مقالات تحليلية

التقارب بين مصر وإيران.. الدوافع والآفاق

01-Jun-2023

يدور الحديث هذه الأيام عن مساعي عمانية لتحسين العلاقات الدبلوماسية بين مصر وإيران وذلك عقب جولة بين عواصم الدولتين، قام بها سلطان عمان، هيثم بن طارق، والذي تقوم بلاده بدور مهم في تهدئة الأجواء بين دول المنطقة، لكن ما يثير الانتباه هو الترحيب الإيراني بهذه المساعي وما قابله من صمت مصري ما يشير إلى أن أجواء التقارب لم تكتمل بعد.

بدأت التكهنات والأحاديث عن مساعي إعادة العلاقات بين القاهرة وطهران مع زيارة قام بها السلطان هيثم بن طارق إلى مصر بتاريخ 21 مايو ليزور بعدها إيران بتاريخ 29 من الشهر ذاته. وعلى الرغم من أن عمان لم تعلن بشكل رسمي أن زيارة سلطانها تأتي في إطار الوساطة بين البلدين إلا أن إيران أعلنت عن ذلك، حيث أشار ديوان البلاط السلطاني في بيان سبق زيارة بن طارق إلى طهران أن الزيارة تأتي "في إطار تعزيز روابط الصداقة وتوطيدًا للعلاقات المُثمرة وحسن الجوار وتلبيةً للدّعوة الكريمة الموجّهة إلى السُّلطان هيثم بن طارق من إبراهيم رئيسي رئيسِ الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة".

في المقابل، ذكر الموقع الإعلامي لمكتب المرشد الإيراني الأعلى أن سلطان عُمان نقل إلى خامنئي رغبة مصر في استئناف العلاقات مع إيران، ليعلّق المرشد الإيراني بالقول: "إننا نرحب بهذا الموقف، وليست لدينا مشكلة في ذلك"، وتعليقاً على تعبير السلطان العماني عن سعادته باستئناف العلاقات بين طهران والرياض، قال خامنئي إن "هذه المواضيع هي نتيجة السياسة الجيدة لحكومة السيد (إبراهيم) رئيسي لتوسيع وتعزيز العلاقات مع الجيران ودول المنطقة" وأعرب خامنئي عن أمله في تنامي العلاقات بين الدول الإسلامية، لـ"تستعيد الأمة الإسلامية عظمتها، ويعود تضافر الفرص والطاقات والإمكانيات في الدول الإسلامية بالنفع على الشعوب والدول والحكومات الإسلامية".

خلفية التباعد المصري - الإيراني

من أجل محاولة استطلاع إمكانية أن تصل هذه المساعي إلى نتائج كبيرة يجب بداية التذكير بأسباب وخلفيات انقطاع العلاقات والتباعد بين القاهرة وطهران.

توترت العلاقات المصرية – الإيرانية مع اندلاع ثورة يوليو 1952 في مصر حيث كان هناك خلاف وصل إلى مرحلة العداء بين جمال عبد الناصر ونظام الشاه، لكن مع وصول أنور السادات إلى الحكم كانت هناك حالة من الاستقرار في البداية لكن حالة التوتر عادت مع انطلاق الثورة الإيرانية عام 1979 وإعلان السادات استضافة الشاه ورفض طلب النظام الجديد بعدم استقباله.

في ذلك الوقت أيضاً رفضت إيران توقيع معاهدة السلام بين القاهرة وتل أبيب وزاد التوتر بين الطرفين واعتبرت مصر أن إيران تتدخل في شؤونها الداخلية لتعلن إيران فيما بعد قطع العلاقات الدبلوماسية مع مصر قائلة بأن السبب هو إبرام مصر لاتفاقية السلام مع إسرائيل، واستمر التوتر في مرحلة حسني مبارك لكن بعد عام 1989 بدأت مساعي تحسين العلاقات بين الطرفين وفي فبراير 1991، عُقد أول لقاء مصري-إيراني على المستوى الوزاري بين الدكتور بطرس غالي وزير الدولة للشؤون الخارجية وعلي أكبر ولاياتي في بلغراد.

في يونيو 1996، فشلت محاولة لاستئناف العلاقات الدبلوماسية، وذلك بعد تراجع ولاياتي أمام ضغوط المحافظين وإعلانه قصر الاتصالات على فتح مكتب ثقافي إيراني في مصر وليس سفارة، لتتسم العلاقات بين الطرفين بالبرود وبعد انطلاق الثورة المصرية في 25 يناير 2011 ووصول محمد مرسي والاخوان المسلمين إلى الحكم سرعان ما تنامت العلاقات بين إيران ومصر حيث قام مرسي بزيارة طهران، في 30 آب2012، وفي أبريل 2013، زار الرئيس الإيراني أحمدي نجاد مصر، إلا أن الأمور عادت إلى البرود بعد سقوط حكم الاخوان ووصول عبد الفتاح السيسي إلى الحكم.

دوافع التقارب

خلال السنوات الماضية كانت حالة البرود سائدة على العلاقات المصرية – الإيرانية ولم تتحسن وذلك على خلفية تصاعد التوتر بين عدد من الدول العربية والخليجية بخاصة من جهة، وإيران من جهة أخرى، لكن ونتيجة لتحديات عديدة واجهت إيران خلال الفترة الماضية أبرزها ارتفاع حدة الأزمة الاقتصادية واندلاع الاحتجاجات الشعبية في الشوارع الإيرانية وانقطاع الأمل بإكمال الاتفاق النووي مع الغرب وهذا ما يعني بأن العقوبات لن ترتفع بل على العكس زادت عزلة إيران وفرضت واشنطن والقوى الغربية المزيد من العقوبات وتزامن ذلك مع حديث أميركي – إسرائيلي عن إمكانية توجيه ضربات وشن حرب على إيران، اتجهت طهران إلى التهدئة والبحث عن مصالحة مع دول المنطقة حيث زار مسؤولي إيران كل من السعودية والإمارات وغيرها من الدول العربية ووقعت طهران مع الرياض اتفاق على استئناف العلاقات الدبلوماسية برعاية صينية، وذلك مع شجع إيران ومصر على البحث عن التقارب أيضاً.

بالنسبة إلى إيران وكما ذكرنا سابقاً فإنها تبحث عن تهدئة مع دول المنطقة كي تستطيع مواجهة الضغوط الأميركية والغربية والإسرائيلية عليها.

أما بالنسبة إلى مصر، فإن هناك دوافع عديدة منها، أنه وخلال السنوات الماضية حاولت مصر بالتشارك مع الأردن والعراق تطبيق مشروع الشام الجديد والذي يتضمن تنفيذ مشاريع اقتصادية، وأبرز ملامح هذا التحالف تزويد العراق مصر والأردن بالنفط، مقابل مشاركة الشركات المصرية والأردنية في عملية إعادة إعمار العراق، وتزويد العراق بالكهرباء، في ما يعرف بالنفط مقابل الإعمار، إضافة إلى استفادة مصر من فائض قدرات التكرير لديها، لتكرير النفط العراقي وتصديره إلى أوروبا، وستلعب الأردن دور الممر في معظم هذه المشروعات، ومن شأن هذا المشروع أن يطيح برغبة إيران الانفراد بإعادة إعمار العراق، حيث ستتولى شركات مصرية وأردنية هذه المهمة، وظلت إيران لسنوات تحتكر تصدير مواد البناء وحديد التسليح إلى العراق، لكن ما يزعج إيران أكثر هو التنسيق الأمني والاستخباري بين الدول الثلاث (اندبندنت عربية – 21 سبتمبر 2021).

وتعلم مصر بأنه وبدون أن تكون إيران موافقة لن تسمح الميليشيات الموالية لها في العراق بتطبيق أي مشاريع تحتاجها مصر كثيراً حيث تعاني من أزمة اقتصادية كبيرة.

حذر مصري.. تحديات عديدة

على الرغم من الإعلان الإيراني عن مساعي عودة العلاقات إلا أن مصر بقيت صامتة ولم تتحدث عن ذلك، لكن ورغم الصمت الدبلوماسي، إلا أن الحكومة المصرية أعلنت في مارس الماضي عن أنها ستسمح للسائحين الإيرانيين باستئناف زياراتهم لمصر للمرة الأولى منذ عشر سنوات، لكنها قصرت وجودهم على مدن جنوب سيناء بتأشيرة عند الوصول وبكفالة شركات السياحة، ضمن خطوات أعلنتها الحكومة المصرية لإنعاش القطاع السياحي (بي بي سي -31 مايو 2023).

 ويعود هذا الحذر إلى عدة أسباب منها، أن مصر تراقب مسار التطبيع الخليجي مع إيران وإمكانية نجاحه أو فشله، بالإضافة إلى أن مصر تهتم كثيراً بالموقف الأميركي ولا تريد إغضاب واشنطن والغرب وتنتظر إمكانية أن تنطلق مفاوضات بين إيران وواشنطن والغرب مرة أخرى كما تروج بعض الوسائل الإعلامية.

وفي هذا السياق، نقل موقع اكسيوس بتاريخ 31 مايو، أن بريت ماكغورك، كبير مستشاري الرئيس الأميركي جو بايدن في الشرق الأوسط، قام برحلة شبه سرية إلى عمان في وقت سابق من هذا الشهر لإجراء محادثات مع المسؤولين العمانيين حول التواصل الدبلوماسي المحتمل مع إيران في ما يتعلق ببرنامجها النووي، وأضاف الموقع نقلا عن خمسة مسؤولين أميركيين وإسرائيليين وأوروبيين، لم يكشف عن أسمائهم، إن القضية الرئيسية التي نوقشت هي دفعة دبلوماسية جديدة بشأن برنامج إيران النووي بوساطة عمانية ووفقا لثلاثة مسؤولين إسرائيليين كبار تحدثوا لـ"اكسيوس"، فإن البيت الأبيض يستكشف من خلال الحكومة العمانية ما إذا كان الإيرانيون منفتحين على اتخاذ خطوات من شأنها أن تضع بعض القيود على برنامجهم النووي وتهدئة الوضع الإقليمي وما يريدونه في المقابل.

إلى جانب ذلك، فإن من التحديات التي تواجه ذلك هو الموقف الإسرائيلي ، الذي من الممكن أن ينظر إلى التقارب المصري – الإيراني على أنه تهديد لها وخاصة إن مصر حدودية مع الأراضي الفلسطينية وبالتحديد مع قطاع غزة حيث تتواجد حركة حماس التي تتلقى الدعم من إيران وعلى الرغم من احتماليتها الضعيفة إلا أن إسرائيل قد تتخوف من أن تستغل إيران هذا التقارب وتتمكن من التغلغل في الأراضي المصرية ودعم الفصائل الفلسطينية وتحريكها عندما يتصاعد التوتر بين تل أبيب وطهران.

وسائل إعلام إسرائيلية أبدت اهتماماً متزايداً بما يتردد عن جهود للتقارب وتطبيع العلاقات المصرية الإيرانية عقب تصريح المرشد الإيراني علي خامنئي إثر لقائه بسلطان عمان هيثم بن طارق بأنه يدعم هذه الخطوات وهو ما يكشف حجم القلق الإسرائيلي من تداعيات استئناف العلاقات بين البلدين على امن الدولة الإسرائيلية، بدوره حذر زعيم المعارضة الإسرائيلية، يائير لابيد الحكومة الإسرائيلية من أي تقارب بين مصر وإيران خاصة في المرحلة الحالية التي تواجه فيها إسرائيل الكثير من التحديات الأمنية (ميدل إيست أونلاين – 31 مايو 2023).

في المقابل هناك رأي أخر يرى بأن الرغبة المصرية في تهدئة الأوضاع في غزة تعد دافعاً رئيسيا للتقارب مع طهران، في ضوء ارتباط طهران بعلاقات وثيقة مع العديد من الفصائل المسلحة في قطاع غزة ومنها حركتي حماس والجهاد وغيرهما، وفي الوقت نفسه فإن القاهرة يهمها الحفاظ على الاستقرار في القطاع وعدم تصعيد الصراع العسكري مع إسرائيل، إضافة إلى دورها في ملف المصالحة الفلسطينية، وهذا يجعل مصر في حاجة إلى التواصل مع إيران، بشكل أو بآخر، في إطار السعي للحفاظ على الاستقرار في غزة وعدم استخدامها كورقة إيرانية لمواجهة إسرائيل (سبوتنيك -18 مايو 2023).

أما بالنسبة للحذر المتعلق بالجانب المصري الداخلي، فإن هناك حساسية عالية لدى أوساط مصرية عديدة من العلاقة مع إيران ، كما تتخوف القيادة المصرية من إمكانية أن تقوم إيران باستغلال التقارب للتغلغل في الداخل المصري إلا أن ذلك لا يبدو سهلاً على طهران حيث لا يوجد ثقل للطائفة الشيعية في مصر.

بالإضافة إلى ذلك، هناك قلق من أن يكون هناك تعاون بين إيران وجماعة الاخوان المسلمين خاصة إن العلاقة بين الطرفين قوية وهذا تبين سريعاً بعد وصول الاخوان إلى حكم مصر قبل الإطاحة بهم.

خلاصات تحليلية

من خلال ما سبق يتبين بأن إيران هي من ترغب في إعادة العلاقات مع مصر وذلك بهدف إكمال التطبيع مع كافة الدول العربية ورفع العزلة عنها، وبذلك يكون موقفها أكثر قوة أمام القوى الغربية وتتشجع الأخيرة للتفاوض مع إيران.

من المتوقع إلى حد ما أن تكمل مصر سياسة الحذر مع الجانب الإيراني، حيث لن تبدي اعتراضها لإقامة أي علاقات، لكنها لن تبدي أيضاً لهفتها إلى ذلك. ومن الممكن أن يتم تنشيط الحراك الدبلوماسي بين الطرفين وأن يتم عقد اجتماعات على مستوى القادة إلا أنه ومن غير المتوقع أن يكون هناك تعاون متسارع وواضح، وكل ذلك مرتبط بالتقارب الخليجي – الإيراني من جهة وإمكانية استئناف المفاوضات الغربية – الإيرانية من جهة أخرى.

في هذا السياق، يقول المحلل السياسي المختص في الشؤون الإيرانية، محمد عباس ناجي، إن كل التصريحات بشأن تطوير العلاقات مع مصر وتحسينها تصدر فقط من الجانب الإيراني، ومصر لم تصدر بيانات رسمية بها الشأن، واعتبر ناجي أن تغريدة خامنئي "محاولة لاستغلال التطورات في المنطقة مثل استئناف العلاقات الدبلوماسية مع السعودية، وعودة سورية لجامعة الدول العربية، مما يفسر سبب التصريحات الإيرانية المتكررة بشأن ذلك الأمر" كما أشار إلى أنه يبدو أن عمان تتحرك لتحسين العلاقات، و "أي جهد لن ينجح إلا في حالة واحدة فقط، هي وضع النقاط على الحروف، وفيما يخص مطالب معينة من مصر يجب على إيران فعلها قبل الدخول في حديث جاد" وأوضح أن أبرز تلك النقاط هو عدم تدخل طهران في الشؤون الداخلية لمصر بجانب موقفها في ملفات مثل القضية الفلسطينية. (الحرة – 29 مايو 2023).


89