ولم يقدم الدعم السريع أو القوى المدنية دليلاً على إختراق الإخوان للجيش غير تلك الإفادات السابقة لقيادات الاسلاميين حول تنفيذهم لانقلاب البشير في 30 يونيو 1989 ، إلا ان جاءت تصريحات وزيرة الخارجية السابقة والقيادة بالحركة الإسلامية لتكشف في برنامج (بودكاست) بعنوان (بالسوداني) لإعلامي مقرب من الإخوان  حيث قالت سناء :أن الأمين العام للحركة الإسلامية د.الزبير أحمد الحسن كلفها قبل وفاته وكان حينها حبيساً بالسجن كلفها بالتحقيق مع ضباط من اللجنة الأمنية أطاحوا بنظام البشير مع إنهم كانوا منضوين تحت لواء تنظيم الإخوان العسكري ، وكشفت اعترافات سناء غير المقصودة مدى سيطرة الإخوان على الجيش ما أدخل كثير من حلفاء البرهان في حرج خاصة القاهرة التي بدأ إمتعاضها من هذه العلاقة وقامت باعتقال القيادي الاسلامي الداعم لحماس عبدالباسط حمزة في أكتوبر من العام الماضي 2023.

خلاصات:

المحللون اختلفوا حول التناقضات التي تحملها تصريحات قيادة الجيش هل هي تعبير عن خلافات حقيقية أم تبادل أدوار؟ ورأي رئيس الحركة الشعبية التيار الثوري ياسر عرمان في مقال نشره موقعي (سودان تربيون) ورأى عرمان أن الصراخ  بين كباشي والعطا تعكس ضبابية الرؤية عند قادة الجيش في كيفية إنهاء الحرب والوصول إلى هدفهم الثابت والمشترك في العض على السلطة بالنواجذ، وهو هدف الانقلاب والحرب.

وأضاف الأخطر والأعمق إن الجيش أصبح مثل سوق عكاظ يتحدث بأكثر من لسان ولغة، مرة بالياباني واخرى بالطلياني وآخرين بالصيني، وهي من مآسي الاسلاميين على الجيش، فالجيش على مر الحقب عُرف بالتراتبية الصارمة وبفاعلية القيادة والسيطرة، وانتفت تقاليد الجيش فلا تراتبية أو تعليمات واوامر مستديمة فكل شيء مبذول في الفضاء العام، واضحى الجيش مؤتمر وطني آخر أمام مرأى من الحرب والشعب والنهب والقتل وكل صنوف الانتهاكات، والحال يغني عن السؤال.

وعلى عكس عرمان هناك من يرى أن تصريحات العطا الأخيرة تنبئ بخلافات حقيقية بين قيادة الجيش واستشهدوا بتفاصيل حديثه في الإفطار الرمضاني مؤخرا بقاعدة وادي سيدنا العسكرية حيث قال : "لا بد من المقاومة الشعبية وأن لا نسمع أي أقوال سلبية من هنا وهناك إنها كلمات تذروها الرياح.

37