
تواجه حركة حماس ضغوطا كثيفة بعد استئناف إسرائيل ضرباتها العسكرية الأخيرة في قطاع غزة ، بحسب محللين يرون إن هامش المناورة يتقلص أمامها.
ورغم الدعوات الدولية لخفض التصعيد، فقد أكدت حكومة بنيامين نتانياهو، بدعم من واشنطن، أن استئناف العمليات العسكرية "ضروري" لضمان إطلاق سراح الرهائن.
حماس أمام خيار مر
يبدو أن حماس، التي تعرضت قيادتها وخاصة جناحها العسكري، لضربات قاصمة منذ بداية الحرب التي اندلعت في السابع من أكتوبر 2023، تجد نفسها أمام خيار مرّ: الامتثال لمطالب إسرائيل وخسارة آخر ورقة رابحة لديها بإعادة حوالي ستين رهينة (أحياء أو أموات) ما زالوا في غزة، أو الموافقة على الانجرار إلى حرب شاملة مع خطر إطالة أمد المعاناة الهائلة للفلسطينيين في غزة.
ويرى المحلل السياسي الفلسطيني الوزير سابقا غسان الخطيب أن "مساحة المناورة المتاحة للحركة تتضاءل". وأشار “إذا تم إطلاق سراح الرهائن تحت ضغط الهجمات الإسرائيلية، فلن يكون لدى حماس أي ضمانات بعد الآن".
وتعد الضربات انتكاسة كبرى للهدنة التي بدأت 19 يناير بعد 15 شهرا من اندلاع الحرب عقب هجوم حماس على إسرائيل في السابع من أكتوبر 2023. وتأتي الغارات التي أثارت مواقف دولية منددة، في ظل تعثّر المفاوضات بشأن المراحل التالية من الهدنة وتباين المواقف بين الطرفين.
انتحار جماعي
تقول ليلى سورا، الخبيرة في شؤون حماس في المركز العربي للأبحاث والدراسات السياسية في باريس، إن "الاستراتيجيتين الأميركية والإسرائيلية، بالعمل معا تتمثلان في إجبار حماس على الانحناء"، لكن هذا لم ينجح، وترى أن "حماس تعتمد على الوسطاء، من الخارج، وعلى الانقسامات داخل إسرائيل" لوقف الضربات.
ويشير مايكل ميلشتاين، الخبير في الشؤون الفلسطينية من مركز موشيه ديان بجامعة تل أبيب، أن المسؤولين في حماس في هذه الظروف "لن يطلقوا سراح الرهائن، ويفضلون الانتحار الجماعي مع كل سكان غزة".
ويضيف "الكثير من الإسرائيليين خاصة بين صناع القرار لا يفهمون هذا الأمر حقا"، موضحا أن الحركة تعتبر مقتل قادتها "ثمنا معقولا تدفعه" في قتالها.
ويشير الخطيب الى أنه "على المستوى الدبلوماسي، يجب على الأطراف المشاركة في العملية السياسية أن تدرس استراتيجية خروج لحماس". ويرى الخطيب أن أحد الاحتمالات قد يكون إلزام "القياديين والمقاتلين" في حماس بمغادرة غزة، على غرار ما جرى مع مقاتلي منظمة التحرير في لبنان عقب الاجتياح الإسرائيلي عام 1982.
مساعي ترامب تصطدم بالواقع
في السياق يبدو أن مساعي دونالد ترامب لتحقيق السلام تصطدم بالواقع، فقد بدأ ولايته الثانية متعهّدا بأن يكون صانع السلام، لكن بعد شهرين على توليه منصب الرئاسة، أطلقت إسرائيل عملية عسكرية جديدة في غزة بينما تقصف القوات الأميركية اليمن فيما تتواصل الهجمات المتبادلة بين روسيا وأوكرانيا رغم وساطته.
وفي 20 يناير، قال ترامب "سيكون الإرث الذي أعتز به أكثر من أي أمر آخر هو كصانع للسلام وموحِّد". وأشار حينذاك إلى اتفاق طرحه الرئيس السابق جو بايدن وضغط ستيف ويتكوف، مبعوث ترامب، من أجل التوقيع عليه وينص على وقف العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة مقابل إطلاق سراح بعض الرهائن المحتجزين لدى حماس التي هاجمت إسرائيل في السابع من أكتوبر 2023.
لكن إسرائيل استأنفت خلال الأيام الأخيرة الضربات الجوية، ما أسفر عن مقتل مئات الفلسطينيين، بحسب وزارة الصحة في غزة، كما استأنفت عملياتها البريّة.
ويرى الباحث في مجموعة الأزمات الدولية، والمسؤول السابق في وزارة الخارجية الأميركية، بريان فينوكين أن توصيف ترامب لنفسه على أنه صانع للسلام انطوى دائما على مبالغة، مشيرا إلى نهجه المتقلّب.
يضيف فينوكين بأن ترامب يحب أن يدعي الانتصارات ويسعى لنيل جائزة نوبل للسلام التي يعتبرها "واحدة من أعظم الإنجازات في حياة أي شخص". يشير الباحث إلى أن الرئيس الأميركي "نسب بكل سعادة الفضل لنفسه في وقف إطلاق النار في غزة في يناير، لكنه لم يرغب في الضغط على الإسرائيليين للانتقال إلى المرحلة الثانية" للهدنة.
لقد أجرى مبعوث آخر لترامب أول محادثات مباشرة على الإطلاق بين الولايات المتحدة وحماس، وهي خطوة لم تكن مطروحة خلال الإدارات السابقة. لكن ترامب دعا الوقت نفسه إلى إخراج سكان غزة البالغ عددهم مليوني نسمة من القطاع من أجل إعادة إعماره.
وقال فينوكين إن "لا شيء من هذا متسّق إلى حد كبير، لكنه أيضا ليس مفاجئا جدا". وأشار إلى ولاية ترامب الأولى عندما هدد بتدمير كوريا الشمالية قبل أن يعقد عدة قمم غير مسبوقة مع زعيمها كيم جونغ أون ويقول إنهما "وقعا في حب بعضهما بعضا".
الأولوية للسلام.. إن أمكن
وصف مستشارو ترامب سلوكه العدائي بأنه جزء من استراتيجية يتبعها في سعيه للوصول إلى الهدف المنشود المتمثّل بتحقيق السلام. وقال وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو في مقابلة إذاعية "كان واضحا جدا. إنه رئيس ويريد دعم السلام".
تقول مديرة قسم التحليلات العسكرية لدى مركز "ديفينس بريورتيز" جينيفر كافانوغ إن هناك ما يدعو إلى التفاؤل إزاء دبلوماسية ترامب في أوكرانيا، لكن بوتين متفوق ميدانيا ولن يقدم تنازلات بسهولة.
وتضيف بأن ترامب لم يقدّم أي تنازلات لبوتين على ما يبدو رغم الانتقادات الخارجية لعلاقاته مع الرئيس الروسي والإهانات التي وجهها في وقت سابق لزيلينسكي وأثارت قلق الحلفاء الأوروبيين.
وتؤكد "بالنسبة إلي، كانت تلك خطوة إيجابية إلى الأمام مهّدت الطريق لبناء الثقة بين أوكرانيا وروسيا وبين ترامب والحلفاء الأوروبيين الذين يشعرون بقلق بالغ حيال أسلوبه في التفاوض".
واقع مر
تلفت كافانوغ إلى أن الوقت لم يحن بعد "للتخلي عن الأمل" بنجاح ترامب في تحقيق السلام. وتقول "أعتقد بأن ما رأيناه هو أن الوعود تصطدم بالواقع المر بشأن مدى صعوبة تحقيق السلام في هذه النزاعات الصعبة للغاية والمستعصية".
ويبدي سينا توسي من "مركز السياسة الدولية" تفاؤلا أقل، ويرى أنه بالمقارنة مع ولايته الأولى، فإن مستشاري ترامب على غرار روبيو هم مجرّد شخصيات "موالية له أكثر من كونهم قوى فاعلة مستقلة"، ما يعطي الرئيس حرية أكبر بما في ذلك لاتباع سياسة حافة الهاوية.
يضيف "بالنسبة لترامب، لا ترتبط السياسة الخارجية باتفاقيات سلام يتم التفاوض عليها. يتعلق الأمر بالأداء والتأثير وصياغة سردية جاذبة". ويتابع توسي مشيرا إلى تاريخ ترامب كمستثمر في تطوير الفنادق، أنه "يتعامل مع الدبلوماسية بالطريقة ذاتها التي تعامل من خلالها مع العقارات في (كتابه) +فنّ الصفقة+: يصعّد التوتر ويكثّف التهديدات إلى أقصى حد ويدفع بالوضع إلى حافة الكارثة ليتوصل إلى صفقة في اللحظة الأخيرة".