
خبرات متعددة
يجمع سلام البالغ 71 عاما والذي انتخب العام الماضي رئيسا لمحكمة
العدل الدولية، بين خبرات سياسية وحقوقية ودبلوماسية تخطّت نطاق البلد المتوسطي
الصغير، وينظر اليه على أنه لا ينتمي الى الطبقة التقليدية الحاكمة في
لبنان المتهمة بالفساد وبتغليب منطق المحاصصة على بناء الدولة.
إلا ان سلام ليس غريبا على السياسة، فهو يتحدّر من عائلة بيروتية
عريقة تعاطت الشأن السياسي منذ بداية القرن الماضي. وكان مندوب لبنان الدائم
لدى الأمم المتحدة في نيويورك بين يوليو 2007 حتى نهاية 2017.
وأجمع على دعمه لتشكيل الحكومة نواب المعارضة والنواب التغييريين
الذين وصلوا الى مجلس النواب في العام 2022 إثر حراك شعبي واسع ضد الطبقة السياسية.
مرحلة جديدة
كان عون تعهد في خطاب القسم “بدء مرحلة جديدة” في لبنان بعيدا عن
منطق المحسوبيات والمحاصصة. وقال “إذا أردنا أن نبني وطنا فعلينا أن نكون جميعا
تحت سقف القانون والقضاء”، مضيفا “لا صيف ولا شتاء تحت سقف واحد بعد الآن.
ولا مافيات أو بؤر أمنية ولا تهريب أو تبييض أموال أو تجارة مخدرات، ولا حمايات أو
محسوبيات ولا حصانات لفاسد أو مجرم أو مرتكب”.
ويأمل داعمو سلام، وخصوصا القوى السياسية المناوئة لحزب الله، أن
يشكّل وصوله الى رئاسة الحكومة فرصة لإحداث تغيير في أداء المؤسسات الرسمية وطي
صفحة تحكّم فيها حزب الله بالحياة السياسية.
وليست هذه المرة الأولى التي يُطرح فيها اسم سلام المقلّ جدا في
الظهور الإعلامي، من قبل خصوم حزب الله، لرئاسة الحكومة في لبنان. لكنه لم
يكن يحصل على الدعم الكافي من النوّاب في ظل سيطرة الحزب على المشهد
السياسي، وهو ما تغيّر أخيرا بعد الضربة القاسية التي تلقاها في حربه مع إسرائيل
وبعد سقوط حكم حليفه بشار الأسد في سوريا المجاورة.
وكان رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة، الخصم اللدود لحزب
الله، عيّن سلام عام 2007 مندوبا للبنان في الأمم المتحدة من خارج السلك
الدبلوماسي.
انسجام اصلاحي
ويقول الأستاذ الجامعي علي مراد لوكالة فرانس برس إن “التفاف قوى
سياسية ومن خلفيات مختلفة حول ترشيح سلام يعكس التغييرات الحقيقية التي يعيشها
لبنان”.
ويرى أن تسميته “بما يمثله من قيمة دولية، ومن الموقف الثابت في
الموضوع الفلسطيني، وبما يمثله من كفاءة شخصية وانسجامه الإصلاحي مع خطاب العهد”
يشكّل “المسار الحقيقي” المطلوب.
وشهد العام الماضي تحوّلا في مسيرة سلام بعد انتخابه في فبراير رئيسا
لمحكمة العدل الدولية، أعلى هيئة قضائية تابعة للأمم المتحدة، لولاية مدتها ثلاث
سنوات. وكان يشغل عضوية المحكمة ذاتها منذ فبراير 2018.
وفي قرار وصفه الفلسطينيون بأنه ”تاريخي” واعتبرته اسرائيل “كاذبا”،
اعتبرت المحكمة بقيادة سلام في 19 يوليو أن الاحتلال الإسرائيلي المستمر منذ عقود
للأراضي الفلسطينية “غير قانوني” ويجب أن ينتهي “في أسرع وقت ممكن”.
ويرى أستاذ العلوم السياسية عماد سلامة أن “دوره في لاهاي يعزز مكانته
كإصلاحي قادر على معالجة الفساد وعدم الكفاءة، ما يجعله متوافقا مع مطالب
المواطنين اللبنانيين بالمساءلة والشفافية”.
رمز أمل
ويقول سلامة “يحظى نواف سلام باحترام واسع بسبب رصانته الأكاديمية،
وآرائه المستقلة، والتزامه بالعدالة وحقوق الإنسان”، معتبرا أن “قدرته على الحفاظ
على مسافة واحدة من الأحزاب المنقسمة، مع تجسيده لمبادئ العدالة والحكم الرشيد،
تجعله رمزا للأمل في مستقبل أكثر مساءلة وشمولية”.
ولسلام مسيرة أكاديمية ومهنية طويلة. خلال عمله في الأمم المتحدة، كان
عضوا في بعثات ميدانية تابعة لمجلس الأمن الدولي إلى دول عدة بينها السودان
وأفغانستان وأوغندا.
بعد نيله إجازة في الحقوق من الجامعة اللبنانية في بيروت في العام
1984، تابع سلام تحصيله الجامعي في باريس والولايات المتحدة. ويحمل شهادتي دكتوراه
في العلوم السياسية وفي التاريخ.
تحديات سياسية واقتصادية
في تصريحات سابقة لوسائل إعلام لبنانية، يرى سلام أن النموذج
الاقتصادي القائم في لبنان "انتهى"، داعياً لتحمل مسؤولية الخسائر التي
تكبّدها لبنان "قبل البحث في كيفية النهوض الاقتصادي". واعتبر سلاّم أن
هناك "أكثر من ورقة إصلاحية وضعت لحل الوضع في لبنان، من قبل نخبة من الخبراء
الماليين والاقتصاديين اللبنانيين، وهم مجمعون على ضرورة توزيع الخسائر بشكل عادل
ووضع تصور جديد لاقتصاد لبنان".
أما سياسياً، فيدعو سلام إلى وجود "حكومة إصلاحية"
و"حكومة مستقلين"، مشدداً على ضرورة "بناء مجهود مشترك"،
ويعتبر أن "الممر الوحيد للتغيير الديمقراطي يكون عبر الانتخابات" وفق
بي بي سي.
وفيما يشبه البرنامج الحكومي، شدد سلام على أن الهم الأساس هو «إنقاذ
لبنان من محنته، وهذا يتطلب التغيير في مقاربة الأزمة نهجاً وممارسة، بدءاً
بالإصلاح في السياسات المالية، والإصلاح السياسي الذي يبقى عنوانه الأول التصدي
لعقلية الزبائنية وثقافة المحاصصة وفق صحيفة الشرق الأوسط.
كذلك، شدد على أهمية تحقيق استقلالية القضاء وتحصين مؤسسات الدولة ضد
آفات الطائفية والمحسوبية.، ولا معنى لأي من هذه الإصلاحات إن لم تكن مرتكزة على
أهداف ومبادئ الإنصاف والعدالة الاجتماعية، وصيانة الحقوق، والحريات العامة ، والخاصة.
وتعهد بأنه سيبقى دائماً يعمل إلى جانب كل الملتزمين قضية التغيير من أجل إصلاح
الدولة وبسط سيادتها على كامل أراضيها واستعادة بلدنا موقعه ودوره العربي وثقة
العالم به.
أستاذ ورب أسرة
حاضر سلام خلال سنوات في الجامعة الأميركية في بيروت وجامعات
أخرى في الخارج بينها السوربون بين العامين 1979 و1981. ووضع عددا من الكتب والدراسات في
مجالات القانون الدولي والدستوري والانتخابي والإسلامي، إضافة إلى دراسات حول
المنظمات الدولية والشؤون الدولية.
يتحدّر سلام من عائلة سياسية بيروتية معروفة. إذ كان جده لأبيه «أبو
علي» سليم علي سلام (1868 – 1938) أحد أبرز زعماء المدينة في مطلع القرن العشرين،
وأحد نوابها في البرلمان العثماني (مجلس المبعوثان)، كما تولى رئاسة بلديتها (عام
1908).
أما والده سلام، عبد الله سلام، فكان رجل أعمال بارزاً وأحد مؤسسي
شركة طيران الشرق الأوسط. ومن أعمامه رئيس الوزراء اللبناني السابق صائب سلام،
الذي تولى رئاسة حكومة لبنان أربع مرات، ما بين عامي 1952 و1973، والوزير السابق
المهندس مالك سلام. ومن أبناء أعمامه تمام صائب سلام رئيس الحكومة السابق (بين
عامي 2014 و2016).