مع ذروة الصيف في نصف الكرة الشمالي، تختبر درجات الحرارة المرتفعة حدود قدرة الإنسان على البقاء في أكثر المناطق سخونة على الأرض، وتظهر أشكال التطرف المناخي المحتمل والممكن بشكل متزايد على خلفية تسارع ظاهرة الاحتباس الحراري. على سبيل المثال، سجلت الصين في الفترة الأخيرة أعلى مستوى لها على الإطلاق بما يقرب من 126 درجة فهرنهايت، بينما وصل وادي الموت في الولايات المتحدة إلى أكثر من 128 درجة فهرنهايت. وفي الشرق الأوسط، وصل مؤشر الحرارة إلى 152 درجة، مقتربا أو متجاوزا أكثر مستويات الحرارة التي يمكن أن يتحملها جسم الإنسان.
يقول خبراء إن مثل هذه الظروف أكثر من كافية لإرباك قدرة الجسم على تنظيم درجة حرارته الداخلية، كما أنها تقدم لمحة عن المخاطر التي من المتوقع أن تصبح أكثر انتشارا مع زيادة الاحترار العالمي ومستويات الرطوبة. يقول كاسكيد توهولسكي، أستاذ مساعد في جامعة ولاية مونتانا: "نحن نعلم أن درجات الحرارة القصوى هذه تقتل الناس في الوقت الحالي".
أظهرت الأبحاث أن جسم الإنسان يفقد قدرته على تبريد نفسه عن طريق التعرق عند 95 درجة (35 درجة مئوية) على ما يعرف باسم مقياس درجة الحرارة العالمية للبصيلة الرطبة، والذي يأخذ في الاعتبار مزيجا من درجة الحرارة والرطوبة وسرعة الرياح وزاوية الشمس والغطاء السحابي. على عكس مؤشر الحرارة، الذي يرتفع فوق درجة حرارة الهواء بناء على الرطوبة، لم يتم تصميم درجة حرارة الكرة الأرضية الرطبة ليتم تفسيرها على أنها مقياس لمدى الشعور بالحرارة في الخارج.
وتقدر دراسة نشرها لاري كيني، أستاذ الاستجابات الفسيولوجية للحرارة في جامعة ولاية بنسلفانيا، أن أنظمة التبريد في الجسم تكافح عند درجة حرارة عالمية أقرب إلى 88 درجة (31 درجة مئوية) حتى بالنسبة للشباب والأصحاء. عليه، يمكن أن يؤدي التعرض لدرجة حرارة ورطوبة مرتفعة إلى إجهاد القلب والتسبب في ارتفاع درجات حرارة الجسم، كما قال كيني، لهذا السبب في أن الحرارة الشديدة هي الأكثر خطورة على كبار السن والذين يعانون من أمراض القلب.
في إيران، تجاوزت درجات حرارة الهواء 100 درجة فهرنهايت، وكان الهواء مشبعا إلى حد كبير بالرطوبة. وبعيدا عن الشرق الأوسط، كانت قياسات البصيلة الرطبة Wet-bulb globe temperature تقترب من مستويات خطيرة. وفي جميع أنحاء جنوب غرب وجنوب شرق الولايات المتحدة، تحوم درجات حرارة البصيلة الرطبة اقتربت من 90 درجة، وفقا لبيانات خدمة الطقس. وقد وجدت الأبحاث المنشورة في عام 2020 أن درجات حرارة البصيلة الرطبة المرتفعة بشكل خطير تحدث بشكل متكرر أكثر من ضعف عدد مرات منذ عام 1979.
هذا العام 2023، تحدث الظروف المناخية القاسية جنبا إلى جنب مع ارتفاع كبير في الحرارة العالمية، وهذا نتاج نمط مناخ "النينيو" الذي يعود إلى ارتفاع درجة حرارة الكوكب بالإضافة إلى الاحترار الناجم عن غازات الدفيئة. وقد شهد كوكبنا دفئا قياسيا في يونيو الماضي، ويمتد الاتجاه أيضا إلى محيطات الأرض. وقد ارتفعت المياه المحيطة بفلوريدا، التي تشهد حرارة ورطوبة قياسية هذا العام، إلى ما يقرب من 100 درجة فهرنهايت. يضيف توهولسكي: هذا يعني أنه حتى الغطس في المحيط لا يمكن أن يوفر حالة ارتياح من الحرارة، كما يثبت صيف عام 2023 أنه أحد أكثر الصيف سخونة، إن لم يكن الأكثر سخونة وخطورة"، (واشنطن بوست: 18 يوليو 2023).
هكذا تتشكل موجات الحر
قد لا تبدو الحرارة الشديدة دراماتيكية مثل الأعاصير أو الفيضانات، لكن دائرة الأرصاد الجوية الأميركية اعتبرتها ظاهرة طقس هي الأكثر دموية في الولايات المتحدة على مدى الثلاثين عاما الماضية. وعادة ما يتم تعريف ما يعتبر موجة حر بالنسبة للظروف الجوية المحلية، لذا فإن عتبة موجة الحر تختلف من منطقة لأخرى.
خلال فصل الصيف في نصف الكرة الشمالي، يميل النصف الشمالي من الكوكب نحو الشمس، مما يزيد من ساعات النهار ويدفئ نصف الكرة الأرضية. يتسبب هذا التعرض الإضافي للإشعاع الشمسي التراكمي في بلوغ درجات الحرارة ذروتها بشكل عام بعد أسابيع من أطول يوم في السنة. وتبدأ موجات الحرارة بنظام الضغط العالي (المعروف أيضا باسم الإعصار العكسي)، حيث يتراكم الضغط الجوي فوق منطقة ما. يدفع نظام الضغط العالي أيضا التيارات الهوائية الأكثر برودة وسريعة الحركة والسحب بعيدا، مما يزيل أي عائق أمام أشعة الشمس، وفي الأيام الطويلة والليالي القصيرة من الصيف، تتراكم الطاقة الحرارية بسرعة وترتفع درجات الحرارة.
موجات الحرارة شائعة بشكل خاص في المناطق القاحلة بالفعل، وعلى ارتفاعات عالية حيث تتشكل أنظمة الضغط العالي بسهولة. المناطق الحضرية أيضا تزيد من تفاقم هذا الاحترار، نظرا لأن الطرق ومواقف السيارات والمباني تغطي المناظر الطبيعية، فإن مدنا مثل لوس أنجلوس ودالاس ينتهي بها الأمر بامتصاص حرارة أكثر من محيطها ويمكن أن تصبح أكثر دفئا بمقدار 20 درجة فهرنهايت، هذه ظاهرة تعرف باسم تأثير جزيرة الحرارة الحضرية. وتستمر موجات الحرارة عادة حوالي خمسة أيام، ولكن يمكن أن تستمر لفترة أطول إذا تم احتجاز نظام الضغط العالي.
تغير المناخ وتفاقم موجات الحرارة
قد يكون من الصعب معرفة كيفية تأثر حدث مناخي معين بتغير المناخ، لكن العلماء في السنوات الأخيرة قاموا بتطوير نماذج وتجارب لمعرفة علاقة استهلاك الوقود الأحفوري بتفاقم الكوارث المناخية تمثل جزء من حقل فرعي من علم المناخ يعرف باسم علم الإسناد، والحرارة الشديدة هي المثال الأوضح على هذه العلاقة. في السياق، قالت جين دبليو بالدوين، الخبيرة في مرصد لامونت دوهرتي للأرض في جامعة كولومبيا: "في الواقع، لقد تم بناء علم الإسناد حول موجات الحرارة في الواقع الأحداث المتطرفة التي كان علم الإسناد رائدا حولها"، وحذرت: "تقريبا أي نوع من المقاييس المتعلقة بموجات الحرارة التي يمكنك تخيلها يزداد سوءا ومن المتوقع أن يستمر في هذا الاتجاه"، (Vox: 22 يونيو 2023).
من المتداول أن تغير المناخ الناجم عن غازات الدفيئة الناتجة عن حرق الوقود الأحفوري من شأنه أن يجعل موجات الحرارة أطول وأكثر تواترا. فقد وجد الباحثين الذين نظروا إلى الأحداث الماضية بالفعل أن البشر يتقاسمون جزءا كبيرا من اللوم فيما يتعلق بموجات الحر، إذ وجدت دراسة نشرت بعد أن تسببت موجة حر في أوروبا الغربية عام 2019 في وفاة 2,500 شخص، أن ارتفاع درجات الحرارة الناتج عن تغير المناخ جعل موجات الحرارة أكثر تواترا في مختلف مناطق العالم. يعود ذلك إلى أن حرق الوقود الأحفوري يضيف غازات الدفيئة إلى الغلاف الجوي، مما يحبس المزيد من الطاقة الحرارية ويدفع متوسط درجات الحرارة إلى الارتفاع - الذي بدوره يؤدي أيضا إلى ارتفاع درجات الحرارة القصوى.
يشار إلى أن معدلات الارتفاع في درجات الحرارة غير متساوية، حيث سجل ارتفاع درجات الحرارة الدنيا ليلا معدلات أكبر من درجات الحرارة القصوى خلال الظهيرة. وتقول الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي الأميركية: "بشكل عام، منذ أن بدأت السجلات في عام 1895، ارتفعت درجات الحرارة الدنيا ليلا في الصيف بمعدل يقترب من ضعف سرعة ارتفاع درجات الحرارة القصوى بعد الظهر في الولايات المتحدة".
علاوة على ذلك، يمكن أن تختلف آثار الاحترار باختلاف الموقع الجغرافي، حيث ترتفع درجة حرارة المناطق القطبية إلى ثلاثة أضعاف المتوسط العام، مما يغذي موجات الحرارة في القطب الشمالي. في الواقع، ترتفع درجة حرارة الأجزاء الأكثر برودة من الكوكب بشكل أسرع من الأماكن القريبة من خط الاستواء، لذلك قد يواجه الأشخاص الذين يعيشون في مناخات معتدلة بعضا من أكبر الزيادات في أحداث الحرارة الشديدة. في الوقت نفسه، وإن كان بمعدلات أقل، تزداد سخونة الأجزاء الساخنة بالفعل من العالم، مما يدفعها إلى ما وراء نطاق قابلية السكن في أوقات معينة من السنة.
نشير هنا إلى أن تركيزات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي بلغت ذروتها مؤخرا عند 420 جزءا في المليون. ومع استمرار انبعاثات غازات الدفيئة الناتجة عن النشاط البشري من المتوقع أن تصبح موجات الحرارة أكثر تواترا وأكثر تطرفا.
موجات الحر في القرن الحادي والعشرين
على مر التاريخ، تركت العديد من موجات الحر تأثيرا كبيرا على المجتمعات والبيئات في جميع أنحاء العالم. هذه الأحداث بمثابة تذكير بالدمار المحتمل الذي يمكن أن تجلبه الحرارة الشديدة. على سبيل المثال:
موجة الحر الأوروبية (2003): واحدة من أكثر موجات الحر فتكا في التاريخ الحديث، أدى هذا الحدث إلى عشرات الآلاف من الوفيات في جميع أنحاء أوروبا وأضرار جسيمة للزراعة والبنية التحتية. وجاءت موجة الحر بنما كان الكثيرين في أوروبا غير مستعدين، مما يسلط الضوء على أهمية أنظمة الإنذار المبكر والتأهب لحالات الطوارئ.
الولايات المتحدة (2008): شهد شرق الولايات المتحدة موجة حر في أوائل الصيف من 6-10 يونيو 2008 مع درجات حرارة قياسية. كانت هناك موجة حر في جنوب كاليفورنيا بدأت أواخر يونيو، مما ساهم في حرائق واسعة النطاق.
موجة الحر الروسية (2010): أدى الطقس الحار والجاف بشكل استثنائي إلى حرائق غابات واسعة النطاق، وفشل شديد في المحاصيل الزراعية، وزيادة معدلات الوفيات في روسيا. وتؤكد العواقب الاجتماعية والاقتصادية لمثل هذه الأحداث على الحاجة إلى ممارسات زراعية قادرة على التكيف مع المناخ وإدارة الكوارث.
موجة الحر في الهند (2015): تسبب حدث الحرارة الشديدة هذا في آلاف الوفيات، خاصة في الفئات السكانية الضعيفة مثل كبار السن والفقراء. ويؤكد التأثير غير المتناسب على المجتمعات الضعيفة أهمية الإنصاف في التكيف مع تغير المناخ وتدابير الصحة العامة.
تواتر موجات الحر والفئات الأكثر تأثرا
في حين أن هناك بعض الجدل حول ما إذا كانت الحرارة الشديدة أم البرودة الشديدة التي تؤثر بشكل أخطر على الصحة العامة بشكل عام، فمن الواضح أن درجات الحرارة المرتفعة تتسبب في خسائر فادحة من حيث الصحة والاقتصاد. موجات الحر لها آثار صحية كبيرة مباشرة وغير مباشرة، فقد تسببت الحرارة الشديدة في وفاة 138 شخصا سنويا في الولايات المتحدة بين عامي 1991 و2020، وفقا لخدمة الأرصاد الجوية الوطنية الأميركية.
تزيد درجات الحرارة المرتفعة من احتمال الإصابة بالإنهاك الحراري وضربة الشمس، ويمكن أن ترفع ضغط الدم، وتجعل بعض الأدوية أقل فعالية، وتفاقم الحالات العصبية مثل التصلب المتعدد، كما الملوثات في الهواء بدورها تؤدي إلى تفاقم مشاكل القلب والرئة.
من جهة أخرى، يثير ارتفاع درجات الحرارة ليلا القلق بشكل خاص بالنسبة للصحة العامة، فبدون الكثير من التبريد بين عشية وضحاها، يعاني الأشخاص الذين يعيشون موجة الحر من إجهاد حراري تراكمي أعلى، مما يزيد من مخاطر الإصابة بمشاكل مثل الجفاف وتعطيل النوم، مما قد يزيد من تفاقم الإرهاق والإجهاد من درجات الحرارة المرتفعة.
إلى جانب الحرارة، هناك عامل مهم آخر يجب مراعاته فيما يتعلق بصحة الإنسان وهو الرطوبة، إذ تؤثر كمية الرطوبة في الهواء على مدى تبخر العرق من الجسم وتبريده. في بعض أجزاء العالم، مثل جنوب غرب الولايات المتحدة، أصبحت موجات الحرارة أكثر جفافا، ولكن في مناطق أخرى مثل الخليج العربي وجنوب آسيا، تؤدي درجات الحرارة المرتفعة إلى زيادة الرطوبة.
في عام 2020 وجد الباحثون أنه منذ عام 1979، أصبحت هذه الظروف الخطيرة أكثر شيوعا لضعفين في العديد من مناطق العالم، بما في ذلك جنوب آسيا والخليج العربي. وحذروا من أن المزيد من الاحترار في هذا القرن يمكن أن يجعل العديد من الأجزاء الأكثر كثافة سكانية في العالم غير صالحة للسكن خلال الأوقات الأكثر سخونة من السنة، (Vox 22 يونيو 2023).
يشار إلى أن فترات الحرارة الشديدة التي تحدث في وقت مبكر من موسم الصيف يكون لها تأثيرات أكبر على الصحة العامة، لأن الناس يكونون أقل تأقلما مع ارتفاع درجات الحرارة بين الربيع وأوائل الصيف، لذلك قد لا يتخذ الكثيرون احتياطات الحرارة مثل تجنب أشعة الشمس وشرب كمية كافية من المياه. علاوة على ذلك، يجعل تغير المناخ موجات الحرارة أكثر شيوعا، ويزيد أيضا من تواتر درجات الحرارة القصوى في بداية وأواخر الموسم، مما يطيل الموسم الساخن.
إن أسوأ آثار الحرارة ليست دائما في الأماكن الأكثر سخونة، ففي حين أن درجات الحرارة القصوى قد ترتفع أعلى في المناطق الدافئة بالفعل، يمكن أن يكون لموجات الحرارة آثارها الأكثر فتكا في المناطق الأكثر برودة، حيث تكون درجات الحرارة المرتفعة أقل شيوعا. يعود ذلك إلى أن المناطق الأكثر دفئا غالبا ما تحتوي بالفعل على تكييف هواء في المنازل والمكاتب، في حين أن المناطق التي لا تتسم عادة بالدفء لديها بنية تحتية أقل فعالية في التبريد، كما أن سكان هذه المناطق يكونون أقل تأقلما مع درجات الحرارة المرتفعة وقد لا يتعرفون على علامات التحذير من المشاكل الصحية الناجمة عن الحرارة.
بعض الفئات تعتبر أكثر عرضة للحرارة الشديدة مثل كبار السن والأطفال صغار السن، الذين يواجهون بعضا من أعلى المخاطر الناجمة عن الحرارة الشديدة. أضف على ذلك الأشخاص الذين يعانون من حالات صحية معينة، مثل ارتفاع ضغط الدم وصعوبات التنفس، ولكن حتى الأشخاص الأصحاء يمكن أن يعانوا من موجات الحر إذا تعرضوا لفترات طويلة، مثل أولئك الذين يعملون في الهواء الطلق في الزراعة والبناء.
مع زيادة تواتر وحدة موجات الحر، يزداد الضغط على الأدوات المستخدمة للتعامل مع الحرارة أيضا، مثل محطات الطاقة، التي توفر الكهرباء لكل شيء من الثلاجات إلى مكيفات الهواء، وتصبح أقل كفاءة مع ارتفاع درجة حرارة الطقس. تحت الحرارة الشديدة، تقل سعة خطوط الطاقة، وتواجه الأجهزة مثل المحولات المزيد من الأعطال، وإذا تراكم ما يكفي من الضغط، يمكن أن تنهار شبكة الطاقة في وقت تتفاقم فيه الحاجة إلى التبريد. هذه الاضطرابات للتيار الكهربائي يمكن أن تمتد عبر البنية التحتية الأخرى، مثل الصرف الصحي للمياه ومضخات الوقود والنقل العام.
كل هذا يعني أن موجات الحر ستصبح حقيقة مؤثرة ومكلفة بشكل متزايد للحياة في جميع أنحاء العالم - من التأثيرات المباشرة على الصحة إلى الضغوط على البنية التحتية، ولكن نظرا لأن البشر يتقاسمون جزءا كبيرا من اللوم على موجات الحرارة الشديدة، فهناك أيضا إجراءات يمكن اتخاذها للتخفيف منها. يمكن أن تؤدي زيادة كفاءة الطاقة إلى تخفيف الضغط على شبكة الطاقة، مع إضافة مصادر الطاقة التي لا تتطلب تبريدا نشطا مثل الرياح والطاقة الشمسية، ما يمكن أن يعزز السعة دون إضافة انبعاثات غازات الاحتباس الحراري.
من جهة أخرى، إن تحسين التوعية بالصحة العامة وتوفير المزيد من موارد التبريد والتعليم، لا سيما في المناطق الأكثر لمخاطر موجات الحر، يمكن أن يقلل من بعض أسوأ تداعياتها على البشر. في السياق، يقول بالدوين: "في الأساس، يمكن الوقاية من جميع الأضرار الناجمة عن موجات الحر، على الأقل على الجانب الصحي، إذا حذرنا الناس بشكل فعال وساعدنا جيراننا خلال هذه الفترات الصعبة"، (Vox: 22 يونيو 2023).
الصمود أمام الحرارة الشديدة
تم وضع استراتيجيات لبناء القدرة على الصمود في الحرارة الشديدة، وذلك في دراسة لمركز حلول المناخ والطاقة الأميركي، بعنوان "استراتيجيات المرونة للحرارة الشديدة". تتضمن بعض الاستراتيجيات ما يلي:
- تحديد السكان المعرضين للخطر ووضع خطط الاستعداد للحرارة مع وضع جميع السكان في الاعتبار، والتي قد تشمل خطوات مثل فتح مراكز التبريد خلال فترات الحرارة الشديدة واعتماد معايير الإجهاد الحراري في مكان العمل.
- تركيب أسطح باردة وخضراء ورصيف بارد لتقليل تأثير الجزر الحرارية الحضرية.
- زراعة الأشجار لتوفير الظل وتبريد الهواء من خلال التبخر.
- السعي لتحقيق كفاءة الطاقة لتقليل الضغط على شبكة الكهرباء، خاصة أثناء موجات الحر.
تداعيات موجات الحر
أصدر مركز حلول المناخ والطاقة الأميركي ورقة تناول فيها أخطر أوجه تداعيات موجات الحر، والحلول الممكنة لمواجهتها، نعرضها فيما يلي:
صحة الإنسان
الحرارة الشديدة هي واحدة من الأسباب الرئيسية للوفيات المرتبطة بالطقس في الولايات المتحدة، حيث تقتل في المتوسط أكثر من 600 شخص سنويا من 1999-2009، أكثر من جميع التأثيرات الأخرى (باستثناء الأعاصير) مجتمعة. يحدث الإجهاد الحراري عند البشر عندما يكون الجسم غير قادر على تبريد نفسه بشكل فعال، وعادة، يمكن للجسم أن يبرد نفسه من خلال التعرق، ولكن عندما تكون الرطوبة عالية، لا يتبخر العرق بالسرعة، مما قد يؤدي إلى ضربة شمس. من المحتمل أن تكون الرطوبة العالية ودرجات الحرارة المرتفعة ليلا من المكونات الرئيسية في التسبب في الأمراض والوفيات المرتبطة بالحرارة، خاصة بالنسبة لأولئك الذين يفتقرون إلى إمكانية الوصول إلى التبريد، وغالبا ما يكونون أشخاصا ذوي دخل منخفض. تشمل المجموعات الأخرى المعرضة بشكل خاص للإجهاد الحراري كبار السن والرضع والأطفال والأشخاص الذين يعانون من حالات صحية مزمنة والعاملين في الهواء الطلق. وترتبط الأيام الحارة أيضا بزيادة الأمراض المرتبطة بالحرارة، بما في ذلك مضاعفات القلب والأوعية الدموية والجهاز التنفسي وأمراض الكلى.
في درجات الحرارة القصوى، تتأثر جودة الهواء أيضا، حيث يمكن أن تزيد الأيام الحارة والمشمسة من إنتاج الأوزون على مستوى الأرض، وهو ملوث ضار يمثل المكون الرئيسي للضباب الدخاني، والذي يمكن أن يضر بالجهاز التنفسي ويكون ضارا بشكل خاص لأولئك الذين يعانون من الربو. بالإضافة إلى ذلك، يتطلب الاستخدام الأكبر لمكيفات الهواء مزيدا من الكهرباء ولكن يتم ذلك اعتمادا على مصدر للكهرباء تنبعث منه أنواع أخرى من التلوث، بما في ذلك الجسيمات التي لها تأثير على جودة الهواء أيضا. ويمكن أن تشكل هذه الزيادات في الأوزون والجسيمات مخاطر جسيمة على البشر، ولا سيما نفس الفئات الضعيفة المتأثرة مباشرة بالحرارة المذكورة أعلاه.
الزراعة
درجات الحرارة المرتفعة يمكن أن تضر بالزراعة، إذ يتأثر نمو النبات سلبا بارتفاع درجات الحرارة أثناء النهار وتتطلب بعض المحاصيل درجات حرارة ليلية باردة. تزيد موجات الحر أيضا من فرص تعرض الماشية للإجهاد الحراري، خاصة عندما تظل درجات الحرارة ليلا مرتفعة وتكون غير قادرة على التبريد. يمكن أن تشهد الماشية المجهدة حراريا انخفاضا في إنتاج الحليب، وتباطؤ النمو، وانخفاض معدلات الحمل.
ويمكن أن تؤدي موجات الحرارة إلى تفاقم الجفاف وحرائق الغابات، مما قد يؤدي إلى آثار سلبية على قطاع الزراعة. على سبيل المثال، تسبب الجفاف في الغرب الأميركي لعام 2021 في قيام مربي الماشية في نورث داكوتا ببيع مخزونهم بسبب نقص الأعلاف لفصل الشتاء. وقد دمرت حرائق الغابات في كاليفورنيا الأراضي الزراعية ورفعت تكلفة التأمين على المزارع.
الطاقة
تؤثر درجات الحرارة الأكثر دفئا على العديد من جوانب منظومة الطاقة، بما في ذلك الإنتاج والنقل والطلب. في حين أن ارتفاع درجات الحرارة في الصيف يزيد من الطلب على الكهرباء للتبريد، في الوقت نفسه، يمكن أن يقلل من قدرة خطوط النقل على حمل الطاقة، مما قد يؤدي إلى مشاكل مثل انقطاع التيار الكهربائي أثناء موجات الحر. بالإضافة إلى ذلك، مع ارتفاع درجة حرارة الأنهار والبحيرات، تنخفض قدرتها على امتصاص الحرارة المهدرة من محطات الطاقة. يمكن أن يقلل ذلك من الكفاءة الحرارية لإنتاج الطاقة، مما يجعل من الصعب على محطات الطاقة الامتثال للوائح البيئية فيما يتعلق بدرجة حرارة مياه التبريد الخاصة بها، ويمكن أن يؤدي إلى إغلاق المصنع.