دراسات اقتصادية

تأثيرات الأزمة المالية في لبنان وآثار خروج الأموال من القطاع المصرفي

03-Oct-2022

في الوقت الذي يشهد فيه لبنان أسوأ ازمة اقتصادية، إثر الانخفاض المستمر في سعر صرف الليرة اللبنانية، واستمرار المصارف اللبنانية في حجز أموال المودعين، أفادت "الوكالة الوطنية للإعلام" الرسمية في الرابع عشر من سبتمبر، بقيام مجموعة من المودعين باقتحام، مصرفيْن أحدهما في العاصمة بيروت والثاني في مدينة عاليه في جبل لبنان.

جاءت هذه التحركات، إثر قيام سيدة باقتحام مصرف في العاصمة بيروت للحصول على جزء من وديعتها صباح الرابع عشر من سبتمبر، وقد دفعت وزير الاقتصاد اللبناني أمين سلام للتحرك، من خلال مطالبة مجلس النواب بالإسراع في إقرار القوانين التي تحفظ حقوق المودعين، خشية الاستمرار في هذه التحركات التي تهدد أمن موظفي المصارف اللبنانية من جهة، وأمن النظام المصرفي من جهة أخرى.  

وبحسب تصريحات لوزير الاقتصاد، لإحدى القنوات التلفزيونية (الجزيرة) في الرابع عشر من سبتمبر، لفت إلى أن لبنان، يواجه حرباً شرسة من تجّار الأزمات وسارقي حقوق اللبنانيين، بحسب تعبيره. وحذّر من أن لبنان سيواجه أياماً صعبة إذا لم تقر الدولة القوانين الإصلاحية المطلوبة وتنجز اتفاقاً مع صندوق النقد الدولي.

هذه التصريحات التي سبقتها تحركات للمواطنين اللبنانيين للحصول على ودائعهم المالية، تأتي في توقيت مهم، إذ يسعى مجلس النواب اللبناني إلى تمرير مشروع موازنة العام 2022، الذي يواجه العديد من العقبات، ومن أبرزها، غياب التوافق بين النواب على بنود الموازنة، وهو ما ترجم في فشل انعقاد الجلسة التي دعا إليها رئيس مجلس النواب نبيه بري في الرابع عشر من سبتمبر، إذ لم يكتمل النصاب القانوني لعقد الجلسة.

ومن هنا تأتي أهمية هذه الدراسة، للسؤال، عن الأزمة المالية الحالية، وواقعها، ومن ثم نسعى إلى السؤال عن آثار خروج الأموال إلى خارج النظام المصرفي، وماهو حجم هذه الأموال، وأي تأثيرات لها على واقع  المصارف اللبنانية؟

واقع الأزمة المالية الحالية:

أولاً: أزمة نقدية:

تسبب فقدان الليرة اللبنانية منذ العام 2019 حوالي 95% من قيمتها مقابل الدولار الأمريكي في السوق السوداء، بحصول تضخم مفرط، تبعته تقلبات حادة وسريعة لسعر الصرف، مع تعدد في أسعار الصرف. فلايزال السعر الرسمي عند 1515 ليرة، فيما تخطى السعر في السوق السوداء  32 ألف ليرة، وابتكرت المصارف سعراً وسطياً يتراوح مابين 12 و18 ألف ليرة. 

هذا الواقع في سعر الصرف، ترافق مع غياب أو شح في العملات الصعبة، وهو ما انعكس على حجم الكتلة النقدية في لبنان، ولمواجهة ذلك، قام مصرف لبنان بطباعة المزيد من العملة اللبنانية في العام 2021، فيما حاول التدخل في النصف الأول من العام 2022، عبر إصدار تعاميم لتداول بسيط في الدولار، وضخه في السوق، وقد تكون سياسة المركز هذه نجحت إلى حد ما في التحكم بحجم الكتلة النقدية، إذ عادت قيمة هذه الكتلة للارتفاع. فخلال النصف الأول من شهر يونيو، ارتفعت قيمة الكتلة النقدية المتداولة بالليرة من 38,904 مليار ليرة لبنانيّة، إلى حدود 41,203 مليار ليرة، ما عكس زيادة في حجم هذه الكتلة بنسبة 6%، خلال فترة لم تتجاوز نصف الشهر بحسب بيانات المصرف المركزي، وتبدو هذه الخطة مفيدة، أو ناجحة من خلال زيادة حجم الكتلة النقدية، لكن هذه الأرقام، في ظل الارتفاع المستمر لسعر الدولار، تعني تضخماً في حجم الكتلة النقدية المتداولة بالليرة، بمعنى آخر، هذه السياسة التي اتبعها المصرف المركزي من خلال التدخل لزيادة حجم الكتلة النقدية، في ظل سعر صرف غير ثابت، وارتفاع سعر الدولار ليتخطى 35 ألف في شهر يونيو تحديداً، تعني حصول تضخم مفرط في لبنان، ففي ظل أزمة نقدية مثل التي يعيشها لبنان اليوم، أي زيادة في حجم السيولة بالليرة اللبنانية سيعني تلقائيّاً زيادة موازية في حجم الطلب على الدولار الأمريكي، وارتفاع أسعاره.

ثانياً: أزمة في السوق المحلي:

تأثير الأزمة النقدية على بيئة الأعمال بات واضحاً، فقد أصبح تحديد أسعار السلع والخدمات بالليرة مسألة في غاية الصعوبة، ولا سيما لدى الشركات والمؤسسات التي تقوم باستيراد السلع، وتسديد فواتيرها بالدولار، أو اليورو حتى، إذ تغير سعر الدولار بشكل يومي، أو حتى عدة مرات في اليوم الواحد، أدى إلى تغير أسعار هذه السلع، ما أدى بدوره إلى فقدان المستهلكين الثقة بالتجار بالإضافة إلى فقدانهم لقدرتهم الشرائية، فانخفض الطلب وخسرت القطاعات الاقتصادية.

لاتوجد أرقام حديثة عن حجم الخسائر الاقتصادية، ولكن من خلال تصريحات أدلى بها رئيس جمعية تجار بيروت نقولا شماس في مناسبات عديدة، فقد توقع إقفال أكثر من 75% من المؤسسات التجارية أبوابها نهائياً بعد انفجار الرابع من أغسطس 2020.

إلى ذلك، فقد زادت الأزمة النقدية من صعوبة إنجاز الشركات لمحاسبة وميزانية وموازنة دقيقة كما أدى تقلب سعر الصرف إلى انخفاض تدفق رؤوس الأموال والاستثمارات إلى لبنان وتأخير تعافي البلاد. 

ثانياً: "دولرة الاقتصاد": بعدما باتت عمليات الاستيراد والبيع وكل المعاملات التجارية التي تخص عمليات الاستيراد تتم بالدولار، حتى أن  البيع بالليرة يتم تحويله إلى الدولار إما إلى إعادة الاستيراد وإما للادخار، فقد بدأت العديد من القطاعات الاقتصادية، تطالب بدولرة الاقتصاد، أي بوضع التسعيرة بالدولار الأمريكي، والتعامل والتداول به، وهو ماقد قد تكون له انعكاسات اجتماعية، خاصة بالنسبة للفئات التي لا تتقاضى روابتها بالدولار، سواء موظفي القطاع العام، والجيش، والأمن. ففي السابع والعشرين من يوليو، قرر مصرف لبنان الطلب من مستوردي المحروقات وأصحاب المحطات في لبنان تأمين ما نسبته 15% من ثمن استيراد البنزين "بالدولار نقداً" من السوق الموازية أي السوق السوداء، حيث تسبب هذا الأمر بارتفاع جديد لأسعار البنزين، ودفع نقابة مستوردي المحروقات إلى الإعلان أن عمليات بيع المحروقات سيتم فرضها وتحصيلها بالدولار. في لبنان، يعد قطاع المحروقات من القطاعات التي كانت تحصل على دعم الدولة اللبنانية، من خلال تدخل المصرف المركزي لتأمين الدولار وشراء المحروقات، ولكن مع ارتفاع سعر البترول عالمياً، وعدم قدرة المصرف المركزي على التدخل لتأمين هذه الأموال لشراء المحروقات، ومطالبة المستوردين بتأمين الأموال من السوق، دفع هذا الأمر نقابة المستوردين إلى فرض التعامل بالدولار، وهو ما خلق أزمة جديدة في لبنان.

من جهة أخرى، فقد أعلنت وزارة السياحة في لبنان، ومن أجل تحريك القطاع السياحي بداية فصل الصيف، بأنه يمكن للمؤسسات السياحية، أن تتقاضى فواتيرها، بالدولار الأمريكي. الغاية من وراء تلك المساعي كان الحصول على الدولار من المغتربين أو من الزوار في لبنان خلال الصيف، وبحسب تصريحات المسؤولين عن القطاع السياحي، تمكنت المؤسسات السياحية من تأمين أكثر من 3 مليارات دولار بسبب "دولرة" القطاع، لكن هذا المبلغ لم يدخل بدوره إلى القطاع المصرفي، وقد أكد أمين عام اتحاد النقابات السياحية جان بيروتي، في الرابع والعشرين من أغسطس، أن قيمة العائدات السياحية بلغت 3.5 مليار دولار، لكن جزءاً كبير منها، سدد لدفع فواتير الكهرباء وشراء المحروقات، وكانت تتم أيضاً بالدولار، ما يعني أن الأموال التي تم تقاضيها بالدولار، تم تسديد جزء كبير من مصاريفها بالدولار أيضاً، وبالتالي، فهذا يشير إلى أن القطاعات الاقتصادية في لبنان بدأت باعتماد الدولار كوسيلة نقدية بدل الليرة اللبنانية.

الآثار السياسية والاقتصادية لخروج الأموال من النظام المصرفي اللبناني؟

آثار اقتصادية:

1- ارتفاع حجم السيولة النقدية بالعملة الصعبة وتحديداً الدولار خارج المصارف سواء الحكومية منها أو التجارية، وهو ما يعرف باسم "اقتصاد الكاش"، بحيث تزداد الكتلة النقدية لدى الأفراد والمؤسسات، عوضاً عن إيداعها في المصارف.

يقدر عدد من المصرفيين، بما في ذلك، البروفيسور جاسم عجاقة، وغيره من الخبراء الاقتصاديين، في ظل عدم وجود أي أرقام أو إحصاءات دقيقة،  أن قيمة الأموال الموجودة في المنازل والشركات في لبنان تقدر بأكثر من  10 مليارات دولار منها قسم كبير بالدولار والآخر بالليرة اللبنانية، وجرى سحب هذه الأموال من المصارف مع بدء الأزمة عام 2019، كما أن المواطنين الذين يتقاضون رواتبهم بالدولار يقومون بتخبئتها في المنازل بدلاً من إيداعها في المصارف.

2- خلق اقتصاد مواز: من شأن خروج الأموال من المصارف اللبنانية، التشجيع على خلق الاقتصاد الموازي، أو الاقتصاد الأسود، بحيث تمر العمليات التجارية بطرق غير شرعية، أو بمعنى أدق من دون الرقابة المالية عليها، مايفتح المجال أوسع بشكل أساس لزيادة عمليات التهريب، إذ أن الأموال الموجودة خارج الرقابة المالية، قد يتم استخدامها في أعمال غير مشروعة. صحيح أنه لا توجد أي أرقام واضحة عن استخدام هذه الأموال في عمليات التهريب، أو ما شابه، ولكن بالنظر إلى حركة الشيكات التي تمر بالنظام المصرفي في الفترة الماضية، يمكن أن نلاحظ، انخفاضاً كمياً وعددياً في قيمة الشيكات، ما قد يعزز الاقتصاد الموازي. فقد أظهرت أرقام جمعية المصارف أن قيمة الشيكات التي جرى تداولها بالعملات الأجنبيّة بين المصارف، عبر مقاصة مصرف لبنان، لم تتجاوز حدود 5.88 مليار دولار في النصف الأول من العام 2022 أي حتى شهر يونيو 2022. وبذلك، تكون قيمة الشيكات المتداولة بين المصارف بالعملة الأجنبية قد انخفضت بنسبة 48.34%، مقارنة بالنصف الأول من العام الماضي، والتي بلغت 11.38 مليار دولار وفق بيانات جميعة المصارف.

تأثيرات سياسية: 

زيادة التوترات بين السلطات اللبنانية والدول العربية، خاصة وأن بعض هذه الدول سبق وأن أودعت في المصارف اللبنانية جزءاً من احتياطاتها، ناهيك عن التوترات بسبب أموال المودعين العرب التي تم حجزها في المصارف اللبنانية، والتي قد تشكل أزمة سياسية مستقبلية.

فعلى سبيل المثال، أثار اليمن مسألة الأموال المجمدة في المصارف اللبنانية، ففي مايو 2022، تقدمت الخارجية اليمنية بطلب إلى الحكومة اللبنانية للإفراج عن أموال يمنية محتجزة لدى بنك لبناني، مخصصة لتغطية شراء السلع الأساسية في اليمن بحسب ما نقلته الصحف اللبنانية.

وذكرت وكالة الأنباء اليمنية "سبأ" أن سفير اليمن لدى لبنان عبدالله الدعيس، التقى رئيس وزراء لبنان نجيب ميقاتي، وقدم له طلباً لتوجيه الجهات المختصة بالإفراج عن بقية الوديعة الموجودة في أحد البنوك اللبنانية المخصصة لشراء السلع الغذائية.

ويقدر حجم الأموال اليمنية العالقة في البنوك اللبنانية، وفقاً لمصادر مصرفية يمنية، بنحو 250 مليون دولار أمريكي، وتستخدم في تمويل التجارة الدولية إلى اليمن، عبر اعتمادات لدى بنوك لبنانية، وتعذر سحبها بسبب القيود التي يفرضها القطاع المصرفي في لبنان جراء تصاعد الأزمة المالية والاقتصادية. 

إلى ذلك، تحركت المملكة الأردنية، من خلال مذكرة تقدم بها عدد من النواب في شهر أغسطس، إلى الحكومة يطالبونها بالتدخل لإعادة ودائع من قبل أفراد ومؤسسات وشركات أردنية ومودعة لدى البنوك والمصارف اللبنانية التي باتت تحت حكم المجمدة. ووفق المذكرة، يصل حجم الأموال الأردنية ما مجموعه 1.200 مليار  دولار.  فيما يقدر خبراء في العراق، أن قيمة أموال العراقيين التي تم إيداعها في المصارف اللبنانية تتراوح مابين 16 و18 مليار، وهو ما لفت إليه مدير مركز "كلواذا" للدراسات باسل حسين، عبر حسابه على تويتر في أبريل الماضي.  ومع استمرار الأزمة الاقتصادية وتداعياتها على القطاع المصرفي، فمن المرجح أن تزيد من حدة التوتر بين لبنان وبين الدول العربية.

-زيادة نفوذ حزب الله: يساعد خروج الأموال من المصارف اللبنانية، وتخبئتها في المنازل أو الشركات، في تقوية نفوذ حزب الله، وبالتالي تحكمه مستقبلاً بإدارة القطاع المصرفي. وبحسب دراسة صادرة في العام 2020، بعنوان: "مشروع حزب الله للسيطرة على الاقتصاد والقطاع المصرفي اللبناني" ونشرتها وكالة المركزية، توقعت حينها أن يسعى حزب الله إلى استغلال خروج الأموال من المصارف للاستفادة منها، من خلال طرح مشاريع اقتصادية وإنتاجية للبنانيين، وبالتالي، يسيطر حزب الله على الكتلة النقدية المالية خارج المصارف، ليخلق ما يشبه نظامه المصرفي. وفي العام 2022، ظهر أن نتائج تلك الدراسة بدأت تترجم فعلياً، إذ سعى حزب الله خلال العامين الماضيين إلى استغلال الأزمة المالية، لخلق نظام مصرفي مواز يديره، ويقوم هذا النظام على أساس إدخال الكتلة النقدية الموجودة في السوق ضمن مؤسساته، سواءً من خلال عمليات تبادل تجاري، أو حتى من خلال تشجيع اللبنانيين على إيداعها في مؤسساته المالية، ومن أهمها مؤسسة القرض الحسن. فقد نشرت العديد من التقارير، ومنها تقرير لموقع Independent arabia الناطق باللغة العربية في أكتوبر 2021، كيف أن حزب الله بدأ بمد وتركيب أجهزة صرف آلي في مناطق عديدة تخضع لسيطرته، بهدف جذب الناس إلى مؤسساته المالية ، وبالتالي يستفيد حزب الله من الاحتياطي النقدي غير الرسمي. فاستقطاب هذه الأموال وتشغيلها، يفيد الحزب في استراتيجيته المستقبلية، من خلال تنويع الأدوات المالية لتمويل نفسه، دون الحاجة إلى الدعم الإيراني، في حال لم ترفع العقوبات، أو تعثرت المفاوضات، وبالتالي لا تتأثر أليات تمويله.

ماهي التأثيرات على واقع المصارف اللبنانية نفسها؟

1- فقدان الثقة بالنظام المصرفي اللبناني، وهو أزمة قد لا تكون تبعاتها قصيرة المدى، بل قد تمتد لسنوات، على اعتبار أن فقدان الثقة في المصارف، سيؤدي إلى تآكل السيولة المالية فيها، ما يجبرها إما على الاندماج أو الدخول في عمليات استحواذ، أو حتى إعلان الإفلاس، وبالتالي فالاتجاه نحو أي من هذه السيناريوهات، قد يؤدي إلى تغير في الهيكلية العامة لعمل القطاع المصرفي اللبناني. فمن شأن عملية الاستحواذ أو الاندماج، أن تؤدي إلى تقليص عدد المصارف العاملة في لبنان، مايعني غياب التنافسية، وتصبح آلية العمل المصرفي في لبنان، قائمة فقط على الأعمال البدائية، أو البسيطة، بما في ذلك عمليات الائتمان، الإيداع، وما لذلك، وتبتعد المصارف عن دورها في المطلوب في الدورة الاقتصادية. ومن جهة أخرى، فإن فقدان الثقة، يزيد المخاوف من ألا تتمكن البنوك من مساعدة الحكومة على تمويل سندات الدين، أو حتى تمويل العمليات التجارية التي تقوم بها الدولة مع المؤسسات أو الشركات العالمية. ونتيجة لخروج الأموال من المصارف اللبنانية، فقد تتأزم العلاقات أكثر مابين الجانب اللبناني والخليجي، خاصة إن تغيرت هيكلية المصارف، من خلال عمليات الاستحواذ، أو الدمج، إذ لا تقتصر مساهمة الخليجيين في المصارف اللبنانية على الإيداعات وحسب، بل هم أيضاً، مساهمون ومستثمرون وأعضاء بمجالس إدارة لمصارف عديدة . وبالتالي فإن الحديث عن إعادة هيكلة القطاع المصرفي، وتوقف الدولة عن دفع سندات الدين الأجنبية، سيكون له تأثيرات على أموال المساهمين الخليجيين في المصارف اللبنانية.

2- تأثر علاقة المصارف اللبنانية مع المصارف المراسلة الأجنبية، وبالتالي الابتعاد تدريجياً عن النظام المالي العالمي. وتعد المصارف المراسلة الأجنبية صلة الوصل الوحيدة التي يعتمد عليها لبنان للتواصل مع النظام المالي العالمي، ما يعني أن خروج الأموال من المصارف اللبنانية، وفقدان الثقة بها سواء محلياً أو دولياً، سيؤدي إلى ابتعاد أو خروج المصارف المراسلة من التعامل مع المصارف اللبنانية. فقد أطلق محافظ البنك المركزي رياض سلامة العديد من التحذيرات حول خروج المصارف المراسلة من لبنان، وتقليص علاقاتها التجارية. ويذكر أن العديد من المصارف الأجنبية بما في ذلك، مصرف HSBC البريطاني قد قلص التعامل مع لبنان بحسب تقرير لوكالة Reuters في أبريل 2021، كما نقلت Reuters عن مصادر خاصة بها في العام 2021، أن مصارف أخرى، بمافي ذلك، بنك أوف أمريكا ودويتشه بنك، من بين البنوك التي قلصت أنشطتها مع البنوك اللبنانية في مجالات مثل المدفوعات عبر الحدود وخطابات الاعتماد. 

التوقعات:

أمام هذه الأزمة الاقتصادية، وفي ظل عدم تواصل اللبنانيين مع صندوق النقد الدولي لوضع أي برنامج عملي لإنقاذ لبنان، ناهيك عن غياب المساعدات الدولية، فمن المرجح أن يشهد لبنان وحتى نهاية العام الجاري ما يلي:

أولا: زيادة في معدلات التضخم المالي. إذ أن سعر الصرف، سيبقى غير ثابت أو مستقر، لابل حتى من المتوقع أن يشهد مزيداً من التأزم، وأن يرتفع سعر الصرف لمستويات أعلى قد تصل إلى 40 ألف ليرة، وذلك لأن لبنان مقبل على استحقاق سياسي مهم، يتعلق بانتخاب رئيس للجمهورية. الخوف في هذه المرحلة، ليس من الدخول بفراغ سياسي، كما حصل مراراً، مع عدم توافق النواب على انتخاب رئيس، بل يكمن في إمكانية عدم تسليم الرئيس الحالي ميشال عون الحكم لحكومة تصريف أعمال. ففي التاسع من سبتمبر الجاري، صرح رئيس الجمهورية، بأنه إذا تعثر انتخاب الرئيس وتشكيل الحكومة الجديدة، فإن هذه الحكومة برئاسة ميقاتي أو حكومة تصريف الأعمال غير مؤهلة لتسلّم صلاحياته بعد انتهاء ولايته، لافتاً إلى أنها لا تملك الشرعية الوطنية للحلول مكان رئيس الجمهورية.

وأشار إلى علامة استفهام تحيط بخطوته التالية في حال لم يتم تشكيل حكومة جديدة قبل 31 أكتوبر المقبل، وبالتالي فمن غير المستبعد أن يشهد سوق الصرف في لبنان المزيد من التأزم في الفترة المقبلة.

ثانياً: أمام العمليات الفردية التي يقوم بها مواطنون للحصول على ودائعهم، واستخدام الأسلحة والتهديد كما حصل في الأيام الماضية، فمن غير المستبعد أن يلجأ المصرف المركزي إلى إصدار تعاميم جديدة، من أجل ضخ المزيد من الدولار في السوق، أو السماح للمودعين بالحصول على جزء من أموالهم. ففي العام 2021، أصدر المصرف المركزي إمكانية الحصول على مبالغ بسيطة من الودائع المالية كالحصول على 400 دولار شهرياً، لكنه ربط ذلك، بالحصول أيضاً على أموال مودعة بالدولار بالليرة اللبنانية وبسعر الصرف، ما يعني خسارة لأموال المودعين.

ثالثاً: أزمات اجتماعية قد تتفاقم، وهو ما يحذر منه عدد من الوزراء، بسبب الوضع المعيشي، ومن غير المستبعد أن نشهد أيضاً أزمات مع اللاجئين والنازحين السوريين، في ظل التصعيد اللبناني سواء على المستوى الرسمي أو الديني أو الشعبي لعودة النازحين.

ففي التاسع من سبتمبر، حذر رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية نجيب ميقاتي، في رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، من خروج أزمة النزوح السوري عن السيطرة في ظل الوضع الصعب في لبنان.

فيما حذر البطريريك الماروني بشارة الراعي في الثاني عشر من سبتمبر، من إمكانية حصول حرب ثانية ضد النازحين السوريين في لبنان، إذ لم يغادروا لبنان. وقال البطريرك بشارة الراعي في حديث موجه للسوريين: "فُرضت عليكم الحرب الأولى، ولكن إن لم تعودوا إلى منازلكم فأنتم تفرضون على أنفسكم الحرب الثانية، ولا يمكنكم البقاء على حساب لبنان". ما يعني أن الأزمات في لبنان، قد تتحول أيضاً إلى أزمات أو حروب مع الفئات الأضعف خاصة النازحين في لبنان.



1.2K