مقالات تحليلية

الحرب الروسية الأوكرانية و التوجه نحو الطاقة المتجددة

16-Mar-2023

تناولت الوكالة الدولية للطاقة نتائج تحليلاتها لأسواق الطاقة على مدار العام الأول من الحرب الروسية الأوكرانية، في تقرير تم نشره على موقع الوكالة الرسمي، تُبين فيه تداعيات الصراع على قطاع الطاقة، السلبي منها والإيجابي. فبينما عانت معظم دول العالم -بدرجات متباينة- من ارتفاع أسعار الطاقة والتضخم المصاحب له، كان لهذه الأزمة جانب إيجابي تمثل في دفع العديد من الدول نحو التركيز بشكل أكبر على تطوير مصادر الطاقة المتجددة، بدفع من تقلبات أسواق الوقود الأحفوري، ما من شأنه أن يعود بفوائد كثيرة في ملف محاربة الانبعاثات الكربونية ذات الأضرار البيئية العالية.  

إطلاق روسيا عمليتها العسكرية في أوكرانيا أدى إلى تغير مشهد الطاقة العالمي بشكل كبير وفقاً لتحليلات الوكالة. إذ شهدت جميع المناطق في أنحاء العالم ارتفاعاً حاداً في الأسعار أضر كثيراً بالمستهلكين، جرى ذلك على خلفية جيوسياسية يشكل أمن الطاقة محورها الرئيسي. سلط هذا الوضع الضوء على اعتماد العالم على الوقود الأحفوري، وسط تقلب في الأسعار وشح في الموارد.

في هذا الظرف أدى الاضطراب الاقتصادي إلى زيادة الدعوات لتسريع الانتقال إلى الطاقة المتجددة. وهو تحول من شأنه أن ينقل البلدان بعيداً عن أنواع الوقود عالية التلويث، إلى مصادر الطاقة منخفضة الكربون، مثل مصادر الطاقة المتجددة والنووية. أوروبا، يمكن ان تتجه سريعاً نحو الطاقات المتجددة خاصة وأنها عانت من آثار الحرب نتيجة هيمنة الغاز الروسي تاريخياً على استهلاكها. 

لقد أدى الشتاء المعتدل في 2022 مقارنة بسنوات أخرى وحدوث انخفاض في استهلاك الطاقة بعكس المتوقع، إلى بقاء مخزونات الغاز في المنطقة مستقرة نسبياً خلال أكثر شهور السنة برودة. ويواجه الاتحاد الأوروبي نقصاً محتملاً بنحو 30 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي هذا العام 2023. ولكن يمكن سد الفجوة وتجنب خطر النقص من خلال بذل جهود أكبر، لتحسين كفاءة إدارة الطاقة وتطوير مصادر الطاقة المتجددة، وزيادة إمدادات الغاز.


تسارع التحول إلى الطاقة النظيفة وسط مخاوف أمنية

يذكر التقرير أن التضخم المرتفع واضطرابات سلسلة التوريد سلطا الضوء على خطر الاعتماد المفرط على أنواع حيوية من المعادن. وقد أدى تراكم هذه العوامل إلى تدخلات حكومية واسعة لحماية المستهلكين والصناعة من التكاليف المتصاعدة للطاقة والتكنولوجيا. وتنظر العديد من الدول في كيفية الاستفادة من تدابير وسياسات تسريع الانتقال إلى الطاقة النظيفة، وتجنب تكرار أخطاء الماضي والسعي نحو الانتعاش الاقتصادي. هنا نشير إلى قانون الحد من التضخم في الولايات المتحدة، وخطة REPowerEU في أوروبا، وبرنامج التحول الأخضر GX في اليابان، وهي ليست سوى أمثلة قليلة على اتخاذ بعض الدول سياسات وإجراءات جريئة.

منذ بداية الأزمة، كانت وكالة الطاقة الدولية تراقب تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية على نظام الطاقة في أوكرانيا نفسها، وعلى الأسواق العالمية. ودعماً لكييف مباشرة، وقعت الوكالة برنامج عمل مشترك مُدّتُه سنتان لدعم تعافيها، يشمل النظر في أولويات الطاقة على المديين القصير والبعيد. هذا البرنامج يتضمن أمن نظم الطاقة والتعامل مع الهيدروجين، وتطوير مصادر الطاقة المتجددة والغاز الحيوي، زيادة على التعاون في البيانات والإحصاءات.

بحسب التقرير وافقت الدول الأعضاء في الوكالة على اتخاذ خطوات استثنائية تتمثل في السحب من احتياطاتها الاستراتيجية من الوقود، وذلك للحد من الضغوط في الأسواق، وتوصيل رسالة موحدة مفادها أنه لن يكون هناك نقص في الإمدادات نتيجة للحرب. 

وفي أول إجراء جماعي بعد الحرب، اتفقت الدول الأعضاء في الوكالة على سحب 62.7 مليون برميل من مخزونات النفط الاستراتيجية. كما اتفقوا لاحقاً على توفير 120 مليون برميل إضافية من المخزونات الاستراتيجية، وهي أكبر عملية سحب من المخزون. وقد تزامن ذلك مع إطلاق كميات إضافية من الاحتياطي الاستراتيجي الأمريكي. وتُعتبر عمليتا السحب المنسقتان اللتان تمتا في 2022 هما الرابعة والخامسة في تاريخ الوكالة.


صادرات النفط الروسي 

يوضح التقرير أن إمدادات النفط في روسيا ما تزال صامدة بشكل جيد نسبياً على الرغم من العقوبات. وقد نجحت موسكو في إعادة توجيه شحنات الخام إلى آسيا. وفي يناير، بلغ إجمالي إنتاج روسيا النفطي 11.2 مليون برميل في اليوم. بالمقارنة، بلغ إجمالي إنتاج النفط في الولايات المتحدة 18.3 مليون برميل في اليوم بينما ضخت المملكة العربية السعودية 12.4 مليون برميل في اليوم.

وفي مؤشر على أن روسيا ربما تواجه صعوبات في العثور على مشترين لإنتاجها، قال نائب رئيس الوزراء الروسي ألكسندر نوفاك في أوائل فبراير إن بلاده ستخفض الإنتاج بمقدار 500 ألف برميل يومياً في مارس، بدلاً من البيع لأولئك الذين يلتزمون بسقف أسعار G7. وحتى إذا انخفض العرض بشكل حاد، فإن روسيا ستواصل لعب دور كبير في أسواق النفط العالمية، حيث تحتل المرتبة الثالثة كأكبر منتج بعد الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية.


استهلاك أوروبا للغاز الروسي يتراجع

وفقاً للتقرير، من المقرر أن يؤديَ التزام الاتحاد الأوروبي في إعلان فرساي الصادر في مارس 2022 بالتخلص التدريجي من واردات الوقود الأحفوري الروسي "في أقرب وقت ممكن"، إلى تحويل أسواق الطاقة والغاز في القارة في السنوات القادمة، مع ما يترتب على ذلك من آثار على التجارة العالمية وديناميكيات السوق.

نما اعتماد الاتحاد الأوروبي على الغاز الروسي بشكل مطرد خلال العقد الماضي. وانخفض استهلاك الكتلة من الغاز بشكل هامشي فقط خلال هذه الفترة، لكن إنتاج أوروبا انخفض بمقدار الثلثين منذ 2010، وتم سد الفجوة من خلال زيادة الواردات. 

نتيجة لذلك، ارتفعت حصة روسيا من إجمالي الطلب على الغاز في الاتحاد الأوروبي من 26٪ في عام 2010 إلى متوسط يزيد على 40٪ خلال الفترة 2018-2021. كانت وكالة الطاقة الدولية من بين أوائل من أثاروا مخاوفَ بشأن هذا الاعتماد المتزايد.

خفضت روسيا إمداداتها من الغاز عبر خط الأنابيب إلى الاتحاد الأوروبي بأكثر من النصف في العام الماضي. لكن سوق الغاز الأوروبي أثبت مرونته حيث تمكنت الدول من ملء مواقع التخزين الخاصة بها إلى أكثر من 95٪ من طاقتها من خلال زيادة الإمدادات غير الروسية وتقليل الاستهلاك بسرعة. نتيجة لذلك، انخفضت حصة روسيا من الطلب الأوروبي على الغاز من 23٪ في عام 2022 إلى أقل من 10٪ في يناير 2023.


مصادر الطاقة المتجددة آخذة في النمو

يشير التقرير إلى أن أزمة الطاقة بدأت في وقت كان الأوروبيون يناقشون أهدافاً طموحة تتعلق بالطاقة المتجددة في إطار برنامج يطلق عليه Fit for 55.  وبعد الحرب، برز أمن الطاقة كدافع قوي إضافي لتسريع تطوير مصادر الطاقة المتجددة.  في مايو 2022 اقترحت خطة REPowerEU إنهاء اعتماد الدول الأوربية على الوقود الأحفوري الروسي بحلول عام 2027. ومن بين الأهداف الأخرى، تسعى الخطة إلى زيادة حصة مصادر الطاقة المتجددة في الاستهلاك النهائي للطاقة إلى 45٪ بحلول عام 2030، متجاوزة هدف 40٪ الذي كان قيد التفاوض سابقاً.

من المتوقع أيضاً أن تتضاعف قدرة الكهرباء المتجددة في الاتحاد الأوروبي خلال الفترة 2022-2027، حيث تضاف مخاوف أمن الطاقة إلى طموحات المناخ. وقد أقرت العديد من الدول الأوروبية أو اقترحت خطط عمل ذات أهداف أكثر طموحاً، وزادت دعمَ السياسات لمصادر الطاقة المتجددة، وعالجت التحديات غير المالية ذات الصلة. وتم تعديل توقعات وكالة الطاقة الدولية للزيادة في الاتحاد الأوروبي صعوداً بشكل كبير (بأكثر من 30٪) عن تقديرات العام الماضي، بقيادة ألمانيا (أعلى بنسبة 55٪) وإسبانيا (أعلى بنسبة 65٪). 


993