علاقات دولية

الجوانب السياسية والاقتصادية والأمنية للاتفاق بين إثيوبيا وأرض الصومال

10-Jan-2024

في أعقاب اتفاق إثيوبيا بشأن الوصول إلى البحر مع أرض الصومال في مطلع يناير الجاري 2024، اجتمع قادة الجيش الإثيوبي ونظراؤهم من أرض الصومال يوم الاثنين 8 يناير. في الوقت نفسه، قام الرئيس الصومالي بزيارة إريتريا المجاورة، للحصول على الدعم ضد إثيوبيا، وذلك بعد لقاء مع وفد مصري رفيع المستوى في مقديشو. وقالت إثيوبيا إنها أجرت محادثات بشأن التعاون العسكري مع أرض الصومال، ورغم المخاوف الإقليمية والدولية بشأن الاتفاقية، ناقش قائد الجيش الإثيوبي برهانو جولا "التعاون العسكري" مع نظيره في أرض الصومال نوح إسماعيل تاني يوم الاثنين. 

جرت مناقشات في أديس أبابا في اليوم نفسه الذي بدأ فيه الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود زيارة إلى إريتريا المجاورة، بعدما تلقّى تأكيدات من وفد مصري على دعم القاهرة "الثابت" لسيادة الصومال ووحدته وسلامة أراضيه. حيث تسعى الصومال للحصول على دعم دولي بشأن اتفاق الأول من يناير المثير للجدل بين إثيوبيا وأرض الصومال. (لوموند، 9 يناير 2024).

توضح التحركات المتسارعة بشأن الملفّ عمق المخاوف الدولية والإقليمية، خصوصاً أن مضيق باب المندب -حيث موقع الميناء- يشكّل نقطة اختناق عالمية للملاحة، تؤدي إلى البحر الأحمر وقناة السويس، وقد نشرت العديد من الدول قوات بحرية هناك لحماية مصالحها التجارية. ويمر ما يقرب من 12% من التجارة العالمية عبر المضيق، وقد يضطرب توازن القوى الحالي إذا تمكنت إثيوبيا من الوصول، وفقاً لرشيد عبدي، كبير محللي القرن الإفريقي والشرق الأوسط في شركة ساهان للأبحاث. (بلومبيرغ، 4 يناير 2024).

مساعٍ إثيوبية طويلةُ الأمد بحثاً عن منفذ بحري

لسنوات، سعت الحكومة الإثيوبية لتنويع الوصول إلى الموانئ البحرية، بما في ذلك استكشاف الخيارات في عدد من دول الجوار. ورغم أن إثيوبيا كانت تمتلك في السابق ميناءين بالإضافة إلى قوات بحرية، فإنها خسرت هذين الميناءين عندما انفصلت إريتريا، لتشكل دولة مستقلة عنها عام 1993. ومنذ الحرب الحدودية الدموية بين عامي 1998 و2000، حُرِمت أديس أبابا من الوصول إلى سواحل إريتريا. واعتمدت إثيوبيا على ميناء جيبوتي في جميع تجارتها الخارجية تقريباً، (إيكونوميست، 2 يناير 2024)، فيما دفعت في الوقت نفسه بشكل متكرر نحو إيجاد موطئ قدم بحري لتعويض "محبسها" الجغرافي. ومن أبرز هذه المحاولات:

- تقارب مع إريتريا، حيث تم الترحيب باتفاق السلام مع إريتريا عام 2018 بوصفه فرصة لإثيوبيا لاستعادة الوصول المَعفي من الضرائب إلى موانئ جارتها.

- اتفاقية مع الرئيس الصومالي السابق، محمد عبد الله محمد، أعلنها رئيس الوزراء الإثيوبي وقال إنها تقضي بأن تستخدم إثيوبيا أربعة موانئ لم يذكر أسماءها على طول الساحل الصومالي، بما في ذلك ميناء أرض الصومال.

- محاولات متكررة للوصول إلى سواحل السودان، من خلال إبرام اتفاقيات مع الخرطوم.

- توقيع صفقة للاستحواذ على حصة 19% في ميناء بربرة عام 2018.

لم يتحقق أيّ مما سبق، بسبب عقبات لوجستية، أو اضطرابات داخلية أو بينية؛ أدّت في مجملها إلى بقاء إثيوبيا "حبيسة" للجغرافيا دون منفذ مائي. وفي الأشهر الأخيرة، أصبح رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد أكثر حزماً بشأن طموحات بلاده في الاستحواذ على ميناء على طول ساحل شرق إفريقيا. وفي تصريحات بثها التلفزيون الرسمي في أكتوبر، قال إن حكومته بحاجة إلى إيجاد طريقة لإخراج شعبها البالغ عدده 126 مليون نسمة من "سجنه الجغرافي". 

أعرب مسؤولون رافضون لخطوة أديس أبابا عن قلقهم من أن آبي أحمد قد يبدأ حرباً أخرى بعد عام واحد فقط من انتهاء الصراع العنيف في منطقة تيغراي شمال البلاد. وقالت سميرة جيد، كبيرة محللي شؤون القرن الإفريقي في شركة "بلقيس إنسايتس"، وهي شركة استشارية بحثية في العاصمة الصومالية مقديشو، إن المنطقة بأكملها كانت غاضبة من هذه التصريحات، و"قد كان الجميع على علم منذ ذلك الحين بكيفية رغبة دولة مهيمنة إقليمية مثل إثيوبيا في الوصول إلى البحر". (نيويورك تايمز، 2 يناير 2024).

بنود الاتفاقية

تنص مذكرة التفاهم على أن تتمكن إثيوبيا من الوصول إلى مضيق باب المندب في خليج عدن عبر ممر ستستأجره من أرض الصومال لمدة 50 عاماً. ويمكن لإثيوبيا إنشاء قاعدة عسكرية ومنشآت تجارية هناك. وفي المقابل، ستحصل أرض الصومال على حصة غير محددة من الخطوط الجوية الإثيوبية، أكبر شركة طيران في القارة. وذكر بيان لمكتب رئيس الوزراء الإثيوبي أن الاتفاق يعزز الشراكة الأمنية والاقتصادية والسياسية بين إثيوبيا وأرض الصومال. وبينما قال رئيس أرض الصومال موسى بيهي عبدي إن إثيوبيا ستعترف رسمياً بأرض الصومال كدولة ذات سيادة، قالت أديس أبابا إن هذه القضية لا تزال قيد التقييم. (بلومبيرغ، 4 يناير 2024).

ويُشير خبراء إلى أنّ اتفاقية الوصول إلى ميناء بربرة في أرض الصومال ليست ملزمة قانوناً، ولكن بعد مفاوضات مكثفة في الأشهر المقبلة، يمكن أن تؤدي إلى معاهدة قابلة للتنفيذ بين الطرفين. ومع ذلك، يبقى السؤال الرئيسي مرتبطاً بقدرة أرض الصومال قانونياً على التوقيع على مثل هذا الاتفاق. ويُذكر هنا أنّ أرض الصومال، وهي محمية بريطانية سابقة، اتّحدت مع الصومال الإيطالي عام 1960 بعد الاستقلال، لكنها انفصلت بعد ذلك في عام 1991 بعد اندلاع حرب أهلية. فهي تُجري انتخابات، وتُصدر جوازات سفرها الخاصة، وتطبع عملتها الخاصة، ووقعت صفقات استثمار دولية، بما في ذلك صفقات مع شركة موانئ دبي العالمية لتوسيع مينائها الرئيسي، ومع شركة جينيل إنيرجي ومقرها لندن للتنقيب عن النفط. لكنها فشلت في الحصول على اعتراف دولي يسمح لها بتلقي التمويل والمساعدات من مؤسسات مثل صندوق النقد الدولي. وقد وصلت عدة جولات من المفاوضات بين الصومال وأرض الصومال بهدف حل خلافاتهما إلى طريق مسدود، وأُعلن استئناف المحادثات قبل أيام من إعلان الاتفاق مع إثيوبيا. وتقول إدنا آدان، المبعوثة الخاصة لأرض الصومال، إن "الإقليم يتمتع بسلطة التوقيع على أي اتفاقيات يريدها ولا يحتاج إلى إخطار أي شخص آخر أو الحصول على موافقة منه". (بلومبيرغ، 4 يناير 2024).

الفوائد بالنسبة لأديس أبابا وهرغيسا

وسط الأصداء الإقليمية والدولية المتخوّفة من تداعيات الاتفاق؛ كان المسؤولون في أديس أبابا أكثر حرصاً على الحديث عن الفوائد التي تتضمّنها هذه الاتفاقية، مع تأكيد أنّها "لن تؤثر على أي طرف أو دولة" وأنها "لم تنتهك الثقة والقوانين"، وفقاً لبيان صادر عن الحكومة الإثيوبية. (مودرن ديبلوماسي، 9 يناير 2024).

وقال رضوان حسين، مستشار الأمن القومي لآبي أحمد، خلال الحدث الذي أعلن فيه عن الاتفاق: "إن الاتفاقية مفيدة للطرفين، وستتبادل إثيوبيا الخبرة العسكرية والاستخباراتية مع أرض الصومال، حتى تتمكن الدولتان من التعاون لحماية المصالح المشتركة". ولتسهيل ذلك، ستنشئ إثيوبيا قاعدة عسكرية في أرض الصومال بالإضافة إلى منطقة بحرية تجارية.

ويأمل آبي أحمد أن يساعد الاتفاق في إنعاش إثيوبيا بعد عام من المشكلات الاقتصادية المتفاقمة والصراعات الداخلية وانهيار العلاقات مع إريتريا. حيث تعد القضايا الاقتصادية محركاً مهمّاً لتحرك آبي لتأمين الصفقة. ويعاني الاقتصاد الإثيوبي منذ جائحة كوفيد-19 والحرب الأهلية التي استمرت عامين وانتهت عام 2022 والعقوبات المرتبطة بها. وقد دفع ذلك إثيوبيا إلى تقديم طلبات متعددة لتخفيف عبء الديون منذ عام 2021 والتخلف عن سداد سنداتها في ديسمبر 2023. وتدفع إثيوبيا أيضاً ما لا يقل عن مليار دولار أمريكي كرسوم ميناء سنوياً لجيبوتي. وطلب آبي أحمد من جيبوتي تخفيض الرسوم في عام 2022، لكنها رفضت لأن اقتصادها يعتمد على الإيجارات والخدمات المضمونة من رسوم الشحن الإثيوبية، حيث يتعامل ميناء جيبوتي مع 95% من التجارة الواردة والصادرة من إثيوبيا، وتدفع الخدماتُ اللوجستية المحيطة بهذه التجارة قطاعَ الخدمات الذي يمثل ما يقرب من 76% من الناتج المحلي الإجمالي لجيبوتي. (موقع كريتكال ثيريت، 4 يناير 2024).

بالنسبة لقادة أرض الصومال، يمثل هذا الاتفاق انفراجة في سعيهم المستمر منذ ثلاثة عقود للحصول على الاعتراف الدولي. ويقول محمد فرح من أكاديمية السلام والتنمية، وهي مؤسسة فكرية في هرغيسا: "الصومال يستخدم تكتيكات المماطلة منذ بدء المحادثات في عام 2012.. لا يمكننا الانتظار إلى الأبد". ويأمُل قادة أرض الصومال أن تحذو بقية دول إفريقيا حذو إثيوبيا؛ حيث يقع مقر الاتحاد الإفريقي في أديس أبابا، (إيكونوميست، 2 يناير 2024). 

هناك أيضاً مشكلات داخلية في أرض الصومال، التي عرفت استقراراً نسبياً لعقود من الزمن، حيث يواجه الجيب انتفاضة من جانب المليشيات العشائرية المحلية التي طردت قواتها من بلدة لاس عانود المتنازع عليها في أغسطس الماضي. كما تجاوز الرئيس عبدي، الذي وصل إلى السلطة في أواخر عام 2017، فترة ولايته ويعمل في ظل هيكل موسع لا تعترف به المعارضة السياسية في البلاد. وتقول سميرة جيد، من شركة "بلقيس إنسايتس"، إنه بالنظر إلى كل هذه التحديات، فإن "هذه الصفقة هي شريان الحياة" للرئيس عبدي. (نيويورك تايمز، 2 يناير 2024).

المخاوف والارتدادات المرتبطة بالاتفاقية

هزت الاتفاقية منطقة القرن الإفريقي. ويقول المراقبون إنها قد تثير أيضاً المزيد من التوترات في البحر الأحمر، وهو طريق شحن عالمي حيوي أصبح خطِراً بشكل متزايد وسط الحرب بين إسرائيل و"حماس". وجاء الاعتراض الأكبر من الصومال، حيث عقدت حكومة رئيس الوزراء حمزة عبدي بري اجتماعاً طارئاً في اليوم التالي لتوقيع الاتفاق ووصفته بأنه "باطل ولاغ"؛ وتعهّد الرئيس حسن شيخ محمود في خطاب حماسي ألقاه أمام البرلمان في اليوم نفسه بالدفاع عن سيادة بلاده. وبعد أيّام، أبطل شيخ محمود رسمياً موافقة منطقة أرض الصومال على منح إثيوبيا الوصول إلى البحر الأحمر، حيث أعلن أن مذكرة الاتفاق المبرمة "غير قانونية"، وقال إنه وقّع قانوناً ألغى الصفقة.

ومن شأن مضي أديس أبابا قدماً في تنفيذ الصفقة أن يهدد بالإضرار بالعلاقات الدبلوماسية بين إثيوبيا والصومال، وهما دولتان لهما تاريخ طويل من الصراع العسكري والعداء. فبعد استقلال الصومال عام 1960 وحتى نهاية الحرب الباردة، كان وضع المنطقة الصومالية في إثيوبيا (المعروفة أيضاً باسم أوغادين)، وهي ثاني أكبر منطقة في إثيوبيا من حيث المساحة، محل نزاع حاد بين البلدين. وقد شهدت هذه المنطقة صراعات عديدة، كان أحدها حرب أوغادين 1977-1978، والتي أودت بحياة عشرات آلاف الأشخاص قبل أن تتمكن إثيوبيا، بمساعدة المستشارين العسكريين السوفييت والقوات الكوبية، من إعادة تأكيد هيمنتها على الأرض. وفي ظل حكومتي منجستو هيلي ماريام في إثيوبيا والرئيس الصومالي سياد بري، دعمت كل من الدولتين الفصائل المتمردة في البلد الآخر، الأمر الذي أدى إلى إضعافهما وفي النهاية إلى الإطاحة بالزعيمين بحلول عام 1991.

ومن شأن تمزق العلاقات الصومالية الإثيوبية أن يضعف التعاون الإقليمي في مكافحة الإرهاب. ومن شبه المؤكد أن قطع الصومال العلاقات الدبلوماسية مع إثيوبيا سيؤثر في استمرار الوجود القانوني للجنود الإثيوبيين في الصومال، الذين يقاتلون حركة الشباب التابعة لتنظيم القاعدة. ولدى إثيوبيا حالياً ما لا يقل عن 4000 جندي منتشرين في الصومال كجزء من بعثة الاتحاد الإفريقي الانتقالية في الصومال ATMIS (التي يبلغ قوامها 14 ألف جندي)، ولديها أيضاً 1000 جندي منتشرين كجزء من الاتفاقيات الثنائية مع الصومال. وإذا ما انسحبت القوات الإثيوبية من الصومال، فسيؤدي هذا إلى تعقيد خطط الحكومة الصومالية لتطهير الملاذات الرئيسية لحركة الشباب في جنوب البلاد بحلول نهاية عام 2024. ناهيك عن ضرر حصل بالفعل، عندما تحدث الناطق باسم حركة الشباب ضد الاتفاق ووصفه بأنه "باطل" في 2 يناير وهدد بالانتقام، إذ عملت الحركة الإرهابية على تعزيز شرعيتها السياسية وتنمية قواعدها التجنيدية من خلال الانحياز سريعاً ضدّ أديس أبابا، ومنافسة حكومة الصومال المركزية في تبنّي هذا الموقف. (موقع كريكتال ثريت، 4 يناير 2024).

ويقول مراقبون إن إريتريا ومصر تشعران بالقلق أيضاً من وجود إثيوبيا البحري الكبير في البحر الأحمر وخليج عدن الإستراتيجيين. وفي جيبوتي، التي تتقاضى من إثيوبيا أكثر من مليار دولار سنوياً لاستخدام موانئها، فإنّ المراقبين يقولون إن فقدان هذا الدخل يمكن أن يمكن أن يؤثر على جيبوتي ، التي استفادت من هذا التدفق النقدي. 

خلاصات

بينما لا يبدو أنّ الطريق ممهد بشكل جيّد أمام ترجمة مذكرة الاتفاق إلى أمر واقع. خصوصاً أنّ الموقف الدولي والإقليمي تراوح بين إدانة الاتفاق والدعوة للتهدئة واحترام سيادة الصومال، مع ذلك، نقل عن أحد الدبلوماسيين الغربيين ملاحظة يقول فيها إن "هذا هو العصر الذي لن يقف فيه أحد في طريقك إذا كنت قويا ومصمما". وخلال السنوات القليلة الماضية، كان واضحاً أنّ آبي أحمد مستعدّ لإظهار هذه السمات بهدف تحقيق مصالح أديس أبابا.

ووسط الاهتمام الدولي الواضح والسريع بمسألة الاتفاق، فالأرجح أن يتمّ الدفع نحو تسوية الأزمة بالوسائل السلمية والتفاوضية خصوصاً أنّ منطقة القرن الإفريقي لن تحتمل تصعيداً عسكرياً إضافياً. وفيما تبدو آفاق المفاوضات غير واضحة للعيان في الوقت الراهن، فإنّ أصداء تحذيرات آبي أحمد التي أطلقها عام 2023 بشأن ضرورة إيجاد وصول بحري لبلاده إلى البحر الأحمر، تُشير إلى سيناريوهات أكثر تهديداً للمنطقة إذا ما تمّ حرمانه من الصفقة الموقّعة مع هرغيسا. وبالنسبة لأرض الصومال، فإنّ المضي قدماً في الصفقة أو عدمه، سيبقى مفيداً لمسار استقلالها، لأنّ رئيس الإقليم عبدي سيمتلك الآن المزيد من أوراق القوة إزاء المحادثات التي تقرّر مؤخراً استئنافها مع مقديشو. 


twitter icontwitter icon threads iconthreads icon 458