تحول السودان إلى مصدر مخاوف إقليمية ودولية متزايدة، منذ بداية الحرب في 15 أبريل 2023، بين الجيش بقيادة الفريق الأول عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة الفريق الأول محمد حمدان دقلو (حميدتي)؛ لما تحمله من تداعيات خطِرة تهدد دول الجوار خاصة، والأمن العالمي بشكل عام. نبحث في سلسلة "الجوار السوداني وتأثير الحرب" تداعيات الوضع الجديد إقليمياً، حيث ننظر إلى الملفات المشتركة بين السودان وجيرانها، وأوجه تأثرها جراء الصراع.
نتناول الجار الغربي للسودان، تشاد، من حيث العلاقات التي تجمع البلدين وأوجه التأثير والتأثر المتبادل بسبب النزاع الجاري.
العلاقات التاريخية
كان تاريخ العلاقات بين السودان وتشاد معقدا ومتوترا في كثير من الأحيان، إذ يتشارك البلدان في حدود طويلة يسهل اختراقها، ظلت على الدوام مسرحا للصراعات. وتعود أقدم التفاعلات المسجلة بين البلدين إلى العصور الوسطى، عندما كانا جزءا من شبكات التجارة عبر الصحراء الكبرى التي ربطت غرب إفريقيا بالبحر الأبيض المتوسط. على مر القرون، ظهرت إمبراطوريات وممالك مختلفة في المنطقة، غالبا ما كانت تتاجر مع بعضها البعض وتحافظ على الاتصالات الدبلوماسية والثقافية.
في العصر الحديث، حصل كل من السودان وتشاد على استقلالهما عن القوى الاستعمارية في منتصف القرن العشرين. مع ذلك، فقد واجها العديد من التحديات في بناء دول مستقرة وفعالة، مع معاناة كلا البلدين من عدم الاستقرار السياسي والتأزم الاقتصادي والتوترات العرقية والإقليمية. أحد المصادر الرئيسية للصراع بين السودان وتشاد هو وجود الجماعات المتمردة التي تعمل عبر حدودهما المشتركة. وأوضح الأمثلة على هذه المشكلة تمثلت في صراع دارفور في السودان، الذي بدأ في عام 2003، وامتد إلى تشاد متسببا في أزمة إنسانية في المنطقة. خلال الصراع، تبادل البلدان الاتهامات بدعم الجماعات المتمردة، وشنت الدولتان عمليات عسكرية ضدها.
على الرغم من هذه التحديات، بذل السودان وتشاد جهودا لتحسين علاقتهما، غير أن نسب نجاح هذه المساعي كانت متفاوتة بشكل كبير. على سبيل المثال، في مارس 2008 وقع الرئيس السوداني السابق عمر البشير ونظيره التشادي الراحل إدريس ديبي اتفاق سلام يهدف إلى إنهاء هجمات المتمردين عبر الحدود في منطقة تضم دارفور التي مزقتها الحرب في السودان.
في عام 2010، قام ديبي بزيارة مفاجئة إلى الخرطوم لإجراء محادثات مع البشير، في وقت وصلت فيه العلاقات بين البلدين إلى أسوأ مراحلها، في ظل دعم كل منهما للمتمردين الذين يقاتلون حكومة الأخرى. وقع الطرفان خلال هذه الزيارة بروتوكولا ينص على أن أيا من البلدين لن يستضيف قوات المتمردين من الجانب الآخر وأنه سيتم تشجيع هؤلاء المتمردين على الانضمام إلى العمليات الانتخابية أو السياسية. غير أن التقلبات السياسية وحالة عدم الاستقرار الأمني في البلدين، تظل عائقا أمام تطور العلاقات الثنائية إلى مستويات بناءة بشكل فعال ومستقر.
الجماعات المتمردة عبر الحدود
شهد كل من السودان وتشاد نشاطا كبيرا للجماعات المتمردة على مر السنين، التي يعمل العديد منها على طول حدودهما المشتركة. غالبا ما تكون هذه الجماعات المتمردة مدفوعة بمظالم سياسية أو اقتصادية أو عرقية، وقد اشتبكت مع القوات الحكومية ومع بعضها البعض في شبكة معقدة من الصراعات. واحدة من الجماعات المتمردة الأكثر شهرة في المنطقة هي جيش تحرير السودان، الذي تم تشكيله في عام 2003 وشارك في صراع دارفور في السودان. يتكون جيش تحرير السودان في المقام الأول من أفراد من قبائل الفور والزغاوة والمساليت.
من الجماعات المتمردة الرئيسية الأخرى في المنطقة حركة العدل والمساواة، التي تشكلت أيضا في عام 2003 وشاركت في الصراع في دارفور. وتتألف حركة العدل والمساواة من أفراد من قبيلة الزغاوة ، وقد شاركت في العديد من الاشتباكات مع القوات الحكومية وغيرها من الجماعات المتمردة على مر السنين ولعل أخطر ما قامت به وصول قواتها إلى العاصمة السودانية في 2008 . والحركتان وقعتا على اتفاق سلام جوبا في 2020.
قبل الاشتباكات: حدود ملتهبة
تتفاعل بين السودان وتشاد ديناميات إثنية مكونة من قبائل عدة، منها قبيلة الزغاوة التي تنحدر منها أسرة ديبي الحاكمة في تشاد منذ بداية تسعينيات القرن الماضي وأتباعهم الذين غادروا تشاد إلى دارفور، وهناك أيضاً قبائل "التاما" و"قيمير" و"المساليت" و"السنيار" قرب الحدود مع جمهورية أفريقيا الوسطى بين تشاد والسودان، وكثير من المجموعات الإثنية الأخرى التي هاجرت للوصول إلى مراع جديدة، منها مجموعات عربية مثل "المسيرية" و"المحاميد" و"الرزيقات" التي ينحدر منها محمد حمدان دقلو حميدتي، والأفريقية ومنها "الداجو" و"التنجر" و"بورغو" و"التاما" و"البرنو" و"البولا" و"الفلاتة"، وتعودت هذه المجموعات على التحرك بين الدولتين منذ حقبة الاستعمار هرباً من الضرائب، ثم امتهنت التجارة في ما بعد.
وكما لـ "الزغاوة" وضعهم الخاص فإن لـ "المساليت" في منطقة دار مساليت المنقسمة بين ولاية غرب دارفور وشرق تشاد أيضاً وضع خاص، نشأ عن اتفاق وقعه عام 1922 زعيمها السلطان بحر الدين مع الحكومة الفرنسية التي احتلت تشاد كجزء من أفريقيا الاستوائية الفرنسية والإدارة البريطانية التي حكمت السودان. ولم يمكن "المساليت" الجيش الفرنسي من التوسع شرقاً، وهذه المنطقة التي لم تتعرض للاحتلال كان يفترض بحسب ذلك الاتفاق أن يجري استفتاء بعد 75 عاماً، أي في 1994، لتقرير مصيرهم بين البقاء ضمن السودان أو الانضمام إلى تشاد أو الاستقلال، لكن ذلك لم يحدث. (اندبندنت عربية، 2 فبراير 2023)
في فبراير 2018، اتفق السودان وليبيا وتشاد والنيجر في نيامي على وضع خطة دبلوماسية عسكرية أمنية مشتركة لمكافحة الجريمة المنظمة العابرة للحدود الوطنية، خصوصاً في منطقة الساحل. تتكامل الخطة مع بروتوكول التعاون الأمني بين الدول الأربع الذي وضعت مسودته خلال اجتماع في العاصمة التشادية نجامينا في مايو من العام نفسه. غير أن جهود القوات المشتركة ظلت تسير ببطء مع تسارع وتيرة التهديدات المستمرة، وتحول بعض المناطق الحدودية إلى بؤر خطرة للتنظيمات الإرهابية، ونشاط التهريب والمجموعات المسلحة المعارضة.
أفضى فشل إحكام قبضة القوات المشتركة السودانية - التشادية على الحدود بين البلدين، إلى تعرض مناطق غرب دارفور الممتدة على الحدود الطويلة إلى تفلتات أمنية وزيادة حدة نشاط الجماعات المسلحة في عمليات النهب وقتل المواطنين. وكشفت مصادر أمنية، عن إقدام عشرات المسلحين التابعين لحركات سودانية مسلحة وقعت على اتفاق جوبا للسلام، على عبور الحدود مع السودان والتمركز في مناطق تابعة لولاية غرب دارفور. ونظراً إلى الانشقاقات في صفوف الحركات المسلحة، فإن فصائل كثيرة منها كانت ترفض الانضمام إلى اتفاق السلام وتتمركز على الحدود. (اندبندنت عربية، 18 يناير 2023)
من جهة أخرى، إحدى أبرز مظاهر الخلاف بين البرهان وحميدتي قبل اندلاع الصراع الجاري تمثلت في الزيارة المزدوجة التي أجراها كل منهما بشكل منفصل إلى العاصمة التشادية نجامينا، في أواخر يناير الماضي. من جهة، أجرى البرهان ورئيس الفترة الانتقالية في تشاد محمد إدريس ديبي محادثات، ركزت على القضايا الأمنية والحدود ومكافحة الإرهاب، وتعزيز القدرات العملياتية للقوات السودانية التشادية المشتركة المنتشرة على الحدود، وتفعيل القوة الثلاثية المشتركة بين السودان وتشاد وأفريقيا الوسطى التي تم إنشاؤها في العام 2005 وتبادل المعلومات بين أجهزة الأمن والاستخبارات.
وبعد عودة البرهان بساعات، أجرى حميدتي زيارة مماثلة لتشاد، أجرى خلالها محادثات مع محمد إدريس ديبي، وناقش معه أيضا قضايا الحدود والأمن. أعلن حميدتي أن زيارته كانت بحكم توليه مسؤولية الملف التشادي ودول الجوار في مجلس السيادة، ومنها قضية الحدود بين البلدين ومع ليبيا وأفريقيا الوسطى، والنزاعات القبلية والأوضاع الأمنية الناتجة من بعض التوترات في المنطقة.
بعد الاشتباكات
أعلنت الحكومة التشادية، مع بداية المواجهات العسكرية في الخرطوم، إغلاق حدودها مع السودان التي يبلغ طولها 1403 كيلومترا، على أن تظل مغلقة حتى إشعار آخر. وقالت الحكومة التشادية في بيان: "تناشد تشاد المجتمع الإقليمي والدولي وكذلك جميع الدول الصديقة منح الأولوية لعودة السلام". وفي 17 أبريل الماضي، أعلنت وزارة الدفاع التشادية، توقيف مئات الجنود السودانيين، ونزع أسلحتهم، بعد دخولهم الأراضي التشادية.
وقال وزير الدفاع التشادي الجنرال داود يايا ابراهيم خلال مؤتمر صحافي إنّ العسكريين السودانيين "دخلوا أراضينا وتمّ نزع سلاحهم وإيوائهم". وأضاف في تصريح لوكالة فرانس برس إنّ "من سلّموا أنفسهم لقواتنا هم 320 عنصراً مسلحا، من شرطة وجيش. لقد فرّوا خشية أن يُقتلوا على أيدي قوات الدعم السريع".
في السابع عشر من أبريل 2023 أجرى الرئيس التشادي محمد إدريس ديبي اتصالين هاتفيين مع البرهان، وحميدتي ودعاهما إلى الحوار. قال ديبي عبر تويتر إنه أجرى اتصالين هاتفيين مع البرهان وحميدتي، واستنكر المواجهات المسلحة.
بعد عشرة أيام من اندلاع الحرب نفت وزارة الخارجية التشادية اصطفافها مع أي من طرفي النزاع المسلح في السودان، ودعت إلى وقف للحرب والتوصل إلى تسوية سلمية. وقالت الوزارة في بيان، إنها تنفي ما تردد من دعم حكومة بلادها لأحد طرفي النزاع في السودان. وخلص البيان إلى أن وزارة الخارجية التشادية وهي “تأسف لما آلت إليه الأوضاع في السودان، فإنها تدعو إلى حل استعجالي، وتطلب من طرفي النزاع ضرورة الالتزام بالحوار حلا سلميا.
قبل نقلت تصريحات لمصدر دبلوماسي تشادي عب الجزيرة مباشر، جاء فيها أن المجلس الانتقالي التشادي برئاسة محمد إدريس ديبي يقف مع قوات الجيش السوداني في “حربها” ضد ما سمّاها “مليشيا” الدعم السريع. أوضح المصدر -الذي رفض ذكر اسمه وفق الجزيرة نت - أن انتصار قوات الدعم السريع في هذه المعركة سيؤدي إلى “تدمير وحدة السودان مع ما سيترتب عليه من عواقب تضر بأمن الدول المجاورة”. (موقع الجزيرة نت 25 أبريل، 2023).
في 8 مايو 2023، التقى وزير الخارجية المصري سامح شكري، في العاصمة انجمينا مع الرئيس التشادي محمد إدريس ديبي، في مستهل الزيارة التي قام بها إلى كل من تشاد وجنوب السودان. صرح السفير أحمد أبو زيد المتحدث الرسمي ومدير إدارة الدبلوماسية العامة بوزارة الخارجية، بأن سامح شكري استهل اللقاء بنقل تحيات الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى الرئيس ديبي، حيث سلمه رسالة من السيسي تتناول في شق منها سبل دعم وتعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين في مجالات مختلفة، وفي الشق الآخر التشاور والتنسيق بشأن التطورات الجارية في السودان ودور تشاد ودول جوار السودان في دعم جهود وقف إطلاق النار والتعامل مع الأزمة الإنسانية التي تواجه الشعب السوداني نتيجة الاقتتال الدائر، (اليوم السابع، 8 مايو 2023).
أما فيما يتعلق بنزوح السكان إلى دول الجوار على خلفية الاشتباكات الدائرة، أعلنت الأمم المتحدة في 26 أبريل 2023، أن تشاد استقبلت ما لا يقل عن 20 ألف شخص من السودان، منذ اندلاع الصراع في العاصمة. وقالت رئيسة بعثة المنظمة الدولية للهجرة في تشاد، آن كاثرين شايفر في بيان: "معظم الأشخاص الذين جاءوا إلى تشاد يحتاجون إلى مساعدات إنسانية عاجلة، مثل الطعام والمياه والسكن"، مضيفة أن العاملين في المجال الإنساني يسجلون الوافدين، ومعظمهم من مواطني تشاد والسودان ودول أخرى.
شددت شايفر على أنه "يتعين على المجتمع الدولي زيادة دعمه المالي بشكل عاجل من أجل تقديم استجابة سريعة للاحتياجات المتزايد، من حيث المساعدة اللوجستية والتشغيلية، فضلاً عن مهام الحماية والمساعدة النفسية والاجتماعية". في 2 مايو، ذكرت وكالة أنباء الإمارات أن دولة الإمارات أرسلت عبر مؤسسة خليفة بن زايد آل نهيان للأعمال الإنسانية وهيئة الهلال الأحمر الإماراتي، طائرة تحمل على متنها إمدادات غذائية عاجلة إلى مطار أبشي على الحدود السودانية التشادية لتوفير الدعم العاجل للاجئين السودانيين المتضررين من الظروف الحالية التي تشهدها جمهورية السودان الشقيقة، والتي تسببت في نزوح الآلاف من الأسر، ونقص في المواد الغذائية الأساسية، خاصة للفئات الأكثر احتياجا من المرضى والأطفال وكبار السن والنساء.
أشارت وام إلى أن إرسال هذه الإمدادات يأتي في إطار الاستجابة العاجلة للتخفيف من الأعباء الإنسانية للنازحين السودانيين على الحدود التشادية والحد من المعاناة من عدم توافر المواد الغذائية الضرورية، وانطلاقا من حرص دولة الإمارات على المشاركة بفاعلية في جهود الإغاثة الدولية في ضوء توجيهات القيادة الرشيدة بتقديم الدعم والمساندة للأشقاء السودانيين، وانسجاما مع نهج دولة الإمارات حكومة وشعباً في الوقوف إلى جانب دول العالم وشعوبها وقت الحاجة.
تداعيات الحرب
1/ الاضطراب الاقتصادي: يعد السودان شريكا تجاريا مهما لتشاد، لا سيما فيما يتعلق بالنفط والمنتجات الزراعية، حيث يمكن أن تؤدي الحرب الأهلية في السودان إلى تعطيل طرق التجارة هذه وتؤدي إلى عدم الاستقرار الاقتصادي في تشاد. وبالإضافة إلى ذلك، إذا ارتفعت أسعار النفط نتيجة للصراع، فإن تشاد، التي تعتمد اعتمادا كبيرا على صادرات النفط، قد تواجه صعوبات اقتصادية. من ناحية أخرى، تشاد دولة غير ساحلية، ما يعني أنها تعتمد اعتمادا أساسيا على جيرانها من الدول الساحلية في حركة الاستيراد والتصدير. مع وقوع السودان في نزاع مسلح، تصبح خيارات تشاد للوصول إلى البحر أكثر صعوبة وخطورة.
2/ البعد الأمني: لدى تشاد والسودان تاريخ معقد من التوترات والصراعات السياسية، ويمكن أن تؤدي حرب أهلية جديدة في السودان إلى تفاقم هذه التوترات. وقد يؤدي ذلك إلى زيادة عدم الاستقرار السياسي في تشاد ويمكن أن يؤدي إلى صعود الجماعات المسلحة وغيرها من أشكال العنف. هذا العامل يحمل تأثيرات سلبية متبادلة على كل من السودان وتشاد، فصعود هذه الجماعات المسلحة من شأنه أن يفاقم حالة عدم الاستقرار الأمني في السودان من جهة، ويهدد باندلاع مواجهات مسلحة في تشاد التي تمر حاليا بفترة استقرار أمني هش نسبيا.
وقد اعتبرت مجلة "فورين بوليسي" الأميركية أن الصراع الدائر في السودان منذ أكثر من أسبوعين، قد يؤدي إلى زعزعة استقرار دولة تشاد المجاورة والتأثير على منطقة الساحل بأكملها. ذكرت المجلة أن "هناك احتمالا كبيرا بأن تؤثر حرب السودان الجارية بين الجيش وقوات الدعم السريع على دولة تشاد، ومنطقة الساحل المضطربة بالفعل". أعطت المجلة الأميركية مثالا بدولة تشاد، التي عانت على مدار العقد الماضي، بسبب الأنشطة المدمرة للتنظيمات المتطرفة، مثل "بوكو حرام" والجماعات المنشقة عن تنظيم "داعش"، كما شهدت جمهورية إفريقيا الوسطى قتالا داخليا بين جماعات مسلحة، مشيرة إلى أن الصراع السوداني "له عواقب وخيمة على السلام والأمن الإقليميين".
توضح "فورين بوليسي": "إلى جانب كل ذلك، تتمثل إحدى تداعيات الصراع الحالي في السودان في الانتشار المتوقع للأسلحة الصغيرة والخفيفة بين الأطراف المتحاربة في أنحاء المنطقة". هذا الأمر، تقول "فورين بوليسي"، قد يؤدي أيضا إلى اتساع تجارة الأسلحة غير المشروعة، بسبب ظهور ممرات تهريب جديدة، بما في ذلك في ليبيا وبوركينا فاسو وتشاد ومالي والنيجر، مبرزة أن المشكلة ستزداد تعقيدا حين تقع هذه الأسلحة في "الأيدي الخطأ"، مثل أيدي المتطرفين. وحذرت من "احتمال تسلل مقاتلين إرهابيين أجانب إلى السودان"، مثلما حدث في دارفور غربي البلاد، التي شهدت معارك ضارية أدت إلى مقتل نحو 300 ألف شخص ونزوح حوالي مليونين. (سكاي نيوز عربية، 1 مايو 2023)
3/ أزمة نزوح: يوضح الصحفي والمحلل سياسي، محمد مصطفى إلياس، لموقع "سكاي نيوز عربية"، أن السودان دولة محورية نظرا لموقعها الجغرافي الذي يجاور دولا تشهد اضطرابات بالفعل ولديها "وضع هش". يشير إلى أن الاشتباكات تسببت في موجة نزوح كبيرة، ونتيجة الصراع فر عشرات الآلاف، من بينهم سودانيون ومواطنون من بلدان مجاورة، وعلى رأسها تشاد وجنوب السودان، رغم حالة عدم الاستقرار والظروف المعيشية الصعبة في تلك البلدان.
يتفق معه خبير السكان ودراسات الهجرة، أيمن زهري، الذي يشير إلى أن السودان كان مستقبلا اللاجئين من الدول المجاورة، وبات مصدرا لهم بعد الصراع. حسب حديث زهري لموقع "سكاي نيوز عربية"، فقد اعتمدت اتجاهات هؤلاء الفارين على "الموقع الجغرافي" الذي يعيشون به داخل السودان، فمن يعيش غربا توجه لتشاد وإفريقيا الوسطى، ومن يقطن شمالا توجه إلى مصر، ومن يسكن جنوبا توجه إلى جنوب السودان. هناك دول هشة مجاورة للسودان لم تكن "مستعدة" لاستقبال النازحين والفارين من العمليات العسكرية، وعلى رأس تلك الدول تشاد وإفريقيا الوسطى وجنوب السودان، (سكاي نيوز عربية، 1 مايو 2023).
نقاشات واستنتاجات
تربط تشاد والسودان روابط اجتماعية وثقافية تتمثل في المد القبلي، حيث توجد العديد من القبائل المشتركة بين الدولتين. علاوة على ذلك، تجمع الدولتان روابط اقتصادية، حيث تأتي العديد من البضائع التشادية من السودان، ويستعمل التجار التشاديون ميناء بورتسودان في عملية استيراد بضائعهم من الخارج. في الوقت نفسه، تعيش المدن التشادية أزمة اجتماعية حادة وغير مسبوقة، بسبب نقص الاحتياجات الأساسية وشح في غاز الطهي والوقود وانقطاع الكهرباء والماء وارتفاع في أسعار المواد الغذائية، مما ولّد حالة من الاحتقان الاجتماعي.
في السياق، يوضح الصحفي والخبير التشادي، موسى علي موسى، أن السودان له دور مهم جدا في استقرار أو عدم استقرار الوضع السياسي في تشاد، فأغلب حركات التمرد التشادية التي وصلت إلى الحكم أو تلك التي لم تنجح بالوصول، كانت تنطلق من السودان، خاصة إقليم دارفور الحدودي. وفقا لموسى، يمكن لاستمرار المعارك في السودان، أن تزيد من تأزم الوضع الأمني في الحدود بين البلدين، وتعقيد الوضع الاقتصادي والإنساني. زيادة المدى الزمني للأزمة السودانية يمكن أن يؤدي إلى عودة حركات التمرد التشادية إلى الشرق، وتحديدا إقليم دارفور، ومن هناك تمارس نشاطها ضد الحكومة التشادية، (سكاي نيوز عربية، 2 مايو 2023).
يقول رئيس مركز القرن العربي للدراسات في الرياض، سعد بن عمر، في تصريحات لموقع الحرة إن السودان "بات الآن نقطة كبيرة في شرق القارة الأفريقية تؤثر على المنطقة اقتصاديا وأمنيا بالدرجة الأولى". ويشير إلى أن تشاد وإثيوبيا المجاورتين هما دولتان قاريتان، أي ليست لهما سواحل، وتعتمدان بشكل كبير على الموانئ السودانية، وأهمها بورتسودان، والاختلالات الأمنية في السودان تؤثر على الطرق الحيوية التي تعبر إلى تشاد وأثيوبيا وأوغندا، (الحرة، 23 أبريل 2023).