علاقات دولية

مشكلة اضطراب المناخ .. مسيرة تطور التفكير في حماية الأرض

08-Dec-2023

اكتسبت قضية تغير المناخ التي تسمى أحياناً "اضطراب المناخ" أهمية غير مسبوقة في النقاش السياسي والعام الدولي على مدى العقود الثلاثة الماضية، منذ اتفاق مؤتمر ريو للتنمية والبيئة في يونيو 1992، والذي تم خلاله اعتماد وتوقيع اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية (UNFCCC) بشأن مكافحة تغير المناخ، وتم اعتماد ثلاث اتفاقيات رئيسية على المستوى الدولي، وهي: اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ التي تم تبنيها في عام 1992 في ريو، ثم بروتوكول كيوتو المعتمد في عام 1997 في المؤتمر الثالث للأطراف (كوب) في اليابان، وأخيراً اتفاقية باريس المعتمَدة في فرنسا عام 2015، خلال "كوب 21". 

هذه الاتفاقيات لها قيمة المعاهدات الدولية لأنها تشمل غالبية دول العالم، كما تجسد استجابة المجتمع الدولي للأدلة الواضحة التي جمعتها وأكدتها مراراً وتكراراً الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC)، على أن المناخ يتغير، وأن هذا التغير يرجع إلى حد كبير إلى الأنشطة البشرية. 

وفي حين أن اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ تتضمن أحكاماً للإبلاغ عن الانبعاثات في الغلاف الجوي، أي الانبعاثات المباشرة (CO2، CH4، N2O، مركبات الكربون الهيدروفلورية، مركبات الكربون المشبعة بالفلور، SF6 وغير المباشرة، أكاسيد النيتروجين، CO، المركبات العضوية المتطايرة غير الميثان، SO2 حدد بروتوكول كيوتو التزامات محددة وملزمة قانونياً، مخصصة بشكل رئيسي للبلدان المتقدمة، في حين أن اتفاق باريس شامل، لأنه يلزم جميع الدول التي صدقت عليه حتى الآن.

في هذه الدراسة، نوضح المراحل الرئيسية التي مرت بها هذه المفاوضات من أجل تقدير نتائجها وتوضيح كيف وصلت إلى اتفاقية باريس، والتي تعد نقطة انطلاق للتنفيذ المنسق لإجراءات مكافحة تغير المناخ على نطاق عالمي. سنبدأ بذكر كيف أصبحت ضرورة اتخاذ إجراءات واسعة لمواجهة تغير المناخ موضوعاً للتفاوض الدولي قبل انعقاد قمة الأرض الأولى في عام 1992. بعد ذلك سننظر في تاريخ المفاوضات الأولى بعد ريو التي أدت إلى بروتوكول كيوتو في عام 1997، والذي تطلب تعلُّم طرق تنفيذ إجراءاته ثماني سنوات، تلاها، ابتداء من عام 2005 فتح باب النقاش بشأن ما ينبغي القيام به بعد فترة التزام كيوتو الأولى (2008/2012). 

برز هذا المسار بشكل خاص من خلال مؤتمر كوبنهاغن، في نهاية عام 2009، الذي سنشرح لاحقاً لماذا لم يكن مؤتمراً فاشلاً، على عكس ما يقال. وسنلخص بعد ذلك المسار الذي أدى إلى اعتماد اتفاق باريس في عام 2015، الذي يشكل الهيكل القانوني الناتج عن هذه العملية الطويلة، التي وصفها كثيرون بالبطء، ولكنها كانت ضرورية لجعل تنفيذها في المستقبل أكثر صلابة. بعد تلخيص المحتوى القانوني لاتفاق باريس، وهو أمر ضروري لفهم جوهر هذه العملية، سنلخص الخطوات التي ميزت الانتهاء من كتاب القواعد المرتبط باتفاق باريس، ثم نختتم بتحديد التطورات الرئيسية لمؤتمر الأطراف-26 الذي عقد في نوفمبر 2021 في غلاسكو. 

الهدف من هذه الدراسة هو تزويد القارئ بملخص للعناصر القانونية الرئيسية المقابلة للمراحل الرئيسية للمفاوضات من عام 1990 (تاريخ بدء المفاوضات التي أدت إلى اعتماد اتفاقية المناخ في عام 1992 بعد أكثر من اثنتي عشرة دورة للجنة التفاوض الدولية) حتى عام 2022.


الاتفاقية الإطارية بشأن تغير المناخ 

طوال عقود من الزمان، لم يكن هناك وعي جماعي بمشكلة تغير المناخ، لكن علم المناخ أحرز الكثير من التقدم. في عام 1979، عُقِد أولُ مؤتمر عالمي للمناخ، نظمته المنظمة العالمية للأرصاد الجوية (WMO)، تلاه في عام 1985 مؤتمرٌ أكثرُ سريةً (مؤتمر فيلاخ)، الذي نظمه برنامج الأمم المتحدة للبيئة (UNEP) بالاشتراك مع المنظمة العالمية للأرصاد الجوية. كان هذان الحدثان حاسمين في إنشاء الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ في عام 1988، والتي تم تحديدها في اجتماع G7 في تورنتو. بعدها، أكمل مؤتمر لاهاي في عام 1989 والمؤتمر العالمي الثاني للمناخ في عام 1990 حملةَ التوعية بالقضايا المتعلقة بهذه المشكلة الجديدة. 

هكذا تقرر أنه في قمة الأرض في ريو، سيتم اعتماد أول معاهدة لبدء معركة عالمية ضد زيادة انبعاثات غازات "الدفيئة" (GHG). في الفترة التي سبقت قمة الأرض، نُشِر أولُ تقرير للفريق الحكومي الدولي المعني بتغير المناخ، ومثل أولَ إجماع دولي بين العلماء حول قضية تغير المناخ، عبر هذا التوافق في الآراء حول النتائج العلمية بشأن الاحترار الملحوظ، وبشأن زيادة تركُّز غازات "الدفيئة" في الغلاف الجوي، وما إذا كان يشتبه في أن الانبعاثات الأحفورية الناتجة عن النشاط البشري هي السبب الرئيسي. مع ذلك، كان هذا العمل بمثابة أساسٍ لأول قرار سياسي دولي.

في عام 1992، في قمة الأرض في ريو دي جانيرو، اعتمدت الأممُ المتحدة إطارَ عمل لمكافحة ظاهرة الاحتباس الحراري، تمثل في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، والتي تنص "المادة 2" منها على أن "الهدف النهائي لهذه الاتفاقية وأي صكوك قانونية ذات صلة قد يعتمدها مؤتمر الأطراف، هو أن يحقق، وفقاً للأحكام ذات الصلة بالاتفاقية، تثبيت تركيزات غازات "الدفيئة" في الغلاف الجوي عند مستوى يحول دون التدخل البشري الخطِر في النظام المناخي. وينبغي تحقيق هذا المستوى في إطار زمني كافٍ للسماح للنُّظم الإيكولوجية بالتكيف بشكل طبيعي مع تغير المناخ، وضمان عدم تهديد إنتاج الأغذية وتمكين التنمية الاقتصادية من المضي قدماً بطريقة مستدامة".

وهكذا اعترفت هذه الاتفاقية بأن افتراضات العلماء كانت كافية لبناء معاهدة تستند إلى 3 أفكار رئيسية:

1. من خلال الاعتراف بأن أوجه عدم اليقين العلمي لا تبرر تأجيل العمل، يتم تطبيق "المبدأ التحوطي" ضمنياً. 

2. على الرغم من أن انبعاثات غازات "الدفيئة" لها تأثير مماثل في تغير المناخ، أيّاً كان مصدرها، فمن المسلم به أن معظم البلدان الصناعية تتحمل مسؤولية أكبر عن التركيز الحالي لغازات "الدفيئة". أرسى ذلك "مبدأ المسؤولية المشتركة والمتباينة". 

3. تم التسليم بأن الإجراءات الرامية إلى مكافحة تغير المناخ، باعترافها "بالحق في التنمية الاقتصادية"، يجب ألا يكون لها أثر سلبي في الاحتياجات الأساسية للبلدان النامية، أي النمو الاقتصادي المستدام والقضاء على الفقر.

تجاوز هذا النص مجرد مسألة تغير المناخ ليشكل معاهدة حقيقية تدعو إلى التنمية المستدامة، وهو موضوع كان محل اتفاق موازٍ من خلال اعتماد جدول أعمال القرن الحادي والعشرين وإنشاء لجنة التنمية المستدامة في الوقت نفسه الذي تمت فيه اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، في قمة الأرض نفسها، عام 1992.

سرعان ما وقع على الاتفاقية 196 طرفاً (195 دولة، والاتحاد الأوروبي كمجموعة إقليمية)، ثم تم التصديق عليها، وهو ما سمح بدخولها حيز التنفيذ. تجتمع هذه الأطراف منذ عام 1992 في الاجتماعات السنوية لهيئة مراقبة المعاهدة (مؤتمر الأطراف)، لمناقشة ما يمكن القيام به للحد من الزيادة في متوسط درجة الحرارة العالمية الناتجة عن تغير المناخ، ومراجعة التقدم المحرَز في مكافحة تغير المناخ، (مؤتمر الأطراف هو الهيئة العليا لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، أي أعلى سلطة لصنع القرار؛ وتُكمِّلها هيئتان، هما الهيئة الفرعية للتنفيذ والهيئة الفرعية للمشورة العلمية والتكنولوجية، اللتان تتناولان مختلف القضايا المتعلقة بتنفيذ الاتفاقية وتقدمان الدعم العلمي والتكنولوجي).

على الرغم من أنه لم يتم تحديد الالتزامات في ريو كمياً، فإن نص هذه المعاهدة كان ثورة حقيقية، تنذر بما سيصبح عليه اتفاق باريس لاحقاً، من أجل الإدارة الجماعية للصالح العام. وقد تقرر في ريو الفصل النوعي فيما يتعلق بالالتزامات القانونية المسندة إلى الأطراف الموقعة باسم مبدأ المسؤولية المشتركة ولكنها متباينة. والبلدان المدرجة في المرفق الأول (البلدان متقدمة النمو، ولاسيما بلدان منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي) أكثر تقييداً من البلدان الناشئة والبلدان النامية وأشد البلدان فقراً. وكانت لذلك عواقب مهمة بالنسبة لباقي العملية، وكان أحد أسباب ضعف التعبئة في بعض البلدان.


تاريخ تغير المناخ

تغير المناخ هو التغير طويل الأجل في مناخ الأرض وأنماط الطقس، وقد استغرق الأمر ما يقرب من قرن من البحث والبيانات لإقناع الغالبية العظمى من المجتمع العلمي بأن النشاط البشري يمكن أن يُغيِّر مناخ كوكبنا بأكمله. في أواخر القرن الثامن عشر، قوبلت التجارب التي تشير إلى أن ثاني أكسيد الكربون الذي ينتجه الإنسان (CO2) والغازات الأخرى يمكن أن تتجمع في الغلاف الجوي وتعزل الأرض، بفضول أكثر من القلق. بحلول أواخر خمسينات القرن العشرين، صدرت قراءات لعض البيانات الأولى لتأكيد نظرية الاحترار العالمي. وفي نهاية المطاف، فإن وفرة البيانات، جنباً إلى جنب مع النمذجة المناخية وأحداث الطقس في العالم الحقيقي، لا تظهر أن الانحباس الحراري العالمي حقيقي فقط، بل تقدم أيضاً مجموعة من العواقب الكارثية.


تأثير الاحتباس الحراري

في عشرينات القرن التاسع عشر، اقترح عالم الرياضيات والفيزيائي الفرنسي جوزيف فورييه، أن الطاقة التي تصل إلى الكوكب كضوء الشمس يجب أن تكون متوازنة مع الطاقة العائدة إلى الفضاء لأن الأسطح الساخنة تنبعث منها إشعاعات. لكن بعض هذه الطاقة، كما قال، يجب أن يتم الاحتفاظ بها داخل الغلاف الجوي، مما يحافظ على دفء الأرض.

اقترح فورييه أن الغطاء الرقيق للأرض من الهواء (غلافها الجوي)، يعمل بالطريقة التي تعمل بها "الدفيئة الزجاجية". تدخل الطاقة من خلال الجدران الزجاجية، ولكنها محاصرة بعد ذلك في الداخل، مثل "الدفيئة الدافئة".

تم استكشاف هذه الظاهرة بشكل أكبر من خلال عمل الباحثة يونيس نيوتن فوت في خمسينات القرن التاسع عشر. أظهرت تجارب فوت باستخدام الأسطوانات الزجاجية أن تأثير تسخين الشمس كان أكبر في الهواء الرطب من الهواء الجاف، وتم اكتشاف أن أعلى درجة من التسخين حدثت في أسطوانة تحتوي على ثاني أكسيد الكربون. شكل عمل نيوتن فوت نقطة انطلاق عمل العالم الأيرلندي جون تيندال الذي ركز أيضاً على أنواع الغازات التي أدّت الدور الأكبر في امتصاص الحرارة. وقد أدرك الخبراء منذ ذلك الحين أن تشبيه "الدفيئة" كان تبسيطاً مفرطاً، لأن الأشعة تحت الحمراء الصادرة ليست محاصرة تماماً من قبل الغلاف الجوي للأرض ولكن يتم امتصاصها. 


غازات "الدفيئة"

لكن ما يسمى بتشبيه تأثير "الدفيئة" ظل عالقاً وبعد حوالي 50 عاماً، قدم عمل نيوتن فوت مزيداً من التبصر حول كيفية امتصاص الحرارة في الغلاف الجوي للأرض. أظهرت تجارب فوت باستخدام الأسطوانات الزجاجية أن تأثير تسخين الشمس كان أكبر في الهواء الرطب منه في الهواء الجاف. واكتشفت أن أعلى درجة من التسخين حدثت في أسطوانة تحتوي على ثاني أكسيد الكربون. على الرغم من أن فوت لم تكن معروفة على نطاق واسع في حياتها، فإن عملها تنبأ بنتائج العالم الأيرلندي جون تيندال.

استكشف تيندال أيضاً بالضبط أنواع الغازات التي من المرجح أن تؤدي دوراً في امتصاص ضوء الشمس. أظهرت الاختبارات المعملية لتيندال في ستينات القرن التاسع عشر أن غاز الفحم (الذي يحتوي على CO2 والميثان والهيدروكربونات المتطايرة) كان فعالاً بشكل خاص في امتصاص الطاقة، وأثبت في النهاية أن CO2 وحده يتصرف مثل الإسفنج بالطريقة التي يمكن أن يمتص بها أطوالاً موجية متعددة من ضوء الشمس.

بحلول عام 1895، أصبح الكيميائي السويدي سفانتي أرهينيوس فضولياً حول كيف يمكن لانخفاض مستويات CO2 في الغلاف الجوي أن يبرد الأرض. من أجل شرح العصور الجليدية الماضية، تساءل عمّا إذا كان انخفاض النشاط البركاني قد خفض مستويات CO2 العالمية. أظهرت حساباته أنه إذا انخفضت مستويات CO2 إلى النصف، فقد تنخفض درجات الحرارة العالمية بنحو 5 درجات مئوية (9 درجات فهرنهايت).

بعد ذلك، تساءل أرهينيوس عما إذا كان العكس صحيحاً، وعاد إلى حساباته مرة أخرى، هذه المرة للتحقيق مما سيحدث إذا تضاعفت مستويات CO2. بدا الاحتمال بعيداً في ذلك الوقت، لكن نتائجه أشارت إلى أن درجات الحرارة العالمية ستزداد بالمقدار نفسه، 5 درجات مئوية أو 9 درجات فهرنهايت. وبعد عقود، أكدت النمذجة المناخية الحديثة أن أرقام أرهينيوس لم تكن بعيدة عن الهدف.


الترحيب بأرض أكثر دفئاً

في تسعينات القرن التاسع عشر، كان مفهوم احترار الكوكب بعيداً بل وموضع ترحيب. كما كتب أرهينيوس: "من خلال تأثير النسبة المتزايدة من حمض الكربونيك [CO2] في الغلاف الجوي، قد نأمُل الاستمتاع بعصور ذات مناخات أكثر توازناً وأفضل، خاصة فيما يتعلق بالمناطق الباردة من الأرض".

بحلول عام 1930، بدأ عالم واحد على الأقل الادعاء بأن انبعاثات الكربون قد يكون لها بالفعل تأثير في الاحترار. أشار المهندس البريطاني جاي ستيوارت كاليندار إلى أن الولايات المتحدة ومنطقة شمال الأطلسي قد ارتفعت درجة حرارتها بشكل كبير في أعقاب الثورة الصناعية.

أشارت حسابات كاليندار إلى أن مضاعفة ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي للأرض يمكن أن تُسخِّن الأرض بمقدار درجتين مئويتين (3.6 فهرنهايت). وقد استمر في القول خلال ستينات القرن العشرين بأن الاحترار نتيجة تأثير غازات "الدفيئة" كان جارياً.

في حين قوبلت ادعاءات كاليندار بالشكوك إلى حد كبير، فقد تمكن من لفت الانتباه إلى إمكانية الاحترار العالمي. أدّى هذا الاهتمام دوراً في الحصول على بعض المشروعات الأولى التي تمولها الحكومة لمراقبة المناخ ومستويات CO2 عن كثب.


منحنى كيلينغ

من أشهر المشروعات البحثية في هذا المجال، محطة رصد أنشأها معهد سكريبس لعلوم المحيطات في عام 1958 على قمة مرصد ماونا لوا في هاواي.

كان لعالم الكيمياء الجيولوجية في سكريبس تشارلز كيلينغ دورٌ فعال في تحديد طريقة لتسجيل مستويات CO2 وفي تأمين التمويل للمرصد، الذي تم وضعه في وسط المحيط الهادئ.

وقد كشفت بيانات المرصد عمّا أصبح يعرف باسم "منحنى كيلينغ". أظهر المنحنى التصاعدي ارتفاعاً مطرداً في مستويات CO2، إلى جانب مستويات قصيرة صعوداً وهبوطاً من الغاز الناتج عن فصل الشتاء المتكرر وتخضير نصف الكرة الشمالي.

بدأ فجر النمذجة الحاسوبية المتقدمة في ستينات القرن العشرين للتنبؤ بالنتائج المحتملة للارتفاع في مستويات CO2 التي أوضحها منحنى كيلينغ. أظهرت نماذج الكمبيوتر باستمرار أن مضاعفة CO2 يمكن أن تُنتِج ارتفاعَ درجة الحرارة بمقدار درجتين مئويتين أو 3.6 فهرنهايت خلال القرن المقبل.


سبعينات القرن العشرين.. أرض باردة

استغرق نوع مختلف من القلق المناخي (التبريد العالمي)، أوائل سبعينات القرن العشرين، مع تزايد قلق الناس بشأن الملوثات التي تنبعث عن البشر في الغلاف الجوي؛ افترض بعض العلماء أن التلوث يمكن أن يحجب ضوء الشمس ويبرد الأرض.

في الواقع، بردت الأرض إلى حد ما بين عامي 1940-1970 بسبب طفرة ما بعد الحرب في ملوثات الهواء الجوي التي عكست ضوء الشمس بعيداً عن الكوكب. فكرة أن الملوثات التي تحجب أشعة الشمس يمكن أن تبرد الأرض اشتعلت في وسائل الإعلام، كما في مقال مجلة تايمز عام 1974 بعنوان "عصر جليدي آخر؟"، ولكن مع انتهاء فترة التبريد القصيرة واستئناف درجات الحرارة صعودها، تم إسقاط تحذيرات أقلية من العلماء من أن الأرض كانت تبرد. كان جزء من المنطق هو أنه في حين أن الضباب الدخاني يمكن أن يظل معلقاً في الهواء لأسابيع، فإن CO2 يمكن أن يستمر في الغلاف الجوي لعدة قرون.

1988.. الاحترار العالمي يصبح حقيقياً

أوائل ثمانينات القرن العشرين، مثلت زيادة حادة في درجات الحرارة العالمية. يشير العديد من الخبراء إلى عام 1988 بوصفه نقطة تحول حاسمة عندما تم تسليط الضوء على ظاهرة الاحتباس الحراري.

كان صيف عام 1988 هو الأكثر سخونة على الإطلاق، وشهد العام نفسه أيضاً جفافاً وحرائقَ غابات واسعة النطاق داخل الولايات المتحدة.

بدأ العلماء الذين يدقون ناقوس الخطر بشأن تغير المناخ، جذبَ انتباه وسائل الإعلام والجمهور. قدم عالم ناسا جيمس هانسن شهادة ونماذج إلى الكونجرس في يونيو من عام 1988، قائلاً إنه "متأكد بنسبة 99%" من أن ظاهرة الاحتباس الحراري كانت قريبة.


الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ

بعد عام واحد، أي في عام 1989، تم إنشاء الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC) في إطار الأمم المتحدة لتقديم رؤية علمية لتغير المناخ وآثاره السياسية والاقتصادية.

مع اكتساب ظاهرة الاحتباس الحراري مصداقية كظاهرة حقيقية، درس الباحثون التداعيات المحتملة لمناخ الاحترار. ومن بين التوقعات تحذيرات من موجات حر شديدة وجفاف وأعاصير أكثر قوة يغذيها ارتفاع درجات حرارة سطح البحر.

وتوقعت دراسات أخرى أنه مع ذوبان الأنهار الجليدية الضخمة في القطبين، يمكن أن ترتفع مستويات سطح البحر بين 11 و38 بوصة (28 إلى 98 سم) بحلول عام 2100، وهو ما يكفي لإغراق العديد من المدن على طول الساحل الشرقي للولايات المتحدة.


حقيقة مزعجة

في العام نفسه، أصدرت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ تقريرها الثالث، قائلة إن الانحباس الحراري العالمي، الذي لم يسبق له مثيل منذ نهاية العصر الجليدي الأخير، "محتمل للغاية"، مع تأثيرات مستقبلية ضارة. وفي عام 2006، ألقى نائب الرئيس السابق والمرشح الرئاسي آل غور بثقله على أخطار الانحباس الحراري العالمي من خلال الظهور الأول لفيلمه "حقيقة مزعجة". فاز آل غور بجائزة نوبل للسلام لعام 2007 عن عمله من أجل تغير المناخ.

بيد أن تسييس تغير المناخ سوف يستمر، حيث يزعم بعض المشككين أن التنبؤات التي قدمتها الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ ونشرت في وسائل الإعلام مثل فيلم آل غور، كانت مبالغاً فيها.


اتفاقية باريس للمناخ.. الولايات المتحدة تدخل ثم تخرج

وقعت الولايات المتحدة، في عهد الرئيس باراك أوباما، على معاهدة تاريخية أخرى بشأن تغير المناخ، وهي اتفاقية باريس للمناخ، في عام 2015. وفي تلك الاتفاقية، تعهدت 197 دولة بتحديد أهداف لخفض غازات "الدفيئة" الخاصة بها والإبلاغ عن التقدم الذي أحرزته.

كان العمود الفقري لاتفاقية باريس للمناخ منع ارتفاع درجة الحرارة العالمية بمقدار درجتين مئويتين (3.6 فهرنهايت). ورأى العديد من الخبراء أن درجتين مئويتين من الاحترار هو حد حرج، وتجاوزه سيؤدي إلى زيادة خطر حدوث موجات حرارة أكثر فتكاً والجفاف والعواصف وارتفاع مستويات البحار.

أدى انتخاب دونالد ترامب في عام 2016 إلى إعلان الولايات المتحدة أنها ستنسحب من معاهدة باريس. وقال الرئيس ترامب، مستشهداً بـ"القيود المرهقة" التي يفرضها الاتفاق، إنه لا يستطيع "بضمير مرتاح دعم صفقة تعاقب الولايات المتحدة".

في العام نفسه، وجدت تحليلات مستقلة أجرتها وكالة ناسا والإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي (NOAA) أن درجات حرارة سطح الأرض في عام 2016 هي الأكثر دفئاً منذ بدء حفظ السجلات الحديثة في عام 1880. وفي أكتوبر 2018، أصدرت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ التابعة للأمم المتحدة تقريراً خلص إلى أن هناك حاجة إلى إجراءات "سريعة وبعيدة المدى" للحد من ظاهرة الاحتباس الحراري عند 1.5 درجة مئوية (2.7 فهرنهايت) وتجنب أخطر العواقب والتي لا رجعة فيها على كوكب الأرض. وفي 20 يناير 2021 وقع الرئيس جو بايدن أمراً تنفيذياً في أول يوم له في منصبه للانضمام إلى الاتفاقية، فانضمت الولايات المتحدة رسمياً إلى معاهدة باريس في 19 فبراير 2021. 


twitter icon threads icon 475