مقالات تحليلية

كرتي رئيس للتيار الإسلامي في السودان..الدلالات والتوقيت

18-Sep-2024

 طرح انتخاب المجلس الرئاسي للتيار الإسلامي العريض، الأمين العام للحركة الإسلامية علي كرتي رئيساً للائتلاف في اجتماع عُقد بكامل عضويته في السودان الكثير من التساؤلات والاستفهامات، ما هو هذا التيار؟ ولماذا تم اختيار كرتي رئيساً؟ وكيف يُفهم الحدث في سياق ظروف الحرب التي تقودها الحركة الإسلامية في السودان؟

 

أبرز الكيانات في التيار

تأسس تحالف التيار الإسلامي العريض في إبريل 2022، وأبرز القوى المكونة له هي: الحركة الإسلامية (جناح المؤتمر الوطني)، منبر السلام العادل، حركة الإصلاح الآن، فصيلان من جماعة الإخوان المسلمين، حزب دولة القانون والتنمية الذي يقوده الداعية محمد علي الجزولي، تحالف العدالة القومي برئاسة أمين بناني نيو، إلى جانب تيار النهضة تحت قيادة محمد مجذوب، ومبادرة وحدة الصف، وهو تيار إسلامي اختار الوقوف على الحياد عندما انقسمت الحركة الإسلامية عام 1999.

ويهدف التيار الإسلامي العريض إلى تعزيز الأيديولوجية الإسلامية والعمل على تطبيق الشريعة في الحياة العامة. يقول الناطق الرسمي للتيار حسن عبد الحميد لموقع "سودان تربيون" الإلكتروني: إن هيكل التيار الإسلامي يتكون من أمانة عامة ومجلس رئاسي يجتمع كل ثلاثة أشهر لاختيار رئيس لتحالف التيار الإسلامي العريض بشكل دوري، وتنص اللوائح على أن تتم رئاسة التحالف بالتناوب بين التنظيمات الـ 11 المكونة له، بينما جرى العرف بأن يكون الرئيس المختار هو الزعيم الأول في حزبه، وهو ما حدث عند انتخاب كرتي. ويضيف أن موقف التحالف منذ اندلاع الحرب في إبريل 2023 هو دعم الجيش ضد قوات الدعم السريع التي "أرادت ابتلاع الدولة السودانية" حسب تعبيره.

 

كرتي أمين الحركة الإسلامية

علي كرتي هو أمين الحركة الإسلامية السودانية، وقد شغل منصب وزير الخارجية في عهد النظام السابق بقيادة عمر البشير، وبعد الإطاحة بالبشير في إبريل 2019 والانتقال نحو مرحلة جديدة، شهد السودان تغييرات سياسية كبيرة وتراجعاً في نفوذ العديد من الشخصيات السياسية، بمن فيهم كرتي نفسه الذي تجنب الظهور العلني أو الأنشطة السياسية نتيجةً للضغوط الشعبية والسياسية، ولخوفه من المساءلة من قبل لجان المحاسبة التي شكلتها حكومة الثورة والتي تولى قياداتها الدكتور عبد الله حمدوك.

وقتها نشرت لجنة إزالة التمكين واسترداد الأموال المنهوبة قوائمَ للمتهمين في قضايا الفساد، ومنهم علي كرتي الذي حاز بحسب اللجنة 99 قطعة أرض سكنية في مواقع مختلفة بالعاصمة الخرطوم، دون وجه حق.

تركيز كرتي على العمل الخلفي والباطني والعمل السري يعود أيضاً لمسؤوليته في التنظيم العسكري الإخواني داخل القوات المسلحة السودانية، فلقد كلف الدكتور حسن الترابي عراب الحركة الإسلامية كرتي وآخرين بالإشراف على الضباط الإسلاميين داخل الجيش وتنظيم خلاياهم واستقطاب وإدخال عناصر جديدة، وتفرغ كرتي للعمل العسكري من خلال تكليفه منسقاً للدفاع الشعبي (وهي قوة شبه عسكرية أسسها النظام السابق وتعد مسؤولة عن تأجيج الحرب الدينية في الجنوب)، وبعد سقوط البشير تولى كرتي مسؤولية التنظيم وحاول إسقاط حكومة حمدوك وكانت آخر محاولاته للسيطرة على الحكم هي إشعال الحرب الحالية.

ووفقاً لبيان صحفي صادر عن التيار الإسلامي العريض في 10 سبتمبر، قبل علي كرتي التكليف، وشكر المجلس على ثقته، وتعهد بتنفيذ برنامج طموح يسهم في نقلة نوعية للتيار على الصعد كافة. وفي الأثناء تحفظ الناطق الرسمي للتحالف عبد الحميد عن ذكر الطريقة التي تم بها الاجتماع ومكان انعقاده، لكنه أكد أن التيار يمارس نشاطه من داخل السودان.

 

دلالات التوقيت

 يواجه الأمين العام للحركة الإسلامية تحديات عدة، ففي سبتمبر 2023 فرضت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات عليه بصفته "أحد معرقلي حل النزاع الدائر في السودان".

علاوة على ذلك يواجه صراعاً مكتوماً داخل الحركة الإسلامية وحزب المؤتمر الوطني "المحلول"، وهو نزاع تفجر حول قيادة الحزب والحركة في شهر أغسطس الماضي بإعلان القيادي في الحزب الدكتور إبراهيم محمود أمانة جديدة للمؤتمر الوطني في تجاوز واضح لرئيس الحزب أحمد هارون وكرتي نفسه وهو أمين الحركة الإسلامية.

لقد أكد الإجراء الذي اتخذه محمود صحة الخلافات داخل الحزب حيث يمثل بحسب مقربين مجموعة يتزعمها الدكتور نافع علي نافع القيادي في "الإسلامي"، فيما يمثل كرتي وهارون مجموعة علي عثمان، أكبر شخصية إسلامية بعد وفاة الدكتور حسن الترابي.

هذه التحديات، خاصة الانقسام الذي بدا واضحاً بين الإسلاميين الداعمين للحرب في السودان أضعفت موقف كرتي وجعلته يحرك المجموعات المتحالفة معه لإيجاد نقاط قوة جديدة تعيد له توازنه من جديد ليواصل العمل العسكري لتحقيق أهدافه، ومن بين هذه التحالفات التيار الإسلامي العريض الذي وُجد معظم قياداته في ولايتي نهر النيل والشمالية مناطق نفوذ كرتي.

في السياق، تنص اللوائح على أن تتم رئاسة التحالف بالتناوب بين التنظيمات الـ 11 المكونة له، وجرى العرف بأن يكون الرئيس المختار هو الزعيم الأول في حزبه، وهو ما حدث عند انتخاب كرتي، ولكن من الواضح أن الرجل هو الذي يتحكم في التحالف الذي لم يهتم باختيار رئيس جديد أو عقد اجتماع منذ بداية الحرب، كذلك لولا الاطمئنان والثقة بين كرتي وقيادات التيار الإسلامي العريض لما تواصل معهم بحكم اختفائه وحذره الشديد، خاصة أنه المتهم الأول بإشعال الحرب في السودان.

 

سيطرة مؤيدي الحرب

يُعد إعلان علي كرتي رئيساً للتيار الإسلامي العريض، بعد مرور عام ونصف على الحرب، خطوة تهدف إلى تمكين مؤيدي الحرب من السيطرة على جميع التيارات الإسلامية عدا حزب المؤتمر الشعبي بقيادة الدكتور علي الحاج محمد، خاصة أن الكيانات المكونة للتيار الإسلامي تلتقي في تبنيها للموقف المعادي لقوى الثورة السودانية التي أسقطت نظام البشير وظلت تعمل على تدمير الفترة الانتقالية، وكادت تنجح في مسعاها بعد الانقلاب الذي أطاح بحكومة حمدوك في 25 أكتوبر 2022، وقد تصدت له قوى الثورة بالاحتجاجات الشعبية وحاصرته الضغوط الدولية ورفضت كل المؤسسات الدولية الاعتراف به، نتيجة لذلك تراجعت القوى المنفذة للانقلاب لتدشن عملية سياسية جديدة أسفرت عن توقيع القوى السياسية الرئيسة وقيادتي الجيش والدعم السريع، الاتفاق الإطاري، في 5 ديسمبر 2022، الذي ينص على خروج المؤسسة العسكرية من العمل السياسي، وكان من المفترض أن يتطور إلى اتفاق نهائي يتضمن تفاصيل حول العدالة الانتقالية، والإصلاح الأمني والعسكري، وإزالة التمكين، وقضايا السلام وشرق السودان، لكن توحدت المجموعتان في رفض الاتفاق الإطاري.

وفي هذا الإطار ضغط الإسلاميون في الجيش على البرهان في اتجاه اشتراط دمج الدعم السريع في الجيش، في مدى زمني قصير، لقبول التوقيع على الاتفاق، وبرزت، بقوة، خلافات البرهان وحميدتي الذي أعلن انحيازه للاتفاق الإطاري.

لقد استطاع التيار الإسلامي العريض تأليب قيادة الجيش على الدعم السريع ونسق مع الاستخبارات العسكرية لقيادة المعركة، وهناك العديد من الشواهد على ذلك منها الإفطارات الرمضانية التي نظمها التيار الإسلامي العريض قبل الحرب وهدد فيها بعدم سماحه بالتوقيع على الاتفاق الإطاري، هذا بالإضافة إلى المشاركة الواسعة لعناصره في القتال إلى جانب الجيش في الحرب، وظهور قياداته ذاتها التي هددت بالحرب مثل الناجي عبدالله، والناجي مصطفى، وبالتالي يؤكد انتخاب كرتي رئيساً للتيار الإسلامي العريض سيطرة التيار الإسلامي الانقلابي العنيف على حكومة الأمر الواقع في السودان، وتحكمه في مفاصلها، ويضعف انخراط الجيش في أي مفاوضات قادمة.

لقد أثار انتخاب كرتي ردود أفعال من الدعم السريع، ففي تغريدة له عبر منصة "إكس"، وصف الناطق باسم الدعم السريع (إسلامي منشق) الباشا طبيق، انتخاب كرتي بأنه محاولة غير ناجحة لتوحيد الحركة الإسلامية، مشيراً إلى أن تيار كرتي كان له دور بارز في إشعال النزاع الذي اندلع في 15 إبريل. طبيق أوضح أن هذا التيار يسيطر على قيادة الجيش من منظور قبلي وجغرافي بعيداً عن المبادئ الأساسية للحركة الإسلامية، وأكد أن الوضع الحالي يتطلب تفكيراً عميقاً وإستراتيجية جديدة للخروج من الأزمة، محذراً من أن استمرار هذه السياسات قد يؤدي إلى مزيد من الفوضى والدمار في البلاد. ودعا إلى البحث عن حلول سلمية تضمن استقرار السودان وتجنبه مزيداً من التصعيد.

 

خلاصات:

رغم أن انتخابات كرتي رئيساً للتيار الإسلامي العريض عُدَّ مصدر قوة جديد للرجل يُعيده للواجهة، يرى بعض المراقبين أن ذلك تحصيل حاصل، لأن التيار الإسلامي في الأصل يقع تحت سيطرة الحركة الإسلامية. وبحسب تصريح رئيس تحرير صحيفة التيار عثمان ميرغني لموقع "أفريكان مترس"، تم تأسيس التيار لمواجهة قوى الحرية والتغيير واستقطاب الشعب السوداني لمناهضة البعثة الأممية بقيادة فولكر بيرتس. يرى ميرغني أن التحالف به العديد من اللافتات غالبها رمزي، حيث تمتلك الحركة الإسلامية التأثير الأكبر فيه.

لقد كشف بيان التيار الإسلامي العريض الصادر في 9 سبتمبر أن اجتماعه ناقش مجريات الأوضاع بالبلاد، وتداعيات الحرب التي شنتها قوات الدعم السريع وداعموها من القوى السياسية الداخلية، حيث قدم رئيس التيار الإسلامي العريض، عمر الأمين الحسين، تقريراً عن العمل داخل التيار، وأداء هياكله المُختلفة في الفترة الماضية. ثم تداول المجلس حول إجراءات انتخاب الرئيس الجديد للتيار الإسلامي العريض خلفاً للرئيس المنتهية ولايته، وقد تم انتخاب أحمد كرتي رئيساً للتيار في دورته الثامنة. هذا البيان أكد بما لا يدع مجالاً للشك أن الاجتماع تم تحت مرأى ومسمع السلطات التي أتاحت له الفرصة كاملة للانعقاد.

خلاصة الأمر، سيؤثر اختيار علي كرتي رئيساً للتيار الإسلامي العريض سلباً في جهود إحلال السلام في السودان بحكم ارتباطه الوثيقة بالبشير وقيادات الإسلاميين المطلوبين لدى المحكمة الجنائية (عبد الرحيم محمد حسن، أحمد محمد هرون)، هذا بالإضافة إلى ولوغه في الفساد قبل وبعد الحرب، ولذلك تأتي محاولته ضخ الدماء في شرايين التيار الإسلامي العريض من أجل التمسك بخياره الوحيد وهو الاستماتة في الحرب مهما كانت تحدياتُها جساماً وتكاليفها ضخمةً لأنها الطريق الوحيد بالنسبة له للبقاء. 

689