مقالات تحليلية

دولة بلا حماس.. تحليل الرؤى المحلية والدولية

07-Oct-2025

تصاعدت موجة الاعترافات الدولية بدولة فلسطين، ومثلما عكست هذه الاعترافات تحولاً في الموقف الدولي لجهة وضع أسس تسوية الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، وتكريس مبدأ "حل الدولتين" والتأكيد على حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة، فإنها أنتجت اشتراطاً بألا تكون "حماس" جزءاً من الدولة الفلسطينية، بل ساوت بينها وبين إسرائيل في تعميق الصراع في فلسطين وتفاقمه على خلفية هجوم "طوفان الأقصى" في السابع من أكتوبر 2023. وقد تأسس الموقفان المحلي والدولي على شرط إنهاء سيطرة "حماس" على غزة ومغادرتها المشهد السياسي ضمن استحقاقات "اليوم التالي" بعد حرب غزة.


ادعاءات "حماس":

مع موجة الاعترافات الدولية بدولة فلسطين أخيراً، حاولت "حماس" أن تُنسب لنفسها الفضل عبر الترويج لفكرة أن الاعترافات الدولية ما كانت لتتحقق لولا عملية "طوفان الأقصى" والهجوم الذي نفذّته "كتائب القسام" على مستوطنات غلاف غزة في السابع من أكتوبر 2023. ويقول أسامة حمدان، القيادي في "حماس": إن "الاعترافات الدولية بدولة فلسطين هي نتاج حصيلة مقاومة الشعب الفلسطيني، وخصوصاً في (طوفان الأقصى)" (وكالة وطن للأنباء، 24 سبتمبر 2025).

ويتجنى غازي حمد، القيادي في "حماس"، على الحقيقة حين يدّعي بأنَّ "سلاح المقاومة هو الذي جاء بالاعتراف العالمي بالدولة الفلسطينية، وفتح عيون العالم على القضية الفلسطينية وعرّى إسرائيل أمام العالم، وقبل 7 أكتوبر لم يبحث العالم عن القضية الفلسطينية" (غازي حمد وقلب التاريخ، وكالة معا الإخبارية، 5 أغسطس 2025)، في تنكرٍ واضح وصريح للاعترافات الدولية المتلاحقة بفلسطين منذ إعلان منظمة التحرير قيام دولة فلسطين في 15 نوفمبر 1988، الذي أيّدته 83 دولة، في حين لم تكن "حماس" قد تأسست إلا قبل عام واحد من هذا التاريخ. وامتدّت الاعترافات الدولية إلى 139 دولة قبل عملية "طوفان الأقصى"، كان ضمنها ترقية مكانة فلسطين إلى "دولة مراقب غير عضو" في الأمم المتحدة في عام 2012.

وحول هذه الحقائق، يقول أشرف أبو الهول، الكاتب الصحفي بالأهرام المصرية: "إن الواقع على الأرض وعبر التاريخ يكذّب ادعاءات (حماس)، فاعتراف دول العالم بمبدأ حل الدولتين لم يكن تأييداً لهجوم (حماس) كما يتصور أنصارها، بل تأسّس على التعاطف مع الفلسطينيين الذين تعرضوا لعدوان همجي إسرائيلي عقاباً على جريمة لم يرتكبوها" (جريدة الأهرام المصرية، 25 سبتمبر 2025).


الاشتراطات الدولية والإقليمية:

تضمنت المؤتمرات والمبادرات الدولية وخطابات رؤساء  الدول، خاصة في الدورة الثمانين للجمعية العامة للأمم المتحدة، نصوصاً صريحة وواضحة بشأن إنهاء حكم "حماس" في غزة.

فقد دعت الدول المشاركة في "المؤتمر الدولي بشأن التسوية السياسية لقضية فلسطين وتنفيذ حل الدولتين" المنعقد في نيويورك في الفترة 28- 30 يوليو 2025، إلى "إنهاء حكم (حماس) في غزة وتسليم أسلحتها إلى السلطة الفلسطينية، بدعم وانخراط دوليين، اتساقاً مع هدف إقامة دولة فلسطينية مستقلة وذات سيادة" (الشرق للأخبار، 30 يوليو 2023)، وهي نفس المعاني التي أكدّ عليها البيان السعودي- الفرنسي في النسخة الثانية من المؤتمر في 22 سبتمبر 2025 (جريدة المدينة، 23 سبتمبر 2025)، وأيّدتها جامعة الدول العربية فيما بعد (الغد الفضائية، 12 سبتمبر 2025).

وفي السياق، تضمنت خطابات رؤساء الدول والمسؤولين الأمميين أمام الدورة الثمانين للجمعية العامة للأمم المتحدة، دعوات صريحة لوقف إطلاق النار وإنهاء حرب غزة، وتنفيذ "حل الدولتين"، وتمكين السلطة الفلسطينية، ما يعني ضمناً رفض استمرار سيطرة "حماس" على غزة.

وتأكيداً على الموقف نفسه، نصّت وثيقة "خطة الرئيس دونالد ترامب الشاملة لإنهاء الصراع في غزة" في 29   سبتمبر 2025، على "عدم مشاركة (حماس) في حكم غزة" إلى جانب 20 بنداً تتعلق بوقف إطلاق النار وإنهاء الحرب في القطاع وتسليم الأسرى الإسرائيليين، والاتفاق على ترتيبات اليوم التالي المتعلقة بإدارة الشؤون الحياتية في القطاع (أمد للإعلام، 29 سبتمبر 2025).


الرؤية الفلسطينية:

توزعت الدعوات الفلسطينية لإنهاء سيطرة "حماس" على غزة، وضمان عدم مشاركتها في إدارة شؤون القطاع في اليوم التالي للحرب الإسرائيلية بين الموقفين الرسمي والشعبي. فمن ناحية، كرّر الرئيس الفلسطيني محمود عباس، رفضه استمرار حكم "حماس" في غزة، بحيث تضمنت آخر رسائله إلى المؤتمر الدولي في نيويورك هذه المعاني، فضلاً عن أن خطابه في الجمعية العامة للأمم المتحدة، اشتمل على نصوص واضحة بشأن استعداد السلطة لتولى مسؤولياتها في القطاع، وقال في هذا الشأن: "إن السلطة الفلسطينية مستعدة لتحمل مسؤولياتها في حكم قطاع غزة، الذي لن يكون لحركة (حماس) دور فيه" (العربية، 8 سبتمبر 2025).

ومن جهة ثانية، تصاعدت موجة الرفض الشعبي لاستمرار سيطرة "حماس" على غزة، مع المطالبة بمغادرتها المشهد السياسي، وعدم توليها أيّة مسؤوليات إدارية فيه. كانت أبرز هذه الضغوط والمطالبات في العامين الأخيرين وبعد عملية "طوفان الأقصى" مع ما جلبته من حرب إسرائيلية مدمرة، مسّت تداعياتها الثقيلة أحوال المدنيين الفلسطينيين في القطاع حتى أصبح مكاناً غير قابل للحياة.


التصورات الإسرائيلية:

رغم أن إسرائيل وحكومتها برئاسة بنيامين نتنياهو، تُعارض تماماً مبدأ "حل الدولتين" وإقامة دولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران عام 1967، وتخالف في ذلك القرارات الأممية وموقف الاجماع الدولي مخالفة صريحة، إلا أنها وعلى المستويين الرسمي والشعبي وفي صفوف قوى المعارضة أيضاً لم تتوقف عند الضغط العسكري والمطالبة باستهداف قادة "حماس" والقضاء على قدراتها العسكرية، بل تعدتها- منذ بداية الحرب على غزة- إلى المطالبة بإنهاء الوجود السياسي لحركة "حماس" في القطاع. كانت هذه القضية واحدة من قضايا الضغط الإسرائيلية في كل جولات مفاوضات التهدئة مع "حماس"، بحيث ربطت توقف الحرب على غزة بتحقيق شرط "إخراج (حماس) كلياً من حكم قطاع غزة"، إلى جانب الشروط الأخرى المترابطة والمعروفة من إطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين المحتجزين في القطاع، وتجريد غزة من الأسلحة، إلى إبعاد قادة الحركة إلى الخارج.

وعدا عن الرفض والمعارضة التقليدية الإسرائيلية لمبدأ "حل الدولتين"، إلا أن سياسة التقليل من أهمية الاعترافات الدولية بدولة فلسطين تملكت المستوى الرسمي في إسرائيل لدرجة أنهم وصفوا حملة الاعترافات أخيراً بالمكافأة لحركة "حماس"، وكأنهم يعارضون إقامة الدولة الفلسطينية بسبب "حماس".

في ذلك يقول الرئيس الإسرائيلي يتسحاق هرتصوغ: "إن اعتراف دول غربية بدولة فلسطين هو يوم حزين بالنسبة لمن يسعون إلى السلام، لكنه لن يجدي نفعاً.. وأضاف بينما تواصل (حماس) حملتها وتحتجز 48 رهينة في أنفاق غزة وسجونها، فإن اعتراف بعض الدول اليوم بدولة فلسطين يحظى، كما هو متوقع بتشجيع (حماس).. هذا الأمر لن يساعد أي فلسطيني، لن يحرر أي رهينة، وهذا الأمر لن يساعدنا في التوصل الى اتفاق بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وهذا لن يؤدي سوى الى تعزيز قوى الظلام" (ار تي، 21 سبتمبر 2025). وبالمعاني نفسها، يذهب جدعون ساعر، وزير الخارجية الإسرائيلي، إلى أن "إسرائيل ترفض أي مساع لإقامة دولة تكون حركة (حماس) جزءاً منها" (سكاي نيوز عربية، 29 يوليو 2025).


هل ستوافق "حماس" على استبعادها؟

من المؤكد أن "حماس" التي تُرحب بالاعترافات الدولية بدولة فلسطين، ستُعارض شروط إقصائها من المشهد السياسي، بدليل أنها تلكأت طويلاً في الموافقة على شروط اتفاقات التهدئة مع إسرائيل ووقف حربها على غزة، ورهنت موافقتها بتمكينها ومواصلة سيطرتها على القطاع، مع رفضها لمطالب نزع سلاحها ونفي قادتها، حتى وإن ادعوا مسؤولي الحركة نيتهم في "مغادرة الحكم وإنهاء السيطرة على غزة".

لكن يبدو أن التحولات والجهود الدولية المتسارعة من أجل تسوية حالة الصراع في فلسطين ووضع حدّ لحرب غزة، ستُرغم الحركة على قبول الشروط الدولية في نهاية المطاف؛ إذ لا خيار أمامها- وهي في أضعف حالاتها- سوى المواقفة على هذه الشروط.

وحول هذه المعاني، يقول عادل بكوان، مدير المعهد الأوروبي لدراسات الشرق الأوسط وشمال أفريقيا: "إن (حماس) خسرت ما بين 70- 80% من بنيتها التحتية العسكرية، ولم تعد حليفتها إيران المُنهكة من الحرب الأخيرة مع إسرائيل تمتلك القدرة على تسليح أو تمويل حليفتها الفلسطينية، وبالتالي لا خيار لها سوى الامتثال للمواقف الدولية" (فرانس24، 31 يوليو 2025).


الخلاصات:

تمثّل مواقف الإجماع المحلي والدولي على ضرورة إنهاء الوجود السياسي لحركة "حماس" في غزة، وبالتالي عدم مشاركتها في المؤسسات التشريعية والقضائية والتنفيذية للدولة الفلسطينية "المحتملة"، قيوداً ضاغطة على الحركة لا يمكن لها تجاوزها، خاصة مع التطورات الميدانية المتلاحقة التي انتهت إلى تعميق أزمات الحركة الداخلية والخارجية، وأهمها أزمة عدم قبول مشاركتها في الحياة السياسية الفلسطينية وفق ما تضمنته شروط خطة "وثيقة الرئيس الأميركي دونالد ترامب الشاملة لإنهاء صراع غزة"، وهي الوثيقة التي لاقت تأييداً من المستويات الرسمية الفلسطينية والإسرائيلية والعربية والدولية، والتي ستقبل بها "حماس" مُرغمة حتى وإن جردتها من كل شيء. فالحركة بلا خيارات ولا تمتلك إمكانية مواجهة أو رفض الخطة الأميركية التي تعكس توازنات القوة العالمية راهناً.

لقد أضاعت "حماس" كل الفرص لإنهاء أزمات غزة، ورفضت عديد المبادرات التي كان يمكن لها أن تُجنب غزة واقعها المتردي والمأساوي، بفعل تغليب مصلحتها الحزبية الضيقة على المصلحة الوطنية الفلسطينية الجامعة حتى وصلت بها الحال إلى الاستسلام الذي لا مفر منه وعلى كل صعيد: إنهاء سيطرتها السياسية والأمنية، وتسليم سلاحها، ونفي قادتها، والاعتراف بفشل خياراتها في نهاية المطاف مع ثقل الأثمان التي دفعها الفلسطينيون في القطاع على مدى سنتين من الحرب الإسرائيلية.  

73