تواصل إسرائيل دراسة الخيارات والسيناريوهات التي
وضعتها حكومة نتنياهو على الطاولة لشن هجمات متوقعة على إيران في إطار الرد على الهجمات
التي شنتها طهران مؤخراً. من بين هذه الخيارات شن هجوم استراتيجي على البنية
الأساسية للبرنامج النووي الإيراني، وهذا ما تحاول واشنطن حتى الآن منعه وتسعى لأن
يكون الرد الإيراني "مناسباً" ودون أن يجر المنطقة إلى حرب موسعة، وقد أوضح
"مسؤول كبير في وزارة الخارجية الأميركية" في تصريحات خاصة لشبكة
"سي إن إن" بتاريخ 5 أكتوبر، أن إسرائيل "لم تقدم ضمانات للبيت
الأبيض بشأن عدم استهداف المنشآت النووية الإيرانية".
خيار إسرائيلي
تنظر إسرائيل إلى برنامج الأسلحة النووية الإيراني
باعتباره تهديداً وجودياً وورقة قوة إيرانية تتنامى يوماً بعد يوم، وهي تلعب به دوراً
في توازن القوة والردع في الشرق الأوسط الذي كان يميل لصالح إسرائيل. وفي تقرير نشرته
صحيفة نيويورك تايمز ، قال مسؤولون أميركيون إن إسرائيل قد تستهدف المنشآت النووية
الإيرانية في سيناريو رد محتمل، مع التركيز على منشآت تخصيب اليورانيوم في نطنز
التي تعتبر قلب البرنامج النووي الإيراني.
تسعى إسرائيل من أي هجوم على المنشآت الإيرانية هو
تدمير البنية التحتية فيها ، وإرجاع هذا البرنامج خطوات كثيرة إلى الوراء، وتعطيل
إمكانية وصول إيران إلى مراحل أكثر تقدماً في تطوير برنامجها النووي. وتعمل إيران
على توسيع برنامجها لتخصيب اليورانيوم منذ ذلك الحين، مما أدى إلى تقليص ما يسمى
"وقت الاختراق" الذي تحتاجه لإنتاج ما يكفي من اليورانيوم الصالح
للاستخدام في صنع الأسلحة لصنع قنبلة نووية إلى أسابيع، من عام على الأقل بموجب
اتفاق عام 2015، في الواقع، قد يستغرق تصنيع قنبلة باستخدام هذه المادة وقتاً
أطول. أما المدة فهي أقل وضوحاً، وهي موضع نقاش، وتعمل إيران الآن على تخصيب
اليورانيوم إلى درجة نقاء انشطارية تصل إلى 60%، وهو ما يقترب من نسبة 90% اللازمة
لصنع الأسلحة، في موقعين، ومن الناحية النظرية لديها ما يكفي من المواد المخصبة
إلى هذا المستوى لصنع ما يقرب من أربع قنابل، وفقا لمعيار الوكالة الدولية للطاقة
الذرية، وهي الهيئة الرقابية التابعة للأمم المتحدة (إسرائيل تايمز – 3 أكتوبر).
محفزات ومعوقات
لعل أبرز ما يشجع حكومة بنيامين نتنياهو على اتخاذ هذه
الخطوة هو مواجهة الضغوط من قبل الائتلاف الحكومي الذي يقوده، بما في ذلك اليمين
المتطرف خاصة بعد أن عاد رئيس حزب "اليمين الوطني" جدعون ساعر إلى
الحكومة، والتي كان قد تركها في السابق، وهذا ما يعزز هذه السياسة المتهورة، فحتى
قبل انضمامه إلى حكومة نتنياهو، تحدث ساعر علناً عن دعمه لمهاجمة البنية الأساسية
النووية لإيران.
وتوقع رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إيهود باراك أن
تقوم إسرائيل على الأرجح بشن غارة جوية واسعة النطاق ضد صناعة النفط الإيرانية،
وربما شن هجوم رمزي على هدف عسكري مرتبط ببرنامجها النووي، وقال باراك في مقابلة
"إن إسرائيل لديها حاجة ملحة، بل وضرورية، للرد، وأعتقد أنه لا يمكن لأي دولة
ذات سيادة على وجه الأرض أن تفشل في الرد"، وقال باراك إن هناك اقتراحات أيضا
في إسرائيل بأن تستغل هذه الفرصة، ردا على الهجوم الإيراني، لقصف المنشآت النووية
الإيرانية، لكنه زعم أن ذلك لن يؤخر البرنامج النووي الإيراني بشكل كبير.
لكن في المقابل، فإن شن إسرائيل أي هجمات على المنشآت
النووية يعني بأن مستوى الأهداف من التصعيد الإسرائيلي ارتفع بشكل كبير، وهذا ما
يمكن أن ترى فيه إيران مخططا لإسقاط نظامها، وبالتالي ستندفع للرد على ذلك بكافة الخيارات
الموجودة لديها، واستخدام كل ما تملكه من أسلحة لشن هجوم انتقامي على إسرائيل من
جهة وإظهار القوة والقدرة على الردع من جهة أخرى، وذلك لمنع أي تحرك أخر يهدد
النظام الإيراني سواء من إسرائيل وغيرها خاصة واستهداف المنشآت الاستراتيجية ومعها
مواقع السيطرة والحكم، يشكل فرصة لمن يريدون التغيير السياسي في الداخل للتحرك، لذلك سيحاول النظام
الإيراني إبراز القوة والمغامرة في اتخاذ الخطوات.
هناك بعض المعلقين وحتى بعض الأشخاص داخل المؤسسة
الدفاعية الذين أثاروا السؤال: لماذا لا يتم ضرب البرنامج العسكري النووي؟ " يقول
باراك: "قبل أكثر من عقد بقليل، كنت على الأرجح الشخص الأكثر تشددًا في
القيادة الإسرائيلية الذي زعم أن الأمر يستحق النظر فيه بجدية شديدة، فقد كانت
هناك قدرة فعلية على تأخيرهم لعدة سنوات" "إنهم لا يمتلكون سلاحاً حتى
الآن ــ وقد يستغرق الأمر منهم عاماً كاملاً حتى يحصلوا عليه، وربما نصف عقد كامل
حتى يحصلوا على ترسانة صغيرة. ومن الناحية العملية، لا يمكنك تأخيرهم بسهولة بأي
شكل من الأشكال"، لكن باراك يضيف قائلاً: "إنك قد تتسبب في بعض الأضرار،
ولكن حتى هذا قد يعتبره بعض المخططين أمراً يستحق المجازفة، لأن البديل هو الجلوس
مكتوفي الأيدي وعدم فعل أي شيء، لذا فمن المحتمل أن تكون هناك محاولة لضرب أهداف
نووية معينة" (الغارديان – 4 أكتوبر)
جدوى ضربات النووي الإيراني
إذا حاولت إسرائيل أو الولايات المتحدة مهاجمة المنشآت
النووية الإيرانية، فإن هذا من شأنه أن يعزز من عزم إيران على امتلاك الأسلحة
النووية دون أن يقضي على قدرتها، وسوف يكون الدافع وراء ذلك جزئياً هو معاقبة
إسرائيل والانتقام منها .
بالإضافة إلى ذلك ستشعر إيران بأنها خسرت ورقة قوية
تحمي بها نفسها من أي تهديد خارجي، لذلك
من المتوقع أن ستزيد من دعمها للميليشيات في الشرق الأوسط كما أنها ستعمل على
تقوية أذرعها الاستخباراتية في معظم دول العالم، إلى جانب إظهار نوع من التشدد في
الداخل، وبالتالي سيقوي ذلك من نفوذ المتشددين داخل النظام الإيراني سواء فيما
يتعلق بالسياسات الداخلية والخارجية.
يرى الخبير في السياسة النووية، جيمس أكتون ، أن البرنامج
الإيراني اليوم يعتمد على أجهزة الطرد المركزي، وهي أجهزة صغيرة للغاية ويمكن
تصنيعها بسرعة ووضعها في أي مكان تقريباً، حتى لو تمكنت إسرائيل من تدمير منشآت
الطرد المركزي الإيرانية الحالية، فمن المؤكد تقريباً أن تعيد إيران بناء منشآت
الطرد المركزي. والواقع أنها ربما تمتلك بالفعل منشآت طرد مركزي سرية. ونحن لا
ندري. لكن، حتى لو لم تمتلك منشآت طرد مركزي سرية، فأنا على يقين تام من أنها سوف
تصنع المزيد، وربما في مواقع متعددة، وربما يكون بعضها مخفياً على مرأى من الجميع
داخل المباني الصناعية العادية، وبعضها مدفوناً على عمق أكبر من فوردو، وبالتالي
فإنها بالتأكيد خارج نطاق الإسرائيليين (– صحيفة ذا بولتين - 5 أكتوبر).
واشنطن تسعى لضبط الرد
لا تمانع الولايات المتحدة الأميركية أن يكون هناك رد
إسرائيلي على هجمات إيران الأخيرة، لكنها تسعى لضبط هذا الرد وقد تحدثت تقارير بأن
واشنطن وعدت تل أبيب بمساعدات أمنية وسياسية، مقابل عمد استهداف مواقع إيرانية
معينة يتوقع أنها منشآت نووية وغيرها من المواقع الاستراتيجية والمهمة.
قال مصدر سياسي إسرائيلي كبير للمونيتور" شريطة
عدم الكشف عن هويته: "إن الانتخابات الأميركية المقررة بعد أقل من شهر تشجعه
في الواقع على المخاطرة"، وهي توفر لإسرائيل فرصة تاريخية لجر الولايات
المتحدة إلى خطوة حاسمة لسحق الطموح النووي الإيراني. عليه يجب على الرئيس جو
بايدن ونائبته والمرشحة الرئاسية الديمقراطية كامالا هاريس دعم مثل هذه الخطوة
التاريخية أو المخاطرة بوصمهما بالجبن والافتقار إلى سمات القيادة، حتى من قبل
الناخبين الديمقراطيين. ووفقًا لهذا المنطق، فإن الفاصل الزمني الذي يبلغ ثلاثة
أشهر بين الانتخابات وتنصيب رئيس جديد سيمنح إسرائيل فرصة أخرى لجذب الولايات
المتحدة، من أجل منع ظهور إيران كدولة على عتبة نووية، قال المصدر الدبلوماسي
لموقع "المونيتور" شريطة عدم الكشف عن هويته: "إذا انتُخب دونالد
ترامب، فلن يهتم بايدن وهاريس على الإطلاق بما تهاجمه إسرائيل وما لا تهاجمه. وإذا
انتُخبت هاريس، فسيكون بايدن قادرًا على مساعدة إسرائيل في هذه المهمة دون دفع ثمن
سياسي" (المونيتور – 8 أكتوبر).
تداعيات خطيرة
في الخلاصة يعتقد بأن أي هجوم إسرائيلي على المنشآت
النووية الإيرانية وما يحمله من تداعيات على المنطقة، سيؤدي بشكل متوقع إلى جر
واشنطن إلى الصراع، ففي حال رأت إيران بأن هناك خطرا إسرائيليا يهددها بشكل وجودي،
فإنها ستلجأ إلى إشعال حرب إقليمية واستخدام كافة الأسلحة والميليشيات والأوراق
السياسية والعسكرية، بما في ذلك استهداف القواعد الأميركية في الشرق الأوسط،
وتعطيل الممرات البحرية في الخليج وخاصة مضيق هرمز .
عليه يأمل بايدن أن تتبنى إسرائيل نهجاً مدروساً
يمكنها الحفاظ على حقها في الرد مع تجنب الإجراءات التي قد تؤدي إلى المزيد من
الانتقام، ودفع المنطقة إلى حرب شاملة، ومن المؤكد أن مثل هذا القرار الذي ربما
تتخذه إسرائيل من شأنه أن يؤدي إلى اندلاع الصراع الخارج عن السيطرة، والذي كان
بايدن يعمل على منعه منذ أن شنت حماس هجومها على إسرائيل في السابع من أكتوبر، ولكن
بالنسبة لنتنياهو وبعض مستشاريه الأكثر تشددا، فإن هذا القرار من شأنه أن يقضي على
ما يُنظر إليه على أنه تهديد وجودي لإسرائيل إلى الأبد، كما إن أحد المخاوف الأميركية
المركزية هو إمكانية لجوء إيران إلى تعزيز برنامجها النووي، بعد أن نجحت إسرائيل
في إضعاف وكلائها في لبنان وغزة، وإحباط هجومها الصاروخي الباليستي (شبكة سي إن إن
– 2 أكتوبر).