مقالات تحليلية

المعارك تتواصل في العاصمة السودانية ومخاوف من حصار كامل

07-Jun-2023

هزّ دوي الانفجارات وأصوات الاشتباكات جدران المنازل في الخرطوم الثلاثاء مع تواصل المعارك بين الجيش وقوات الدعم السريع، وفق ما أفاد شهود وكالة فرانس برس، متخوّفين من وقوع سكان في العاصمة السودانية تحت "حصار كامل".

وللأسبوع الثامن على التوالي، تتواصل المعارك بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو، مع تحذير منظمات الإغاثة من "أزمة إنسانية هائلة" في السودان.

وأفاد سكان في العاصمة بوقوع "اشتباكات بكل أنواع الأسلحة" في جنوب الخرطوم شملت منطقة الكلاكلة وشارع الهواء، متحدثين عن سماع "أصوات انفجارات اهتزت لها جدران المنازل". وتحدث شهود عن اشتباكات في حيي العمارات والديم وسط العاصمة، وسماع قصف "بالمدفعية الثقيلة من مراكز للجيش" في أم درمان (شمال غرب).

وفي ضاحية بحري (شمال)، أفاد شهود عن نزول "العشرات" للاحتجاج على تواصل أعمال العنف من دون أي أفق للحلّ، وهتفوا ضد البرهان ودقلو المعروف بـ"حميدتي" ونعتوا كلّا منهما بـ"القاتل". وفي وسط العاصمة، دقّ مدنيون وناشطون ناقوس الخطر بشأن وضع جزيرة توتي الواقعة عند ملتقى النيل الأبيض والأزرق، والتي يقدّر بأن عدد المقيمين فيها يتجاوز ثلاثين ألف نسمة.

وأوضح شهود أن قوات الدعم منعت سكان الجزيرة من عبور الجسر الوحيد الذي يربطها بالمدينة وحالت دون استخدامهم قوارب العبور إلي ضاحية بحري. وقال محمد يوسف الذي يقطن في الجزيرة "هذا حصار كامل. إذا استمر لأيام ستنفد المواد الغذائية من المتاجر". وأضاف لفرانس برس "أصبح من غير الممكن نقل أي مريض إلى مستشفى خارج الجزيرة" التي يخدمها مركز صحي صغير.

وحذّر "محامو الطوارئ" من "تفاقم الوضع" الإنساني في الجزيرة، مشيرين الى أن التضييق عليها بدأ منذ أيام. وأوضحت المجموعة التي تشكلت خلال احتجاجات ديسمبر 2018 ضد الرئيس السابق عمر البشير، أن قوات الدعم تمنع "خروج الحالات المرضية والحرجة والوصول للمستشفى"، وتقوم "بإطلاق النار على كل من يقترب من النيل" في محاولة لمغادرة الجزيرة.

وحذّرت في بيان من "تفاقم الوضع الانساني في توتي حيث نفدت المواد الغذائية والأدوية من الصيدليات والدقيق من المطاحن مما ينذر بكارثة إنسانية تتحمل عواقبها قوات الدعم السريع التي تحاصر المنطقة".

أسفرت المعارك التي اندلعت في 15 أبريل، عن مقتل أكثر من 1800 شخص، وفق مشروع بيانات مواقع النزاع المسلح وأحداثها. إلا أن الأرقام الفعلية للضحايا قد تكون أعلى بكثير، بحسب وكالات إغاثة ومنظمات دولية. وقد عانى المقيمون في العاصمة والذين يقدّر عددهم بزهاء خمسة ملايين نسمة، كغيرهم من سكان البلاد، من تراجع حاد في مستوى الخدمات والمواد الغذائية منذ بدء النزاع. وتشير التقديرات الى أن مئات الآلاف منهم تركوا الخرطوم.

وتسببت الحرب بنزوح أكثر من مليون ونصف المليون شخص، بينهم 425 ألفا لجأوا الى الدول المجاورة. تؤكد الأمم المتحدة أن 25 مليون شخص، أي أكثر من نصف عدد سكان السودان، باتوا الآن بحاجة للمساعدة والحماية.


نقص كبير ومعاناة شديدة

ولم يفِ طرفا القتال بتعهدات متكررة بوقف إطلاق النار يتيح للمدنيين الخروج من مناطق القتال أو توفير ممرات آمنة لإدخال مساعدات إغاثية. تكرر المنظمات الإنسانية التحذير من خطورة الوضع الإنساني في السودان الذي كان يعدّ من أكثر دول العالم فقرا حتى قبل اندلاع المعارك الأخيرة.

وطالت المعارك الأخيرة على وجه الخصوص الخرطوم وإقليم دارفور (غرب) الذي يعاني بدوره من نزاع بدأ عام 2003. في نيالا مركز ولاية جنوب دارفور، أفاد أطباء فرانس برس بنقص في الأجهزة والأدوية الأساسية بما يشمل المسكنات والمعقّمات والمضادات الحيوية.

وقال الطبيب آدم محمد من مستشفى ميداني "ثمة نقص كبير ومعاناة شديدة". ن جهته، أكد نائب المدير الإقليمي في إفريقيا للاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر بيير كريمر "نحن نواجه أزمة إنسانية هائلة تزداد سوءًا مع انهيار الاقتصاد، ونظام الرعاية الصحية". حذّر في تصريحات للصحافيين بجنيف من أن التحديات ستزيد مع "اقتراب موسم الفيضانات، وأزمة الجوع التي تلوح في الأفق وتفشي الأمراض التي قد تصبح حتمية أكثر".

ويبدأ في يونيو موسم الأمطار في السودان، وحذّر عاملون في المجال الطبي والإغاثي من أنه قد يعزل أجزاء من البلاد ويزيد من خطر تفشي أوبئة وأمراض مثل الملاريا والكوليرا.

وكان مكتب بعثة الأمم المتحدة المتكاملة لدعم المرحلة الانتقالية في السودان (يونيتامس) حذّر الإثنين من أن الوضع في العاصمة السودانية ومحيطها "لا يزال... مبعث قلق كبير". كما أشار الى أن الأوضاع في إقليم دارفور غربيّ البلاد "تستمر في التدهور"، مؤكدا أن مسؤولي حقوق الإنسان "يوثقون حاليا عشرات الحوادث، بما في ذلك القتل والاعتقالات وحالات الاختفاء المحتملة والهجمات على المستشفيات والعنف الجنسي وغيرها من الانتهاكات الجسيمة ضد الأطفال، التي ارتكبتها أطراف النزاع".

وعلى رغم إبرام الطرفين أكثر من هدنة خلال الفترة الماضية، لكنهما دائما ما تبادلا الاتهامات بخرق كل منها. وشهد الأسبوع الماضي تعليق مباحثات استضافتها مدينة جدّة بوساطة سعودية-أميركية بعد انسحاب الجيش منها. الا أن السعودية والولايات المتحدة  دعتا الأحد للعودة إلى طاولة المفاوضات للتوصل إلى وقف إطلاق نار جديد.

والثلاثاء، أفاد مجلس السيادة السوداني عن تلقي البرهان اتصالا هاتفيا من وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان. وبينما أكد البرهان "الثقة في منبر جدة بما يقود إلى سلام مستدام"، جدد ضرورة "التزام المتمردين بالخروج من المستشفيات والمراكز الخدمية ومنازل المواطنين واخلاء الجرحى وفتح مسارات تقديم المساعدات الإنسانية حتى يحقق منبر جدة نجاحه". ويأتي ذلك بعد يومين من إعلان قوات الدعم تلقي دقلو اتصالا من بن فرحان، أكد فيه أيضا "دعمنا لمنبر جدة".

54