الحديث عن ضم الضفة الغربية: التوقيت والتداعيات

تقديرات

الحديث عن ضم الضفة الغربية: التوقيت والتداعيات

20-Nov-2024

عادت مسألة "ضم الضفة الغربية" إلى واجهة الأحداث المرتبطة بالصراع الإسرائيلي الفلسطيني والحرب في غزة. وقد رأى كثير من المراقبين أن هذه الخطوة والإجراءات المتوقعة من قبل إسرائيل ستؤدي إلى زيادة التوتر والتصعيد وتَعُوق جهود التهدئة التي تبذلها القوى الإقليمية والدولية لإنهاء الحرب في قطاع غزة.

لقد توالت تصريحات المسؤولين الإسرائيليين المطالبين بضم الضفة الغربية وفرض السيادة الإسرائيلية، عليها حيث أمر وزير المالية الإسرائيلي اليميني المتطرف، بتسلئيل سموتريتش، بتاريخ 12 نوفمبر بالتحضير لضم المستوطنات في الضفة الغربية، وقال: إنه أصدر تعليماته لوزارته بإعداد البنية التحتية اللازمة لتطبيق السيادة. كما نقلت وسائل إعلام إسرائيلية بتاريخ 13 نوفمبر عن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أنه يعتزم الدفع باتجاه ضم الضفة الغربية عندما يتولى الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب منصبه.

زاد الحديث الإسرائيلي عن ضم الضفة الغربية بشكل واضح عام 2017، حيث بدأ المسؤولون في حكومة نتنياهو آنذاك مناقشة خطط الضم أحادي الجانب للمنطقة. وفي ديسمبر من ذلك العام، أقر حزب الليكود الحاكم بزعامة نتنياهو قراراً يوجه مشرعيه بمتابعة الضم الكامل للضفة الغربية، ثم في الفترة التي سبقت انتخابات إسرائيل عام 2019 وظهور "صفقة القرن" للرئيس الأمريكي آنذاك دونالد ترامب، والتي نصت على ضم إسرائيلي جزئي للضفة الغربية. وقد أعلن نتنياهو في مقابلات إعلامية أنه سيعمل على تعزيز التطبيق "التدريجي" للسيادة الإسرائيلية على المنطقة وقال إنه ناقش "الضم بالموافقة" -موافقة الولايات المتحدة- مع إدارة ترامب.

في عام 2020، خطط نتنياهو "لضم" المستوطنات اليهودية غير القانونية في الضفة الغربية وغور الأردن، استناداً إلى ما يسمى خطة السلام في الشرق الأوسط التي أعلنها ترامب في يناير من العام نفسه، وتشكل الأراضي التي خطط نتنياهو لضمها في ذلك الوقت نحو 30% من مساحة الضفة الغربية، لكن خطته لم تُطلق تحت ضغوط دولية وغياب موافقة أمريكية.

وسائل الإعلام الإسرائيلية كشفت أن خطة الضم كانت جاهزة للتنفيذ عام 2020، وفي إطار صفقة القرن التي وضعها ترامب تمت صياغة أنظمة وأوامر حول هذا المخطط وقام بإعداد الخرائط والتعليمات واللوائح وحتى صياغة القرار الحكومي النهائي.

في يونيو 2023، اتخذ مجلس الوزراء الإسرائيلي خطوة أخرى نحو ضم الضفة الغربية وتتضمن بندين:

أولاً، يُمنح وزير المالية سموتريتش، مسؤولية التخطيط للبناء في المستوطنات، وهو امتياز كان من اختصاص وزير الدفاع في السابق.

ثانياً، عملية تطوير مبسطة. فبينما كانت هناك ست مراحل مطلوبة قبل الموافقة النهائية على المشروعات، لم يعد هناك الآن سوى مرحلتين: سيعطي سموتريتش الضوء الأخضر الأولي ثم تتم مراجعة الاقتراح من قبل لجنة تخطيط، ولن تشارك أي هيئات سياسية أو عسكرية أخرى.

تتمحور الخطة حول نقل السلطات الإدارية في الضفة الغربية من الجيش الإسرائيلي إلى السلطات المدنية للحكومة الإسرائيلية. وقتها قال سموتريتش إنه أشرف على إنشاء هيئة إدارية كاملة مرتبطة مباشرة بالحكومة وإن أعضاء هذه الهيئة مدمجون بالفعل في الإدارة المدنية للجيش الإسرائيلي.

وفقاً لهذه الخطة أيضاً ستقوم إسرائيل بضم ثلاث مناطق رئيسية هي منطقة الأغوار ومنطقة العزل الواقعة عند جدار الفصل والمستوطنات الواقعة بين غرب الضفة وشرقها بالإضافة إلى ضم تجمع معالي أدوميم، الفاصل بين رام الله وسلفيت ويمتد حتى البحر الميت، وتجمع غوش عتصيون الفاصل بين الخليل وبيت لحم، لكن الخطة الإسرائيلية تتضمن فرض السيادة على مناطق كبيرة من الضفة وليس كلها، وتشكل المنطقة «ج» ثلثي مساحة الضفة الغربية، بما في ذلك منطقة الأغوار التي تضم العديد من المستوطنات وتبلغ مساحتها 28% من مساحة الضفة.

منذ فوز اليمين المتطرف في آخر انتخابات إسرائيلية، فإن الظروف السياسية داخل إسرائيل باتت مساعدة لإعلان خطة ضم الضفة الغربية دون أن يكون هناك تردد أو عرقلة من أطراف إسرائيلية أخرى، كما أن التغير الحاصل فيما يتعلق بالأوضاع داخل الأراضي الفلسطينية بات يساعد وفقاً لوجهة النظر الإسرائيلية، حيث ترى تل أبيب أنه لا توجد فرصة مناسبة أكثر من ذلك للقيام بهذه الخطوة، إذ تجري عمليات عسكرية في قطاع غزة وسط تفوق عسكري إسرائيلي على حركة حماس وتأييد غربي لموقف إسرائيل، بالتالي فإن أي تحركات من قبل الأطراف الفلسطينية ضد هذه الخطوة يمكن ربطها من قبل إسرائيل بحركة حماس، كما أن القوى الإقليمية والدولية لن تكون مهتمة كثيراً بهذه الخطوات والإجراءات على الأرض في ظل تخوفها من امتداد الحرب في غزة إلى دول أخرى في المنطقة.

يرى مراقبون أن الأوساط الإسرائيلية وخاصة المتطرفة دفعت باتجاه تطبيق هذه الخطة، بهدف عرقلة الجهود الإقليمية والدولية الساعية لإنهاء الحرب وحل القضية الفلسطينية على أساس حل الدولتين، وهذا ما ترفضه القوى الإسرائيلية وبالتالي فإن خطة ضم الضفة الغربية تتعارض مع هذه الجهود الإقليمية والدولية، ووُصفت بأنها رصاصة قاتلة لهذه الجهود وخاصة فيما يتعلق بما يسمى حل الدولتين.

ومن الظروف المساعدة والتي شجعت المسؤولين الإسرائيليين، عودة ترامب إلى البيت الأبيض، خاصة أن خطة ضم الضفة الغربية تسارعت خلال الأيام الأخيرة من ولاية ترامب الماضية، بالتالي فإن تل أبيب تطمح إلى أن ترامب سيكون من الداعمين لهذه الخطة وسيقدم الدعم السياسي والمالي لتنفيذها.

لقد أظهرت التصريحات الإسرائيلية حجم التعويل على عودة ترامب لتطبيق هذه الخطة، في هذا السياق، قال سموتريتش أمام الكنيست إن فوز ترامب في الانتخابات الأمريكية "يجلب فرصة مهمة لدولة إسرائيل"، وأضاف: في ولايته الأولى، قاد الرئيس ترامب خطوات دراماتيكية، بما في ذلك تأكيد شرعية المستوطنات في يهودا والسامرة. وإلى جانب ذلك، كانت هناك اتفاقيات إبراهيم، "السلام مقابل السلام".

من المتوقع بأن تسهم الخطة في حال تطبيقها بحدوث تغيير كبير في الطريقة التي يتم بها التعامل مع الضفة الغربية في النظام الإسرائيلي، حيث ستكون تحت السيطرة المدنية للحكومة الإسرائيلية، مما يسهل بناء المستوطنات وتوسيعها بطريقة تجعل المنطقة (ج) امتداداً مباشراً لإسرائيل.

وتحكم السلطة الفلسطينية اليوم المنطقة (أ) في الضفة الغربية وتشارك الحكم في المنطقة (ب) مع إسرائيل، فيما تسيطر إسرائيل على المنطقة (ج) وكان يفترض أن يكون هذا الإجراء مؤقتاً عند توقيع اتفاق أوسلو بداية التسعينات، حتى إقامة الدولة الفلسطينية خلال 5 سنوات، لكن تحوّل الوضع إلى دائم.

سيترتب على ذلك تقسيم الضفة إلى أكثر من 200 منطقة على شكل جزر ما يصعب قيام دولة فلسطينية متواصلة، وإن أراد الفلسطيني التنقل من مكان إلى آخر سيضطر إلى المرور من بوابات يسيطر عليها الجيش الإسرائيلي، وهذا ما يحدث بعد وضع حواجز إسرائيلية على مداخل المدن الفلسطينية..

إن عملية ضم الضفة الغربية تشكل لحظة حاسمة في السياسة الإسرائيلية وصراعاً أعمق بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وهي تتوافق مع رغبات العناصر الأكثر يمينية متطرفة في إسرائيل، والأخطار أعلى بكثير، بما في ذلك تآكل آمال السلام التي تسعى القوى الإقليمية والدولية للدفع بها، بالإضافة إلى زيادة مستوى الكراهية والعداء لدى الأطراف الفلسطينية وتعقيد العلاقات مع الحلفاء الدوليين الأساسيين.

علاوة على ذلك، لن تقتصر تداعيات الضم على الأخطار القانونية والدبلوماسية فحسب، بل ستمتد إلى توتر الوضع الإقليمي، كما أن سلطة الفلسطينيين، التي تقوضها الانقسامات في الداخل والضغوط من الخارج، قد تفقد بسهولة النفوذ الضئيل الذي تبقى لها إذا ضمت إسرائيل من جانب واحد جزءاً من الضفة الغربية. عليه من المؤكد أن هذا الوضع سيتسبب في موجة جديدة من التوتر بين الفلسطينيين، ويولد موجات جديدة من العنف، مما يجعل الحوار أو المصالحة مستحيلاً (مودرن دبلوماسي – 12 نوفمبر 2024).

كما أن هذه القضية الحساسة والمهمة لا يمكن معرفة كيف سيكون صداها في الداخل الإسرائيلي، خاصة أن الأوساط الفلسطينية لديها اختلافات في الرأي بشأن الاستيطان والضم، كما أن هذه الأوساط يمكن أن تكون قلقة أكثر بشأن تأثير هذه الخطوة على أمن إسرائيل.

رغم الحديث الإسرائيلي والتعويل على الإدارة الأمريكية المقبلة في ضم الضفة، فإنه من المتوقع أن تدفع إدارة ترامب إسرائيل خلال الفترة الأولى للتراجع عن هذه الخطوة في هذه المرحلة، لأنها يمكن أن تعرقل جهود إنهاء الحرب وإكمال مسار اتفاقيات السلام في المنطقة، والتي من الممكن أنه سيعود لطرحها خلال الأشهر الأولى من حكمه، بالتالي لن يخاطر ترامب بإغضاب الدول العربية والإسلامية التي يتطلع إلى إقامة تعاون معها فيما يخص أزمات الشرق الأوسط والعالم.

لكن وفي حال تم تطبيق هذه الخطة فإن ذلك يحمل أخطاراً عديدة، أبرزها إمكانية تمدد الحرب إلى الأراضي الفلسطينية الأخرى خارج قطاع غزة، وبالتالي سيكون ذلك دعماً غير مباشر لحركة حماس من خلال تشجيع الفلسطينيين الآخرين على الانضمام إلى الحرب ضد إسرائيل.

لقد شهدت الضفة الغربية تصعيداً كبيراً آخر في أعمال العنف، حيث قُتل أكثر من 700 فلسطيني على يد القوات الإسرائيلية منذ بدء الحرب، وفقاً لوزارة الصحة الفلسطينية. تأتي هذه الهجمات في ظل تصاعد عنف المستوطنين الإسرائيليين في مختلف أنحاء الضفة الغربية والقدس الشرقية، كما أن ذلك يمكن أن يؤدي إلى انعكاسات على الأمن الإقليمي والدولي من خلال زيادة التوتر والعداء والكراهية. 

113