مقالات تحليلية

فهم طبيعة وحدود الصراع الباكستاني الهندي

08-May-2025

بعد أسابيع من التوتر بين الجارتين، أطلقت الهند صواريخ على باكستان والشطر الخاضع لسيطرتها من كشمير، مما زاد من احتمالية اندلاع مواجهة عسكرية شاملة بين الجارتين النوويتين في جنوب آسيا. وأعلن الجيش الهندي أنه نفذ الضربات ردا على هجوم شنه مسلحون في الشطر الهندي من كشمير، أسفر عن مقتل 26 سائحا هندوسيا، وهو أعنف هجوم عنف ضد المدنيين الهنود منذ هجمات مومباي عام 2008.  ألقت الهند باللوم على لشكر طيبة تلك الجماعة المسلحة التي تتخذ من باكستان مقرا، متهمة إسلام آباد بدعمها ضمنيا، وهو اتهام تنفيه باكستان باستمرار. 


مسرح الأحداث الأخيرة

يقع مسرح الأحداث الأخيرة في كشمير ذات الأغلبية المسلمة المتنازع عليها بين الهند وباكستان، حيث تسيطر كل منهما على أجزاء من المنطقة يفصل بينها الحدود الفعلية المعروفة بخط السيطرة. وقد خاضت الدولتان حروبا حوله في أعوام 1947 و1965 و1971 و1999، فهل تبدأ حرب جديدة بين البلدين؟

ترى أبارنا باندي، مديرة مبادرة الهند في معهد هدسون بواشنطن، أن السيناريو الجاري تكرر من قبل، فكل بضع سنوات، يقع هجوم إرهابي داخل الهند، يرتبط دائما بجماعة إرهابية مقرها باكستان، ويتصاعد التوتر ثم يخمد. ومنذ عام 2016 اختارت الهند سياسة عدم ضبط نفسها إزاء أي اعتداء، ولكن عادة ما يتدخل المجتمع الدولي لتهدئة التوترات. ويقول أميت رانجان، الباحث في معهد دراسات جنوب آسيا بجامعة سنغافورة الوطنية، إنه في حرب كارجيل عام 1999 بين الهند وباكستان، اقتصر القتال في الغالب على المناطق الجبلية، لذا كانت الخسائر المدنية ضئيلة. ولكن بالنظر إلى مقتل مدنيين باكستانيين بالفعل، يبدو أن السيناريو مختلف هذه المرة، فعندما تقع خسائر في صفوف المدنيين، يصبح من الصعب عدم الرد. (ABC News: 7 May 2025)

 

دور التحالفات الاستراتيجية

ويبدو أن التحالفات الاستراتيجية ستلعب دورا مهما في هذا الصراع، للتهدئة في المقام الأول، أو بالدعم اللوجيستي في حالة نشوب حرب موسعة إذا تطلب الأمر. حتى الآن طالبت دول، منها الهند والولايات المتحدة، باكستان بالتوقف عن استخدام أراضيها كقاعدة للجماعات الإرهابية، وهو الأمر الذي تنفيه الحكومة الباكستانية منذ سنوات، حتى أنها اتهمت الهند من قبل برعاية ما يسمى الإرهاب المدعوم من الدولة. (VOA News: 23 June 2023)، لكن كافة التدخلات الأجنبية حتى الآن لم تتعد التصريحات الدبلوماسية عبر وسائل الإعلام المختلفة، وافتقرت إلى مباحثات جادة لحل النزاع المستمر بين البلدين.

 

اللعب بكافة الأوراق

تحاول كلتا الدولتان اللعب بكافة الأوراق لإدارة الصراع الجاري وفقا لمصالحها، وأعلن الجانبان عن عقوبات دبلوماسية عقابية شاملة، بما في ذلك إلغاء تأشيرات مواطني كل منهما. وحذر رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي من أن المياه التي تتدفق من الهند إلى الدول المجاورة بما في ذلك باكستان سوف تتوقف، وذلك بعد أيام من تعليق معاهدة مياه نهر السند لعام 1960 مع إسلام أباد، بسبب ما تزعم أنه دعم باكستان المستمر للإرهاب عبر الحدود. إضافة إلى ذلك، طردت الهند العديد من الدبلوماسيين الباكستانيين. وفي إطار إجراءات عقابية أوسع نطاقا، أُغلقت حدود أتاري-واجاه، مما أدى فعليا إلى قطع التجارة البرية وزاد من توتر العلاقات الثنائية. (The Times: 27 April 2025)

ردا على ذلك، أعلنت باكستان هي الأخرى سلسلة من الإجراءات المضادة، فعلقت العمل باتفاقية شيملا لعام ١٩٧٢، التي كانت تُشدد على الحل السلمي للنزاعات الثنائية. كما أغلقت مجالها الجوي أمام الطائرات الهندية، وأوقفت جميع التعاملات التجارية معها، وطردت الدبلوماسيون الهنود، وتم تقليص عدد موظفي المفوضية العليا الهندية في إسلام آباد بشكل كبير، مما عمق الخلاف بين البلدين. (The Hindu: 7 May 2025)

 

التوازن العسكري

على الصعيد العسكري، تمتلك الدولتان ترسانات نووية متقاربة، حيث تمتلك الهند 172 رأسا نوويا وباكستان 170 رأسا. قال ديريك غروسمان، محلل الشؤون الدفاعية في مؤسسة راند، إن هناك احتمال، وإن كان ضئيلا، أن تُدخل هذه المناوشات المتصاعدة بعض القوى العظمى في صراع بالوكالة أيضا، حيث تستفيد الهند من المساعدات الروسية في شكل أسلحة دفاعية. وفي الوقت ذاته تتمتع بعلاقة قوية مع الولايات المتحدة، التي تعهدت بتقديم الدعم أيضا. كما أن الصين هي أقرب شريك استراتيجي لباكستان. (ABC News: 7 May 2025)

إن الأمر الذي يجب أن يؤخذ في الاعتبار أثناء تقييم الموقف واستشراف مستقبله، أن باكستان تواجه حاليا تحديات اقتصادية جسيمة قد تعيق أي جهد حربي تقليدي تفكر في اتخاذه، وذلك مع تحذيرات شديدة من وكالة موديز للتصنيف الائتماني من أن استمرار الصراع مع الهند سيضر بنموها الاقتصادي فيصبح أكثر تضررا وهو ما لا تريده إسلام أباد. وفي المقابل، لم تتوقع موديز عواقب اقتصادية كبيرة على الهند باستثناء تأثير زيادة الإنفاق الدفاعي على الوضع المالي للحكومة. (Moodys: 5 May 2025)

 

القوة النووية

ومع أن كلتا الدولتين قوتان نوويتان، فمن غير المرجح أن تلعب الأسلحة النووية أي دور مباشر في هذه الأزمة، لكنهما لا يخشيان حتى الوقت الراهن نشر مستويات كبيرة من القوة العسكرية التقليدية ضد بعضهما البعض. ونظرا لقربهما بحكم الجوار، فلا يمكن استبعاد ديناميكيات التصعيد التي قد تتزايد بسرعة. ومع ذلك من المرجح أن تحاول باكستان استغلال هذا الوضع، متذرعة بمثل هذه السيناريوهات لممارسة ضغط دبلوماسي دولي على الهند. ومع أن هذا الإجراء نجح في صراعات سابقة، ولكن مع تصاعد التوترات عالميا، من غير المرجح أن تبدي القوى الأجنبية نفس القدر من الاهتمام بتهدئة الطرفين.

 

استبعاد التصعيد

وعلى الرغم من احتمالات التصعيد، لكننا نستبعده بشكل كبير خلال الأزمة الحالية، فمع وجود موانع اقتصادية كبيرة لدى باكستان، فإن الصين لن تقف ساكنة تجاه احتمالات نشوب حرب موسعة بين البلدين، فمصالحها الاقتصادية سوف تتهدد بشكل مباشر، ومن المؤكد أن بكين ستلعب دورا مهما من أجل خفض التصعيد، حيث أنها أكبر مستثمر في باكستان بلا منازع، بمشروع الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني الذي تبلغ قيمته 65 مليار دولار ويمتد بطول البلاد، وتم تشييد بنية تحتية له قد تتعرض للتدمير إذا نشبت حرب موسعة بين البلدين وهو ما لا تريده الصين. في الوقت نفسه، لبكين أيضا مطالب حدودية متعددة متنازع عليها مع الهند، إحداها في الجزء الشمالي الشرقي من منطقة كشمير، لكنها لا ترغب في تحريكها بسبب مشروعاتها الاقتصادية المنتشرة في المنطقة، ولذلك ستكون الوساطة الصينية مقبولة لدى الطرفين بشكل أو بآخر.

 

اتجاهات الصراع

إن مسار الصراع الدائر حاليا يعتمد على نطاق وطبيعة ردود فعل باكستان على الضربات الهندية، وهل اكتفت بردها المحدود لإرضاء جماهيرها المحلية وتقبل خفض التصعيد. يدعم هذا الطرح ما تداولته وسائل الإعلام الباكستانية حول أنباء إعادة فتح المطارات في عدة مدن رئيسية بعد الضربات الهندية. حيث ذكرت أن مطارات إسلام آباد ولاهور وكراتشي عادت للعمل بعد توقف حركة الطيران طوال الليل. وبالتالي فإنها بذلك ترفع القيود المفروضة على الحركة الجوية فوق البلاد.

 

 

حدود الأزمة

على أية حال، ليس من الواضح إلى متى ستستمر هذه الأزمة. ويبدو أن لدى كلا الجانبين حافز واضح لضمان عدم التصعيد. وعلى الرغم من كافة السيناريوهات المتشائمة، لكننا نرى أن القيادة الباكستانية أظهرت قدرا معقولا من النضج لإبقاء الصراع محدودا ومنعه من الخروج عن السيطرة تماما. يمكننا توقع بعض الضربات الانتقامية من كلا الطرفين، لكن كل من القيادة السياسية الهندية والباكستانية تُدرك حدود هذا الصراع تحديدا، ولا تستطيع أي منهما تصعيده إلى مستوى نووي. كما أنه من المستبعد جدا أن يعمد الجانبان إلى تصعيد الأزمة الحالية إلى سلسلة طويلة من الاشتباكات التقليدية، نظرا للتحديات السياسية والاقتصادية المحلية التي تواجه كل منهما.

42