آفاق تعليق إيران التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية

استشرافات

آفاق تعليق إيران التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية

08-Jul-2025

تصاعدت حدة الخلافات بين إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية، بعد أن صادق الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، في 2 يوليو/ تموز الجاري، على القانون الذي أصدره مجلس الشورى الإسلامي (البرلمان) ووافق عليه مجلس صيانة الدستور، ويقضي بتعليق التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية (الشرق الأوسط، 4 يوليو/تموز 2025). وقد كان ذلك هو أحد الأسباب التي دفعت الوكالة إلى إصدار تعليمات لمفتشيها، بعد ذلك بيومين، من أجل مغادرة إيران، رغم أن ثمة اعتبارات أخرى كان لها دور في هذا السياق وصفتها الوكالة بأنها "اعتبارات أمنية" (روسيا اليوم، 4 يوليو/تموز 2025)، في إشارة إلى المدى الذي وصل إليه التوتر بين الطرفين.

الوكالة جزء من المشكلة

هذا التوتر يعود، في قسم منه، إلى أن إيران باتت ترى أن الوكالة جزء من المشكلة وليست جزءاً من الحل، بعد أن اعتبرت أن التقرير الذي أصدرته الوكالة بشأن الأنشطة النووية التي تقوم بها مهد المجال أمام صدور قرار مجلس محافظيها، في 12 يونيو/حزيران الفائت، والذي أدان عدم التزامها بتعهداتها النووية (سويس انفو، 12 يونيو/حزيران 2025)، وهو القرار الذي استغلته إسرائيل لشن الحرب ضدها بعد ذلك بيوم واحد، حيث روجت إلى أن هذه الحرب تهدف إلى حماية العالم من "خطر وجودي" يفرضه تطور البرنامج النووي الإيراني.

ملفات مترابطة

لكن، ربما لا يمكن حصر أسباب التوتر بين إيران والوكالة في الاتهامات التي توجهها الأولى إلى الثانية بالمسؤولية عن اندلاع الحرب أو بمعنى أدق منح إسرائيل الفرصة لشنها. إذ أن ثمة أسباباً أخرى دفعت إيران إلى اتخاذ هذه الخطوة التصعيدية، يتمثل أبرزها في عدم منح الفرصة للوكالة لتقييم النتائج التي أسفرت عنها الضربات العسكرية الإسرائيلية والأميركية ضد منشآتها النووية، وتحديداً المفاعلات الثلاثة: فوردو ونطنز وأصفهان.

ورغم أن وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي أقر، في حواره مع شبكة "سي بي إس نيوز" الأميركية، في 2 يوليو/ تموز الحالي، بأن المفاعلات الثلاثة تعرضت لأضرار جسيمة بفعل تلك الضربات (مونت كارلو الدولية، 2 يوليو/حزيران 2025)، إلا أن إيران ما زالت حريصة على عدم السماح بالوصول إلى نتائج دقيقة لما جرى بالفعل، خاصة على صعيد تأثير تلك الضربات على كميات اليورانيوم المخصب بنسب مختلفة والتي أنتجتها قبل الحرب، والتي كانت تصل إلى أكثر من 9 أطنان، منها ما يزيد على 400 كيلو جرام من اليورانيوم المخصب بنسبة 60%، وهى الكمية الأهم في هذا الصدد، باعتبار أنها الأقرب إلى النسبة اللازمة لإنتاج القنبلة النووية.

ويتصل ذلك، من دون شك، بإصرار طهران على التمسك بروايتها الخاصة بنجاحها في نقل المواد النووية من المفاعلات التي استهدفت إلى منشآت نووية أخرى غير معلنة. وهنا، يبرز قرارها بتعليق التعاون مع الوكالة مجدداً، حيث أنها لا ترغب في أن تمنح الفرصة للأخيرة من أجل الوصول إلى هذه المنشآت، أو التعرف على حقيقة الرواية الإيرانية الخاصة بنقل المواد النووية ومدى مصداقيتها، وهو المتغير الذي سيكون له تأثير مباشر في تحديد اتجاهات الصراع بين إيران من جهة وكل من الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل من جهة أخرى.

سيناريوهات ثلاثة

على ضوء ذلك، يمكن القول إن ثمة سيناريوهات ثلاثة محتملة يمكن أن تتجه العلاقة بين إيران والوكالة إلى أحدها خلال المرحلة القادمة:

السيناريو الأول، يتمثل في اتساع نطاق التصعيد بين الطرفين، خاصة أن إقدام طهران على تعليق التعاون مع الوكالة قد يدفع الدول الغربية إلى اتخاذ خطوة تصعيدية مضادة. وهنا، فإن هذه الخطوة المتوقعة تتصل بالمطالبة بتفعيل "آلية الزناد" أو Snapback، والتي تقضي بإعادة تطبيق العقوبات الدولية التي فرضها مجلس الأمن الدولي على إيران بمقتضى ستة قرارات دولية، قبل أن تصل الأخيرة إلى الاتفاق النووي مع مجموعة "5+1" في 14 يوليو/تموز 2015، والذي قضى بتعليق تلك العقوبات.

ويبدو ثمة مُحفِّزات أخرى لهذا التصعيد، منها تفاقم الخلافات بين إيران وبعض الدول الأوروبية، ولا سيما فرنسا، خاصة بعد أن قامت الأولى، في 3 يوليو/تموز الجاري، بتوجيه اتهامات بالتجسس لصالح جهاز "الموساد" الإسرائيلي ضد فرنسيين اثنين اعتقلتهما قبل ثلاث سنوات، على نحو دفع الثانية إلى التهديد بالتوجه نحو تفعيل "آلية الزناد" في حالة عدم إطلاق سراحهما. (دويتشه فيله، 3 يوليو/تموز 2025)

ومن دون شك، فإن إعادة تطبيق العقوبات الدولية سوف ترتب عواقب أصعب على إيران، التي تعاني بدورها من التداعيات السلبية التي فرضتها العقوبات الأمريكية منذ إعادة تطبيقها في 7 أغسطس/آب 2018 عقب الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي في 8 مايو/آيار من العام نفسه، خاصة على مستوى تخفيض صادراتها النفطية ومنعها من الانخراط في التعاملات المصرفية والتجارية الدولية.

والسيناريو الثاني، وهو سيناريو مرتبط، جزئياً، بالسيناريو الأول، وينصرف إلى انسحاب إيران من معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، وهي الخطوة التي قد تمثل رداً، في هذه الحالة، على إعادة تطبيق العقوبات الدولية عليها مجدداً. وهنا، يمكن القول إن هناك دعوات بدأت تبرز في إيران وتشجع على اتخاذ تلك الخطوة، حتى من دون أن تكون رداً على تفعيل "آلية الزناد". ففي رؤية المؤيدين لهذه الخطوة، فإنها تمثل الرد الأهم والأكثر تأثيراً على الحرب التي شنتها إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية ضدها، والتي تخللتها ضربات عسكرية مكثفة لمنشآتها النووية.

لكن إيران ربما تفكر أكثر من مرة قبل أن تقدم على تنفيذ هذا السيناريو. إذ أنه سوف ينتج عواقب وخيمة عليها، يأتي في مقدمتها تعزيز احتمالات انخراطها في حرب جديدة مع واشنطن وتل أبيب، اللتين سوف تعتبران أن ذلك معناه مباشرة توجه إيران إلى امتلاك القنبلة النووية. ورغم أن إيران تؤكد باستمرار جهوزيتها لهذا الاحتمال، حيث ما زالت تمعن في توجيه تهديدات مباشرة إلى الطرفين بأن الجولة القادمة سوف تكون كلفتها أعلى بكثير، إلا أنها تبدو حريصة بدورها على تجنبه، لا سيما في ظل التداعيات التي فرضتها حرب الإثنى عشر يوماً عليها.

والسيناريو الثالث، يتعلق بالوصول إلى تسوية للخلافات العالقة بين إيران والوكالة، وهى تسوية قد تكون مشروطة باحتمال إجراء مفاوضات جديدة بين إيران والولايات المتحدة الأميركية تساعد في إنجاز صفقة سوف تفرض دوراً لا يمكن تجاهله للوكالة من أجل التحقق من التزامات إيران فيها. وهنا، كان لافتاً أن إيران ربما تحسبت لهذا السيناريو، عندما وضعت في القانون بنداً يتيح للمجلس الأعلى للأمن القومي سلطة تنظيم العلاقة مع الوكالة.

وهنا، فإن ذلك معناه أن إيران ورغم خلافاتها المتصاعدة مع الوكالة والدول الغربية، إلى جانب إسرائيل، لم تستبعد احتمال الوصول إلى صفقة تنهي هذه الخلافات وتقلص من احتمال اتجاه الأخيرة مجدداً إلى استخدام الخيار العسكري، وهو احتمال لا يمكن استبعاده في حالة ما إذا اتجهت إيران مرة أخرى إلى إعادة تطوير برنامجها النووي.

في النهاية، يمكن القول إن تحقق أي من هذه السيناريوهات الثلاثة سوف يعتمد على متغير أساسي هو مدى إمكانية إجراء مفاوضات جديدة بين إيران والولايات المتحدة الأميركية. فهذه المفاوضات المحتملة هي التي سوف تحدد ما إذا كان من الممكن العودة إلى تعزيز التعاون بين إيران والوكالة، وبالتالي إبعاد شبح تجدد الحرب مرة أخرى، أو الانخراط في مرحلة جديدة من الخطوات التصعيدية والخطوات المضادة التي يمكن أن تنتهي بالعودة إلى استخدام القوة، على نحو سوف ينتج تداعيات وخيمة على أمن واستقرار منطقة الشرق الأوسط.   

68